تفسير رسالة رومية اصحاح 3 للأنبا أثناسيوس مطران بني سويف

الناموس والإيمان رو 1:3: – 8: 39

1 ـ الناموس يمهد للخلاص3: 1-20

اسـتـؤمنوا على أقوال الله 3: 1 ـ 8 يقـول هذا الجزء أن اليـهـودية استؤمنت على أقوال الله ، وإن لم يكن أبناؤها أمناء كما يجب ، إلا أن الله كان أميناً . فما معنى الكلام . الله اختار أبناء إبراهيم ليحملوا رسالة الإيمان بالوحدانية ، ويكونوا مستعدين لمجئ المخلص . فإن خلاص البشرية اقتضى تكوين شعب وبيئة معينة تزرع وتنمو بينها الديانة التمهيدية لخلاص البشرية . فلما كانت البشرية فد تفرقت عقائد كان فيها أنواع أيمان بألوهية المخلوقات ، وصارت مجتمعات كثيرة جداً انحدر كثير منها إلى بداية غريبة يسميها العلماء الآن العصور الحجرية ، والزراعية وما قبل التاريخ المنظم والجماعات المنظمة بعصور طويلة جداً ، وكان فيها ما لا  يحصى من السلوك واللغات واللهجات ، ثم تطورت شعوب وكونت أشكالاً مستقرة من الدول كمصر وبلاد الكلدانيين في جنوب مابين النهرين ، فأن الله اختار أسـرة أو قـبـيـلة صـغـيـرة ظلت على أيمانهـا بـوحـدانـيـة بين . المعتقدات ، هي أسرة ابرام ، وهو رجل متميز الإيمان والعقل والسلوك لكي يرعاها ويكون منهـا جـمـاعـة مـؤمنة به لا تختلط عـقـيـدتـهـا وآدابهـا بانحرافات ما حولها من الشعوب ، ويواليها بالتعاليم والتوجيهات والبركات والتأديبات حسب اللزوم إلى أن يأتي زمن تجسده أي اتحاده الفعلى بالبشرية ليرفع عنها تسلط الشر ويعيدها إلى أحضانه مرة أخرى . فكان اختيار قبيلة العبرانيين التي أسسها الرجل المؤمن ابراهيم وحرص على تنشئة أبنائه على شاكلته من الإيمان والتقوى ، اختياراً تمهيدياً لتنمو فيه كرمة الخلاص ومنه تنقل إلى سائر العالم فتعيد تبشيره تبشيراً كاملاً بالأله الواحد نبع الحياة الأبدية متحداً بهم اتحاداً كاملاً ليحمل قذرهـم ومـواتهم بأحشاء رأفته فيرفعهم على ذراعيه إلى ما فوق الفساد وينفثهم روح القداسة والسعادة الأبدية مرة أخرى . لهذا اختار بني إبراهيم وفيهم ظهر أبرار كثيرون وبينهم  تلألأت جوهرة عذراء منها أخذ جسداً وفيها سكن تسعة أشهر كالبشر ليكمل سيرة تجديد البشرية. ” إذا ما هو فضل اليهودى أو هو نفع الختان …اسـتـؤمنوا على أقوال الله ليكن الله ….صادقاً وكل إنسان كاذبا … لكي تتبرر في كلامك وتغلب ( على الدوام ) متى حوكمت ( نوقشت الحساب ) ، ( رو3: 1-4 )

أما إيمانهم فحدده حتى لا يشوبه تشويه ، وعن تعليمهم فوالاه في أمور الحياة والسلوك مصلحاً ما يفسد ومعالجاً ما يمرض ومنمياً من يسير على العهد وأما العبادة فحدد معالمها مميزة عن غيرها ، والحق أنهم كانوا عليها شديدي الغيرة يموتون دون معابدها ، ويشخصون إليها بالضراعة من أماكن سبيهم أو تشتتهم ، وأن كانوا كثيراً ما يهتمون بالشكل دون الجوهر والمعنى ، إلا أنها كانت علامة ثابتة لحفظ الإيمان . ففي الإيمان أعطى الشريعة وصايا واضحة ، وفي التعليم لم يقطع عنهم الأنبياء والمعلمين شفاهة وكتابة ، وتحمل المعلمون منهم متاعب جمة لكنهم ثبتوا في أداء رسالاتهم إلى النهاية ، وفي العبادة أفرز سبطاً كاملاً ليكهن ويخدم ورسم نظم العبادات والذبائح والتقدمات في المناسبات والعشور الدائمة وتحداهم أن يباركهم نظيرها فكانوا يؤدونها بشغف لإرضائه ومكافآته

وكان المسيا الملك والمخلص في كل ذلك رمــزا وأعـلانا . ففى الإيمان والتعليم المسيا هو الأقنوم الثاني المتجسد « أني أخبر من جهة قضاء الرب . قال لي أنت إبنى . أنا اليوم ولدتك . أسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصى الأرض ملكاً لك …. يا أيها الملوك تعقلوا تأدبوا يا قضاة الأرض . قبلوا الابن لئلا يغضب فتبيدوا من الطريق ، . ( مز2: 7-12) وعن صلبه “جماعة من الأشرار اكتنفتني ثقبوا يدى ورجلي …. يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسى يقـتـرعـون » مز 22: 17و18 .. وعن أزليته ومحبته للبشرية « الرب قناني أول طريقه من قبل أعماله منذ القدم كنت عنده صانعاً …. فرحة في مسكونة أرضـه ولذاتي مع بني آدم . » ( أم 8: 22 و30 و31) وغير ذلك الكثير والصريح في أشعياء وغيره .) .

 وفي العـبـادة لا يرضى الله الانسـان دون الذبائح ، والرضـا الحقيقي مؤجل كتحريم الدخول إلى قدس الأقداس إلا مرة في السنة يدخله رئيس الكهنة « معلناً الروح القدس بهذا أن طريق الأقداس لم يظهر ( يعلن ويفتح ) بعد » ( عب9: 8 ، خر30: 10 ) و « قال الرب لموسى كلم هرون أخـاك ألا يدخل كل وقت إلى القدس داخل الحـجـاب أمام الغطاء الذي على التابوت لئلا يموت » ( لا16: 2 ) والذبائح الحـيـوانـيـة رمـز لصلبه ، أما عهده مع تلاميذه فبالخبز والخمر « أقسم الرب ولم يندم . أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق » . ( مز110: 4 ) ألا ليتهم الآن يفتحون عيونهم ليروا أن الأقوال التي استئمنوا عليها قد تمت ، ، وأن المسيا جاء ملكا على القلوب وليس على دائرة من الأرض !

 

الخطيـة سـائدة على أصحاب النامـوس كغيرهم 3: 9-20 “شكونا أن اليـهـود واليونانيين أجـمـعين تحت الخطية” (رو3: 9)  مكتوب في سيرهم ، وصـراحـة في سـفـر المزامير « ليس بار ولا واحـد » والجميع زاغوا وفسدوا معا ليس من يعمل صلاحاً ليس ولا واحد » ( مز 14 ومز 53 ).

ولما كان الناموس يقرر ذلك على تابعيه ، و”بأعمال الناموس لا يتبرر كل ذي جسد أمامه … » 3: 20 فالعالم كله في حاجة للمخلص . وما كان الناموس إلا لأعداد البعض لتقبل المخلص « لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما » ( غل2: 16) « إذا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان » ( غل 3: 24) . أما المؤدب فقد كان معلماً يشرف على تعليم الابن اشرافاً كاملاً ، وكان في كثير من الأحيان يقيم في البيت الذي يقوم بتربية أبنائه . وكان له سلطان كبير على الأبناء لا يكسره أهلهم . مثلما نسمع عن معلم اسكندر المقدوني ، أو عن أرسانيوس معلم أبناء الملك . والرسول يقول و قد كان الناموس مؤدبنا ، أي مشرفاً علينا إلى وقت النضج ومجئ المسيا .

2- من أيمان لأيمان 3: 21  – 4: 25

البر الحقيقي 3: 21-31

يقول هذا الجزء أن « الآن قد ظهر بر الله بدون الناموس مشهودا له من الناموس والأنبياء ، 21 فلقد كان الأنبيا يعلمـون بهذا ، إذ قال أشعياء النبي في الأصحاح الواحد وستين “روح السيد الرب علىَّ لأن الرب مسحنى لأبشـر المساكين ، أرسلني لأعصب منكسرى القلب …. لأجعل لنائحي صهيون لأعطيهم جمالا عوضا عن الرماد …. فيدعون أشجار البر ، غرس الرب للتمجيد …. لأنه كما أن الأرض تخرج نباتها وكما أن الجنة تنبت مزروعاتها هكذا السيد الرب ينبت برا وتسبيحاً أمام كل الأمم » ( أش61: 1-11) . وفي الاصحاح الرابـع والستين قـال و قد صرنا كلنـا كنجس ، وكـثـوب عـدة كل أعمال برنا ، ( اش64 : 6 ) وقال دانيال النبي ( سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية…ولكفارة الأثم  وليـؤتـى بالبـر الأبـدى ولختـم الرؤيـا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين”(دا9: 24 ) .

 أما القول بأن الأعمال الصالحة تمحو الخطايا فقال عنها حزقيال النبي “وأنت يا أبن آدم قل لبنى شـعـبك ان بر البـار لا ينجيـه في يوم معصيته ، ولا يستطيع البار أن يحيا ببره في يوم خطيئته” (حز33: 12). والحقيقة أن بر الانسان هو عمل صالح لكنه لا ينقيه أو يمحو خطيئته . أما بر الله فهو كامل ويطهر الإنسان و متبررين مجانا بنعمته بالفـداء الذي بيسوع المسيح ، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لأظهار أجل الصفح عن الخطايا السالفة …. لأظهار بره في الزمان الحاضر ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع . » ( رو3: 24-26 ) فان كان للشريعة القديمة فضل أنها استؤمنت على أقوال الله ( 3: 2 ) فان الفضل انتفى بعد الخلاص ” إذا نحسب ، أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال النامـوس …. لأن اللـه واحـد هو الذي سـيـبـررا الخـتـان بالايمان والغـرلة بالإيمان » 28-30

تبرير ابراهيم أب جميع المؤمنين 3: 31 –  4: 25

يبـدأ هذا الجزء بسؤال ، هل العهد الجديد يبطل العهد القديم ، وتكون الاجابة تثبيت العـهـد القـديم مع الجديد . « أفنبطل الناموس بالإيمان حاشا . بل نثبت الناموس ، 3: 31. وفى هذا توكيد لارتباط العهدين تاريخا وإيمانا وكتابا.

أما التاريخ فالعـهـد القديم يحوى تكوين جماعة المؤمنين ، وتوالى المواقف المؤدية إلى الخلاص من لحظة إلباس آدم وحواء أقمصة من جلد ، إلى مجئ يوحنا المعمدان على شاكلة النبي ايليا في الحياة في البرية وأعلان الحق للمجتمع وللملوك حتى قال عنه الرب نفسه « إن أردتم أن تقبلوا فهذا ايليا المزمع أن يأتى » ( مت11: 14 ) وذلك كما قال ملاخي النبی « هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجئ يوم الرب العظيم والمخوف ، فيرد قلب الآباء على الأبناء وقلب الأبناء على آبائهم ” ( ملا 4: 5 – 6). وامتلأ العهد القديم بسير الأنبياء والقديسين من قايين إلى أخنوخ ونوح وإبراهيم . سلسلة لا تحصى من الذين أرضـوا الرب بأعـمـالـهم ، وهم نماذج وآباء لنا في الإيمان والطاعـة للرب والالتزام بالشـريـعـة والنظر إلى المخلص ، في الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصـدقـوهـا وحـيـوها » ( عب 11: 13) « لأنه يعـوزني الوقت أن أخبرت عن جدعون وباراق ….. وداود وصموئيل والأنبياء وهم لم يكن العالم مستحقا لهم …. فهؤلاء كلهم مشهوداً لهم بالإيمان لم ينالوا الموعد. إذ سبق الله فنظر لنا شيئاً أفضل كيلا يكملوا بدوننا . » ( عب 11: 33- 40 ) وكانوا ناظرين إلى ( الخلاص الذي فتش وبحث عنه أنبياء ، الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم . باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي فيهم …. » ( 1بط1: 10–12)

وعلى الرغم أن بعضنا يجد صعوبة في تتبع الفكر في بعض فصول العهد القديم ، إلا أن روح الرب الذي تكلم في الأنبياء هو الذي تكلم في رسل الرب ، ويجعل لنا في العهد القديم تعاليم التأديب مع ما تحويه أيضاً من تعاليم النعمة ، وفي العهد القديم تعاليم النعمة مع ما تحويه أيضاً من التأديبات . فالعهدان متكاملان ، مثلما قال معلمنا بولس لتلميذه تيموثاوس ه وأنك منذ الطفولة تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تحكمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع . كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ ، للتقويم والتأديب الذي في البر ، ليكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح . » ( 2تی3: 15 – 17 ) . « أفنبطل الناموس بالإيمان . حاشا . بل نثبت الناموس . » ( رو3: 31) .

تفسير رومية – 2 رسالة رومية – 3 تفسير رسالة رومية تفسير العهد الجديد تفسير رومية – 4
 الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف
تفاسير رومية – 3 تفاسير رسالة رومية تفاسير العهد الجديد

 

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى