تفسير المزمور 13 للقمص متى المسكين

 

دراسة

من ظلمة اليأس في (١و ٢) يربح صاحب المزمور طريقه خلال الصلاة (٣و٤) نحو فرح الرجاء للخلاص النهائي (٥ و ٦). لقد صار احتماله وقوة ثباته قريبة من الاضمحلال، ويهوه يبدو أنه قد نسيه أو تركه، لذلك اضمحلت ينابيعه فإذا لم يأت يهوه إلى معونته فحتماً سينتصر عدوه، ولكن سابق الاعتماد على يهوه لم يكن بلا فائدة وانتهى بكل تأكيد إلى أنه سيحيا ليسبحه الخلاص جديد.

هذه ربما تكون أحاسيس داود عندما كان في حالة مطاردة إلى وقت ما انظر: (۱صم ۱:۲۷)
+ “وقال داود في قلبه إني سأهلك يوماً بيد شاول فلا شيء خير لي من أن أفلت إلى أرض الفلسطينيين فييأس شاول منّي فلا يفتش علي بعد في تخوم إسرائيل، فأنجو من يده”. 

ولغته هنا عامة، ولكن عدواً واحداً بالذات يقف قباله (٢ و ٤) فوق كل مصائبه إذ هو قوي ولا يهدأ، انظر (۱صم ۲۹:۱۸)

+” وعاد شاول يخاف داود بعد وصار شاول عدوا لداود كل الأيام”.

وأيضاً: (اصم ٤:٢٤):

+ «فقال رجال داود له هوذا اليوم الذي قال لك عنه الرب هأنذا أدفع عدوك ليدك فتفعل به ما يحسن في عينيك. فقام داود وقطع طرف جبَّة شاول سرا (وهو نائم في المغارة».

وأيضاً: (اصم ٢٦: ٨و٩):
+ «فقال إبيشاي لداود قد حبس الله اليوم عدوّك في يدك. فدعني الآن أضربه بالرمح إلى الأرض دفعة واحدة ولا أثني عليه فقال داود لإبيشاي لا تملكه فمن الذي يمد يده إلى مسيح الرب ويتبرأ».

وهذا المزمور إذا كان لداود فهو يلزم أن يكون في تاريخ متأخر عن المزمور الثاني.

شرح وتفسير المزمور على مستوى كل التوراة

۱ – «إِلَى مَتَى يَا رَبُّ تَنْسَانِي كُلِّ النِّسْيَانِ؟ إِلَى مَتَى تَحْجُبُ وَجْهَكَ عَنِّي؟»:

الآية فيها إحساس متضارب فهو مُحارَب بأن ينكر الإيمان، انظر: (مز ۱۸:۹)
+ «لأنه لا يُنسى المسكين إلى الأبد. رجاء البائسين لا يخيب إلى الدهر».

ويخرج من هذا المأزق ليدخل في شبكة الذي لا إله له. انظر: (مز ۱۱:۱۰):
+ «قال في قلبه إن الله قد نسي. حجب وجهه لا يرى إلى الأبد».

وهو على استعداد أن يقول الله أتنساني إلى الأبد؟ ولكن يثوب إلى رشده ويقطع التفكير بقوله وإلى متى؟ وبها ينتهي الفكر. كقول أحدهم (الرجاء ييأس ولكن اليأس يرجو)، انظر: (مز ٥:٧٩)
+ «إلى متى يا رب تغضب كل الغضب وتتقد كالنار غيرتك».

وأيضاً: (مز ٨٩: ٤٧,٤٦)
+ حتى متى يا رب تختبئ كل الاختباء حتى متى يتقد كالنار غضبك. اذكر كيف أنا زائل».

“إلى متى تحجب وجهك عني”

هذا يكون إما عن غضب أو عن عدم اهتمام، انظر: (مز ۱:۱۰):
+ «يا رب لماذا تقف بعيداً. لماذا تختفي في أزمنة الضيق».

وقارن (مز ٦:٤)

+ «كثيرون يقولون من يرينا خيراً. ارفع علينا نور وجهك يا رب».

وأيضاً: (مز ۷:۱۱):

+ «لأن الرب عادل ويحب العدل. المستقيم يبصر وجهه».

۲ – «إِلَى مَتَى أَجْعَلُ هُمُومًا فِي نَفْسِي وَحُزْنًا فِي قَلْبِي كُلَّ يَوْمٍ؟ إِلَى مَتَى يَرْتَفِعُ عَدُوِّي عَلَيَّ؟»:

والمعنى العميق: إلى متى أجعل مشورات كثيرة في نفسي واحدة وراء الأخرى باطلاً: “كل يوم” أصلها العبري في النهار في مقابل مزمور (۲:۲۲): ” في الليل.

«إلى متى يرتفع عدوي علي»:

و مفهومها إلى متى تجعل عدوي في الرئاسة عليَّ وله اليد العليا علي، انظر: (مز ۸:۱۲):
+ «الأشرار يتمشون من كل ناحية عند ارتفاع الأرذال بين الناس».

والكلام واضح أنه على جماعة شاول وتسلطهم. 

3 – انْظُرْ وَاسْتَجِبْ لِي يَا رَبُّ إِلهِي. أَنِرْ عَيْنَيَّ لِئَلاَّ أَنَامَ نَوْمَ الْمَوْتِ، 
4 – لِئَلاَّ يَقُولَ عَدُوِّي: «قَدْ قَوِيتُ عَلَيْهِ». لِئَلاَّ يَهْتِفَ مُضَايِقِيَّ بِأَنِّي تَزَعْزَعْتُ.:

«انظر»:

في مقابل: «تحجب وجهك».

«استجب لي»:

في مقابل «تنساني كل النسيان».

«أنر عيني»:

تعني أحيني، فالعين هي دليل الحيوية، مقابل: «أنام نوم الموت». والعين تظلم بالمرض وتفقد نورها بالحزن، انظر: (مز (٧:٦)
+ «ساخت من الغم عيني. شاخت من كل مضايقي».

وأيضاً: (مز ۱۰:۳۸):
+ «قلبي خافق قوتي فارقتني ونور عيني أيضاً ليس معي».

 

فالعينان تستنيران حينما تكون القوة والروح قد استُردت (انظر اصم ١٤: ٢٧ و ٢٩):
+ «وأما يوناثان فلم يسمع عندما استحلف أبوه الشعب أن لا يأكل من العسل البري فمد طرف النشابة التي بيده وغمسه في قطر العسل ورد يده إلى فيه فاستنارت عيناه … فقال يوناثان قد 
كدر أبي الأرض انظروا كيف استنارت عيناي لأني ذقت قليلاً من هذا العسل».

وأيضاً: (عز ۸:۹):

+ «والآن كلحيظة كانت رأفة من لدن الرب إلهنا ليبقي لنا نجاة ويعطينا وتداً في مكان قدسه لينير إلهنا أعيننا ويعطينا حياة قليلة في عبوديتنا».

إنه نور وجه الله ولمعان حبه وإحسانه الذي هو ينبوع الحياة، انظر: (مز ٦:٤):
+ «كثيرون يقولون: مَنْ يُرينا خيراً. ارفع علينا نور وجهك يا رب».

وأيضاً: (مز ١٦:٣١):
+ «أضئ بوجهك على عبدك. خلصني برحمتك».

وأيضاً: (مز ٩:٣٦):

+ «لأن عندك ينبوع الحياة. بنورك نرى نوراً».

« لئلا يهتف مضايقي بأني تزعزعت»:

انظر: (مز ١٦:٣٨)

+ «لأني قلت لئلا يشمتوا بي. عندما زلت قدمي تعظموا عليَّ».

وإن هم انتصروا فإن كرامة الله ستعاني خذلاناً.

5 – أَمَّا أَنَا فَعَلَى رَحْمَتِكَ تَوَكَّلْتُ. يَبْتَهِجُ قَلْبِي بِخَلاَصِكَ.
6 – أُغَنِّي لِلرَّبِّ لأَنَّهُ أَحْسَنَ إِلَيَّ.
:

في الآية (٥) فرحة النجاة. وأما أنا ففي إحسانك أثق يبتهج قلبي بخلاصك.

«أغني للرب»:

سأغني! والأفضل أن تكون الترجمة «ليت قلبي ينتهج وليتني أغني». هنا الإيمان قد انتصر أخيراً. فهو ينظر إلى الأمام بثقة، ولكن اتضاعه جعله يحول تشكراته إلى صلاة.

«لأنه أحسن إلي»:

لأنه عاملني بسخاء إحسانه. فهو ينظر الآن من خلال الخلاص الذي أخذ.

تفسير مزمور 12مزمور 13تفسير سفر المزاميرتفسير العهد القديمتفسير مزمور 14
القمص متى المسكين
تفاسير مزمور 13تفاسير سفر المزاميرتفاسير العهد القديم
 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى