تفسير سفر الرؤيا اصحاح 19 لابن كاتب قيصر
الإصحاح التاسع عشر
الفصل العشرون
رؤ19: 1-3
97(1) وكان بعد هذه سمعت مثل صوت عظيم من جمع كثير يصرخ في السماء ويقول هللوا الخلاص والمجد والكرامة والقوة لإلهنا (2) لأن أحكامه حق وبحكم حق حكم على الزانية العظمى وأخذ باستحقاق لدم عبيده منها (3) والدفعة الثانية قال هللوا ودخانها يصعد إلى أبد الأبد .
قوله : « وكان بعد هذه» ، إشارة إلى الأمور السالف ذكرها التي فعلها الملاك والأقوال التي قالها ، ودلنا بقوله : «سمعت مثل صوت عظيم» على أنه ليس بصرت بل هو إدراك عقلى كما تقدم . أما عظم الصوت هنا فدليل على قوة الفرح
قوله : «من جمع كثير يصرخ في السماء ويقول هللوا » ، هذا الجمع العظيم هو الملائكة ونفوس الأبرار ، كما دل على ذلك الفص الخامس والتسعين الذي تقدم ، بقوله : «فلك الفرح أيتها السماء بها وجميع القديسون والرسل والأنبياء» ، وهذا هو فرحهم أظهروه بالتهليل ، والصراخ والصوت العظيم متقاربان في المعنى والتهليل لغة ، هو رفع الصوت وبحسب النقل الشرعي : هو النشيد الذي فيه لفظة هللوا.
قوله : «الخلاص والمجد والكرامة والقوة لإلهنا » ، كله على معناه الظاهر منه ، والمجد والكرامة في اللغة بمعنى واحد.
قوله : «لأن أحكامه حق» ، أعطى علة هذا التهليل ، وهي ما ظهر لهذا الجمع من أن أحكام الله حق.
قوله : « وبحكم حق حكم على الزانية العظمى» ، أي من جملة أحكامه الحق ، حكمه على هذه المدينة بما حكم به
قوله : «وأخذ باستحقاق لدم عبيده منها » ، أي ومن جملة حكمه على هذه المدينة ، أخذه لدم عبيده منها باستحقاق ، وقال إنه باستحقاق لا عن جور تعالى الله عنه
قوله « والدفعة الثانية قال هللوا » ، كرر الأمر بالتهليل ليؤكده ولكن لابد للأمر من مأمور به . فمن هم المأمورون بهذا الأمر ؟ والجواب : إن المأمور قد يكون هو الأمر ، وهذا كثير ، كما يعاتب الإنسان نفسه ويأمرها وينهاها ويلومها ويعذرها ، كما قال داود النبی : « یا نفسی بارکی الرب » فالمأمور هنا هو الأمر ، ويسمى هذا النوع في صناعة البيان بالتجريد ، لأن المتكلم يجرد نفسه كأنها غيره ، ويخاطبها كما تقدم به المثال ، وهذا من أسرار البلاغة.
قوله : « ودخانها يصعد إلى أبد الأبد» ، هذا مشكل ، إذ أن المدينة لا يدوم حريقها ، حيث أن النار ستفنيها وتستهلكها وما فيها في أوجز مدة وأقرب وقت لقوة فعل النار . أما الدخان فهو بخار يحترق ، ففناؤه بفنائه فكيف يمكن أن يدوم دخانها إلى الأبد ؟ والجواب : إنه يظهر من هذا أنه لم يرد المدينة بل أهلها ، ولم يرد بهذا الحريق الدنيوي الذي حل بها ، بل المراد عقاب أهلها في الآخرة العقاب الدائم بلا نهاية حسبما ذكره وسيذكره أيضا والدخان رمز على تأثير المحرق وتأثر المحترق.
رؤ19: 4-6
98- (4) فخر الأربعة والعشرون شيخا والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس على العرش قائلين أمين هللوا الله
علة كون هؤلاء الشيوخ والحيوانات خروا وسجدوا لله وآمنوا وهللوا هي بعينها علة فرح أولئك الجموع وتهليلهم ومعنى آمين هنا حق والإشارة بذلك إلى أن أحكام الله تعالى حق . وقولهم : هللوا يجوز أن تكون تجريدا كما قلنا (أي أن يكون الأمر هو المأمور) ، وأن يكونوا قد أشاروا بذلك إلى الجموع المذكورة والجلوس رمز على الرئاسة الثابتة والعرش قد مضى الكلام عليه .
99- (5) وخرج من العرش صوت قائلا باركوا إلهنا يا جميع عبيده والخائفين من قدامه الصغار والكبار
المصوت بهذا الصوت مجهول لوله إنه من العرش وليس هو صادر عن الله تعالى ، بل عن ملاك أو غيره ، بدليل قوله : باركوا إلهنا ، وقوله : «یا جميع عبيده » ، ولم يقل : بارکونی یا جميع عبيدي ، فهذا ظاهر وقوله : «باركوا إلهنا» ، أي قولوا : تبارك إلهنا ، وتبارك بمعنى بارك بفتح الراء ، غير أن هذه متعدية وتلك غير متعدية ، مثل قاتل ويقاتل . والبركة هي النمو والزيادة
قوله : «يا جميع عبيده والخائفين من قدامه الصغار والكبار» ، الفرق بين العبيد والخائفين أن طبقات الأبرار ثلاث الأولى : عبدت رهبة من العقاب . والثانية : عبدت رغبة في الثواب ، وهذه أعلى من الأولى
والثالثة : عبدت لا رغبة ولا رهبة ، بل لاستحقاقه تعالى العبادة ، ولشرفه وعظمته في ذاته ، وهذه أعلى من الطبقتين . وقد قسم الأبرار هنا إلى طبقتين فقط ، والوجه في ذلك أن نقول إن الأبرار إما أن يعبدوا الله خوفا من عقابه ، وهم الخائفون ؛ أو لا يعبدونه خوف عقابه ، وهم العبيد ، ولذلك. قدمهم على الخائفين . وأما الصغار والكبار فيريد بذلك في العمل لا في العمر.
100- (6) وسمعت مثل صوت جمع عظيم ومثل صوت مياه كثيرة ومثل صوت رعود قوية يقولون هللوا الله
هذا الجمع العظيم هم الملائكة ونفوس الأبرار كما تقدم.
قوله : «مثل صوت مياه كثيرة ومثل صوت رعود قوية» يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون قد شبه أصوات الملائكة بتشبيه ، وأصوات نفوس الأبرار بتشبيه آخر. والثاني : أن يكون قد شبه الجميع بتشبيه بعد تشبيه ، لأن أصوات الملائكة وأصوات الرعود متشابهة ؛ وقد قلنا إنها تحكى لفظ الجموع وتكاثرهم واختلاط أصواتهم وكلامهم . وأما التهليل لله فقد ذكرنا معناه وليس سببه هنا هو السبب المتقدم ، بل هذا سبب آخر مستأنف ، تفسيره ما سيرد في الفص التالي ، وهو البشرى بعرس الحمل.
رؤ19: 7-10
101- (بقية عدد 6) قد ملك الرب الإله ضابط الكل (7) فلنفرح ولنتهلل ونمجـده لأن عرس الحمل أتى وعروسه التي اختيرت له (8) وأعطيت أن تلبس حريرا زاهيا مقدسا لأن الحرير هو بر القديسين .
هذه الإجابة من الرب الإله ضابط الكل الذي لذكره السجود ، إجابة للصوت العظيم من الجمع العظيم كصوت مياه ورعود القائل هللوا لله ، وأما المراد بهذه الثلاثة ، وهي الفرح والتهليل والتمجيد ، فينبغي أن نذكر معانيها أولا ، ثم نقرب المقصد في وصف الإله تعالى بها ، فنقول : إن الفرح عند الحكماء عارض نفساني يحرك الروح إلى خارج أولا فأولا عند نيل مأمول أو حصول محبوب . فالنيل هو المؤثر للعارض ، والعارض هو المحرك للروح والروح هو القابل للتأثر . فإذا قوى هذا العارض ، أثرى في الإنسان انبساطه ورفع صوته ورقصه ومرحه على نحو قوة العارض والتهليل قد عرفت أن معناه رفع الصوت عند الفرح والتمجيد تفعيل من المجد ، وهو الكرم والشرف . وإذ وضح . ، فلا نبادر بإنكار هذه الأوصاف لله تعالى ، وهي : انفعال وتأثر ، فإنهما لم يطلقا عليه بهذا المعنى ، بل نسبتهما إليه أن عرس الحمل محبوب عنده تعالى . فلما بلغ أمد هذا العرس وخرج من القوة إلى الفعل ، وكان هذا أسباب الفرح لأنه بلوغ محبوب ، سمی هذا الحال فرحا إطلاقا لاسم المعلول على علته ، والتهليل والتمجيد أصوات مخصوصة ، وكثيرا ما وصف تعالى بالأصوات الخطابية مجازا . وأما جواز إطلاقها شرعا فقد جاء ذلك كثيرا ، كقول المزمور : « يفرح الرب بأعماله » ، وورد أن الله يفرح بخاطىء واحد إذا تاب ، وفي المزمور : «صوت الرب على المياه » ” وعند قول سيد الكل «يا أبت مجد ابنك فجاء صوت قد مجدت وأيضا أمجد » ، فقوله : « أمجد » نبوة على على الموضع من هذه الرؤيا.
قوله : «لأن عرس الحمل أتى وعروسه التي اختيرت له» ، معروف أن الحمل هو سيد الكل كما مضى بيانه ، وأما عرسه فهو ظهوره في مجده بين ملائكته وقديسيه في وليمة الألف سنة[1]. وأما عروسه المختارة فهى المدينة المستجدة أورشليم السمائية ، وسيأتي وصفها ، وكما سمى أورشليم الأرضية امرأة زانية، سمی هذه عروسا مختارة[1]،
قوله : « وأعطيت أن تلبس حريراً زاهيا مقدسا لأن الحرير هو بر القديسين » ، قد فسر الحرير بأنه البر والزاهي هو الحسن المنظر لغةً والمقدس هو المطهر ، وأما اللباس فقد جاء بمعنى الوصف في مزمور مائة وثلاثة ، إذ قال : « لبست الاعتراف وعظم البهاء » بمعنى اتصفت بهما . ولا يكون أهل هذه المدينة إلا أبرارا ، فهم موصوفون بالبر ، والوصف الجارى عليهم جار عليها ، كما وصفت مدينة القدس بأنها زانية وبأنها عادلة إذ كان أهلها كذلك ، فالوصف لها بواسطتهم.
102- (9) وقال لي اكتب طوبى للمدعوين إلى وليمة الحمل وقال لي إن هذه الكلمات هي حق من الله (10) فسقطت أمام رجليه لأسجد له فقال لى لا تفعل لأنى أنا صاحب وخادم لك ولإخوتك الذين معهم شهادة يسوع فاسجد لله لأن شهادة يسوع هي روح الحق .
الضمير في قوله : «وقال لي» يعود على الملاك المذكور في أول الفص السادس والتسعين.
قوله : «اكتب » ، أمر بما سوف يكتبه من مرائي هذه الرؤيا ، وقد مضى أن طوبي لفظة سريانية تفسيرها سعادة . وبحق قال أن المدعوين إلى وليمة الحمل سعداء والوليمة لغة طعام العرس ، وأضافها إلى الحمل يريد بذلك نعيمه للأبرار في الألف سنة.
قوله : « وقال لي إن هذه الكلمات هي حق من الله» ، الضمير في قال عائد على الملاك المتقدم ذكره ، وأما الكلمات فتحمل معنيين ، أحدهما : ما قاله الآن ، وهو طوبى للمدعوين إلى وليمة الحمل ، وهو الأقرب والآخر : أن يكون أشار بذلك إلى الرؤيا جميعها . وأما كونها حقا الله فلأن الحكم بها صادق من جهة الله تعالى لا ريب فيه قوله : «فسقطت أمام رجليه » تاء الضمير من قوله فسقطت تعود على الرسول يوحنا صاحب الرؤيا ، وهاء الضمير من قوله أمام رجليه تعود عائد على الملاك المذكور.
قوله : «لأسجد له فقال لى لا تفعل» ، علة هذا النهي قد أعطاها الملاك بقوله : «لأني أنا صاحب وخادم لك ولإخوتك » المصاحبة تعارف يتبعه محبة وأنس ، والخادم هو الساعي في حوائج من يخدمه وفي منافعه ومقاصده ، فكأنه قال : من هو بهذه المثابة لا يسجد له بل لله، ويريد بإخوته بقية الرسل والأبرار.
قوله : «الذين معهم شهادة يسوع» ، الذين صلتها وعائدها وصف للرسل الأبرار ، والشهادة لها في اللغة أربعة معان ، وهي : الشهادة خبر قاطع ، وهي المراد هنا . الشهادة والحلفا . الشهادة العيان والحضور . الشهادة القتل في سبيل الله [الاستشهاد].
قوله : «فاسجد لله» ، السجود له معنيان في اللغة : أحدهما الخضوع ، والآخر وضع الجبهة على الأرض . فلاخضوع إطلاقا لاسم المعلول على علته ، ويقصد بها وجهان ، أحدهما : العبادة ، كالسجود للمعبود والثاني : الإكرام ، كالسجود لكل معظم مبجل من الملائكة والملوك والعظماء ، وهو جائز ، وقد استعمله الأنبياء والكهنة وغيرهم ، كما سجد أبونا إبراهيم للرجال الثلاثة، ولبني حث عند ابتياعه المغارة منهم، وكذلك سجد لوط للملاكين بسدوم ، وأسجد يعقوب نساءه وبنيه لأخيه عيسو فنهى الملاك أولا الرسول عن السجود له ، لا على أنه سجود عبادة ، فإن الرسول يجل عن ذلك ، بل على أنه سجود إكرام ، فنزهه عنه وأجله ، ثم أمره هنا بالسجود لله سجود عبادة.
قوله : «لأن شهادة يسوع هي روح الحق» ، شهادة يسوع قد قلنا إنها الإخبار القاطع بالهيئة ، والإضافة هنا إضافة اختصاص . وروح الحق يريد بها هنا الإيمان ، لأن الملكات النفسانية تسمى أرواحا ، وبهذا المعنى قال بولس الرسول : «روح الأمانة»، وصار تقدير قول الرؤيا : لأن الإخبار القاطع بألوهية يسوع هو إيمان الحق ، وجعل هذه علة السجود لله ، لأن الإيمان الحق يقتضى السجود له.
رؤ19: 11-16
103- (11) ومن بعد هذا رأيت السماء مفتوحة ورأيت فرسا أبيض والراكب عليه يدعى الأمين الصادق وهو يحكم بعدل (12) وكانت عيناه تشبه لهيب النار وأكاليل كثيرة على رأسه واسم مكتوب لا استطاعة لأحد أن يعلمه إلا هو وحده (13) وعليه ثوب مصبوغ بالدم ويدعى كلمة الله (14) والعسكر كانوا يتبعونه بخيل بيض وعليهم حرير زاه (15) ومن فيه يخرج سيف ماض ليضرب به الأمم ويرعاهم بقضيب من حديد ويدوس معصـرة الخمر التي لحنق غضب الله ضابط الكل (16) واسم مكتوب على ثوبه وفخذه ملك الملوك ورب الأرباب.
قوله : « ومن بعد هذا » ، أي من بعد بشرى الملاك بإتيان ساعة الحكم ، رأيت السماء مفتوحة ، وقد مضى الكلام على فتح السماء في الفص الثامن عشر.
قوله : « ورأيت فرسا أبيض والراكب عليه يدعى الأمين الصادق» ، قد أنذر بهذا الراكب الفرس الأبيض في الفص الخامس والعشرين ، الذي هو العنوان لهذا ، عندم فتح الحمل الختم الأول ، والرمز بالراكب إلى سيد الكل . وقد بين لنا هنا ذلك بقوله إنه يدعى الأمين الصادق وسبق لنا تفسير الأمين الصادق ، وسيصرح باسم سيد الكل هنا . والرمز بالفرس الأبيض على العدل والخير والظفر ، ومن هذا قوله هنا : وهو يحكم بعدل ، ومزاده العدل في النقمة من الدجال ومن معه.
قوله : « وكانت عيناه تشبه لهيب النار» ، فسرنا هذا الوصف في الفص الثامن بأنه رمز على معنيين : ثاقب العلم وكونه مخوفا مرهوبا.
قوله : « وأكاليل كثيرة على رأسه» ، فسرنا ما يدل على الإكليل والتاج في الفص الخامس والعشرين ، وهي سبع : الملك والحكم والشهادة والنبوة والرسالة والكهنوت والفرح ، وبيناها بأدلتها ، والمراد هنا الجميع ولذلك قال هنا إنها أكاليل كثيرة ، وتأمل كيف قال هناك [في فص ٢٥] إنه أعطى إكليلا وهنا أكاليل كثيرة ! والجواب إنه هناك رمز بالأكاليل على معنى واحد ، وهنا رمز بالأكاليل الكثيرة إلى معان كثيرة وإنما أظهر أكاليل كثيرة عند عرسه لتضاعف عظمته وجلالته ليدل بها على ذلك.
قوله : «واسم مكتوب لا استطاعة لأحد أن يعلمه إلا هو وحده » ، هذا الاسم الشريف الأعظم المكنون المكتوب هو مكتوب على رأسه لأنه عطفه على الأكاليل التي على رأسه ، ولا سبيل لنا إلى علم هذا ، إذ لا استطاعة لأحد أن يعلمه إلا هو وحده.
ولعل هذا هو الذي أشار إليه أشعياء النبي في قوله : «من أجل مولود ولد لنا وابن أعطيناه وسلطانه على منكبيه ودعى اسمه عجيبا » ، إذ العجب ما خفي معناه وسببه ، ويظهر أن السبب في إخفائه لخصوصية فيه وسر في معرفته ؛ ومثل هذا ذكر في الفص الثالث عشر ، المتضمن ما يكتب به إلى كنيسة برغامس عند قوله : «من يغلب أنا أعطيه من المن المخفى وأعطيه فصا أبيض وعلى الفص اسم جديد مكتوب عليه لا يدركه أحد إلا من أخذه »، ومثله ذكر أيضا في الفص الثاني والستين على الوحش البحري فقال : «واسم تجديف مكتوب على رؤوسه» . لكن الذي ظهر لنا من الاسم الذي على الفص أنه يدل على مجموع مواهب أهل الملكوت ، ومن الاسم المكتوب على رؤوس الوحش البحرى إنه يدل على ملكه ونفاذ أمره ونهبه وإشاعة اسمه ونقشه على الدينار والدرهم ووسم أهل الأرض به.
فإن كان هذا الاسم الذي في هذا الفص من هذا الجنس ، أي أنه يدل على ألوهيته وملكه وسلطانه وما يشبه ذلك ، فجائز وبالجملة فهذه حدوس(ظنون، تخمينات) على مدلولاتها . فأما هذه الأسماء فغير معلومة لنا.
وأما قوله في الفص الخامس والستين عن المائة وأربعة وأربعين ألفا أن اسم الحمل واسم أبيه مكتوبان على جباههم ، فيحتمل أن تكون الأسماء الظاهرة ، كقولك : الآب والابن ، أو : الله والحمل ، أو ما يشبه هذا ، ويجوز غيره .
قوله : « وعليه ثوب مصبوغ بالدم ويدعى كلمة الله » ، الثوب المصبوغ بالدم يوهم إنه رمز على أن الذي صلبه اليهود وطعن فسال دمه ، هو هذا العظيم الشأن . لكن ليس المقصود هنا هذا المعنى ، بل هي رمز على كثرة الدماء التي تراق من الدجال في الحرب العظيمة ، فإن أشعياء النبي تنبأ على هذه القصة وأوضحها بقوله فيها : «من هو الآتي من أدوم وثيابه حمر من بصرة بهي بلباسه وعزيز بقوته . أنا المتكلم بالبر المكثر للخلاص ما بال ثيابك حمر وقماشك كالذي صعد من المعصرة . إني دستها وحدي ولم يكن أحد من الشعوب معى عصرتهم بغضبي ووطئتهم بسخطى فامتلأ من دمائهم لباسي وجميع ثيابي تلطخت بالدم» ، وهذه النبوة قد أوردناها كاملة وفسرناها في الفص الثاني والسبعين . وأما كونه يدعى كلمة الله فتصريح باسمه لأنه ، أولا : سماه الأمين الصادق من حيث ناسوته . ثانيا : سماه كلمة الله من حيث لاهوته ، وهو الاسم الذي أطلقه الرسول عليه في أول بشارته.
قوله : « والعسكر كانوا يتبعونه بخيل بيض» ، يريد بهذا العسكر المائة وأربعة وأربعين ألفا ومن معهم من الأبكار والأبرار ، بدليل قوله في الفص الرابع عشر : «من يغلب ويحفظ أعمالي إلى الانقضاء أعطيه سلطانا على الأمم» ، فإذن يختص هذا السلطان بالمائة وأربعة وأربعين ألفا ومن معهم من الأبكار والأبرار . وخيلهم البيض رمز على السلطة والاستيلاء والنصر والغلبة على نحو ما تقدم.
قوله : « وعليهم حرير زاه» ، الضمير في عليهم عائد على العسكر الراكب . وقد فسر الفص المائة وواحد أن الحرير هو بر القديسين.
قوله : « ومن فيه(فمه) يخرج سيف ماض ليضرب به الأمم» ، فدل على أن الضارب واحد وهو سيد الكل . وأما قوله سيف يضرب فمعناه أنه ماض من شأنه قطع كل ما يلاقيه . ولكن هل هذا السيف على ظاهره أو هو رمز ؟ والحق إنه رمز بدليل قوله من فيه يخرج فهو رمز على القوة المهلكة ، وفي ذلك يقول أشعياء النبي : « ويضرب الأرض بروح ف ح فيه ويميت المنافقين بروح شفتيه » ، وقد حللنا هذا الرمز في تفسير الفص الثامن قوله : « ويرعاهم بقضيب من حديد » ، الرعاية هي السياسة وقوتها في اللغة القبطية بالضبط . ومعناها ينقسم إلى أقسام جزئية يصح على كل منها أن يكون رعاية : كالإحسان إلى البار ؛ والإساءة إلى الخاطيء : وهذه الإساءة تنقسم قسمين ، الأول : تأديب للإصلاح والثاني : انتقام للمجازاة بالحق وحفظ العدل والمراد هنا القسم الأخير ، وهو الانتقامي ، لأن أزمنة التأديب والإصلاح قد انتهت وعبرت . والقضيب الحديد يريد به السيف وإن كان على ظاهره ، فواضح إنه انتقام بالسيف ؛ وإن كان مرموزا بالأمر فهو عقاب الأشرار.
قوله : « ويدوس معصرة الخمر التي لحنق غضب الله ضابط الكل» الدوس رمر على تشديد الحرب وتسلطها ، كما أن دوس المعصرة تشديد مضغط لها والمعصرة رمز على الحرب العظيمة والحنق هو الغيظ والغضب معروف ؛ لكن الحنق أعم بأنه قد يكون للتأديب ، وقد يكون للغضب وتقدير القول : لأنه يشدد حرب الانتقام التي لغيظ غضب الله ضابط الكل.
قوله : « واسم مكتوب على ثوبه وفخذه ملك الملوك ورب الأرباب » ، في هذا القول أربعة أسئلة ، الأول : لم فسر هذا الاسم وكتم الاسم الأول المكتوب على الرأس ؟ الثاني : لم كتب هذا على الثوب والفخذ ؟ الثالث هل المعنى بكونه ملك الملوك ورب الأرباب اللاهوت أم الناسوت ؟ الرابع : ما فائدة هذه الكتابة ؟ والجواب عن الأول : للسر المختص بالمكتوم الثاني : أنه لم يرد كتابته في مكانين : أحدهما الثوب والآخر الفخذ ، بل المراد إنه مكتوب على مكان الفخذ من الثوب. وعن الثالث : إنه المجموع. وعن الرابع : أن الأسماء موضوعة لتعريف مسمياتها ، فمن الواجب أن يعرف صاحب الرؤيا بسيد الكل . ولما كان الاسم الأول مكتوما كتب الثاني معرفا ليكشفه ويعرف معناه.
رؤ19: 17-18
104- (17) ورأيت ملاكا آخر قائما في الشمس يصرخ بصوت عظیم قائلا يا جميع الطيور الطائرة في وسط السماء تعالى اجتمعي في الوليمة العظمى التي للرب الإله (18) لتأكلي لحوم الملوك ولحوم قواد الألوف ولحوم الجبابرة ولحوم الخيل والراكبين عليها ولحوم الأحرار والعبيد والصغار والكبار .
كون الملاك قائما ، ليظهر للحيوانات التي يناديها فتراه وتسمعه وتحضر إليه وكون قيامه في الشمس ، ليكون أظهر وصراخه بالصوت العظيم ، ليسمع النداء . فهذا تعليل الرأي . وأما هو على ظاهره أو هو قابل للتفسير ؟ فالحق أنه على ظاهره ، إلا الصراخ بالصوت فهو قابل للتفسير وسنبينه . ودليل الظهور ثلاثة أوجه ، أحدها : في الفص التالي عن شيعة الدجال ، إذ يقول : «وكل طيور السماء أكلت من لحومهم» والثاني : أن إرسال ملاك يجمع الطير يوم الحرب العظيمة غير ممتنع ، بل المعتاد أن تجمع لأكل الجثث . لكن هذا الجمع يكون أعظم والثالث : إنه لا ضرورة تصرفه عن الظاهر ، وفيه إشعار للسامعين بعظمة هذه الحرب.
وقد يجوز تأويله بأن هذه الطيور هي الملوك الآتية من مشارق الشمس لحرب الدجال ، وأن الأكل أراد به القتل والنهب والطيران سرعة المسير ، وكونها في وسط السماء ، لا أنها سائرة على الأرض، وهي في المكان الأوسط من السماء.
ولكن النص قد أرشد إلى أنه ظاهر بالصريح ، فلا معنى للتأويل.
قوله : «يا جميع الطيور الطائرة في وسط السماء تعالى اجتمعي في الوليمة العظمي التي للرب الإله» ، هذا نداء بلسان حال ، معناه : أن الملاك يجمع كل الطيور، والجوارح خاصة ، لأنها الأكلة لجثث القتلى ، فيكون قد أطلق العـام وأراد به الخاص والوليمة قد قلنا أنها في اللغة طعام العرس .
ودعيت وليمة لأن الكواسر تدعى إليها وتشبع فيها من لحوم البشر كما يشبع المدعوون من الطعام .
قوله : «لتأكلي لحوم الملوك ولحوم قواد الألوف ولحوم الجبابرة» ، قد صرح بعلة الجمع ، وهي أكل لحوم القتلى ، وذكرهم في أربع طبقات : الأولى منهم ثلاثة أصناف : ملوك وقواد ألوف وجبابرة . ولحوم الخيل والراكبين عليها هذه طبقة ثانية . قوله : « ولحوم الأحرار والعبيد » وهي طبقة ثالثة . قوله : « والصغار والكبار» وهي الطبقة الرابعة . وفصل هذه الطبقات ، وإن كان بعضها يغني لعمومه ، كقوله العبيد والأحرار ، وكقوله الصغار والكبار ليستوعب القصد . فإن قوله العبيد والأحرار يخرج عنها الخيل ، وكذلك قوله الصغار والكبار . ولو أضاف إلى إحداها الخيل لجاز أن يتأول فيها التخصيص فنفاه بهذا التفصيل بلاغة وحصرا.
ونظير هذا الفص قول حزقيال النبي في يأجوج : « وأنت يا ابن الإنسان فقل لكل طير السماء وكل ذئاب القفر اجتمعوا وتعالوا من كل موضع للذبيحة العظيمة في جبال إسرائيل لتأكلوا اللحم وتشربوا الدم . تأكلون لحوم الجبابرة وأبكار المفطمين والثيران والتيوس وعجول باشان وتأكلون لحم عظماء الأرض والخيل وركابها والرجال المقاتلة.
رؤ19: 19-21
105- (19) ورأيت الوحش وملوك الأرض وعساكرهم مجتمعين ليتحاربوا مع الراكب على الفرس الأبيض ومع عساكره (20) فصادوا الوحش والذين معه والنبي الكذاب الذي صنع العجائب فيهـم قـدامـه وربطوا الذين وسموا من الوحش والساجدين لصورته وألقوا الاثنين حيين في البحيرة المملوءة نارا وكبريتا (21) والبقية قتلوا بسيف الراكب على الفرس الذي خرج من فمه وكل طيور السماء أكلت من لحومهم .
هذا الفص عن يوم الحرب العظيمة وقد تقدم في هذا المعنى الفص السابع والخمسين الذي ذكر فيه حوادث البوق السابع . وهذا يتسق معه في المعنى بدليل قوله في ذاك [فص 57) : «وتهلك المفسدين للأرض» ، وهنا قال إنه أهلكهم.
قوله : « ورأيت الوحش » ، يريد الوحش البحرى ، وفرق بين قوله في الفص الثاني والستين : « فرأيت وحشا صاعدا من البحر» ، وقوله هنا : « ورأيت الوحش» ، فإنه أراد هناك وحشا على الحقيقة وهو المرموز به ، وهنا أراد به الملك الدجال ، وهو المرموز عليه ، وإنما أطلق عليه اسم الوحش مجازا ومثل هذا البحث مضى في تفسير الفص الخامس والستين في الفرق بين قوله : ونظرت إلى حمل واقفا ، وقوله : « ورأيت الحمل واقفا ».
قوله : « وملوك الأرض وعساكرهم مجتمعين» ، دل بهذا القول على أن الملوك النواب عن الدجال في أقطار المسكونة قد وصلوا إليه وصحبتهم العساكر والحشود بالخيل والرجل والآلات والسلاح ، ووصل أيضا إلى عسكر سيد الكل الملوك الواصلون من مشارق الشمس وعساكرهم ، وتكملت الفئتان المعدتان لمصاف الملحمة الكبرى والحرب العظمى ، وهذا معنى قوله : « ليتحاربوا مع الراكب على الفرس الأبيض ومع عساكره » .
قوله : «فصادوا الوحش والذين معه والنبي الكذاب الذي صنع العجائب فيهم قدامه» ، وهذا لا يكون إلا بعد وقوف الصفين للقتال ، وإشهار السلاح وإقامة الحرب ، ومصادمة العسكرين ، وإعمال السيف والرمح وغيرهما في القتل الذريع ، وانكسار الدجال فيها وخذلانه وإتلاف أكثر من معه وحينئذ يؤخذ الملك ، وهو الدجال ، وخواصه ونبيه الكذاب الذي هو الوحش البرى الذي كان يعمل الآيات أمامه لتؤمن به شيعته . فألغى ذكر جميع ذلك وذكر العلة ، وهي أمران أحدهما : أخذ الدجال ومن معه والثاني: أخذ نبيه الكذاب.
قوله : « وربطوا الذين وسموا من الوحش والساجدين لصورته » هذا الربط يحتمل وجهين أحدهما : كونه على ظاهره . والآخر : كونه متأولا بالاستيلاء عليهم ، وأخذ سلاحهم وأسرهم بالأمر الإلهي . وبقية القول واضح بنفسه وقد مضى الكلام فيه.
قوله : «وألقوا الاثنين حيين في البحيرة المملوءة نارا وكبريتا » ، هذا يدل على أنهما لا يموتان الموت الطبيعي ، بل ينقلان إلى جهنم ؛ وهذا عجب لكونهما لا يذوقان الموت الطبيعي ويذوقه سيد الكل بالجسد وأخنوخ وإيليا كما سبق القول ؛ ويظهر أن سبب هذا أن ما صارا إليه ، وهو أشد من الموت بكثير ، يعجل عليهما بالأشد.
قوله : « والبقية قتلوا بسيف الراكب على الفرس الذي خرج من فمه» يريد بالبقية جميع من قبل النبي الكذاب وتبع الوحش ، وهم الذين وسموا منه وسجدوا لصورته . وقد مضى لنا أن هذا السيف الخارج من الفم لا يكون على ظاهره ، بل يفسر بالقوة المهلكة التي تفعل بالقول أو بالأمر أو بالمشيئة أضعاف ما تفعله السيوف الماضية(٢) ، ودليل صحة ذلك ما قاله بولس الرسول نبوة على هلاك الدجال ، إذ قال : « ذاك الذي يهلكه الله بروح فيه» . وإذا كان القتل بروح فيه لا بسيف ، فكيف تجرى تلك الدماء من آل الدجال وكيف يصح قول أشعياء وقول هذه الرؤيا أن الثوب تزمل بالدم ، وأن الدم يخرج من المعصرة الممتلئة بالحرب ؟ ولا يمكن تأويل هذه الأماكن ، لأن التأويل أفضى بها إلى هذا المعنى . وإذا أول المعنى الذي وصل التأويل إليه بطل التأويل إذ لابد أن يستند المجاز إلى حقيقة ما ؟ والجواب : أن هذه الشبهة حدثت عن سببين أحدهما : نصوص لا يمكن تأويلها . والآخر : أماكن متأولة لا يمكن حملها على ظاهرها . فلا محيص عن الشبهة إلا ما يجمع بين القولين ، فنقول : إنا قد بينا في تفسير الفص الثاني والسبعين كيفية الأفعال بالوسائط وقررناه عندما أمر سيد الكل ملاك النار ، وأمر ملاك النار الملاك الذي بيده السيف المتولى الانتقام ليقطف عنقود عنب الأرض . فلا نحتاج إلى تكراره هنا . وعلى ذلك فيصح أن يكون الملوك الآتون من مشارق الشمس واسطة أيضا بين الملاك المتولى الانتقام الذي هو والى دولتهم وبين شيعة الدجال ، فيباشرون قتالها وقتلها وسفك دمائها بحد سيوفهم ؛ والفعل منسوب إلى سيد الكل . ويبقى السيف الخارج من فمه ومن فم عسكره ، والسيف الذي بيد الملاك المتولى الانتقام ، كلها مفسرة ، فهذا حل الشبهة وإجماع القولين.
- لقد تركنا المفسر يعرض بعض آرائه ، مع مخالفتها لأغلب آراء المفسرين ، لأنها خارجة عن المسائل الإيمانية . أما الآن ، وقد وجدناه يختلف أيضا في هذه المسألة العقائدية مع إجماع المفسرين ، فلم نر مندوحة عن إيراد الإيضاحات الصحيحة التي تتفق وإجماع العلماء ، وهذا لا يغمط من علمه الغزير وفضله الوفير ، والذي قرأ ما مضى من أقواله يقرنا على ذلك ، حيث نجده يتكلم بإيضاح واف عن مختلف العلوم والفنون من جغرافيا وطبيعة وطب وعلم نفس وبلاغة ، مع تمكنه من اللغات القبطية والسريانية والعبرية ، حتى أن القس يوسف الحلبي كثيرا ما اعتمد على آرائه فالبعض قد أشار إليها ، كما نقل الكثير بلا إشارة . فإذا كان في رأيه خلاف ، فليس معناه أن أقواله عديمة الأهمية ، ولكن الرجل قد اعتقد بصوابية رأى فأبداه وهذه شجاعة يحمد عليها ، لا سيما وكنيستنا القبطية لا تعتقد بعصمة أفرادها إلا في تقريرات المجامع الإيمانية فهذه تكون بإلهام الروح القدس . وعليه ، فمن المسائل التي أخطأ فيها مفسرنا ، قوله :
أولا : «وأما عرسه فهو ظهوره في مجده بين ملائكته وقديسيه في وليمة الألف سنة» ، وهذا خطأ محض :
1- لأن مجىء السيد المسيح في مجده مع ملائكته سيكون في اليوم الأخير عند الانقضاء .
2- قد أجمع العلماء على أن الألف سنة تبتدىء من قيامة السيد المسيح إلى يوم الانقضاء . وعليه ، يكون الرأي الصحيح عن ذلك العرس هو الفرح الدائم والسعادة الخالدة بملك عروس المسيح التي هي كنيسته المنتصرة في السماء.
وقد قال في ذلك القس يوسف الحلبي الكاثوليكي ، بعد قوله عن أحشويرش لما طلق وشتى وتزوج من أستير ، أنه أعد وليمة عظيمة لنبلاء دولته وعبيده (أس2: 18) «هكذا الله الآب فإنه أعد في السماء وليمة العرس الدائمة للمسيح والكنيسة المنتصرة ، أي المؤمنين . ففرح السماويين إذن وتهليلهم صادر عن قرب يوم النشور ، وإقامة عرس المسيح مع الكنيسة في السعادة الأبدية» (العنوان العجيب ، ص 469)
ثانيا : قال : «وأما عروسه المختارة فهي المدينة المستجدة أورشليم السمائية ، إلخ » ، وهذا خطأ أيضا ، لأن العروس هي كنيسة المسيح ، وهذا القول لا يختلف فيه اثنان. قال بولس الرسول : «إني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح» (2کو11: 3) وقال : «كما أحب المسيح أيضا الكنيسة وأسلم نفسه لأجلها لكي يقدسها مطهرا إياها بغسل الماء بالكلمة لكي يحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب» (أف5: 25-27)
نعم ، قد جاء في سفر الرؤيا ما نصه : « وجاءني واحد من الملائكة السبعة الذين معهم الجامات السبعة المملوءة من الضربات السبع الأخيرة وكلمني قائلا هلم فأريك العروس امرأة الحمل وذهب بي بالروح إلى جبل عال وأراني المدينة المقدسة أورشليم نازلة من السماء من عند الله» (رؤ21: 9و 10) ، ولكن الذي يطالع الأعداد 1 و 3 و 4 من هذا الأصحاح يجد الرسول قد رأى سكان أورشليم السمائية وهنا في عددی 9و10 يرى ذلك المسكن ذا المجد الباذخ الذي تقيم فيه عروس المسيح المنتصرة وما هو عليه من مجد وبهاء ، ويحتمل أنه ذكر المكان ويقصد به المكين وهذا جائز – وتظهر لنا هذه الحقيقة بأكثر جلاء من ذلك المثل الذي ضربه السيد المسيح عن العشر عذاري ، إذ قال : « يشبه ملكوت السموات عشر عذاري أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العريس ، إلخ» (مت25: 1-13) وهذا لا يحتاج إلى إيضاح.
قال القس يوسف الحلبي عن قوله : « وعروسه التي اختيرت له » : «هكذا يقول إن الكنيسة تزينت بكل فضيلة فاخرة وتمت في عدد المختارين وهم الرسل والشهداء والعذاري والمعترفين ، فلم يبق لها إلا أن تساق إلى خدر عريسها في السماء وتتمتع به هناك إلى أبد الدهور» . اعلم أن الكنيسة هنا في العالم عروس المسيح ، ويكون إملاكها في العماد بواسطة النعمة أما هناك ، فيكون عرسها بواسطة السعادة الخالدة . وقد جاء في نشيد الأنشاد ما يدل على إملاك المسيح مع الكنيسة ، وهو : « يا بنات صهيون أخرجن وانظرن إلى سليمان وإلى الإكليل الذي كللته به أمه يوم إملاكه» (نش3: 11) (العنوان العجيب ، ص 469 و 470).
تفسير سفر الرؤيا – 18 | سفر الرؤيا – 19 | تفسير سفر الرؤيا | تفسير العهد الجديد | تفسير سفر الرؤيا – 20 |
ابن كاتب قيصر | ||||
تفاسير سفر الرؤيا – 19 | تفاسير سفر الرؤيا | تفاسير العهد الجديد |