تفسير رسالة فليمون للقديس يوحنا ذهبى الفم
العظة الأولى 1-3
” بولس أسير يسوع المسيح وتيموثاوس الأخ إلي فليمون المحبوب والعامل معنا. وإلي أبفيه المحبوبة وأرخبس المتجند معنا وإلي الكنيسة التي في بيتك. نعمة لكم وسلام من الله ابينا والرب يسوع المسيح” (فل 1-3)
هذا الكلام موجه إلي سيد لأجل أحد عبيده, لقد أراد الرسول بولس في أول الأمر . وبشكل مباشر . أن يهدئ من نار غضب فليمون, بل وأن يؤنب ضميره أيضا, كما جعله يرجع إلى نفسه. كما أنه بين أن كل هذه الأمور الظاهرية . أى كون أنسيمس هو عبد لدي فليمون . كأنها لا شئ حيث إنه لا يوجد عبد أو حر في المسيح يسوع, فالأسر والقيود لأجل إكرام المسيح ليست خزي ولكنها مباهاة. فالعبودية أفضل بكثير من الحرية التي تصاحبها أفعال ملومة.
وعندما يقول بولس هذا القول فهو لا يرفع من شأن نفسه بل لأجل غرض جيد . فهو يريد أن يُظهر مَنْ هو المستحق أن نكون مدينين له. وهو لا يقول هذا لأجل أن ينال تكريم خاص من أحد, ولكن لأجل إكرام ذاك الذي يستطيع أن يمنح العطف الكثير عن طيب نفس. وكأن بولس يقول: إن قيودي هذه كانت من أجلك الحساب المسيح) كما أنه يقول في موضع آخر موضحًا أنه لا يوجد أعظم من أن يحمل الإنسان سمات المسيح في جسده ” لأني حامل في جسدي سمات الرب يسوع” ويدعو هذا الفخر بـ”عار “المسيح”
بُولُسُ، أَسِيرُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
أى أنه سُجِنَ لأجل المسيح. فَمَنْ لا يرتعب ومَنْ لا تتحرك مشاعره حينما يسمع حديثًا عن ” قيود المسيح”, مَنْ ذا الذي لا يكون مستعدًا لأن يقدم حياته وليس فقط أحد عبيده!!.
وَتِيمُوثَاوُسُ الأَخُ
هنا بولس الرسول لا يطلب شيئًا من فليمون بشخصه فقط ولكن يضم معه شخص آخر هو “تيموثاوس” مريدًا بهذا أن يستميله حتى يعفو عن عبده “أنسيمس” بسهولة أكثر.
إِلَى فِلِيمُونَ الْمَحْبُوبِ
إن تعبير “المحبوب ” يدل علي أن ثقة بولس في فليمون ليست من قبل الجرأة في الحديث . حتى يخاطبه هكذا بدون القاب . ولكن هذا دليل علي وجود علاقة صداقة ومحبة بينهم.
وَالْعَامِلِ مَعَنَا،
إن هذه الكلمة لا تعنى فقط أن بولس يريد أن يعلم أمرًا أو يلقى بوصية واجبة الطاعة, ولكنها تعبّر عن إرادته في أن يجعل فليمون يعترف بأن هناك إحسانات قد حصل عليها حيث إنه يعمل, ويبني مع بولس في نفس العمل الكرازي . لذلك بصرف النظر عن أي طلب . هو يريد أن يقول : أنت يا فليمون لست فقط محبوبًا لدينا بل وعاملاً معنا أيضا وهذا نافع للعمل الكرازى, وبما أنك شريك معنا في هذه الخدمة يتعين عليك ألا تكون أنت هو من نتوسل إليه بل أن تتوسل معنا في نفس الطلب الذي نطلبه.
وَإِلَى أَبْفِيَّةَ الْمَحْبُوبَةِ
يبدو لي أن أبفيه هي زوجة فليمون. ومن الملاحظ رقة بولس في الحديث, فهو أولاً يوجه خطابًا لفليمون ليس باسمه فقط ولكنه يضم معه شخص تيموثاوس وثانيا نجده يوجه الحديث ليس فقط لفليمون ولكن لزوجته أيضًا. وهناك شخص آخر ربما يكون صديق هو “أرخبس” ويقول عنه ” المتجند معنا” فليس الهدف أن ينهي الموضوع بتوجيه أوامر لهم بدون أن يتحمل مشقة إقناعهم. فبولس لا يعرض طلبه مباشرة ولكنه يستجديهم لعمل أمر غريب وهو أن يساعدوه في طلبه. فهو لم يبدأ بطلبات عديدة ولكن بدء طلبه بأن يحث الكثيرين لكي يساهموا في هذه العطية. ولأجل هذا يقول: وأرخبس المتجند معنا, وكأنه يريد أن يقول : فلو كنت يا أرخبس متجند معنا يتعين عليك أيضًا أن يكون لديك الاهتمام بنفس هذا الأمر.
وأيضًا يذكر الرسول بولس أرخبس في رسالته إلي كولوسي فيقول: “و قولوا لأرخبس انظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتممها “.
وكما يبدو لي أن أرخبس هذا كان أحد الكهنة، ولهذا يدعوه بالمتجند معنا. وهو بالتأكيد كان يتعاون معه بكل الوسائل.
وَإِلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي بَيْتِكَ
هنا بولس لم يستثن أحد ولا حتى العبيد . لأنه يعرف أن كلام العبيد أحيانًا . لديه القدرة علي تحريض السادة نحو أحدهم. وخاصة بالأكثر حينما يطلب بولس نيابة عن عبد . حيث إنه من المحتمل أن هؤلاء العبيد هم الذين كانوا قد أثاروا فليمون ضد عبده . ولما كان لا يريدهم أن يحسدوا ” أنسيمس”، فقد شرفهم بضم أسمائهم في التحية مع سادتهم كما أنه بهذا لا يسمح للسادة أن يعتبروا أن أشارته للعبيد بالاسم, هو إهانة لهم, فربما يغضبهم ذلك. ومن ناحية أخرى لو أن بولس لم يذكر العبيد بالمرة, فربما يستاءون من هذا . لاحظ كيف أنه من أجل هذا فطن لإيجاد طريقة أدبية يذكرهم بها. فشرف الجميع بهذه الإشارة دون أن يغضب أحدًا وهذا من خلال استخدام كلمة “كنيسة” فهو لم يُغضب السادة بالرغم من أنه يحسبهم مع العبيد لأن الكنيسة لا تعترف بالتمييز بين السيد والعبد. فهي تنظر إلي الواحد والآخر بمقدار عمله الصالح أو بحسب خطيئته. إذ أنه في الكنيسة لن يغضب السادة إذ أتى العبيد معهم لأن في المسيح يسوع ليس عبد ولا حر.
نِعْمَةٌ لَكُمْ وَسَلاَمٌ مِنَ اللهِ أَبِينَا وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ
حينما يذكر الرسول بولس “النعمة” فهو بهذا يجعل “فليمون” يتذكر خطاياه الخاصة. وكأنه بهذا أراد أن يقول له : انظر كيف أن الله العظيم قد سامحك في أشياء كثيرة وبواسطة النعمة قد حفظت. فتمثل بالرب يسوع في فعله.
كما نجد أن الرسول بولس يتمني له السلام وهذا أمر عظيم. وبالطبع سيكون له هذا السلام حينما يُقدم فليمون علي محاكاة الرب فتسكن النعمة فيه أيضا. وهذا حتى لا يكون مثل ذلك العبد الذي لم يرحم العبد رفيقه حين طالبه بالمائة فلس. بالرغم من أن نعمة سيده ثابتة عليه, ولكن عندما طالب رفيقه, أخذت منه تلك النعمة وأُرسل إلي العذاب الأبدي.
ويجب علينا عندما نضع ما حدث في هذا المثل أمام أعينا أن نكون بدورنا رحماء ونغفر لأولئك الذين أساءوا إلينا. إن المائة فلس في هذا المثل هي بمثابة الإساءة الموجهه إلينا, بينما الآلاف من الوزنات تمثل الإساءة التي نفعلها نحن في حق الله. والأهم هو أنه بينما تعرف أن هذه الطريقة خاطئة فمع ذلك تحكم بنفس الطريقة علي الآخرين. فعلي سبيل المثال : الذي يهين شخصا عاديًا فإنه يعمل عملاً خطأ, ولكن ليس كالذي يهين شخصًا رفيع المستوي. والذي يهين شخصا أعظم فخطأه أعظم. والذي يهين الأدنى فإن خطأه أقل ولكن الذي يهين الملك فإهانته بالغة. فالجرح والإهانة هما حقا في نفس مستوي الشخص الموجهة إليه الإهانة فالذي يهين ملكًا له عذاب لا يطاق وهذا فقط بسبب مقام الشخص المُهان. ولكن كم عدد الوزنات التي سيسأل عنها ذاك الذي يهين الله ؟! . فإن كنا نرتكب الإساءة ضد الله مثل تلك التي نعملها ضد الآخرين . فبسبب عدم التساوي بين الله والآخرين . فلا يمكن أن تتساوي الخطيئة التي نرتكبها ضد الله بالخطيئة الموجهة ضد الآخرين. إن القول الذى أحاول النطق به لهو قول رهيب. حقًا هو مرهوب. ولكن من الضروري أن اقوله فربما من خلاله ترتعد عقولنا ونفكر بطريقة صحيحة ونفهم من خلال تلك العلاقة بين الخطية والشخص الذي نخطئ في حقه. اسمعوا قولي: نحن نخاف الناس أكثر من الله ونكرّم الناس أكثر من الله !!. أترون كيف يكون هذا؟ إن الذي يُقدم علي الزنا يعرف أن الله يراه وبالرغم من هذا فإنه يتجاهله. ولكن لو رآه إنسان فإنه يقيد شهوته. فليس فقط أن الشخص يحترم الناس أكثر من الله بل أنه أيضًا يهين الله. وليس هذا فقط ولكن يحدث ما هو أسوأ . فبينما هو يخاف الناس فإنهم هم يحتقرونه. لهذا إذا رأى هذا الشخص أناسًا آخرين فإنه يكبح نار شهوته, ولكن بالحري أي نار ؟! ليست نار الشهوة إنما نار الفضيحة في أنه يتصل بامرأة بشكل غير قانوني فالأمر يبدأ برغبة ولكن حينما يراه الناس وهو يحقق رغبته هذه, فإن ما يفعله يصبح مهانة ودعارة, فيكف عن ولعة الجنوني إذا رأهم. ولكن لأن الله طويل الأناة فإنه ينال منه احترامًا أقل. وهناك من يسرق ويكون واعيًا حينما يسرق ويسعي لخداع الناس ويدافع عن نفسه ضد أولئك الذين يتهمونه, ويحاول أن يُبرر نفسه. مع ذلك فهو لا يستطيع أن يغلب الله بحجته. فهذا الإنسان لا يحترم الله ولا يخافه ولا يكرمه. فلو إن الملك الأرضى أوصانا أن نمتنـع عــن ســرقة الآخــرين أو حتــى نقــدم أموالنــا, نكــون علــي اســتعداد أن نتعاون معه ولكن عنـدما يوصـينا االله ألاّ نسـرق وألاّ نطمع فيما للآخرين, فنحن لا نطيعه.
هــل رأيــتم الآن كيــف أننــا نكــرم النــاس أكثــر مــن االله ؟! إن هــذا قــول محـزن ومــــؤلم و تهمــــة ثقيلــــة. وهــــل لأنــــه مــــؤلم نهــــرب مــــن بشــــاعة تلك الأفعــال؟ وبمــا أنكــم لا تخــافون مــن فعــل مثــل هــذه الأمــور كيف لي أن أصدقّكم إذ قلتم: إننا نخاف مـن كلماتـك, وهـل تطـرح العـبء علـى إذن؟ لا. إنكم بهذا القول تلقون بالمسئولية على أنفسـكم فما أقوله لـيس كلماتى. فلو كنت أنا صاحب تلك الوصايا التي يجـب أن تعملوهـا فـأنتم مهانون. لأن هذا أمر هزلي لأن الأشـياء التـي قيلـت بواسـطتي قـد يثبـت خطأها! وفي هذه الحالة سوف أرجع الأمـر كلـه لضـعف اللغـة ولا أقـول إنــي قــد أخطــأت. كمــن يخطــئ ثــم يعاتبــك علــي أنــك أنــت الســبب ويثبــت لك بالبرهان كيف أنك أنت السبب.
نحن لا نوقر الناس أكثر مـن االله فقــط, ولكــن مــن بيننــا م ْــن ُ يجبــر ٕالآخــرين أن يســلكوا نفــس الســلوك. فكثيــرون قــد أرغمــوا عبيــدهم وامــاءهم علي الزواج ضد إرادتهم وآخرون أجبروهم وأرسلوهم في خدمات معيبة ـ ٕإلـــي الـــدعارة ـ والـــي أفعـــال الســـلب والاحتيـــال والعنـــف. لـــذلك فالتهمـــة مضــاعفة علــي هــؤلاء. ولا أحــد يســتطيع أن ينــال المغفــرة بحجــة العــوز. فأنت تعمل أمـور ترفضـها وترجـع مـا تفعلـه إلـى العـادات. ومـع هـذا كلـه فليس لك . بأي حال . عذر مقبول والأكثر من هذا حينما تجبر الآخرين أن يعملوا نفس الأمر الذي ترفضه أية مغفرة تكون لمثل هذا الشخص؟ فما قلته أيها الأخوة لم أقله رغبة في إدانتكم ولكن لأظهر لكم الأشياء التي نحن مدينين بها الله. فحتى لو تساوى احترام الناس مع احترامنا الله فنحن نهين الله أيضًا. فكم وكم حينما نقدرهم أكثر منه!!. حتى ولو أن الإساءة نفسها التي تُرتكب ضد الناس نري أنها تصير أعظم جدا لو ارتكبت ضد الله. والأكثر حينما تكون الإساءة الفعلية ضد الله وبشكل مباشر.
لندع كل واحد يمتحن نفسه وسوف يرى أنه يعمل كل شي لحساب الناس, بينما سنكون مباركين جدًا, لو صنعنا كل شي إكراما لله. مثلما نصنع الأمور لإكرام الناس. عندما نقبل هذا سنجد إجابات عديدة للسؤال التالي : لماذا يتعين علينا أن نغفر بكل نشاط لمن جرحنا, ولمن سلب منا أموالنا ؟! وألا نحمل ضغينة لأحد, لأن هذا هو الطريق لمغفرة خطايانا, فهو طريق لا يحتاج إلى تعب أو إنفاق ثروة أو أي شي آخر ولكن هو مجرد رغبة داخلية ولن نحتاج أن نذهب بعيدًا ولا أن نرتحل فيما هو أبعد من حدود بلادنا ولا أن نقدم علي الأخطار والشراك. ولكن ما نحتاجه بالفعل هو فقط الرغبة في أن تغفر لمَنْ أساء إليك.
أخبروني, إن كنا لا نريد أن نعمل تلك الأشياء السهلة مع أنها تجلب علينا مكاسب كثيرة وفوائد كبيرة بدون أى تعب, فأي عذر لنا, وماذا سيكون موقفنا تجاه ما هو أصعب؟ هل تستطيع أن تحتقر الثروة؟ هل تستطيع أن تصرف أموالك علي المحتاجين؟ هل تستطيع فعل أي شئ جيد ؟ هل تستطيع أن تغفر لمن جرحك؟ إن كنت لا تستطيع أن تفعل أي من هذه الأمور فعلي الأقل نفذ ما أمرك الله به وهو أن تغفر . لأنه يتعين عليك أن تغفر للآخرين. إن الأكثر من هذا أنكم تطلبون بلجاجة أن يُغفر لكم فهل تطلبون هذا بسبب ما أظهره الله نحونا؟ فلو ذهبنا إلي الله الذي يدين الكل, فإنه يعرفنا ويستقبلنا بالحب ويكرمنا, ويدفعنا بكل اهتمام إلي طريق الحرية. ومع ذلك فقد رأيناه في مثل ” العبد الذي لم يرحم العبد رفيقه ” أنه لم يدفع الدين عنا ولكن هو يريد أن يجعلنا ونحن نطالب الآخرين بالسداد أن نكون رحماء معهم. انظر, أنت مدين بالكثير الله ومع أنه أوصاك أن تغفر حتى يُغفر لك. إلا أنك لا تغفر للآخرين. واني أسألكم لماذا لا تغفروا ؟, وإنـي لمتعجب من هذا الفتور ! . فلماذا كل هذا الكسل في اقتناء الفضيلة؟!. فبرغم من أنه لدينا مميزات كثيرة إلا أننا نجهد أنفسنا فيما هو رذيل, ونحن نعرض عن ما هو سهل ونطلب ما هو ثقيل. ففي المغفرة للآخرين ليست هناك حاجة إلي قوة جسمانية, ولا ثروة, ولا سلطة, ولا قوة, ولا صداقة, ولا أى شئ آخر. فقط يكفي أن تريد وسيتم كل شئ. هل يضايقك شخص ما, ويحتقرك ويسخر منك؟ نعم. ولكن غالبا ما تفعل أنت أيضًا هكذا في الآخرين وحتى ضد الله نفسه, ولكنه يصبر ويغفر . وهذا هو ما قاله : ” اغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا لمن أساء إلينا “. وهكذا فإن لم تغفر فإنك لا تستطيع أن تطلب هذا بدالة. وحتى إذا غفرت فلا تطلب المغفرة كأن الله مدين لك بالغفران. ولا بسبب أنه هكذا يجب أن يفعل الله، ولكن بحسب رحمة الله يمنح المغفرة[1]. وهل يتساوي الغفران الممنوح لذلك الشخص الذي يُخطئ في حق رفيقه مع ذاك الغفران الذي يُمنح للشخص الذي يُخطئ في حق الله !. غير أن الحقيقة هي أننا نتمتع بمحبة الله العظيمة الفياضة للبشر إذ هو غنى في رحمته وشفقته.
إذا كان هناك شخص يعرفه الجميع ويمدحوه قائلين: إن هذا إنسان تقي, إنه يصفح بسهولة، وهو يعرف كيف لا يحمل ضغينة ضد أحد. حينما يتعرض هذا الشخص لمحنة, مَنْ لا يتعاطف معه وإن طلب العفو عن خطأ قد فعله مَنْ لا يمنحه إياه؟ ألا تريد أن تكون مثل هذا الإنسان الورع؟ بلي, إنك بالطبع تريد.
وأخيرًا أطلب إليكم. أن نعمل كل شئ لأجل الله ونغفر ليس فقط لأصدقائنا، وليس فقط للذين لهم علاقة بنا، ولكن نغفر حتى لعبيدنا, فالرسول بولس يقول : “تاركين التهديد عالمين أن سيدكم أنتم إذا في السموات “.
فلو غفرنا للآخرين خطاياهم فإنهم سيغفرون لنا خطايانا, ولو قمنا بأعمال رحمة سترحم، ولو كنا متضعين ستغفر خطايانا إذ أنه بالاتضاع تغفر الخطايا, فقد قال العشار : ” ارحمني يا الله أنا الخاطئ فذهب مبررًا. وبالأكثر نحن أيضًا لو تبنا وتواضعنا سننال مراحم كثيرة. ولو اعترفنا بخطايانا وحكمنا على أنفسنا سنتطهر بالأكثر من أدناسنا.
اذن، فهناك العديد من الطرق التي تؤدى للنقاوة وفي أي من هذه الطرق سيكون لنا حرب ضد الشيطان. ومع ذلك ما سوف أقوله ليس صعبا ولا ثقيلاً. فقط اغفر للذي جرحك, اعطف علي المحتاجين, تواضع, وحتى لو كنت خاطئًا جدًا ربما تستطيع أن تحصل على ملكوت الله حيث إنك بهذه الطرق تطهر نفسك من الخطية.
فلنسلك جميعًا هكذا والله يمنحنا النعمة ويطهر نفوسنا وباعترافنا هنا بكل قذارة خطايانا ربما نحصل هناك علي بركة الوعد الذي في المسيح يسوع ربنا الذي له مع الآب والروح القدس المجد والقوة والإكرام الآن وكل أوان وإلي دهر الدهور آمين.
العظة الثانية 4-6
“أشكر إلهي كل حين ذاكرًا إياك في صلواتى سامعا بمحبتك والإيمان الذي لك نحو الرب يسوع. لجميع القديسين, لكي تكون شركة إيمانك فعالة في معرفة كل الصلاح الذي فيكم لأجل المسيح يسوع ” (4-6).
هنا نلاحظ إن الرسول بولس لا يستجدى عطف فليمون. بل هو يجله ويمدحه أولاً لأجل عمله الصالح, ذاكرًا إياه في صلاته ومبينا محبة فليمون نحو المسيح والكنيسة؛ فيقول إن كثيرين من القديسين استراحوا به إذ هو رجل مطيع ويتمثل بالمسيح في كل شي والرسول لا يطلب منه أى شئ خاص به فى أول الرسالة ولكنه يطلب ذلك فيما بعد, وبهذه الطريقة فإنه يُخجله. لأن بولس قد سمع عن محبته للآخرين الذين يحصلون منه علي كل ما يطلبون فكم بالأكثر بالنسبة لبولس وهو أيضًا سيحصل علي ما يطلبه, وبالأكثر جدا سيجيب طلبه لأنه جاء بعد طلبات الآخرين, كما أن طلبه هذا لم يكن من أجل نفسه لكن لأجل آخر . كما أن بولس لا يريد أن يظهر أنه يكتب لفليمون بسبب مشكلة أنسيمس فقط, كما لو كان يريد أن يقول: حتى لو لم يكن أنسيمس لكنت قد كتبت لك أيضًا. فانظر كيف أنه يورد أسبابًا أخرى لكتابة رسالته. فهو يظهر أولاً مكانة فليمون لديه وحبه له ثم يطلب إليه في آخر الرسالة أن يجهز له مسكنا.
سَامِعًا بِمَحَبَّتِكَ
أن يتناقل الناس الأخبار عن أعمال محبه يفعلها شخص ما لهو دليل أعظم من أن تراه بنفسك وهو يقوم بهذه الأعمال. وهكذا نجد أن بولس قد سمع بأخبار عن محبه فليمون رغم بعد المسافة بين روما وفريجية[2]. وعلي ما يبدو أن الرسول بولس كان في فريجية. ويتضح هذا من خلال ذكر “أرخبس” في رسالته إلي كولوسي حيث يقول ومتي قرئـت عنـدكم هذه الرسالة فاجعلوهـا تُقرأ أيضًا في كنيسة اللاودكين والتي للاودكية تقرأونها أنتم أيضًا ” وهو يقصد بهذا مدينة فريجية.
لِكَيْ تَكُونَ شَرِكَةُ إِيمَانِكَ فَعَّالَةً فِي مَعْرِفَةِ كُلِّ الصَّلاَحِ الَّذِي فِيكُمْ لأَجْلِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ.
هل ترون معي العطية الأولى وكم هي عظيمة تلك التي يعطيها الرسول بولس إلي فليمون قبل أن يسترسل وقبل أن يطلب منه شيئًا. لكي تكون شركة إيمانك”، ثم يكمل قائلاً إن هذه الشركة يجب أن تكون “فعّالة في معرفة كل الصلاح الذي فيكم لأجل المسيح يسوع”. إذ بهذا تقتني كل فضيلة ويكون لك الكفاف في كل شئ وهذا الايمان يصبح فعالاً باقترانه بالعمل لأن ” الإيمان بدون أعمال إيمان ميت . وهو لم يقل مجرد ” إيمانك” ولكن “شركة إيمانك “, وهذا لكي يجعله يشعر بالشركة معه. ويظهر شركة الجسد الواحد وبهذا سيكون رفض فليمون لما يطلبه بولس منه أمرًا مخجلاً وكأنه أراد أن يقول: ” وإن كان لك يا فليمون شركة معنا في الإيمان فيجب أن يكون لك شركة معنا أيضًا , فيما يتعلق بما نطلبه منك”.
لأَنَّ لَنَا فَرَحًا كَثِيرًا وَتَعْزِيَةً بِسَبَبِ مَحَبَّتِكَ، لأَنَّ أَحْشَاءَ الْقِدِّيسِينَ قَدِ اسْتَرَاحَتْ بِكَ أَيُّهَا الأَخُ (عدد 7) .
إن العطاء والخدمة ليس هما بالأمر المخزي. وخصوصاً إن قدما لشخص له تقدير بين الناس مثل بولس. وكأن بولس يريد أن يقول لفليمون “لو كنت تفعل هذا مع الآخرين فبالأكثر يجب أن تفعله معي”، ومع أنه لم يقل هكذا إلا أنه قد حقق غرضه بشكل مباشر وبطريقة أكثر إجلالاً بقوله: “لنا فرحا “، لأنه بهذه الكلمة قد أوضح الفليمون أن ما يفعله مع الآخرين قد نال ثقة بولس الرسول, لأنه أضاف قائلاً: “إن لنا تعزية”، وهذا معناه أننا لسنا فقط مسرورين ولكننا نجد راحة و” تعزية” في شركتك معنا, وليس هذا فقط بل ستكون أيضًا موافقًا لنا فيما سوف نطلب منك لأن في موافقتك هذه تربح الآخرين الذين هم في حزن بسبب غضب فليمون علي أنسيميس فبالرغم من أننا لن نحصل علي شئ يفيد أى منا ولكننا سنفرح كلنا معًا من أجل هذه المصالحة, لأنك ستفيد الجسد الواحد الذي هو الكنيسة. فالرسول بولس لم يقل لأنك خاضع, ومطيع” ولكن قالها بشكل أكثر تأكيدًا وأكثر جدية “لأن احشاء القديسين”، كما لو كان فليمون طفل عزيز لوالديه، ووالداه مغرمين حبا به ومن خلال الحب والمودة يُظهر أنه محبوب جدًا منهم.
لِذلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِي بِالْمَسِيحِ ثِقَةٌ كَثِيرَةٌ أَنْ آمُرَكَ بِمَا يَلِيقُ (عدد 8)
ما هذا الحذر الذي يتكلم به الرسول بولس؟ فهو يخشي من أن يؤذي سمع فليمون بأمر يقوله في محبة فياضة. ولهذا فإنه قبل أن يقول ” أن آمرك ” يذكر ” المسيح”.
لنلاحظ أن الرسول منذ أن بدأ يتكلّم وكل كلامه يعبر عن المحبة, لأن هذا مناسب جدًا لإرضاء فليمون, وبالرغم من هذه الرقة في الحديث فبولس يريد أن يؤكد كلامه بقوله : “لي ثقة ” فهذه العبارة تؤكد علي عظم العلاقة التي تجمع بين الرسول بولس وفليمون السيد، وأن مصدر هذه الثقة ليس هو فليمون فقط ولكنها تكمن أيضًا “في المسيح” الذي هو أعظم من الكل, فالثقة والقوة لا تنبع من شخص فليمون ولكن هي بسبب إيمانه في المسيح الرب. وبعد هذه العبارة القوية أضاف ” أن أمرك ” ولم يكتف بأن يلقي هذه الكلمة ولكن قال “بما يليق”، فالرسول بولس يري أن ما سيفعله فليمون هو أمر طبيعي ويبرهن علي هذا بأن فيلمون يعمل أعمالاً حسنة للآخرين وهكذا فإنه سيفعل ما قد طلب منه, وذلك لأجل المسيح ولأجل بولس. وهكذا فإن ما يطلبه بولس منه هو من الأمور الطبيعية. ويضيف بولس ” لِذلِكَ، وَإِنْ كَانَ لِي بِالْمَسِيحِ ثِقَةٌ كَثِيرَةٌ أَنْ آمُرَكَ بِمَا يَلِيقُ” ، وكأن الرسول بولس يريد بهذه العبارة أن يقول كلامًا مستترا ألا وهو : ” أنا أعرف كيف أنجز هذا الأمر بوصية من قبل سلطاني والأشياء التي تكلمت بها قبلاً. ولكن لأنى قلق جدا بسبب هذه المسألة فأنا ” أطلب بالحرى، فهنا الرسول بولس يُظهر الأمرين معا, فهو يثق في فليمون كما أنه يوصيه أيضًا. ولأن بولس قلق جدا بسبب هذا الأمر فهو يطلب منه ويقول: “مِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ، أَطْلُبُ بِالْحَرِيِّ إِذْ أَنَا إِنْسَانٌ هكَذَا نَظِيرُ بُولُسَ الشَّيْخِ، وَالآنَ أَسِيرُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَيْضًا ” (عدد 9).
يا لهذا الأمر العجيب وما كل هذه الأمور التي تجعل فليمون يشعر بالخجل حينما لا يطيع ما يقوله بولس له. وإذا أردنا توضيحاً أكثر سنجد أن هذه الآية تعبر عما يلي:
أولاً : منزلة بولس الشخصية
ثانيًا : أن بولس شيخ كبير السن والأكثر من هذا أنه أسير يسوع المسيح, من لا يفتح ذراعيه ليستقبل مثل هذا المقاتل المنتصر, ألاً يُمنح مثل هذا الانسان الذي هو أسير ليسوع المسيح عشرات الآلاف من الوزنات والنعم, ألا تُقدم إليه المكافآت الكثيرة لأجل إرضائه؟!
“أَطْلُبُ إِلَيْكَ لأَجْلِ ابْنِي أُنِسِيمُسَ، الَّذِي وَلَدْتُهُ فِي قُيُودِي،” (عدد 10)
قبل الآن لم نر أن بولس الرسول قد أعلن عن اسم ” أنسيمس” في الرسالة, فهو قد أجل هذا الأمر لأجل غرض عظيم في نفسه, وأنتم کسادة تعرفون كيف يكون موقف أحدكم تجاه عبد هارب منه. وليس هو بهارب فقط ولكنه سارق أيضًا. وحتى لو كان هؤلاء السادة يحملون في داخلهم تقوى عظيمة, فغضبهم يظهر بشكل زائد إذا ذكر اسم هؤلاء العبيد الهاربين أمامهم.
ولكن انظر هنا كيف أن الرسول بولس يسترتضي فليمون أولاً ثم يحفزه لتنفيذ أي طلب يطلبه منه حاثًا إياه علي الطاعة. وبعد كل هذا يوضح طلبه الذي يريد تحقيقه فيقول بإلحاح ” اسالك بالحري” ثم يستطرد في الحديث عن أنسيمس قائلاً بفخر إنه: “الذي ولدته في قيودي”. ها مرة أخرى تجد أن القيود لها قوة فعّالة إذ أنه أضاف الاسم (أنسيمس) الذي يكتب لأجله هذه الرسالة إلى آلام القيود.
إن الرسول بولس قد استخدم أسلوب أدبي استطاع من خلاله ليس فقط أن يُطفئ نار غضب فليمون ولكن أيضًا أن يبهجه. وكأن بولس يريد أن يقول : إني الآن أدعو هذا ابنى وإني ما كنت سأدعوه بهذا اللقب إلا إذا : “طْلُبُ إِلَيْكَ لأَجْلِ ابْنِي أُنِسِيمُسَ“. فاللقب الذي دعوت به تيموثاوس هو نفسه الذي أدعو به “أنسيمس”. والرسول بولس لا يعلن مظاهر حبه لهذا العبد ” الهارب ” من خلال هذا اللقب فقط, ولكنه يعلن عهد ميلاده الجديد بقوله : ” ولدته في قيودي ” حيث إنه علي هذا الحساب – حساب القيود – فإن أنسيمس سيكون جدير بأن ينال شرف كبير لأنه ولد في أثناء جهاد بولس ، ولد في ألمه الشديد الذي عاناه لأجل السيد المسيح.
الَّذِي كَانَ قَبْلاً غَيْرَ نَافِعٍ لَكَ (عدد 11).
ما أعظم فطنة الرسول بولس! كيف يعترف بخطأ (أنسيمس), لأنه باعترافه هذا فهو يخمد نار غضب فليمون, وكأن بولس يقول : ” أنا اعرف أنه كان غير نافع ولكن الآن “وَلكِنَّهُ الآنَ نَافِعٌ لَكَ وَلِي،” ولم يقل أصبح نافعًا ” لك” فقط, خشية أن يُصبح كلامه غير مقبول لدى فليمون ولهذا فقد قال ” اصبح نافعًا لك ولي”, كما أنه قد قدم شخص فليمون علي نفسه ويأمل أن يكون “أنسيمس” أهلاً لهذه الثقة, حيث يعلن الرسول بولس أنه شخص نافع جدًا وهو علي ثقة بأنه سيكون كذلك أيضا بالنسبة لسيده فليمون.
الَّذِي رَدَدْتُهُ. فَاقْبَلْهُ، (عدد 12)
بكل الطرق يريد الرسول بولس أن يخمد نار الغضب المتأججة في قلب فليمون بسبب ما فعله “أنسيمس” وتركه له. وبقوله هذا . الذي يتضح فيه أن بولس قد رد أنسيمس إلي سيده فهو يهدئ من ثور غضبه، لأننا نعلم أن السادة يغضبون حينما نستعطفهم في مسامحة أحد عبيدهم بينما هو غائب أو مازال هاربًا.
الَّذِي هُوَ أَحْشَائِي.
يا لهذا التعبير الرائع ! إن كلمة ” أحشائي” لها القدرة علي تحريك المشاعر الجامدة. فالرسول بولس لم يذكر اسم أنسيمس هكذا بدون لقب, ولكن ذكره بعد أن قال عنه “ابني”, وقد ولدته” وأنه مولود أثناء الآلام في السجن, حيث إننا نعرف أن الأولاد المولودون في الشدة نحبهم أكثر, كما يقول الكتاب عن راحيل حينما دعت بنيامين الذي تحبه جدا ” بن أوني”[3].
لنرجع الآن ونذكر ماذا تعني كلمة “أحشائي” وكلمة ” اقبله”. إن هذه الكلمات تعلن عن الحب العظيم الذي يكنه بولس له ويريد أن يُظهره. فهو لم يقل : أرجوك أن تأخذه ثانية, ولم يقل: لا تغضب مثلاً أو أى شئ من هذا القبيل ولكنه قال : ” اقبله لأنه هو احشائي” فأنسيمس بعد أن تجدّد لا يستحق فقط العفو ولكن التكريم أيضًا. ولماذا يستحق كل هذا؟ لأنه ابن بولس ومولود في قيوده.
الَّذِي كُنْتُ أَشَاءُ أَنْ أُمْسِكَهُ عِنْدِي لِكَيْ يَخْدِمَنِي عِوَضًا عَنْكَ فِي قُيُودِ الإِنْجِيلِ ،(عدد 13).
بعد أن تحدث عن السيد (فليمون) مرات كثيرة وأظهر فضله بعبارات عديدة. نراه الآن يتكلم عن العبد أيضًا. ولا نراه يكرمه وحسب ولكن نجده يقدمه على سيده أيضًا. ومن الأفضل الآن أن نري كيف أن الرسول بولس قال ما يريد ولكن بحكمة عظيمة, وكأن بولس يريد أن يقول بهذه الآية : ” الآن قد وجدت طريقا يا فليمون لترد لي كل ما فعلته معك وهذا الطريق هو ما سوف تقدمه لأنسيمس”, ونرى بولس وهو يعدد صفات أنسيمس الكثيرة ويمنحه أيضًا التكريم العظيم إذ يساويه بسيده (فليمون).
وَلكِنْ بِدُونِ رَأْيِكَ لَمْ أُرِدْ أَنْ أَفْعَلَ شَيْئًا، لِكَيْ لاَ يَكُونَ خَيْرُكَ كَأَنَّهُ عَلَى سَبِيلِ الاضْطِرَارِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ الاخْتِيَارِ. (عدد 14).
هذه الكلمات فيها ملاطفة كثيرة. لأن الملاطفة مفيدة هنا. كما أنه من خلال هذا الكلام قد عمل بولس عملين عظيمين في نفس الوقت لكل من فليمون وأنسيمس. فقد ربح الأول لأنه عمل حسنًا وأُعتق الآخر من العبودية وأُطلق حرًا . فهو لم يقل: ” يجب عليك أن لا تضطر”، بل قال ” علي سبيل الاضطرار ” فكأن بولس يقول: ” أنا عرفت أنك لم تتعلم بعد كيف تصنع أمرًا حسنًا ولكن الآن تعرف أن تصنع هذا. ولهذا أريدك أن تكون راضيًا وأنت تزيد في العطاء, ولهذا يجب عليك أن يكون ما ستفعله ليس عن اضطرار بل عن طريق اختيارك الحر”.
لأَنَّهُ رُبَّمَا لأَجْلِ هذَا افْتَرَقَ عَنْكَ إِلَى سَاعَةٍ، لِكَيْ يَكُونَ لَكَ إِلَى الأَبَدِ، لاَ كَعَبْدٍ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ: أَخًا مَحْبُوبًا، وَلاَ سِيَّمَا إِلَيَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَيْكَ فِي الْجَسَدِ وَالرَّبِّ جَمِيعًا! (عدد 15, 16)
حسن أنه قال “ربما” لأنه هكذا يمكن أن يهدأ فليمون ويخضع لطلبه. وليس عبثًا قال الرسول بولس ” ربما افترق” بدلا من “ربما” هرب, فمن خلال تعبيرات لغوية رقيقة استطاع بولس أن يجعل فليمون أكثر لينا, فلم يقل له إن: ” أنسيمس فصل نفسه عنك” ولكن “افترق”، حيث إن هذا يعني أن ما حدث لم يكن له ترتيب خاص في تركه له, لأن الافتراق قد يكون لأسباب متعددة. إن هذا يذكرنا بما فعله يوسف لأخوته عندما اعتذروا له عما فعلوه له بعد أن أصبح هو متسلطا علي كل أرض مصر فقال لهم “ارسلني الله قدامكم. فهنا قد أظهر يوسف كيف أن الله قد استعمل شر إخوته ليكون في النهاية خيرا لا شرًا. فبولس أيضًا فعل نفس الأمر حينما قال ” افترق عنك إلى ساعة”، وهكذا جعل زمن غياب أنسيمس عن سيده هو لمدة ساعة واعترف بخطأ أنسيمس ولكن أرجع الأمر كله في النهاية إلى العناية الإلهية.
لِكَيْ يَكُونَ لَكَ إِلَى الأَبَدِ
لن يكون أنسيمس معك يا فليمون في هذه الحياة فقط ولكن في الدهر الآتي. ولن يكون لك كعبد ولكن ما هو أعظم. سيكون لك أخا محبوبًا لأنك سترفع عنه نير العبودية والرق. ستربح أكثر لأنه لن يهرب من عبوديتك فيما بعد. “لاَ كَعَبْدٍ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ أَفْضَلَ مِنْ عَبْدٍ: أَخًا مَحْبُوبًا، وَلاَ سِيَّمَا إِلَيَّ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ إِلَيْكَ فِي الْجَسَدِ وَالرَّبِّ جَمِيعًا!”. فأنت يا فليمون قد فقدت عبدًا لوقت قصير, ولكنك قد ربحت أخا إلى الأبد. فهو ليس أخوك أنت فقط بل أخي أنا أيضًا. وهنا تظهر الفضيلة العظمي. فلو أن أنسيمس أصبح أخا لبولس فلن يخجل فليمون منه, وكان بولس قد سبق ودعا أنسيمس قائلاً عنه إنه ” ابني”، وأظهر عاطفة قوية نحوه, وهنا بدعوته إياه “أخا” فإن بولس يظهر محبته التي تتسم بالمساواة نحو الكل.
هذه الكلمات لم تُكتب يا إخوة بلا هدف. ولكن كتبت حتى يستطيع كل سيد أن يعفو وأن يصفح عن عبيده عندما يخطئوا . فيجب دائما ألا نفقد الأمل في أن يتحسن سلوك العبيد. وإن تحسن سلوكهم فيجب علينا أن نقبلهم ولا نخجل منهم, ولكن الأمر الهام الذي يجب أن نتعلمه هو ألا يجب أن نحسبه عارًا أن ندعو هؤلاء العبيد شركاء معنا في كل عمل صالح. فإن كان بولس لم يخجل من أن يدعو “أنسيمس” الذي هو عبد بقوله: “ابني”, “أحشائي”, “أخا”, “محبوب” فكيف نخجل نحن منهم؟! ولماذا أقول إن بولس وحده قد فعل هذا؟! فإن رب بولس نفسه لم يستح من أن يدعو عبيدنا إخوته. أما نحن فنحسب هذا عارًا!
انظر وتأمل أى شرف وكرامة قد أعطيت لعبيدنا حينما يدعوهم الله نفسه ” إخوته, وأصدقائه, وشركائه في الميراث”. إلي هذه الدرجة قد تنازل الله؟ . ويجب أن نسأل أنفسنا هل صنعنا ما يجب علينا فعله؟! وإن كنا لم نقتن بعد أى حكمة لكن يجب علينا أن نسأل عن مقدار تواضعنا. فإننا لم نتواضع إلي الآن بالدرجة الكافية.
أي شئ عظيم قد فعلناه وقدمناه للعبيد رفقائنا. ولكن سيد الكل قد صنع كل الأمور العظيمة لأجل عبيدك أنت. انتبه فكل ما ستفعله أنت سوف تفعله لعبد مثلك. اسمع وارتعد مما أقوله فلن تفرح في اتضاعك! من الممكن أن تضحك أيضًا من العبارة الآتية: ” إن الاتضاع ربما ينفخ وحينما تنتفخ لا تندهش فهو ليس باتضاع حقيقي”. هنا نري كيف يكون هذا أو في أي تصرف استطيع أن أعرفه؟ سأقول لك: حينما نُقدّم عمل محبة لإنسان ولا يكون مقدمًا لله فإننا من الممكن أن نُطَالِب بالمديح, ونشعر بسمو فينا . إن هذا يا إخوة لهو أمر شيطاني فالكبرياء تظهره لنا الشياطين علي أنه ليس بكبرياء. فمثل هؤلاء الناس الذين يقدمون عمل محبة لإنسان ينتشون فرحًا ، وذلك بسبب ظنهم بأنهم متضعون، وبسبب ظنهم أيضًا بأن لديهم كثير من المشاعر النبيلة. علي سبيل المثال؛ إذا أتى أخ أو حتى خادم واستقبلته وغسلت له قدميه, في الحال ستشعر بالفخر في داخلك. وتقول في قلبك: أنا قد عملت ما لم يعمله الآخرين, أنا حقا إنسان متضع. آه, كيف يكون الإنسان متضع بالحقيقة وهو يقول في داخله مثل هذا القول؟ فلو تذكرون وصية المسيح له المجد حينما قال ” متي فعلتم كل ما آمرتم به فقولوا : إننا عبيد بطالون وأيضًا تذكرون بولس معلم المسكونة عندما قال: “أنا لست أحسب نفسي أني قد ادركت “. وبولس يقنع نفسه أنه لم يعمل أي شئ عظيم مهما صنع من أشياء. وهكذا استطاع أن يتضع حينما ظن في نفسه أنه لم يصل بعد إلي الكمال. فكثير من الناس يبتهجون بسبب ما يظنوا أنه اتضاع, ولكن ليتنا نحن أيضا لا نمارس مثل هذا الاتضاع الزائف بل نسأل أنفسنا باستمرار, هل حقا نحن متضعون؟ وإن كانت الإجابة بنعم وجب علينا أن لا نفتخر بهذا. فلو تفاخرنـا بـه سـنفقد المجازاة من الله. فالفريسي قد تكبر لأنه كان يساعد المساكين بعشوره, ولأنه تكبر وتفاخر فإنه فقد المجازاة التي كان من الممكن أن ينالها من الله . أما العشار فإنه تبرر أمام الله. لنسمع بولس يقول ثانيةً : ” فإني لست أشعر بشئ في ذاتي. لكنني لست بذلك مبررا ” ، فبولس لم يمجد نفسه بل حاول أن يتضع ويتنازل بكل الطرق. وهو يتضع أكثر كلما ازداد أكثر في عمل المحبة. مثال آخر نقوله: الثلاثة فتية لما كانوا في النار في وسط الأتون, ماذا قالوا ؟ قالوا: “إذ قد خطئنا وأثمنا مع أبائنا 32 . يا لهذا القلب النادم والمنسحق، وكما أنهم استطاعوا أن يقولوا : ” جئناك بقلب منسحق وروح متواضعة فأقبلنا .. “، وحتى بعدما خرج الفتية من الأتون ظنوا أنهم غير مستحقين لهذه النجاة المعجزية. وظلوا أكثر اتضاعًا. ونحن أيضًا حينما نقتنع بأننا غير مستحقين لرحمته, نجد أننا ننال الخيرات العتيدة العظيمة عوض القفر الذي نحن فيه مقيمين. إن الفائدة التي قد حصل عليها الفتية نتيجة اتضاعهم كانت أنهم “منحوا أنفسهم” ثانية، وذلك بخروجهم من الأتون إن هؤلاء الفتية قد أخذوا أسرى وهم بعد صغار بسبب خطية الآخرين من شعب إسرائيل. وكانوا يسبحون الله بغير دمدمة وبغير سخط ولم نجدهم يقولوا في أنفسهم: ” ما فائدة خدمة الله, وما هي الميزة في أن نعبده؟ ولم يقولوا أيضًا إن الانسان الذي أصبح سيدنا هو شخص غير نقي, ونحن سنعاقب من قبل الوثنين ونساق إلي العبودية بواسطة ملك وثني . ونحن محرومون من بلدنا ومن حريتنا ومن كل ميراث آبائنا وقد أصبحنا سجناء مستعبدين لملك بربري”. لم نجدهم يقولوا أى شي من هذا ولكن ما قالوه هو :” إننا قد خطئنا وإثمنا “، ورفعوا صلوات لا من أجل أنفسهم فقط ولكن لأجل الآخرين[4] أيضًا لأنهم كانوا يقولون “قد سلمتنا إلي ملك ظالم”.
كذلك دانيال حينما أحضروه ورموه في الجب قال: ” لأن الله قد ذكرني ” وعندما أعطاه الله كرامة قدام الملك قال (حينما فسر الأحلام): “أما أنا فلم يكشف لي هذا السر لحكمة في. وحينما أُلْقِيَ في جب الأسود لأنه لم يطع حكم الشر, لم يقل, ما كل هذا يا دانيال, هل الله قد نسيك؟ إنك قد أُلقيت في الجب بسببه, أليس هذا سببًا قويًا حتى ينجيك؟ إن هذا صحيح ولكن دانيال يذكر أنه أخطأ في أشياء كثيرة. وظل يقول هذا حتى بعدما ظهرت عظمة فضيلته.
ماذا أقول أيضًا. لنسمع قول داود : ” وإن قال هكذا إني لم أسر بك فها أنذا فليفعل بي حسبما يحسن في عينيه , مع أن داود لديه ما يقوله حسنًا في حق نفسه. وعالي الكاهن قال : ” هو الرب ما يحسن في عينية يعمل”.
كل ما سبق ذكره هو نماذج لأفعال عبيد أتقياء, كانوا ينسبون كل شئ الله, ليس فقط الخيرات ولكن ما كان يبدو لهم أنه عقاب. فمن غير المعقول أن نقول إن للسادة الحق في أن يعاقبوا عبيدهم بدعوة الشفقة عليهم إذ هم يملكونهم, بينما عندما يعاقبهم الله نظن أنه لن يشفق عليهم؟! مع أن الرسول بولس يؤكد إننا في كل الحالات الله حيث إنه إن عشنا أو متنا فللرب نحن.
إن أي إنسان لديه ثروة يعرف كيف يحافظ عليها ويأمل دائما في أن ينميها, لهذا هو يضع ضوابط لكل العاملين لديه لكي يعاقب كل من يخطئ. وفي بعض الأحيان يصفح عن الذين أخطأوا لسبب أو لآخر. ولكن بكل تأكيد لا يستطيع أحد أن يمنح الصفح والغفران أكثر من الذي جبلنا من العدم إلي الوجود. فالله هو الذي يجعل الشمس تشرق, وهو المعطى المطر, وهو الذي وضع نسمة الحياة فينا, والذي أعطانا ابنه. فهو قد صنع معنا كل هذا ولكن كما قلت سابقًا علينا أن نتضع أكثر, وأن تكون تصرفاتنا باعتدال كما يجب ولا يكون ما نفعله هو سبب تفاخر لنا. وأنا أسأل هل أنت متضع بالحقيقة بل وأكثر من الجميع؟ أقول لك: لا تفتخر بل اتضع بالحقيقة ولا تدين غيرك لكي تعتق من خيلاء النفس, ولأنه كان من الأفضل لك ألا تُظهر أنك متضع. وفي هذا يقول الرسول بولس “فهل صار لي الصالح موتا . حاشا. بل الخطية. لكي تظهر خطيئة منشئة لي بالصالح موتا لكي تصير الخطية خاطئة جدًا بالوصية. فعندما يدخل فكر ” العجب باتضاعك” إلي نفسك فلتتأمل في نفس الوقت, سيدك, وكيف أنه تنازل إلينا, فحينئذ لن تُعجب بنفسك كثيرًا ولا حتى ستمجدها بل ستسخر منها إذ هي لم تفعل شيئًا. وتذكر هذا المثل: “من منكم له عبد يحرث أو يرعي يقول له إذا دخل من الحقل تقدم سريعًا وأتكي. بل ألا يقول له أعدد ما أتعشي به وتمنطق واخدمني حتى آكل وأشرب وبعد ذلك تأكل وتشرب أنت. فهل لذلك العبد فضل لأنه فعل ما أمر به. لا أظن” هل نُقدِّر نحن ما يفعله عبيدنا في خدمتهم لنا؟! لم نفعل هذا علي الإطلاق, غير أن الله يُقدّر ما نفعله ليس في خدمتنا له فقط بل عندما نعمل ما سوف يعود علينا بالفائدة. ولكن لا تدعنا نتصرف مثل مَنْ يستفيد من هذا التقدير كي يحقق من خلاله فوائد أكثر لنفسه. ولكن نكون مثل من يدفع دين عليه. فواقع الأمر أنه دين علينا ويجب أن ندفعه. بمعني أنه عندما نشتري عبيدًا بأموالنا فنحن نرغب في أن يعيشوا لنا بالكلية وكل ما سوف يملكونه يجب أن يكون ملكًا لنا أيضا, فكم وكم بالأكثر يجب أن نكون نحن بالنسبة لله, الذي جبلنا من العدم إلي الوجود الذي بعد هذا اشترانا بدمه الثمين الذي دفع ثمنا هذا مقداره لأجلنا, هذا الثمن الذي لا يستطيع أحد أن يدفعه لأجل أحد أبنائه, حقا من غيره سفك دمه لأجلنا ؟!.
بعد هذا كله ألا يجب علينا أن نطرح أنفسنا تحت قدميه. وأن نبذل ذواتنا لأجله كما بذل هو ذاته لأجلنا. ولكن يبقى السؤال: هل يتساوى ما يفعله الله تجاهنا مع ما فعلناه نحن لأجل الله؟ والإجابة بالطبع ستكون بالنفي. لماذا؟ لأن الله فعل هذا معنا ونحن غير مستحقين. بل أن كل ما فعله يرجع لنعمته. وهكذا صرنا مدينين الله لما فعله لأجلنا.
ومع أنه هو الله ومع أنه لم يكن تحت حكم الموت فقد صار . بالجسد . تحت حكم الموت ومع هذا فنحن حتى الآن لم نقدم نفوسنا ذبيحة له وقد فاتنا أننا سننفصل عنها . علي أى حال . حسب الناموس الطبيعي, إذ أنه بدون إرادتنا، بعد قليل، سننفصل عنها, وهكذا الثروة إن لم نقدمها لله الآن فإننا سوف نفقدها مضطرين عند الموت. وينطبق نفس الكلام علي الاتضاع, فلو لم نتضع تحت يد الله سوف نتضع من خلال محنة أو بلية.
هنا يظهر مقدار النعمة التي يعطيها لنا الله. فالله لم يقل، ما هو الشيء العظيم الذي فعله هؤلاء الذين قدموا نفوسهم ذبيحة الله, لأنهم إن لم يموتوا لأجلى لكانوا سيموتون علي أى حال. ولكنه قدر ما فعلوه!! لماذا؟ لأنهم وهم مدركين أنهم سوف يفقدون حياتهم، علي أي حال بدون إرادتهم، فإنهم فضلوا أن يقدموا حياتهم الله بإرادتهم. كما أن الله لم يقل أيضًا : أي فعل عظيم صنعه أولئك الذين قدموا عطاياهم لي؟ فهؤلاء سيتركون أموالهم بدون إرادتهم علي أى حال. ولكن نري أن الله يُقدِّر ما قد فعلوه بل لا يخجل أيضًا من أن يعترف بأن العبيد كانوا يطعموه !!. إن عظمة مجد الرب في أن يكون له عبيد يخدموه, إن عظمة مجد الرب في أنه هكذا يحب عبيده. وهذه هي عظمة مجد الرب في أنه يجعل خيرات عبيده ملكًا له. وهذه هي عظمة مجد الرب في أنه لا يخجل من أن يعترف بهم أمام الكل.
دعنا إذا نمتلئ خشية وخجلاً أمام حب المسيح العظيم لنا. ولتشتعل قلوبنا بهذه المحبة, لأننا لو سمعنا أن إنسان . مجرد إنسان . يحبنا أكثر من الجميع فإننا نظهر محبة دافئة نحوه. ونكرمه بإفراط.
لنسأل أنفسنا هل نحن نحب الرب فعلاً ؟ الواقع أن الرب يحبنا بالأكثر وهل لا تتأثر قلوبنا بهذه المحبة ؟ أرجوكم ألا نكون غير عابئين بخلاص نفوسنا ؟. نعم, فلنحب الرب يسوع بكل طاقتنا. مقدمين لمحبته كل ما نملك, ليس فقط نفوسنا بل أموالنا, وكرامتنا, وكل شئ آخر وكل هذا في فرح وشكر وليتنا لا نفعل هذا للمسيح فقط بل لبعضنا البعض أيضًا. لأن هذا هو قانون من يعيشون في المحبة, لأنهم يؤمنون أنهم يفعلون حسنًا عندما يُضحون من أجل من يحبون.
وهكذا يجب علينا أن نفعل نفس الشئ بالنسبة لربنا يسوع المسيح. لكي نربح الخيرات العتيدة بنعمة المسيح يسوع الذي يليق به مع الآب والروح القدس المجد والكرامة الآن وكل أوان إلي دهر الدهور. آمين.
العظة الثالثة 17-25
” فإن كنت تحسبني شريكا فأقبله نظيري. ثم إن كان ظلمك بشئ أو لك عليه دين. فأحسب ذلك علي. أنا بولس كتبت بيدي. أنا أوفي. حتى لا أقول لك إنك مديون لي بنفسك أيضًا ” (عدد 17- 19)
يا لهذه الكلمات الرائعة والملائمة جدًا التي من خلالها استطاع بولس أن يربح فليمون حينما وجه إليه مثل هذه الكلمات. وكما سبق ورأينا نجد أن بولس لم يطلب ما يريده مباشرة ولكنه أظهر أولاً التكريم والتبجيل الكثير نحو فليمون. وقد حرص بولس في رسالته إلى فليمون أن يهيئ نفسيته بكل الطرق, حتى يجعله يُظهر كل خُلق عظيم تجاه ما يطلبه منه فيما يخص أنسيمس. فبعدما قال عن أنسيمسس ” ابني”, ” الذي هو شريكي في الإنجيل”, “الذي هو أحشائي”, ” الذي أريدك أن تقبله كأخ”، أضاف: “نظيري”. فبولس لا يخجل من أن يدعو أنسيمس بأنه أخ له, ولكن لعلنا نتساءل: ما مدي تأثير هذا القول علي فليمون؟ في الواقع إنى أري أن بولس من خلال كلمة “نظيرى” يريد أن يقول: لو كنت يا فليمون لك نفس إيماني وتسير في نفس الطريق معي, وإذا اعتبرتني كصديق لك، فأقبل هذا الخادم كنظير لي, وأظهر له تماما ما تظهره لي أنا أيضًا.
“ثُمَّ إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاحْسِبْ ذلِكَ عَلَيَّ“.
انظر أين ومتى يذكر ” سبب الضيق والغضب”, يذكره بعد أن ذكر كل شئ آخر, ولم يقل هذا إلا بعد أن عدد الصفات الصالحة لأنسيمس. فجميعنا يعرف أن فقدان المال يسبّب الضيق والغضب للناس. وكما أننا نجد أن بولس لم يتهم أحدًا ” لأنه من المحتمل أن تكون هذه الأموال قد صرفت ولم تسرق لأن توجيه تهمة إلي أحد لهو أمر محزن، كما أننا نجده يذكر سبب الضيق بعد كل الأقوال السابقة، وحينما أوضح السبب لم يقل : “إن كان “سرقك” ولكن قال ” إن كان ظلمك “، وفي هذا إقرار بذنب قد فعله هذا الخادم ولكن لم بدون جرح لمشاعر أنسيمس. فتعبير ” ظلم ” يشير إلى أن ما حدث يمكن أن يحدث بين صديقين, ولهذا استخدم ” ظلمك” بدلا من ” سرقك”.
فَاحْسِبْ ذلِكَ عَلَيَّ
يطلب بولس من فليمون ألا يتحمل أى أعباء ماليه ويعده بأنه سيسدد أى ديون. ولا يكتفي بهذا ولكن يتمم كلماته بما يعبّر عن فرحة روحانية فيقول: “أنا بولس كتبت بيدي”. يا لهذا الأمر المؤثر والسار جدًا في نفس الوقت, ولكن هل لو لم ينفذ بولس وعده بأنه يوفي الدين هل يعني هذا تصريح لفليمون بأن يرفض أنسيمس؟! بالطبع لا, لأن هذا الأمر المؤكد من خلال الكلمات يجعل فليمون خَجِلاً ويدفعه إلي الطاعة وبهذا تُحل المشكلة القائمة.
وما أريد أن أقوله هو أنه لا توجد كلمة أكثر رقة من كلمة “أحشاء”، تلك التي استخدمها بولس هنا في رسالته, كذلك لا توجد كلمة تحمل كل معاني الجدّية مثل كلمة ” بيدى”. يا لهذا الاهتمام العظيم الذي يقدمه بولس حتى ولو من أجل نفس واحدة مثل نفس أنسيمس العبد الهارب.
حَتَّى لاَ أَقُولُ لَكَ إِنَّكَ مَدْيُونٌ لِي بِنَفْسِكَ أَيْضًا
هل من الممكن أن يكون بولس قد أراد إهانة فليمون بمثل هذا القول؟ ربما أن هذا سيكون صحيحًا في حالة لو أن الجملة كانت قد قيلت ليس علي سبيل الملاطفة. فبولس الرسول لديه ثقة كبيرة في فليمون, فهو يثق في أن طلبه مُجاب وسينال أنسيمس العفو عن السرقة وهو لديه ثقة أيضًا في أن فليمون سيفهم تلك الجملة بأنها قيلت علي سبيل الملاطفة وإعلان عن المحبة القائمة بينهما. ففليمون مدين ليس فقط ببعض الأشياء . مثل أنسيمس المدين ببعض الأشياء لفليمون ولكنه مدين بنفسه إلي بولس وهذا راجع لما بينهما من صداقة قوية. وهكذا نجد أن الرسول بولس يبرهن بكل الطرق علي ثقته في فليمون وعلي الدالة القوية التي يمتلكها تجاهه، وأن ما يطلبه سوف يتحقق بدون شك. ومن خلال تلك الجمل نجده في كل حين يحتاط لكليهما (أنسيمس وفليمون).
نَعَمْ أَيُّهَا الأَخُ، لِيَكُنْ لِي فَرَحٌ بِكَ فِي الرَّبِّ. أَرِحْ أَحْشَائِي فِي الرَّبِّ.(عدد 20)
ما هذه الجملة القصير والمركّزة جدًا والتي تحمل كل معاني الجدية.
” نعم أيها الأخ” اقبله. في هذه الجملة يكرر الرسول بولس طلبه كما أنه يؤكد علي جدّية الأمر وخطورته. لأن تحقيق هذا الأمر هو رغبه نابعة من قلب القديسين أنفسهم, فالأمر لا يحمل في داخله أى مداعبه ” نعم أيها الأخ. ليكن لي فرح بك في الرب ارح أحشائي في المسيح” فبولس يريد أن يقول : إنك تعطي هذا كله للرب وليس لي. وكلمة أحشائي تعني أن قلبي وكل مشاعري تتجه نحوك أنـت وتنتظر رد فعلك.
إِذْ أَنَا وَاثِقٌ بِإِطَاعَتِكَ، كَتَبْتُ إِلَيْكَ، عَالِمًا أَنَّكَ تَفْعَلُ أَيْضًا أَكْثَرَ مِمَّا أَقُولُ. ( عدد 21)
أى حجر لا يلين ؟! أى حيوان مفترس لا يُستأنس بعد سماعه تلك الأقوال اللينة التي قيلت؟! فهذه الكلمات الرقيقة تجعل من فيلمون لا يلين قلبه فقط بل يصبح لديه الاستعداد التام لاستقبال أي شخص بكل ود ومحبة. وبعدما ذكر بولس كل الأشياء العظيمة التي فعلها من أجل فليمون, نجده يعضد موقفه أكثر لكن ليس بقوله : إني أطلب أو أوصي أو آمر بسلطان ولكن نجده يقول : ” إني واثق من أنك ستطيعني ولهذا فإني كتبت إليك”. وكما وجدنا الرسول بولس قد بدأ رسالته مبينا الدالة التي بينه وبين فليمون, نجده أيضًا يختم رسالته مشددًا علي هذه الدالة وذلك بقوله : ” عَالِمًا أَنَّكَ تَفْعَلُ أَيْضًا أَكْثَرَ مِمَّا أَقُولُ ” وبمثل هذه العبارة فإنه يحثه في نفس الوقت علي أن يفعل ما أراده منه.
وَمَعَ هذَا، أَعْدِدْ لِي أَيْضًا مَنْزِلاً، لأَنِّي أَرْجُو أَنَّنِي بِصَلَوَاتِكُمْ سَأُوهَبُ لَكُمْ. (عدد 22)
إن هذا الطلب الذي يطلبه بولس من فليمون بأن يعد له منزلاً لهو دليل علي ثقته فيه ثقة مفرطة. كما إنه يحمل أيضًا داخله التأكيد علي الطلب الأول لبولس والذي هو طلب مصالحة أنسيمس وقبوله. ومن ناحية أخري فهذا القول لم يُقل وحسب, ولكن قيل لأن بولس يعرف أن هناك أمورا كثيرة تنتظر قدومه وتتطلب حضوره الشخصي. فمن خلال وجوده الشخصي تُحل كل الأمور المستعصية. فبولس كشيخ وقور خارج من سجنه . لأنه كان أسيرًا بسبب مسيحيته . هو مُشرف لأي شخص يحل ليسكن عنده. والأمر الآخر الذي نستنتجه من هذه الجملة هو محبة بولس لهؤلاء الذين يقول عنهم إنهم يصلون لأجله كثيرًا. فبالرغم من وجوده في الخطر حتى لحظة كتابة الرسالة فإنه يعلن رجاءه وثقته في صلواتهم التي بواسطتها سيحل من قيوده.
يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَبَفْرَاسُ الْمَأْسُورُ مَعِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ،(عدد (23).
كان أبفراس قد أُرسل إلي الكولوسيين, وهذا يدل أيضًا علي أن فليمون كان في كولوسي. ويدعو بولس أبفراس بـ” المأسور معي” مبينا بهذا أنه هو الآخر يمر بمحنة عظيمة. وبالتالي فإنه يلزم لفليمون أن يُنفذ ما طلبه بولس منه إن لم يكن من أجل خاطر بولس فلأجل أبفراس أيضًا. لأن من يوجد في محنة ويتغاضي عنها من أجل اهتمامه بمشاكل الآخرين لابد أن يُنفذ طلبه. وبطريقة أخرى أراد بولس أن يُخجل فليمون طالما أن مواطنًا آخر مثله صار أسيرًا مع بولس ويعاني معه بينما هو لم يقدم معونة حتى بالنسبة لخادمه. ثم يوضح موقف إبفراس بقوله عنه أنه ” مأسور معي في المسيح يسوع”
وَمَرْقُسُ، وَأَرِسْتَرْخُسُ، وَدِيمَاسُ، وَلُوقَا الْعَامِلُونَ مَعِي. (عدد 24).
لعلك تسأل لماذا وضع اسم لوقا في آخر الأسماء؟ بينما في موضع آخر يقول ” لوقا وحده معى” ، وديماس أيضًا كيف يذكره بين العاملين معه وهو يقول عنه في رسالة أخرى ” قد تركني إذ أحـب العـالم الحاضر” كل هذه الأمور قد شرحناها في مواضع أخري. ولكن يجب ألا تمر هنا أيضا بدون تفسير ولا أن نسمعها كأشياء عادية ولكن لنا أن نتساءل كيف يحسب بولس من بين العاملين معه ذلك الذي قال عنه إنه تركه؟ كما أنه يقول عن أرسترخس” أنه ” بقي في كورنثوس ثم يذكر أيضًا ” أبفراس” كأنهما معروفان لدي فليمون وعلي ما يبدو أنهم من نفس بلده, ومرقس نفسه . كإنسان جدير بالإعجاب . لماذا أتى وسط كل هؤلاء ويعد معهم ديماس؟.
ربما أن ديماس هذا قد أصبح أكثر كسلاً . وحينما رأى الخطر يتزايد ترك بولس ومضي. وعلي هذا الأساس حسبه من ضمن هؤلاء. أما لوقا فقد كان آخر وأصبح أولاً. وهنا يرسل بتحياته إلى فليمون وأيضا بالنيابة عن الجميع حاثًا إياه بالأكثر علي الطاعة, وحينما دعاهم بالعاملين معه فهو يريد بذلك أن يقنعه بالأكثر لكي يستجيب إلي طلبه
نِعْمَةُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ مَعَ رُوحِكُمْ. آمِينَ. (عدد 25).
أنهى الرسول بولس رسالته بالصلاة التي يطلب فيها من أجل فليمون (ومن معه). وهذا لأن الصلاة هي فعل عظيم, إذ هي حافظة ومنقذة لأرواحنا. ولكن لكي تكون عظيمة يجب أن نكون مستحقين أن نقولها ولا تعود بدينونة علي أنفسنا . فأنت حينما تذهب للكاهن معترفًا بخطيئتك سوف يقول لك: ” ليرحمك الرب يا “ابني” إن السر في هذا لا يكمن بما تعترف به بشفتيك فقط ولكن فيما تفعله أيضًا. فاعمل أعمالاً تجعلك مستحقًا للرحمة. إن الله سيباركك فعلاً لو صنعت أعمال الرحمة. وسيباركك لو أنك أظهرت أعمال الرحمة نحو رفيقك وجارك. إن الأمور التي نأمل في أن ننالها من قبل الله هي نفس الأمور التي يتعين علينا أن نظهرها نحن أولاً تجاه الآخرين. فلو منعناها عن رفقائنا كيف لنا أن نحصل عليها من الله؟ فالسيد يقول “طوبي للرحماء لأنهم يرحمون، فلو أظهر الناس الرحمة تجاه الآخرين فكم وكم سيرحمنا الله. وبالتالي فلن تكون لعديمي الرحمة رحمة بأية طريقة ” لأن الحكم هو بلا رحمة لمن لم يعمل الرحمة.
إن الرحمة هي فضيلة عظيمة فلماذا لا نمارسها مع الآخرين؟ هل تأمل في المغفرة، حينما تُخطئ؟ ، لماذا إذا لا تعفو عن مَنْ أساء إليك. فأنت دائما تأتى إلى الله وتسأله أن يعطيك ملكوت السموات بينما لا تعطي صدقة لمن يسألك. ولهذا فإن الله لن يرحمنا طالما أننا لم نرحم الآخرين بعد. ولماذا؟ لأن الرحمة هي أن يرحم المرء غير الرحماء. لأن ذاك الذي يُظهر محبة لذلك الذي هو قاسي وشرس ويرتكب شرورًا غير متناهية في حق جاره, فكيف لا يكون هو نفسه غير محب للرحمة !! . لأنه سوف يقول ألم تخلصنا المعمودية مع أننا ارتكبنا شرورًا لا تُحصي. هل خلصتنا المعمودية من هذه الشرور لكي نعود إلي فعلها مرة أخرى أم لكي نتوب عنها ؟ فبولس الرسول يقول “الذين متنا عن الخطية. كيف نعيش بعد فيها. ” ماذا إذا أنخطئ لأننا لسنا تحت الناموس حاشا. إن الله قد أعتقنا من الخطية حتى لا نرجع إلي خزي فعلها ثانية. فالأطباء دائمًا يريحون مرضاهم المحمومين من حرارتهم لا لكي يستخدموا صحتهم في فعل الشر والمخالفات (لأنه من الأفضل أن يكون الإنسان مريضًا مع أنه سوف يُشفى علي أن يُعافي كي يفعل الشر). لكنك تتعلّم من المرض أن تحاول ألا تعود إلي نفس المرض ثانية وذلك بأن تصون صحتك وتقي نفسك بأي وسيلة. إنني غالبًا أسمع بعض منكم وهو يقول إن الله محب للبشر وسوف يخلّص . علي كل حال . نفوسنا, لكن لا تدعنا نخدع أنفسنا بمثل هذا الكلام وتعالوا نتكلم اليوم عن هذا الأمر.
في عظة سابقة قد كلّمتكم عن الجحيم غير أنني حينذاك قد أجلت كلامي عن محبة الله, فمن المناسب جدًا أن نتكلم اليوم عن هذا الأمر. لأنه من المؤكد أنه سيكون هناك جحيم, ونحن لدينا . كما اعتقد براهين كافيه كنت قد أشرت إلي بعضها حينما ذكرنا الطوفان وكل الأمور المماثلة وغير المحتملة. إن هذه الأمور كانت كعقاب موجهه لهؤلاء الذين أخطأوا قبل الناموس. فهل نظن أن الذي صنع كل هذا من الممكن أن يترك أناس الزمن الحاضر . الذين يخطئون . بدون عقاب؟. أعتقد أنه سيعاقبهم لأنهم بعدما أخذوا النعمة صنعوا شرورًا أعظم. وبعد هذا الكلام يبقي السؤال كيف يكون الله الذي يعاقب البشر صالحًا ومحبا لهم؟.
دعونا اليوم يا اخوة نبين بالبرهان كيف أن الله صالح حتى وهو يعاقب البشر, لأن هذا الكلام أيضًا مناسب لنا في مقاومة الهراطقة. لننتبه لهذا. إن الله قد خلقنا بدون أن يكون محتاجًا لأي شئ منا. فهو خلقنا وهو المهتم باحتياجاتنا. فالله خلقنا من العدم بينما هو كائن بذاته قبل أن نوجد, ونحن خلقنا في وقت لاحق. فهو قد صنعنا وهو لا يحتاج لنا, هو صنع السماء والأرض والبحر وكل ما فيها لأجلنا. أخبرني إذا ، أليست هذه كلها علامات علي صلاح الله ومحبته . وهناك أشياء أخرى ربما يأتى ذكرها . وللاختصار أقول إنه يشرق شمسه علي الأشرار والأبرار, ويرسل مطره علي الصالح والطالح ” ولكنك لو مع تكلمت أحد أتباع ماركيون[5] وسألته (بعد أن وضحت كل هذه الأمور السابقة)، ألا تكون كل هذه علامات علي صلاح الله ومحبته. فتجد الجواب. إن علامة الصلاح والمحبة هو أن الله لا يحاسب الناس علي خطاياهم, فلو حاسبهم لا يكون صالحًا ! ولكني أقول لك: لأن الله يحاسب الناس فهذا دليل علي صلاحه. ولتوضيح هذا الأمر نقول, لو أن الله لم يحاسب الناس هل ستبقي الحالة الإنسانية الراقيه قائمة بعد ذلك؟, ألن تسقط في حالة من الحيوانية, فلو لم نخش الحساب من قبل الله ولو لم ندرك أننا سوف نعطى حسابا ونخضع تحت حكم الله علينا, فإننا سنفوق الأسماك التي تلتهم بعضها البعض, وقد تشابه الذئب والأسد في وحشيتهم وافتراسهم . لو أن الله لن يحاسبنا وأقنعنا أنفسنا بعدم وجود حساب, فيا لها من فوضي عظمي وارتباك متناهي هذا الذي كان سيعم العالم ؟! وكنا سنري متاهة خرافية أسطورية تملأ العالم. كنا سنري عدد لا نهائي من الجرائم والشغب. من كان سيحترم والده ومن كان سيكرم أمه ؟ من كان سيترك اللذة والشرور؟ وهكذا كانت ستصير الأمور.
سأشرح أكثر بأمثله. إن أي شخص لديه عبيد, وقام هؤلاء العبيد بتحطيم سمعة عائلة سادتهم. فاحتقروا أشخاصهم. وسرقوهم وتعاملوا معهم كما لو كانوا أعداء, والسادة لم ينذروهم ولم يقوموهم ولم يعاقبوهم ولا حتى أنبوهم بكلمة. فهل هذا دليل علي صلاح هؤلاء السادة؟ في الحقيقة, أنا أرى أنه كان يجب أن يعاملوهم بقسوة شديدة. ليس فقط لأن الزوجة والأولاد قد غدر بهم من قبل هؤلاء الأشرار. ولكن أيضًا بسبب إن هؤلاء العبيد أنفسهم سيحطمون ذواتهم بسبب أعمالهم. لأنهم سيدمنون السكر والخلاعة والفجور وستكون فيهم شهوة حيوانية أكثر من أي حيوان. هل البرهان على الصلاح أن يُداس علي الطبيعة الانسانية ذات الروح النبيلة. ويحطم الانسان نفسه ويحطم الآخرين بجانبه أيضًا. سنوضح أيضًا كيف أن العقاب دليل علي الصلاح. وإذا كنت تكلمت عن العبيد فإننى أيضًا أتكلّم عن السادة, فهم أيضًا يسقطون في هذه الخطايا بسهولة, فإذا كان هناك إنسان لديه أبناء وسمح لهم بأن يفعلوا أى شئ يريدوه, ولم يعاقبهم. ألن يجعلهم هذا يزدادون في شرورهم. وأني أسألكم الآن . بعد كل هذه الأمثلة التي بيناها . هل كانت علامة الصلاح في العقاب أم في الرحمة؟ بالتأكيد كانت في العقاب. وهل سيختلف الأمر بالنسبة الله الأكثر صلاحًا؟ لا, لن يختلف لأنه صالح جدًا فهو قد أعد الجحيم من قبل.
أتريدون أن أذكر لكم أمرًا آخر يوضح بالأكثر صلاح الله؟ سأبين بمثال آخر. إن الله لا يترك الإنسان الصالح كي يصبح شريرا. لأنه لو كان لكل الأشخاص نفس المصير, سيتحوّل الكل إلى أشرار. ولكن وجود العقاب واختلاف المصير يعطي الصالحين . هنا في الحياة بعض العزاء. لنسمع قول المزمور ” يفرح الصديق إذا رأى النقمة. يغسل خطواته بدم الشرير بر 54 . وهذا ليس معناه أن الصديق يشمت في الشرير . حاشا . ولكن حينما يري مصير الأشرار فإن هذا يجعله أكثر نقاء وطهرًا . إن ذلك دليل عظيم علي اهتمام الله بنا. ولكن يبقي التساؤل ألا يجب علي الله أن يُنذِر فقط ولا يُعاقب أيضًا؟ والإجابة هي: لو أن الله ينذر فقط ولا يعاقب ستقول في نفسك إنه فقط إنذار وتهديد وفي هذه الحالة, ألن تصبح أكثر كسلاً؟! وإن لم يكن العقاب حقيقة ألن تكون أكثر استرخاء؟!.
لو أن أهل نينوى كانوا قد قالوا إن إنذار الله هو فقط تهديد ولن يتم التنفيذ. فقد كان من المحتمل ألا يتوبوا, ولكن بسبب أنهم تابوا فإن الله اكتفي بإنذارهم فقط. هل تأمل في أن يكون الأمر إنذار فقط؟
أنت تملك أن تجعل الأمر هكذا . لتكن إنسانًا أفضل وسيتوقف الأمر حينذاك عند الإنذار فقط. ولكن لو أنك بعد هذا احتقرت الإنذار فأنت ستجلب التجربة علي نفسك. فلو خاف الناس قبل الطوفان وتابوا لما تعرضت حياتهم للتجربة الحقيقية. فليمنع الله عنا كل هذه الأمور. ويهبنا من الآن فصاعدًا رحمته. لنكن حكماء في كل ما نفعل كي نكون جديرين بالبركة التي تفوق التعبير عنها. ويجعلنا مستحقين كلنا أن ننال منه النعمة والمحبة التي لربنا يسوع المسيح. الذي له مع الآب والروح القدس العظمة والقدرة والإكرام الآن وإلي الابد آمين.
- يقصد هنا أن الغفران الممنوح لنا من الله ليس لأجل برنا أو حتى لأننا فعلا نصفح عن الآخرين وكأن الله يغفر لنا لأننا مستحقين هذا ولكنه يمنحنا الغفران من قبل نعمته ورحمته العظيمة.
- مقاطعة فريجية هي قطاع كبير مهم من آسيا الصغري. وقد اختلفت تخومها باختلاف العصر والأوضاع. وبعد أن اقتطعت منها غلاطية أصبحت حدودها الشمالية بيثينية وشرقا ليكأونية وغلاطية وجنوبًا ليكية وبيسيدية وإيسورية, وغربًا كاريا وليديا وميسيا. والمنطقة عبارة عن سهل مرتفع بين سلسلة جبال طوروس جنوبًا وأولمبوس شمالاً وتموس غربا . ذكر من مدنها في العهد الجديد أربع هي لاودكية وكولوسي وهيرابوليس وانطاكية وبيسدية. وفي هذه الفترة لم تبق فريجية مقاطعة كما كانت بل أصبحت مجرد اسم محلى. وقد أسكن أنطيوخوس الكبير في ليديا وفريجية نحو 2.000 عائلة يهودية من بابل وما بين النهرين. وكان بعض هؤلاء اليهود الفريجيين في أورشليم يوم الخمسين (أع 2: 10) وقد اجتاز بولس في فريجية في رحلتيه الثانية والثالثة (أع 16: 6، 18: 23) انظر قاموس الكتاب المقدس ص 677, دار الثقافة .
- 25 تك 18:35 22, بن اوني: كلمة عبرية تعني ابن تعبي, حزني وكان بنيامين محبوب جدًا من أبيه يعقوب وغير ابيه اسم ابنه إلي بنيامين الذي يعني ابن البركة أو ابن اليمين ليحمل البركة (الكتاب المقدس الترجمة المشتركة, إصدار دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط)
- نجد هذه القصة كاملة وكل احداثها موجودة في تتمة سفر دانيال الاصحاح الثالث وكيف أن الفتية الثلاثة جعلوا كل كلامهم وصلاتهم لأجل الشعب كله, وليس لأجل أنفسهم فقالوا ” فإنا خطئنا وأثمنا حتى ابتعدنا عنك. أذنبنا في كل شئ وما سمعنا وصاياك ولم نحفظها”
52 ماركيون هو عنوسي ذو طابع خاص. ولد في البنطس, وكان يعمل في صناعة السفن. قطعه أبوه أسقف سينوب سنة 139م, فانتمي إلي كنيسة روما, التي ما لبثت أن قطعته عنها سنة 144م, وكان معاديًا لليهودية, ويرفض العهد القديم. ألف كتاب عهد جديد خاص به انتقاه من الأناجيل ومن رسائل بولس الرسول. وادعي أن هناك الإله خالق العالم البار والعادل والمنتقم, وهو إله العبرانيين الفاطر, وفوقه الإله المجهول إله المحبة, الذي كشف عن نفسه في المسيح, في جسد ظاهري فقط, وجلب للعالم هدية الفداء. وقال يجب ألا تُخلط عظمة الإنجيل مع مخطط يهوه.
تبني ماركيون تعليمًا عن المسيح متؤسسًا على قاعدة فهمه للعهد الجديد إن يسوع المسيح هو الله الآب, من حيث إنه روح خلاصية, وقد أتى بشبه جسد وليس حسب الجسد. وربما هو إنسان حقيقي, من أصل سماوي, قد ظهر تحت طبيعتين: إلهية لأنه مخلص, وملائكية لأنه روح سماوي. والخلاص بالنسبة لماركيون, موجه للنفس, من أجل خلاص أبدي للإنسان الداخلي. أما الجسد واللحم فلهما خلاص مؤقت عابر واستمر تأثير هذه البدعة حتى نهاية القرن العاشر (المجمع المسكوني الأول نيقيا, الأب ميشال أبرص والأب أنطوان أعرب . المكتبة البولسية, لبنان, 1997 ص 60).
مقدمة | فليمون | تفسير رسالة فليمون | تفسير العهد الجديد | فهرس |
القديس يوحنا ذهبي الفم | ||||
تفاسير فليمون 1 | تفاسير رسالة فليمون | تفاسير العهد الجديد |