تفسير سفر الرؤيا اصحاح 11 للأنبا بولس البوشي

الأصحاح الحادي عشر

«ثم أعطيت قصبة ذهب مثل العكاز، وقيل لي: قم وامسح هيكل الله والمذبح والموضع الذي تسجد فيه، فأما الدار الخارجة عن الهيكل لا تمسحها، فإنها قد أعطيت للأمم مع المدينة المقدسة ليطئوها اثنين وأربعين شهرا، ثم أعطى الشاهدين أن يتنبآ ألفا ومائتين وستين يوما، وعليهما مسوح. هؤلاء هما الأصلين، الزيتون والمنارتين، القيام قدام الرب، ومهما أرادا صنعا، لأن نارا تخرج من أفواههما وتحرق أعداءهما. فمن أراد مقاومتهما يهلك، لأن لهما سلطائًا أن يغلقا السماء ألا تمطر في أيام نبوتهما، ولهما سلطان على البحار يصير ماؤها إلى الدم، ويضربوا الأرض بأي صنف أرادوا من العذاب. فإذا كملت شهادة نبوتهما، حينئذ السبع الصاعد من العمق يقاتلهما ويغلبهما، وتصير أجسادهما ملقاة في وسط المدينة العظيمة التي تسمى روحانيا سدوم مصر، في الموضع الذي صلب ربهم فيه، ويعاين أجسادهما كل الأسباط والألسن والشعوب والأمم، وتمكث أجسادهما ملقاة ثلاثة أيام ونصف، ولا يدع أحد يدفن أجسادهما في قبر، ويفرح بهما كل الذين على الأرض ويسرون وينفذون الهدايا إلى بعضهم قائلين: هؤلاء التنانين الذين عندنا[1] سكان. ومن بعد ثلاثة أيام ونصف تحل فيهم روح الحياة، ويقفون على أرجلهم، ويكون خوف عظيم على كل من ينظرهم».

«وسمعت صوتاً من السماء قائلاً: اصعدا إلى ها هنا. فصعدا في سحابة إلى السماء، وأعداؤهما ينظروهما. وفي تلك الساعة كانت زلزله وسقط ثلث المدينة، ومات من تلك الزلزلة سبعة آلاف رجل، والبقية امتلأوا خوفا ومجدوا إله السماء. هذا الويل الثاني قد مضى، ويجيء الويل الثالث سريعا».

 «وضرب الملاك السابع بالبوق، فكانت أصوات عظيمة في السماء وما برحت قائلة: قد صارت مملكات العالم للرب إلهنا ومسيحه إلى دهر الداهرين، ملكا لا يزول. والأربعة وعشرون قسيسا، الجلوس على كراسيهم قدام كرسي ضابط الكل، خروا على وجوههم قائلين: نشكرك أيها الرب الإله الدائم الأزلي، لك القوة والعظمة والملك، وغضبت الأمم لأن رجزك قد جاء، ووقت دينونة الأحياء والأموات، لتعطي عبيدك المجازاة، أنبياءك ورسلك وشهداك وقديسيك وكل الذي يخافون اسمك الصغار والكبار، وتهلك مفسدي الأرض» (رؤ11: 1-18).

 التفسير: بدأ بذكر المصاعب التي تأتي على المسكونة أولاً فأول عند الثلاثة أبواق الذي أعطي عنهم الويل ثلاثة دفعات، والخامس لما ضرب قال: إنه «صعد من بئر العمق دخان شدید حتى أظلمت الشمس والقمر والجو» عنى الأعمال المأثومة الملائمة لعمق الجحيم، التي تظلم نور العقل وتكدر صفو الجو حتى لا ينظر البشر إلى العلو إلى الخالق القوي، ويسألوا منه العون، ويتركوا سوء أعمالهم. 

«والجراد الذي سقط على الأرض» هم الأفكار الشيطانية المسمومة التي تسم النفوس المتسلطة على القوم، الذين ما يعملون ما يرضيه من الوصايا الإنجيلية، ولا أسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة، ولذلك سمة الله لیست عليهم لعتوهم.

وقوله: «أمرهم ألا يقتلوهم بل يعذبوهم» يعني تركهم حتى يتوبوا فلم يتوبوا. وصفة الجراد المختلفة الأنواع هي مماثلة لأعمال أولئك القوم العتاة.

ولما ضرب الملاك السادس بالبوق قال: «انطلق الأربعة ملائكة المستعدين لليوم والساعة» أراد بهذا تلخيص الأمر سريعا حتى تكمل السبعة أبواق ومجيئ الدجال وانقضاء الزمان.

ثم يعود بعد ذلك ويذكر ما قبله في مملكة الأمم وما يكون فيها، شبيها بما قاله الإنجيلي لوقا «أن هيرودس زاد على شره حتى طرح يوحنا في السجن»، ثم ذكر بعد ذلك ما كان قبله قال: «فلما اعتمد جميع الشعب اعتمد الرب يسوع» وما يتلوه. وهكذا الإنجيلي يوحنا ذكر السبعة أبواق إلى انقضاء الزمان، ثم عاد وذكر ما كان قبل ذلك، وذكر (أن) العذاب الثاني أشد من الأول، لأن الأول كلذع العقارب، وهذا مثل نهش الأفاعي. أي أن الشركثر، والضربة اشتدت، ومع هذا لم يتوبوا من كفرهم وزناهم وسرقتهم ونجاستهم.

وأما الكتاب الذي أكله الإنجيلي «وكان خلواً في فيه مثل الشهد ومرا في جوفه» فهو فاتحة البشرى والشهادة بكلام الله، فإنه حلو جدا في أفواه الأبرار، كقول النبي داود أن: «كلامك حلو في نطقي كمثل الشهد في فاي». وأما مرارته في الجوف فهي المصاعب التي  تناله من القوم الكفار العتاة لأجل شهادة كلمة الله، وليس هو فقط بل وأخوته الرسل وكل من يجاهد على الحق قبالة القوم الغير مطيعين. بل المرارة التي تنال الجوف تنقي منه كل خلط وفساد ومرة، وتنقي المعدة وتصلحها لقبول الغذاء اللذيذ الروحاني. فلهذا قال «حلو في الذوق ومر في الجوف». وبهذ الألم الذي يناله يتنقى ويتقوى، وتنبأ وبشر وأنذر ولم يرهب عندما صحت حواسه الروحانية.

فأما قوله عن الدار الخارجة عن هيكل الله أنها «أعطيت للأمم مع المدينة المقدسة ليطؤوها» فهو الوقت الذي حدده الله، (فقد) سبق وأبصر بروح النبوة لأجل البيعة المبنية من طوب وطين وحجارة أنها سوف ثداس في أماكن مع يروشليم من الأمم وقت أن يشاء الله بالخلاص، وذلك لأجل خطايانا وعدم اتفاقنا في كنه المحبة المسيحية. فأما «هيكل الله والمذبح» فعني القوم الأبرار، كما هو مكتوب: «أنكم هياكل الله والله حال فيكم». والله يقول على فم النبي: «أنني أحل فيهم وأكون لهم إلهاً وأباً، ويكونون لي أبناء وبنات، يقول الله ضابط الكل» هؤلاء خواص الإله، لا يداسون لقوة الإيمان وحسن الرجاء، للذين يقومون عليهم كما فعل مع أنبيائه ورسله وشهدائه وقديسيه منذ الأبد.

وأما «الشاهدان اللذان يتنبآن»، هما أخنوخ وإيليا الممدوحان في العتيقة ، اللذان عند مجيء الدجال الكذاب  الذي يقول عن نفسه أنه المسيح المخلص وإله المجد، كما قال بولس الرسول، فإنهما يوبخانه مواجهة بأن المسيح الحق قد أتي، وأنك أنت كذاب وأبو الكذب إبليس. ثم إن إيليا يعود يربط السماء والأرض ثلاث سنين وستة أشهر كما فعل في الدفعة الأولى. ويقول له: إن كنت أنت المسيح الحق فحل ما قد ربطتُ. ويضطهده هو وأخنوخ، فعندما يظفر بهما ويقتلهما فإن دمهما يبطل قوات الشيطان الكاذبة. ثم يقيمهما الله أحياء، وترهب كل من ينظرهما، ويصعدا بكل كرامة، وعند ذلك يكون المنتهى. 

قال: «ولما ضرب البوق السابع كانت أصوات في السماء عظيمة قائلة: قد صارت  مملكات العالم الله ومسيحه إلى دهر الداهرين ملكاً لا يزول»، عني بطالة هذا الوجود عندما تبطل كل مملكة ورياسة وسلطان، كما يقول الرسول بولص، وكل شيء يخضع تحت قدميه حتى العدو الأخير الذي هو الموت يبطل من جنس البشر. وهكذا يكون بعد هلاك الدجال الكذاب، ثم تكون القيامة العامة لكل الخلق، ويجازي كل أحد کنحو عمله، الأبرار بالحياة المؤبدة والخطاة بالهلاك الدائم. 

  1. واضح أن هناك خطأ من الناسخ، وصحتها: هؤلاء النبيين اللذين عذبا.

تفسير سفر الرؤيا – 10 سفر الرؤيا – 11 تفسير سفر الرؤيا تفسير العهد الجديد تفسير سفر الرؤيا – 12
الأنبا بولس البوشي
تفاسير سفر الرؤيا – 11 تفاسير سفر الرؤيا تفاسير العهد الجديد

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى