رو8: 19 لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله

 

لأَنَّ انْتِظَارَ الْخَلِيقَةِ يَتَوَقَّعُ اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ.“(رو8: 19)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

 ” لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله. إذ أخضعت الخليقة للبطل. ليس طوعا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء ” (رو19:8۔20).

إن معنى ما يقوله هو: أن هذه الخليقة تتألم جدا، لأنها تنتظر وتترجى خيرات الدهر الآتي، التي تكلمنا عنها الآن، لأن الانتظار يعني الرجاء الكبير، لكن لكي يصير الكلام أكثر قوة، فإنه يشخصن العالم كله، الأمر الذي صنعه الأنبياء، فيعرضون للأنهار وهي تصفق، والجبال وهي تتحرك وتبتهج، وهذا لا يعني أن هذه الأنهار والجبال لها نفس، أو يمكن أن ينسب لها فكر معين، بل لكي تعرف مقدار الخيرات الوفيرة جدا، إذ هي تصل حتى إلى هذه الأشياء التي لا تحس . إنهم يفعلون ذلك أيضا حين يتعرضون للأمور المحزنة، فيقدمون الكرمة تنوح، والجبال وأحجبة الهياكل وهي تصرخ، لكي نستطيع أن نفهم أيضا مقدار الشرور الكبيرة . إذا هذا ما يوضحه الرسول بولس هنا، فيشخصن الخليقة، ويقول كيف أنها تئن وتتمخض، لا لأنه ، ، سمع أنينا يخرج من الأرض ومن السماء، لكن لكي يشير إلى خيرات الدهر الآتي الوافرة جدا، ويعلن الرغبة في التخلص من الشرور التي كانت سائدة.

” إذ أخضعت الخليقة للبطل. ليس طوعا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء “. ماذا يعني ” أن الخليقة أخضعت للبطل “؟ يعني أنها صارت فاسدة. لأي سبب ولماذا صارت فاسدة؟ حدث هذا من أجلك أنت أيها الإنسان. لأنك أخذت جسدا فانيا وضعيفا، ولأن الأرض قبلت اللعنة وأنبتت شوكا وحسكا. لكن السماء والأرض عندما تشيخان ستتحولان في النهاية إلى مصير أفضل، اسمع النبي الذي يقول: ” من قدم أسست الأرض والسموات هي عمل يديك. هي تبيد وأنت تبقى وكلها كثوب تبلى كرداء تُغيرهن فتتغير “٢٩٦. وإشعياء أيضا يعلن عن نفس الأمر قائلاً: “ارفعوا إلى السموات عيونكم وانظروا إلى الأرض من تحت فإن السموات كالدخان تضمحل والأرض كالثوب تبلى وسكانها كالبعوض يموتون “

أرأيت كيف أخضعت الخليقة للبطل، وكيف ستتحرر أيضا من الفساد؟  لأن داود يقول ” كلها كثوب تبلى كرداء تغيرهن فتتغير “، بينما يقول إشعياء “وسكانها كالبعوض سيموتون “. دون أن يتحدث عن الدمار الكلي أو الكامل، لأنه لن يصاب سكان الأرض، أي البشر بمثل هذا الدمار، لكنه يقصد الدمار الوقتي، ومع هذه الأرض سينتقلون إلى عدم الفساد ، تماما مثل الخليقة. كل هذا أشار إليه، بأن قال “كالبعوض”. 

هذا بالضبط ما يعلنه الرسول بولس هنا. لكنه أولاً يتحدث عن خضوع الخليقة، ثم يوضح لأي سبب حدث هذا ، فيقول: هل الخليقة أحتقرت وعانت البطلان، لأجل سبب آخر؟ لا على الاطلاق، لأن ما حدث هو بالحقيقة من أجلي أنا. هي التي عانت أو جازت البطلان من أجلي، كيف ستُظلم، إن كانت تلك الأمور التي عانتها، هي من أجل إصلاحي؟ فضلاً عن ذلك فإن الحديث عن الظلم والعدل، لا يجب أن نمتد به إلى الأشياء الجامدة وغير الحسية. لكن لأن بولس شخصن الخليقة، لم يقل أي شيء مما ذكرته، لكنه تحول إلى الحديث عن أشياء أخرى، فقد بادر إلى تقديم تعزية كبيرة جدا للمستمع، فماذا يقول؟ هل يقول إن الخليقة نالها الشر لأجلك، وصارت فاسدة؟ لكن الظلم لم ينلها مطلقا، لأنها ستصير فاسدة أيضا، لأجلك. لأن هذا هو معنى” .. على الرجاء “. لكن عندما يقول ” إذ أُخضعت .. ليس طوعا”، لم يقل هذا لكي يظهر، كيف أن لها فكر، بل لكي تعرف أن كل الأشياء مرتبطة برعاية المسيح، وأن هذا الإنجاز (العتق من الفساد)، غير مرتبط بالخليقة. حسنا أخبرني إذا، على أى رجاء أخضعت الخليقة؟

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

“لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله” [19].

ماذا يقصد بالخليقة التي تترقب في شوقٍ إعلان بنوتنا لله؟

يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن الرسول يقصد بالخليقة هنا العالم كله بما فيه من جمادات. فإن كان الله قد خلق العالم كله من أجل الإنسان ليحيا سيدًا فيه يحمل صورته الإلهية ومثاله، فإن فساد الإنسان انعكست آثاره حتى علي الخليقة، فعندما سقط آدم جاء الحكم: “ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكًا وحسكًا تنبت لك” (تك 3: 17-18). قاوم الإنسان إلهه، فأثمرت مقاومته مقاومة الخليقة له، لكنها حتى في هذه المقاومة كأنها تترجى عودته إلى حضن الله كابن له فتعود هي متهللة من أجل الإنسان الذي خلقت لأجله.

صوّر الرسول بولس الخليقة كشخصٍ يئن ويتمخض معًا يترجى صلاح الحياة كلها. غير أن هذا لا يُفهم بصورة حرفية مادية وإلا توقعنا أن تعود البشرية كما مع آدم في الفردوس الأول الأرضي المادي ويبقى الفردوس خالدًا، الأمر الذي يتنافى مع فكر المسيح وروح الإنجيل، إنما أراد الرسول أن يبرز فاعلية عمل السيد المسيح في حياة الإنسان، حتى تكاد الخليقة غير العاقلة أن تنطق متهللة من أجل المصالحة مع الله وعودته إلى الأحضان الأبوية.

في أوضاع استثنائية سمح الله للطبيعة العنيفة أن تخضع للمؤمن، كملاطفة الحيوانات المفترسة الجائعة للشهداء في الساحات الرومانية، وعدم فاعلية السم علي بعضهم، وسكنى بعض المتوحدين والسواح مع الحيوانات البرية، وإعالة البعض في الصحراء بواسطة غربان الخ. هذا كله لم يكن قاعدة عامة إنما تحققت بفيض خاصة في عصور الضيق الشديد لمساندة الإيمان بطريقة ملموسة، ولتأكيد العطايا الإلهية الداخلية غير المنظورة والأمجاد السماوية المترقبة.

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم:

[يجعل (الرسول بولس) من العالم كله أشبه بشخصٍ، كما سبق ففعل الأنبياء عندما قدموا الأنهار تصفق بالأيادي (مز 98: 8)، والتلال تقفز، والجبال تتحرك، لا لنتخيل هذه الكائنات الجامدة أشخاصًا حية، فننسب لها قوة العقل، وإنما لكي ندرك عظمة البركات وكأنها قد أثارت الخليقة غير الحسية أيضًا. يستخدمون ذات الأسلوب أيضا في الظروف المؤلمة حيث يصورون الكرمة تنتحب والخمر يبكي والجبال وعوارض الهيكل تصرخ، لندرك مدي بشاعة الشر. هكذا امتثل الرسول بالأنبياء فجعل من الخليقة هنا أشبه بكائن حي يئن ويتمخض، لتظهر عظمة الأمور المقبلة…

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (19): “لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله.”

الخليقة هي العالم بكل ما فيه من جمادات فالله خلق العالم لأجل الإنسان، والله خلقه فوجده حسن، كان العالم جميلًا جدًا. لكن حينما فسد الإنسان إنعكس فساده على الأرض لذلك سمعنا قول الله “ملعونة الأرض بسببك.. شوكًا وحسكًا..” (تك3: 17، 18) وحين قاوم الإنسان إلهه قاومته الخليقة، كما إظلمت الشمس حين صُلِبَ رب المجد. فالفيضانات المدمرة والتصحر المهلك، والزلازل المدمرة القاتلة عكست فساد الإنسان بل أن وحشية الناس (قايين /شعب روما بملاعبه التي يعذبون فيها العبيد..) انعكست على الحيوانات فصارت وحوشًا تأكل بعضها. صارت الخليقة كالمرآة تعكس حال الإنسان. وعكس هذا فقداسة الأنبا برسوم العريان انعكست على الثعبان ففقد وحشيته. وبسبب الأنبا بولا قيل إن الله يفيض مياه النيل. لهذا تصور بولس الرسول هنا أن الخليقة تنتظر أن يستعلن مجد أبناء الله فينعكس هذا عليها، وتستعيد صورتها الجميلة الأولى وبهاءها.

اسْتِعْلاَنَ أَبْنَاءِ اللهِ = حين يعلن المجد المستتر الآن في أبناء الله تتمجد الخليقة أيضا. وهذا لن يحدث إلاّ في الأبدية حينما يعود الإنسان للأحضان الإلهية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى