فصول مُنتخبة من العهد الجديد للقديس اغسطينوس- متى 8

“لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي… الخ”

(مت 8: 8)”

“لأنه إن رآك أحد يا من له علم متكئًا في هيكل وثن أفلا يتقوى ضميره الخ”

(1 كو 8: 10)

 

1. لقد سمعنا عند قراءة الإنجيل المدح الذي لإيماننا الظاهر في التواضع. إذ عندما وعد الرب يسوع أن يذهب إلى منزل قائد المئة ليشفي غلامه. أجاب “لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي، لكن قل كلمة فقط فيبرأ “فبدعوته نفسه غير مستحقًا أظهر استحقاقه لا لدخول المسيح في منزله بل في قلبه، لو لم يقل هذا بإيمان وتواضع عظيم ما كان يحتمل في قلبه ذاك الذي يخاف دخوله في بيته. فلا يسر الرب كثيرًا بدخوله في منزله دون أن يدخل في قلبه. فسيد التواضع هذا سواء بالكلام أو بالعمل، جلس حتى في منزل فريسي متكبر يدعى سمعان (لو 7: 36)، ورغم جلوسه في منزله إلا أنه لم يكن في قلبه مكانًا “يسند فيه (ابن الإنسان) رأسه” (لو 9: 57).

2. لأنه هكذا كما نفهم من كلمات الرب نفسه أنه قد رد من تلمذته إنسانًا متكبرًا ذلك الذي كان يرغب من تلقاء نفسه أن يتبعه “يا سيد أتبعك أينما تمضي” (مت 8: 20؛ لو 9: 58)، ولكن الرب الناظر في قلبه ما هو غير مرئي قال “الثعالب أو جرة ولطيور السماء أوكار. وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه” (لو 9: 59)، هذا يعني أن فيك يقطن خداعًا كالثعلب وكبرياء كطيور السماء. وأما ابن الإنسان البسيط أي معارض للخداع والمتواضع كمعارض للكبرياء، ليس له أين يسند رأسه. وهذا الإسناد للرأس وليس رفعها يعلمنا التواضع. لهذا رد ذلك الذي رغب في المضي معه وطلب الذي رفض. لأنه في نفس الموضع قال لشخص معين “اتبعني” فقال له (اتبعك ولكن) “يا سيد ائذن لي أن أمضي أولاً وأدفن أبي” (لو 9: 59)

إن اعتذاره بالحقيقة أمر واجب، لذلك كان أكثر استحقاقًا أن يزال عذره وتثبت دعوته. ما كان يرغب في عمله هو واجب، ولكن السيد علمه ما ينبغي أن يفعله. لأنه رغب فيه أن يكون مبشرًا بكلمة الحياة، ليجعل الآخرين يحيون. ولكن هناك آخرون يقومون بالأمر الضروري الأول إذ قال له “دع الموتى يدفنون موتاهم”، عندما يدفن غير المؤمنين جسد ميت فإن الموتى يدفنون الميت. لقد فقد جسد إنسان روحه وفقدت أرواح الآخرين الله. فكما يموت الجسد عندما يفقد الروح هكذا تموت الروح عندما تفقد الله. ففقدان الله هو موت للروح وفقدان الروح موت للجسد. موت الجسد ضروري وموت الروح اختياري.

3. لقد جلس الرب في منزل فريسي متكبر (لو 7: 36)، كما قلت إنه كان في منزله ولم يكن في قلبه، لكنه لم يدخل في منزل قائد المئة ومع ذلك فقد امتلك قلبه (مت 8: 8). زكا أيضًا قبل الرب في منزله وفي قلبه (لو 19: 6). وأما إيمان قائد المئة فقد مدح بسبب تواضعه، لأنه قال: “لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي”، فقال الرب: “الحق أقول لكم لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا” (مت 8: 10)، هذا بحسب الجسد، لأنه بالروح “إسرائيلي”. لقد جاء المسيح للإسرائيليين حسب الجسد، أي لليهود باحثًا أولاً عن الخراف الضالة بين هذا الشعب، آخذا جسده أيضًا من هذا الشعب. لقد قال: “لم أجد إيمانًا بمقدار هذا. إننا نستطيع أن نقيس إيمان البشر كما يحكم البشر عليه، وأما الرب الذي يرى ما بالداخل، والذي لا يخدعه أحد، شهد لقلب هذا الرجل مستمعًا لكلمات التواضع ومعلنًا عبارة الشفاء.

4. ولكن من أين حصل على إيمان هكذا؟ يقول “أنا أيضًا إنسان تحت سلطان، لي جند تحت يدي، أقول لهذا اذهب فيذهب ولآخر إئت فيأتي ولعبدي افعل هذا فيفعل” (مت 8: 9)، لي سلطان على الذين تحت يدي، كما أني تحت سلطان الذين عليّ. فإن كنت وأنا إنسان تحت سلطان لي سلطان أن أأمر فكم يكون لك سلطان يا من تخدمك كل القوات؟ هذا إنسان أممي لأنه قائد مئة، إذ في ذلك الوقت كان يسيطر على أمة اليهود جنود رومانيين. لقد كان مشغولاً في حياة عسكرية كقائد مئة عليه سلطان وله سلطان على الآخرين، كان كخاضع مطيع كما يسود على آخرين تحت سلطانه.

لتلاحظوا يا أعزائي على وجه الخصوص ما يلي لحاجتكم إليه وهو أنه رغم أن الرب كان بين شعب اليهود وحده فقد أعلن مقدمًا بأنه ينبغي أن تكون الكنيسة في العالم كله، تلك التي سيرسل الرسل لتأسيسها. لم يره الأمم ومع ذلك فقد آمنوا به، لقد رآه اليهود ومع ذلك فقد ماتوا فكما أن الرب لم يدخل بالجسد إلى منزل هذا الرجل غائبًا عنه بالجسد لكنه حاضر بجلالته شافيًا إيمانه ومنزله، هكذا كان الرب نفسه بالجسد بين اليهود وحدهم، ولم يولد في عذراء ولا تألم ولا سلك ولا احتمل أتعابًا بشرية بين شعوب أخرى، ومع هذا فقد تحقق ما قيل عنه “شعب لا أعرفه يتعبد لي” (مز 18: 43). ولكن كيف يحدث هذا دون أن يعرفه؟ “من سماع الأذن يسمعون لي” (مز 18: 44). لقد عرفه شعب اليهود وصلبه، وأما العالم كله فقد سمع عنه وآمن.

5. هكذا يشار عن هذا الغياب بالجسد والحلول بقوته بين الأمم بمثال تلك الامرأة التي لمست هدب ثوبه. فعندما سأل قائلاً: “من الذي لمسني”؟ (لو 8: 45). قال لكما لو كان غائبًا رغم أنه بحضوره شفاها. قال تلاميذه: “الجموع يضيِّقون عليك ويزحمونك وأنت تقول من الذي لمسني”؟ لأنه كما لو كان سائرًا بدون أن يلمسه أحد سأل “من لمسني؟” فأجابوه: “الجموع يضيقون عليك ويزحمونك”. قد بدى على السيد أن يقول أنني أسأل عن من يلمسني وليس من يزحمني. أن جسده الآن هو الكنيسة، إن القليلين يلمسونها بإيمان، والكثيرون يضيقون عليها ويزحمونها، فبكونكم أبناء لها قد سمعتم أن جسد المسيح هو الكنيسة، وأنتم أنفسكم تكونون كذلك إن أردتم. هذا ما يقوله الرسول في مواضع كثيرة. “لأجل جسده الذي هو الكنيسة” (كو 1: 24). وأيضًا “وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا” (1 كو 12: 27). إن كنا جسده فإن ما تحمله جسده في الزحام تتحمله الكنيسة الآن. فالكثيرون يضيقون عليها ويزحمونها وقليلون هم الذين يلمسونها. الجسد يضغط عليها والإيمان يلمسها. أنصحكم أن ترفعوا أعينكم، يا من لكم ما ترون بهم، لأن أمامكم أمورًا ترى. ارفعوا أعين الإيمان اَلمسوا هدب ثوبه فإنه يكفي لعطائكم الصحة.

6. انظروا كيف قد تم الآن ما قد سمعتموه من الإنجيل في ذلك الوقت ليتحقق في المستقبل، لهذا تكلم الرب بمناسبة مدحه لإيمان قائد المئة، الذي كان غريبًا بحسب الجسد وصاحب البيت بالقلب، “وأقول لكم أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب” (مت 8: 11). ليس “الكل” بل “كثيرون” ومع ذلك فسيأتون من المشارق والمغارب. لقد أشير بهذين القسمين عن العالم جميعه “أن كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئوا مع إبراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات. وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية”، وأما “بنو الملكوت” فهم اليهود إسمًا. كيف أنهم “بنو الملكوت”؟ لأنهم تسلموا شريعة الله، وأُرسل إليهم الأنبياء، ومعهم كان الهيكل والكهنوت، ويحلُّوا رموزًا لكل الأمور المستقبلة. ولكن ما قد يحلُّوا رمزه لم يعرفوه الآن. لقد قال: “وأما بنو الملكوت فيطرحون إلى الظلمة الخارجية هناك يكون البكاء وصرير الأسنان”. لذلك نرى اليهود قد رُفضوا، ودعي المسيحيون من المشارق والمغارب إلى الوليمة السماوية، ليتكئوا مع إبراهيم واسحق ويعقوب هناك حيث الخبز هو البر والكأس هي الحكمة.

7. إذن فلتتأملوا يا إخوتي لأنكم من هذه الشعوب، فحتى ذلك الحين كانت هذه نبوة وأما اليوم فقد تحققت. نعم حقًا أنكم من الذين دعوا من المشارق والمغارب ليتكئوا في ملكوت السموات لا في معبد الأوثان. كونوا جسد المسيح لا الذين يزحمونه. لديكم هدب ثوبه، فلتلمسوه حتى تشفوا من ينبوع الدم الذي هو الملذات الجسدية. أقول لديكم هدب الثوب لتلمسوه. لتنظروا إلى رسل المسيح أنهم الثوب ملتصقين تمامًا إلى جوانب المسيح بنسيج الوحدة. من بين هؤلاء بولس أصغرهم والأخير فيهم كما لو كان هدبًا، كما قال عن نفسه “لأني أصغر الرسل” (1 كو 15: 9)، فالهدب في الثوب هو أصغر شيء وآخره. الهدب في مظهره حقير ومع ذلك لمس لمسة مخلصة “إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونعرى ونلكم” (1 كو 4: 11). أي حالة أكثر انحطاطًا واحتقارًا من هذه! المسوا إذن إن كنتم تعانون من نزيف دم، فستخرج قوة من الذي له الثوب تشفيك. لقد عُرض الهدب أمامكم إلى الآن حتى تلمسوه، وذلك بقراءة الرسول نفسه “لأنه إن رآك أحد يا من له علم متكئًا في هيكل وثن أفلا يتقوى ضميره إذ هو ضعيف حتى يأكل ما ذبح للأوثان، فيهلك بسبب علمك الأخ الضعيف، الذي مات المسيح من أجله” (1 كو 8: 10-11)، كم ينخدع البعض بالأوثان ظانين أن المسيحيين يكرمونها؟ قد يقول إنسان “الله يعرف قلبي “نعم”. ولكن أخوك لا يعرف قلبك. إن كنت ضعيف فلتحذر ممن هو أكثر منك ضعفًا، وإن كنت قويًا فلتعتني بضعف أخيك. الذين يشاهدون ما تفعله يتشجعون بصنع ما هو أكثر فلا يرغبون في الأكل فقط بل يقدمون ضحايا هناك، “فيهلك بسبب علمك الأخ الضعيف”. لتسمع إذن يا أخي إن كنت تستخف بالضعيف، أتريد أن تستخف بأخوك هكذا؟ تيقظ، ماذا إن كنت تخطئ إلى المسيح ذاته؟ فلتنتبه إلى ما لا تستطيع أن تستهين به بأي وسيلة كانت. يقول “وهكذا إذ تخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلى المسيح” (1كو 8: 12). ليذهب الذين لا يبالون بهذه الكلمات إلى معابد الوثن ويأكلون، إلا يكونوا من الذين يزحمون ولا يلمسون؟ فإذ يأكلوا في معابد الوثن يأتوا ويملؤا الكنيسة لا لينالوا الصحة بل ليصنعوا زحامًا هناك.

8. ولكنك تقول أنني أخشى أن أغضب الذين هم أعلى مني، لتخف بكل الوسائل من أن تغضبهم وبذا لا تغضب الله، فيا من تخاف من أن تكدر الذين أعلى منك، اُنظر عما إذا كان هناك إلهًا أعلى من الذي تخاف أن تكدره. فبكل الطرق لا تُغضب الذي عليك. هذا مبدأ ثابت لك. ولكن أليس من الواضح أنه ينبغي أن لا تغضب بأي حال من الأحوال ذاك الذي فوق جميع الآخرين؟ لتتطلع الآن إلى قائمة الذين هم أعلى منك. والدك ووالدتك أولاً إن كانا قد علماك الحق. إن كانا قد أحضراك إلى المسيح لتسمع لهما في كل شيء وينبغي إطاعتهما في كل شيء. ليتهما لا يوصيان بأمر يخالف الذي فوقهما وبذلك يطاعا. ستقول ومن هو الذي فوق الذي أنجبني؟ إنه خالقك. فالإنسان يلد وأما الله فيخلق، لا يعرف الإنسان كيف يلد ولا يعلم ماذا سيلد؟ وأما الله الذي رآك ليخلقك قبل ذلك الذي أوجده (والدك) بالتأكيد فوق والدك. ينبغي أن يكون وطنك كذلك فوق والديك أنفسهما فحيث يوصي والديك ما هو مضر بوطنك لا يلتفت إليهما. أي وصايا لرؤساء بلدك (أي الدخول إلى هياكل الوثن وعبادة الأصنام) ضد الله لا يصغي إليها فإن أردت أن تُشفى من نزيف الدم بعد إثنى عشر عامًا متوالية في ذلك المرض بعد أن أنفقتِ كل ما عِندك على الأطباء دون أن تحصلي على شفاء، وأخيرًا هل تريدي أن تكوني سليمة (الصحة) أيتها الامرأة التي أحدثها كرمز للكنيسة، فإن أبوك يوصيك بهذا وشعبك بذلك، ولكن الرب يقول لك “اِنسي شعبك وبيت أبيك” (مز 45: 10). لأي خير هذا؟ وما فائدة؟ ما هي النتيجة المفيدة؟ “فيشتهي الملك حسنك” فإنه يشتهي ما قد صنع، حتى عندما تشوهت فإنه يحبك حتى يجعلك جميلة، فلأجلك أيتها غير المؤمنة والمشوَّهة سفكَ دمه ليجعلك مؤمنة وجميلة، لقد أحب هباته فيك. لأنه ماذا أحضرت لزوجكِ؟ أي مهر أخذت من أبوك السابق وشعبك القديم؟ أليس إلا الفضلات وخرق الخطايا؟ لقد نزع الله خرقك ومزق ثوبك الدنس إلى شطرين. لقد شفق عليك ليزينك، لقد زيّنك ليحبك.

9. ماذا نحتاج بعد أيها الإخوة. أنكم مسيحيون وقد سمعتم أنه “إذ تخطئون إلى الإخوة وتجرحون ضميرهم الضعيف تخطئون إلى المسيح “لا تستهينوا بهذا إن كنتم لا تريدوا أن تُمحوا من سفر الحياة. إلى متى أحدثكم بكلمات مبهجة، مفرحة بينما يجبرني حزني أن أتحدث بأسلوب معين دون أن يسمح لي بإخفائه عنكم؟ أيا كان هؤلاء الذين يرغبون في عدم الاكتراث بهذه الأشياء مخطئين إلى المسيح فليتبصروا فيما يفعلون. إننا نريد أن نضم إلينا بقية الوثنيين وأنتم حجارة في طريقهم، إنهم يريدون الحضور فيعثروا وبذا يرجعون. لأنهم يقولون في قلوبهم لماذا نترك الآلهة التي يعبدها المسيحيون أنفسهم مثلنا؟ تقول حاشا لله أن أعبد ألهه الأمم. إنني أعرفك وأفهمك وأصدقك. ولكن ماذا سببت لضمائر الضعفاء الذين تجرحهم؟ ماذا سببت لثمنهم إن كنت تستهين بالمشترى؟ اُنظر كم هو مقدار ثمن شرائهم. يقول الرسول “فيهلك بسبب علمك الأخ الضعيف”، ذلك العلم الذي تعترف بوجوده لديك والذي به تعرف أن الوثن لا شيء وأن فكرك بالله وحده، وبذلك تجلس في معبد الوثن. بهذا العلم يهلك أخوك الضعيف، ولئلا لا تهتم بالأخ الضعيف أضاف “الذي مات المسيح من أجله”، إن كنت تستخف به فلتنظر إلى ثمنه ولتتبصر في العالم كله بالنسبة لدم المسيح. فحتى لا تكون لازلت تفكر أنك تخطئ إلى أخوك الضعيف، فتظنها بعد سماعها بأنه “بطرس”[3]، أي أنها خطاء تافهة، قال “تخطئون إلى المسيح”، فقد اعتاد البشر أن يقولوا “أنني أخطئ إلى إنسان، أخطئ إلى الله؟ أتنكر إذن أن المسيح هو الله هل تتجاسر فتنكر أن المسيح هو الله؟ هل تعلمت تعاليمًا أخرى عندما جلست لتأكل في هيكل الوثن؟ إن مدرسة المسيح لا تسلم بذلك التعليم. إنني أسأل “أين تعلمت أن المسيح ليس هو الله؟ لقد اعتاد الوثنيين القول بهذا. اُنظر ماذا تفعل المعاشرات الرديئة؟ اُنظر فإن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة” (1 كو 15: 33). هناك لا تستطيع الحديث من الإنجيل وأنت تسمع إلى كلمات الآخرين عن الأوثان. هناك تخسر الحق، أن المسيح هو الله وما تشربه هناك تتقيأه في الكنيسة. لعلك تتجاسر أيضًا فتقول هنا مدمدمًا بين الجماهير “أما كان المسيح إنسانًا؟ ألم يصلب؟ “هذا ستتعلمه من الوثنيين. أنك قد فقدت صحة روحك. أنك لم تلمس الهدب. لتلمس الهدب في هذه النقطة فتنال الصحة. فكما علمتك أن تلمس الهدب فيما كتب “لأنه إن رآك أحد (أخًا)… متكئًا في هيكل وثن” (1 كو 8: 10)، المسه أيضًا فيما يخص لاهوت المسيح. الهدب ذاته قال لليهود “ولهم الآباء ومنهم المسيح حسب الجسد الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد” (رو 9: 5). اُنظر أنك تخطئ حتى إلى الله ذاته عندما تجلس مع الآلهة الباطلة.

 

10. تقولون أنها ليست آلهة لأنها فكر قرطاجته العبقري، كما لو كانت Mars[4]، أو Mercury [5] آلهة. ولكن لتنظروا إليها من حيث اعتبارهم لها وليس كما هي في ذاتها. لأنني أعلم تمامًا مثلكم أنها ليست إلا حجرًا. لو كانت هذه العبقرية زينة، فليسلك أهل قرطاجنه حسنًا وبذلك يصيرون أنفسهم عباقرة لقرطاجته. أما إذا كانت العبقرية شيطانا فقد سمعتم ما جاء بالكتاب المقدس “أن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين لا لله. فلست أريد أن تكونوا أنتم شركاء الشياطين” (1 كو 10: 20). أننا نعلم جيدًا أنها ليست الله ولكن هل يعلم هؤلاء بهذا أيضًا؟ ولكن ينبغي أن لا تجرح ضمائر هؤلاء الضعفاء الذين لا يعرفون ذلك. هذا ما يحذرنا منه الرسول. لأنهم ينظرون إلى التماثيل كشيء إلهي معتبرينه إلهًا والمذبح يشهد بذلك. لأنه ماذا يفعل المذبح هناك لو لم يعتبر التمثال إلها؟ لا يقل لي أحد أنه ليس بمعبود، أنه ليس الله. لأنني سبق أن قلت: “أنني أريد أن يعرفوه هم فقط مثلما نعرفه نحن”، ولكن المذبح يشهد باعتبارهم له واتخاذهم إياه (إلهًا) وما يفعلونه له. أنه يقنع مضرًا مقاصد الذين يتعبدون هناك هذا مع الافتراض أنه لا يقنع أيضًا مضرًا الذين يجلسون للأكل معهم هناك.

11. نعم إن كان الوثنيون يزحمون على الكنيسة فليت المسيحيين لا يفعلون ذلك. أنها جسد المسيح ألم نقل أن جسد المسيح كان مضغوطًا عليه ويزحمونه ولم يكن ملموسًا. لقد تحمل الذين يزحمونه متطلعًا إلى الذين “لمسوه”. إن كان جسد المسيح يضغط عليه من الوثنيين الذين اعتادوا الضغط والزحام عليه، أريد على الأقل أن لا يضغط عليه المسيحيون. أيها الإخوة إنه هذا هو عملي أن أحدثكم، إنه عملي أن أحدث المسيحيين، إذ يقول الرسول نفسه “لأنه ماذا لي أن أدين الذين من خارج؟” (1 كو 5: 12)، فهؤلاء نحدثهم بطريقة أخرى لكونهم ضعفاء، ينبغي أن نعاملهم بلطف فلعلهم يسمعون الحق، ولكن ينبغي أن يزال الفساد من بينكم. فإذا سألتم كيف نربح الوثنيين، كيف يستبشرون ويدعون للخلاص. اتركوا مقدساتهم، اتركوا مشاهدهم التافهة، فإن لم يقنعوا بالحق الذي لنا فليخجلوا من نقصهم.

12. إن كان الذي أعلى منك صالحًا فإنه يكون منعشًا لك، وأما إذا كان شريرًا فسيكون مجرمًا ضدك، في الحالة الأولى تقبل الانتعاش بسرور، وفي التجربة أظهر نفسك صادقًا. كن ذهبًا. اُنظر إلى هذا العالم ككور الصائغ، ففي مكان ضيق توجد ثلاثة أشياء: ذهب، قش، نار. تستخدم النار للشيئين الأولين فالقش يحترق، والذهب يتنقى. يستسلم إنسان للتهديدات وينقاد إلى معبد الأوثان. واحسرتاه! إنني أندب القش. إنني أرى الرماد. وآخر لا يذعن للتهديدات أو الأهوال، فيُساق أمام القاضي ويعترف بثبات دون أن يخضع لصورة التمثال. ماذا تفعل اللهب معه؟ أما تنقي الذهب؟ لتقفوا بثبات في الرب أيها الإخوة، لأن الذي دعاكم له قوة أعظم. لا تخافوا من تهديدات الأشرار. احتملوا أعداءكم، ففيهم تجدون من تصلون من أجلهم. لا ترتعبوا منهم بأية طريقة كانت.

هذه هي الصحة المخلِّصة. اُخرجوا من هذا الينبوع إلى هذه الوليمة، اِشربوا هنا حيث تشبعون وليس من الولائم الأخرى التي بها تختبلون. اِثبتوا في الرب. إنكم فضة وستكونون ذهبًا. هذا التشبيه ليس مني، بل من الكتاب المقدس، فقد قرأتم وسمعتم “محصهم كالذهب في البودقة وقبلهم كذبيحة محرقة” (حك 3: 6). انظروا ماذا تكونون بين كنوز الله. كونوا أغنياء بلمسكم لله ليس كما لو كنتم تجعلونه غنيًا، بل تصيروا أغنياء بواسطته. دعوه يشبعكم. لا تُدخلوا سواه في قلوبكم.

13. هل نرفع أنفسنا في كبرياء أم أطلب إليكم أن تزدروا بالسلاطين المرتبة؟ ليس كذلك هل تمسوا هدب الثوب مرة أخرى يا من أنتم مرضى في هذه الناحية؟ يقول الرسول نفسه “لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة. لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله. حتى أن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله”(333) ولكن ماذا يدون لو أمرت السلاطين بما لا ينبغي فعله؟ (أي بعبادة الأصنام)؟ في هذه الحالة لا تبالي بكل الطرق بالسلطان بسبب الخوف من السلطان (الله) تبصروا في أنواع السلاطين البشرية المتعددة. فإذا أمر الحاكم بشيء أما ينبغي تنفيذ أمره؟ ولكن. إن كان مخالفًا ألا تزدري بلا شك بالسلطان مطيعًا سلطانًا أعظم. وفي هذه الحالة ينبغي على السلطان الأصغر أن لا يغضب لتمييز السلطان الأعظم. كذلك لو أمر الـ Proconsul نفسه بشيء وأمر الإمبراطور بشيء آخر فبلا شك ينبغي أن يطاع الأخير غير مبالين بالأول. كذلك لو أمر الإمبراطور بشيء والله بشيء آخر فبماذا تحكمون؟ ادفعوا إلى الجزية. اخضعوا أنفسكم لطاعتي حسنًا. ولكن ليس في معبد وثن. لقد منع الله أن تكون في معبد الوثن. من الذي منع ذلك؟ السلطان الأعظم إذن لتصفح عني فإنك تهدد بالسجن وأما هو فيهدد بجهنم. هنا ينبغي أن تأخذ معك ترس الإيمان (إيمانك كترس) الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة” (1 نس 6: 16).

14. ولكن قد يدبر أحد هذه السلاطين مكائدًا، يدبر خططًا شيطانية ضدك. حسنًا أنه يسن الموس الذي به يزيل الشعر لا ليقطع الرأس. لقد سمعتم الآن ما قلته في المزمور “كموسي مسنونة يعمل بالغش” (مز 52: 2)، لماذا قارن خداع الشرير بقوة الموس؟ لأنه لا يصل إلا إلى الأجزاء الزائدة، فالشعر الذي على رؤوسنا يبدو كأنه فائض فيحلق بدون أن يخسر الجسد شيئًا، هكذا ماذا يأخذ منك أي إنسان غضوب سوى فضلات أنه يسلبك بقرك، هل يستطيع أن يزيل غناك؟ فقرك هو ثروتك في قلبك. إن سلطانه أن يزيل فضلاتك فقط هذه وحدها التي له سلطان أن يضرها، حتى لو سمح له أن يضر جسدك نعم حتى هذه الحياة نفسها بالنسبة للمنشغلين بالحياة الأخرى، أقول أن هذه الحياة الحاضرة تعد ضمن الأشياء الفائضة، لأنه هكذا احتقرها الشهداء أنهم لم يخسروا الحياة بل كسبوها.

15. تأكدوا أيها الإخوة أنه ليس للأعداء سلطان على المؤمنين إلا بقدر ما يفيدهم بتجربتهم وامتحانهم. تأكدوا من هذا أيها الإخوة ولا تدعوا أحدًا ما يخالف ذلك.

القوا كل اهتمامكم على الرب، القوا بأنفسكم كلية عليه فإنه لا يسحب نفسه منكم فتُسقطون الذي خلقنا، قد طمأننا بالنسبة لشعورنا ذاتها. “وأما أنتم فحتى شعور رؤوسكم جميعها محصاة” (مت 10: 30)، شعور رؤوسنا محصاة بالرب، فكم بالأكثر تكون معرفته لسلوكنا ذاك الذي يعرف شعورنا؟ انظروا كيف يعتني الله بأقل الأشياء التي لنا، لأنه لو لم يهتم بها لما خلقها. لأنه بالحق خلق شعورنا ولا زال يهتم بها، لكن لعلك تقول: وإن كانت الآن محفوظة فربما ستهلك. اسمعوا أيضًا كلمته في هذه النقطة “ولكن شعره من رؤوسكم لا تهلك” (لو 21: 18). أيها الإنسان لماذا تخاف من إنسان يا من أنت في حضن الله؟ لا تسقط من حضن الله حيث كل ما تتحمله هناك يؤول لخلاصك لا لهلاكك. لقد تحمل الشهداء تقطيع أعضائهم، فهل يخاف المسيحيون من الأضرار التي تحدث في عصور المسيحيين؟ الذي يريد أن يضرك الآن يمكنه ذلك، ولكن في خوف أنه لا يقول لك بصراحة تعال إلى وليمة الوثن. أنه لا يقول لك علنًا تعال إلى مذابحي وإلى الوليمة هناك. وإن قال لك ذلك ورفضت فليشتكي بهذا، دعه يدَّعى عليك ويتهمك أنه لا يريد أن يأتي إلى مذابحي ولا أن يذهب إلى هيكلي الذي أتعبد فيه. دعه يقول هذا، أنه لا يجرأ على ذلك، بل يدبر بمكره هجومًا آخرًا. ليكن شعرك مستعدًا فإنه يسن الموس، إنه أوشك أن يزيل الفضلات، ليحلق ما ينبغي أن تتركه ورائك قريبًا، دعه يزيل ما يستطيع أن يحتمل إن اِستطاع ذلك، ماذا اختطف ذلك العدو القوي؟ ما هي الأشياء العظيمة التي سلبها؟ إنه يأخذ ما يستطيع أن يأخذه لصًا

، وفي غاية غضبه لا يمكن أن يأخذ إلا ما يأخذه لص، وحتى إن سمح له بقتل الجسد ذاته فإنه ماذا يسلب آلامًا يأخذه لص، إنني أعطه شرفًا عظيمًا جدًا بقولي لص “لأنه مهما يكون اللص فإنه إنسان، إنه يأخذ منك ما تأخذه الحمى أو أفعى أو فطر سام”. هنا تسقط كل قوة غضب البشر لتفعل ما يمكن للفطر أن يفعله يأكل البشر فطر سام ويموتون. بالضعف حياة الإنسان التي عن قريب أو بعيد لابد وأن تتركها، فبحكمة كهذه ينبغي أن تناضل لأجلها لأنك بنفسك ستتركها.

16. المسيح حياتنا. لنفكر إذن فيه. جاء ليتألم بل ليتمجد أيضًا، ليحتقر ويغبط أيضًا ليموت ويقوم أيضًا. إن كان التعب يرعبك فلتتطلع إلى مكافأته فإنه لماذا تريد أن تصل بسهولة لذلك الوضع الذي لا يمكن الوصول إليه إلا بالعمل المضني؟ إنك تخشى أن تفقد أموالك لأنك تحصل عليها بتعب كثير. إن كنت لا تنال أموالك بدون تعب تلك التي ستخسرها في وقت أو آخر، وعلى أي حال من الأحوال ستفقدها عندما تموت، فهل تريد الحصول على الحياة الأبدية بدون تعب؟ ليكن ذلك الذي ستحصل عليه بطريقة ما بعد كل أتعابك دون أن تفقده بعد، ذا قدر كبير في عينيك. إن كان لهذا المال الذي تناله بعد جهادك هذا كله، والذي ستفقده في وقت ما، له قدر عظيم عندك، فكم بالأكثر ينبغي أن تشتاق للأمور الأبدية.

17. لا تهتم بكلماتهم، ولا تخف منهم أنهم يقولون أننا أعداء لآلهتهم. ليت الله يهبنا أن يكون الكل في سلطاننا كما سبق فأعطانا تلك التي خالفناها، أقول هذا أيها الحبيب حتى لا تحاول أن تفعل الأمور التي ليس في سلطانك فعلها، لأن هذا هو طريق الذين بلا ترتيب. وإلا CIRCUMCELLIONES الأغبياء فإنهم يقسون على أنفسهم حيث تخور قوتهم، فيتوقون دائمًا للمدن بلا داعي. لقد سمعتهم ما قد قرأنها لكم يا من كنتم حاضرون في الـMAPPALLA. متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التي أنت داخل إليها تمتلكها قول أولاً (لتمتلكها) ثم أردف بعد ذلك تهدمون مذابحهم وتكسرون أنصابهم وتحرقون سواديهم بالنار “وتقطعون تماثيل آلهتهم” (مت 7: 1؛ 12: 3). فعندما يكون في سلطاننا هذا نفعله، أما إذا لم يعطى لنا هذا السلطان فلا نفعله. عندما يعطى لنا سلطان لا نهمله. فكثير من الوثنين لهم رجاسات في بلادهم فهل تذهب وتهدم أصنامهم؟ لا، لأن أول مجهوداتنا هي أن نزيلها من قلوبهم، وعندما يصيرون هم أنفسهم مسيحيون فإنهم إما أن يحثوننا على الأعمال الصالحة أو يسبقوننا في صنعها.

أما الآن فينبغي أن نصلي لأجلهم، لا أن نغضب عليهم. إن كانت تثور فينا مشاعر مؤلمة فينبغي بالأحرى أن تكون ضد المسيحيين، وضد إخوتنا الذين يدخلون الكنيسة هكذا بأجسادهم أما قلوبهم فتكون في مكان آخر، ينبغي أن يكون الإنسان كله داخل الكنيسة. إن كان ما يراه الإنسان (الجسد) داخل الكنيسة فلماذا إذن يكون الذين يراه الله (القلب) بالخارج؟

18. الآن ينبغي أن تعلموا أيها الأعزاء المحبوبين أن هؤلاء ينضمون مع الهراطقة واليهود في تذمرهم. فيتحد الهراطقة واليهود والوثنيون ضد الوحدة. لأنه قد حدث في بعض الأماكن أن وقع على اليهود بعض التأديبات بسبب شرورهم فاتهموننا أو تظاهروا أننا نسعى لمعاملتهم بمثل هذه المعاملات أيضًا، لأنه حدث أن عوقب الهراطقة في بعض المناطق تحت القوانين بسبب نجاساتهم وسخط أعمال القسوة التي يصنعونها، لذلك قالوا للحال أننا نسعى بكل وسائل الضرر لهلاكهم. وأيضًا قد تقرر أن تسري القوانين ضد الوثنين بل لصالحهم إن كانوا حكماء (فكما يلعب الأولاد الأغبياء بالطين ويوسخون أيديهم فيأتي السيد الحازم ملقيًا الطين من أيديهم مقدمًا لهم كتابهم) هكذا يسر الله بأيدي الرؤساء الخاضعين له فتدرين الأطفال غبيّ القلوب ليزيلوا الطين من أيديهم، مقدمين لهم أشياءًا نافعة، وما هي هذه الأشياء التي تفيدهم، بأيديهم سوى “أن تكسر للجائع خبزك، وأن تُدخل المساكين التائهين إلى بيتك” (إش 58: 7)، ومع ذلك فإنه يهرب هؤلاء الأطفال من رؤية سيدهم ويعودوا خلسة إلى وحلهم، وعندما يُكتشفون يخفون أيديهم حتى لا يراهم.

فإذ يسر الله بذلك يظنون أننا نبحث عن التماثيل في كل مكان ونهدمها حينما وجدناها. كيف ذلك. ألا توجد أماكن بها تماثيل أمام أعيننا؟ أم أننا بالحقيقة نجهل موضعها؟ ومع هذا فإننا لا نهدمها لأن الله لم يعطنا إياها تحت سلطاننا متى يعطنا سلطانًا عليها؟ عندما يصير سادة هذه الأشياء مسيحيين فيرغب سيد ذلك المكان متأخرًا في أن يفعل هذا. إن لم يكن يهتم بإعطاء المكان ذاته للكنيسة، وإنما يعطي أوامره بأن لا توجد تماثيل في ممتلكاته، فإنني أظن أنه ينبغي تنفيذ هذا بإخلاص عظيم، فإنه ينبغي للإخوة المسيحيين أن روح الأخ المسيحي الغائب الذي يريد أن يعبد الشكر لله على أرضه، ولا يريد أن يكون عليها شيئًا لإهانة الله، أضف إلى هذا أنه قد أعطى نفس المكان للكنيسة، فهل توجد تماثيل في ممتلكات الكنيسة؟ انظروا أيها الإخوة إلى ما يضايق الوثنين. إنه ليس إلا أمرًا هينًا أننا لا نزيل التماثيل ونزيلها من قلوب البشر، أننا نضطهدها معترفين بذلك صراحة فهل نحافظ عليها؟ إنني لن ألمسها مادامت ليست في سلطاني، إنني لا ألمسها عندما يشكو من تدميرها مالك الأرض، ولكن إن رغب في تدميرها شاكرًا على هدمها فإنه اِرتكب ذنبًا إن لم أفعل ذلك.

“ولما دخل السفينة… الخ”

(مت8: 23)

1. سأحدثكم بنعمة الرب عن فضل الإنجيل المقدس الذي سمعتموه الآن، منتهزًا الفرصة لأنصحكم بعدم نوم الإيمان في قلوبكم ضد تجارب وأمواج هذا العالم. لأنه بالحقيقة لم يكن المسيح ميتًا ولا نائمًا، ولو تغلب النوم على القدير كما لو كان مبحرًا بغير مشيئته؟ إن كنتم تؤمنون بهذا فإنه ينام فيكم، لكن إن استيقظ المسيح فيكم يستيقظ إيمانكم. يقول الرسول “ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم” (1 نس 3: 17)، فنوم المسيح هذا يحوي سرًا عظيمًا.

البحارة هم الأرواح التي تعبر هذا العالم في الخشب (السفينة). تلك السفينة كانت رمزًا للكنيسة أيضًا، كل شخص في الحقيقة هو هيكل الله وقلبه هو السفينة التي يبحر فيها دون أن يكابد الغرق، إن كانت أفكاره صالحة (دائمًا).

2. لقد سمعت إهانة. إنها الريح. أنت غضبان، إنها موجة. لذلك عندما تهب الرياح وتعلو الأمواج تكون السفينة في خطر ويكون القلب في تهلكة فيترنح من هنا وهناك. عندما تسمع إهانة تشتاق إلى الانتقام وإذ تكون منتقمًا وتسر بضرر الآخرين تهلك. ولماذا يكون هذا؟ لأن المسيح نائم فيك. ماذا يعني أن المسيح نائم فيك؟ لقد نسيت المسيح، اَيقظه إذن أي تذكره. دع المسيح يستيقظ فيك، نبهه إلى ما تشتاق؟ أن تنتقم. هل نسيت ما قاله المسيح عندما كان على الصليب “يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون” (لو 23: 34)، إن الذي كان نائم في قلبك لا يريد أن يكون منتقمًا. اَيقظه إذن أي تذكره. فذكراه في تذكر كلمته، ذكراه في تذكر وصيته. إذا استيقظ المسيح فيك هل تقول من أي صنف أكون أنا الذي أريد أن أكون منتقمًا؟ من أنا الذي أهدد الآخرين؟ ربما أموت قبل أن اَنتقم. وفي آخر أنفاسي أترك جسدي وأنا مشتعل بالغضب ومتعطش للانتقام، فلا يقبلني المسيح الذي لا يريد الانتقام، لا يقبلني الذي قال “اُعطوا تعطوا اِغفروا يغفر لكم” (لو 6: 37-38)، لذلك هل أمسك نفسي عن غضبي وأعود إلى هدوء قلبي. لقد أمر المسيح البحر فعاد الهدوء.

3. ما قد قلته الآن عن الغضب خذه كقاعدة في كل تجاربك. التجربة تهجم، إنها ريح، إنك تضطرب، إنها موجة. إذن فلتيقظ المسيح. دعه يتكلم فيك، أي كان هذا، “فإن الريح والبحر جميعا تطيعه” (مت 8: 27). من هو هذا الذي يطيعه البحر؟ “الذي له البحر وهو صنعه” (مز 95: 5). “وبه كان كل شيء” (يو 1: 3). إذن فلتقلد الرياح وأيضًا البحر، اَطع الخالق. اَصغى البحر لأمر المسيح وأنت آلا تسمع؟ البحر سمع والريح هدأت، وأنت آلا تهدأ بعد؟ ماذا! إنني أقول وأصنع وأنصح، ما هذا كله إلا عدم الهدوء وعدم الرغبة في طاعة كلمة المسيح؟ لا تدع الموج يسيطر على اضطرابك القلبي هذا. مع أننا لسنا إلا بشر فإننا لا نيأس متى دفعتنا الريح وثارت عواصف أرواحنا، لنُيقِّظ المسيح حتى نبحر في بحر هادئ ونصل إلى موطننا.

لنرجع إذن للرب… الخ.

تفسير إنجيل متى – 7 إنجيل متى – 8 تفسير إنجيل متى تفسير العهد الجديد تفسير إنجيل متى – 10
القديس اغسطينوس
تفاسير إنجيل متى – 8 تفاسير إنجيل متى تفاسير العهد الجديد
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى