القيامة مكاسب وأمجاد

 + كم كانت حواسنا تنتعش وأجسادنا تكاد ترقص طرباً ونحن نرنم مع أطفال كنائسنا فـي مدارس الأحد – منذ عشرات السنوات – ترانيم القيامة المفرحة وكنا نقول فيها:

أخرستوس انســتـي     أليـــسوس أنستي
قام المسيح إلهنـا         وانتصر على الموت
في الصليب قوتنا       في الصليب عزتنـا
في القيامة حياتنـــــا     في القيامة فرحتنـــــــــا 

+ وبالحق فإن القيامة المجيدة التي لمخلصنا الصالح فيها مكاسب وانتصارات، وفيها أمجاد وأفراح. فالمؤمن الحقيقي المتحد بإلهه القائم معه وهو دائماً كاسب ورابح، ظافر ومنتصر، ممجد وفرحان؛ ولا توجد فرحة في الوجود تعادل فرحتنا بمسيحنا القائم؛ كما لا يوجد مجد يلبسه الإنسان مثل المجد الذي خلعه عليه الرب بقيامته الممجدة، بل ولا نعرف مفهوما للغلبة والنصرة مثل ذاك الذي وهبتنا إياه قيامة السيد المسيح.

+ من فيض هذا الغني الذي لمكاسب القيامة وأمجادها نختار بعض العينات:

١- الفرح والبهجة عوض الأحزان

+ عندما ظهر الرب لتلاميذه بعد القيامة وهم مجتمعين في العلية في أول الأسبوع أراهم يديه وجنبه ومنحهم السلام “ففرح التلاميذ إذ رأوا الرب” (يو 20: 20). هذه الفرحة التي ملأت قلوب التلاميذ برؤية الرب القائم هي تعبير عن فرحة كل مسيحي حقيقي برؤية إلهه قائماً منتصراً “فتبتهجون بفرح لا ينطق به ومجيد” (1بط 1: 8)، وكما اشتركنا في آلامه نفرح باستعلان مجده في القيامة بل كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضاً مبتهجين (1بط 4: 13).

+ إن المؤمن الحقيقي في صورته المثالية لا يجزن مطلقاً لأن الرب القائم هو مصدر أفراحه الدائم وينبوع تهليله المستمر .. وهو يعلم تماما أن ينبوع أفراح الرب لا ينضب ولا يجف. لذلك “افرحوا في الرب كل حين وأقول أيضاً افرحوا” (في 4: 4).

+ وليس أدل على سمو هذا الفرح وغناه مثل دعوة الكنيسة لصفوف السمائيين أن تشاركنا هذه الفرحة فتستدعي الطغمات السمائية في مديح القيامة ليشاركونا فرحتنا بهذا الانتصار الغالب:

يا كل الصفوف السمائيين          رتلوا لإلهنا بنغمات التسبيح
وابتهجوا اليوم معنا فرحانين     
بقيامة السـيد المسيح
اليوم انتشرت أعلام الخلاص    وتجددت الأجسام والأرواح. 
 وفاز المؤمنون برفع القصاص    ومجدوا الله بالتسابيح والأفراح

٢- الثقة في الخير وانتصار الحق وقيم الفضيلة

+ هذا مكسب عظيم تجلبه علينا القيامة إذ تسكن قلوبنا من جهة الحق وتملأها ثقة متزايدة أن الحق لابد منتصر لأنه هو المسيح نفسه الإله الحق من الإله الحق. ففي القيامة رأينا حب المسيح القائم ينتصر على بغضة صالبيه والحاقدين عليه، ورأينا النقاوة والصدق ينتصران على الافتراءات الكاذبة وشهادات الزور ثم قام قوم وشهدوا عليه زورا.. ولا بهذا كانت شهاداتهم تتفق.. أما هو فكان ساكتاً ولم يجب بشيء (مر 14: 57-61).

+ الآن يتحول صمت المسيح الوديع إلى زلزلة عظيمة لأن ملاك الرب نزل من السماء ودحرج الحجر فارتعد الحراس وصاروا كأموات، وأجاب الملاك المريمات قائلاً ليس هو ههنا لأنه قام (مت 28: 2-6). هكذا بالقيامة يتقوى رجاؤنا أن الفضيلة لا تموت لأن رب الفضائل والكمالات انتصر على الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه.

 + نشكرك يارب لأن بالقيامة تتشجع قلوبنا ولا تصغر نفوسنا في الشدائد بل يهرب منا كل حزن رديء ووجع قلب، ويتبدد عنا كل يأس وقنوط، ويفارقنا كل إحباط وصغر نفس، فنخرج بالقيامة متهللين بمسيحنا القائم من الأموات إذ هو الأسد الخارج من سبط يهوذا خرج غالباً ولكي يغلب (رؤ 6: 2).

3- مفهوم جديد للقوة والشجاعة:

+ منذ السقطة الأولى لأبوينا الأولين والبشرية مسكينة تتخبط في مفاهيم معتلة للقوة وتفاسير مضللة للشجاعة وفرض النفوذ : فالبعض يفهم القوة على أنها إمكانية السلاح والبطش والتدمير وسفك الدماء، والبعض الآخر يستمد قوته من قدراته جسمانية خارقة يتوهمها في جسده المسكين المحدود، وفريق ثالث يظهر شجاعته وبأسه بالنفوذ وفرض السلطة وإذلال الآخرين.. بل الإنسان الشرير عموما – وهو في حالة التدني وضعف الفكر – يستمد قوته من الإحساس بالذات وتأليهها واضفاء الكرامة عليها واستجداء المديح لها ولو بطرق غاشة وأساليب هزيلة. وبإزاء هذا الفكر الهابط الذي ملك على عقول البشر تجاه القوة جاء الرب يسوع ليعطينا مفهوماً جديداً عن القوة والشجاعة من خلال الانتصار على أسباب البوار والضعف الداخلي للنفس ألا وهي النجاسة والشر والخطية، وأيضاً من خلال الانتصار على الذات وتطويعها بالحب والسماحة لمواجهة جحافل الحقد والكراهية. والانتصار على الباطل والغش باقتناء الحق الإلهي المعاش “فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح” (في 1: 27)، “حق المسيح” (في 2كو 11: 10) . وهكذا بتمتعنا بالقيامة وفاعليتها فينا يصير لنا اختبار المؤمنين الأصلاء “أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني” (في 4: 13). 

+ إن القيامة سكبت علينا قوة فائقة لا يقتنيها أحد إلا باتحاده بالمسويح القوي القائم من الأموات تلك التي عبر عنها بولس الرسول فقال فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل عليّ قوة المسيح. لذلك أسر بالضعفات والشتائم والضرورات والاضطهادات والضيقات لأجل المسيح لأني حينما أنا ضعيف فحينئذ أنا قوي (2کو 12: 9 ، 10). هذا هو برهان المسيح المتكلم فينا الذي ليس ضعيفاً، لأنه وإن كان قد صلب من ضعف لكنه حي بقوة الله. فنحن أيضاً ضعفاء فيه لكننا سنحيا معه بقوة الله (2كو 13: 3، 4 ) .

4- سحق العداوة

+ منذ سقوط آدم في الخطية وقد صار له ولكل نسله أعداء كثيرون وأضداد خطيرون إبليس – الخطية – العالم – الموت. وهناك إشارات إنجيلية تثبت ارتباط كلمة العداوة وما فيها من خداع بهذه المسميات:

* إبليس: “اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمساً من يبتلعه هو ” (2بط 5: 8)

* الخطية: “لأن أجرة الخطية هي “موت” (رو 6: 23) ، لأن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني (رو 7: 11)، “الشهوة إذا حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتا (يع 1: 15)

* العالم: “محبة العالم عداوة الله. فمن أراد أن يكون محباً للعالم فقد صار عدواً الله (يع 4: 4).

* الموت: “آخر عدو يبطل هو “الموت” ( 1كو 15: 26).

والكنيسة تبرز عمل الله العجيب في الانتصار على كل هذه الصنوف من العداوة حينما تصلي وتقول: “وصرت لنا وسيطاً لدى الآب والحاجز المتوسط نقضته، والعداوة القديمة هدمتها” (صلاة الصلح للقداس الغريغوري).

+ إن المسيح له المجد بقيامته قد ملك ووضع جميع الأعداء تحت قدميه (1کو 15: 27) وأعطى أولاده المؤمنين باسمه المتحدين بقيامته أن ينتصروا هم أيضاً على كل الأعداء مرددين هتاف النصرة وتسبيح الشكر: شكراً لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفتته في كل مكان (2كو 2: 14).

+ ترى بعد هذا كله هل يخاف المسيحي الحقيقي من أعداء له على الأرض خفيين كانوا أم ظاهرين؟ إن العدو الحقيقي الأوحد للإنسان المؤمن هو إبليس وكل جنوده ومملكته؛ وهؤلاء جميعا سحقهم الرب وكسر شوكتهم بالصليب والقيامة. فاهتفوا يا سعب المسيح هتاف المنتصرين الظافرين مع كل المرنمين بقيامة السيد المسيح.

وخلاصة الأمر

+ لقد نلنا في القيامة الطبيعة الجديدة القائمة مع المسيح التي فيها متعة الحياة والحرية وفيها نعمة الخلود والأبدية منتصرين على كل ما هو خصم وعنيد من قوى الشر وأعداء الإنسان، وصرنا أعضاء في جسد المسيح السري كنيسة الله المقدسة التـ افتداها بدمه وأحضرها لنفسه كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غشن بل مقدسة وبلا عيب.. بالقيامة دخلت البشرية المؤمنة في أفراح وانتصارات حقيقية واتشحت بثوب المجد الملوكي الذي للمسيح القائم. إن الرب بقيامته يعطي المعيي قدرة ولعديم القوةه يكثر شدة وصار أولاد الله القائمون معه يجددون قوة يرفعون أجنحة كالنسور يركضون ولا يتعبون يمشون ولا يعيون (إش 10: 29-31)

+ إن كنا قد تعرفنا على هذه المكاسب والأمجاد للقيامة المقدسة ليتنا نستجيب لهذا النداء الروحاني الذي يوجهه إلينا القديس يوحنا سابا (الشيخ الروحاني) إذ يقول مخاطبا كل واحد فينا : قم باكرا والظلام باق واذهب إلى القبر لترى القيامة العجيبة. اجلس في العلية وانتظر مجيئه والأبواب مغلقة. افتح أذنيك لتملأهما كلمات السلام التي خرجت من فمه. هيا الباقين إلى مكان منفرد واحن رأسك لتأخذ البركة الأخيرة قبل الصعود.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى