تفسير سفر راعوث أصحاح 3 – الأرشيذياكون نجيب جرجس

الأصحاح الثالث

في هذا الأصحاح

1- نصيحة نعمى لراعوث مما يتعلق بحق الولاية (ع1-5)

1 – وقالت لها نعمى حماتها يا بنتى ألا ألتمس لك راحة ليكون لك خير,

كانت نعمى مخلصة لكنتها فقالت لها : يا ابنتى ألا ألتمس لك راحة ليكون لك خير؟” والاستفهام هنا يفيد الإثبات، والمعنى “أنى ألتمس لك راحة…” والراحة والخير هنا يقصد بهما حياة استقرار وسعة بدل حياة الفقر والمعاناة والتعب المفرط التي كانت تحياها.

2- فالآن أليس بوعز ذا قرابة لنا الذى كنت مع فتياته. ها هو يذرى بيدر الشعير الليلة.

رسمت نعمى خطة لراعوث تستفيد بها من حق الولاية الشرعية عن طريق بوعز الولى الثاني لهم أو بما يشير هو به باعتباره رجلاً محسناً تقياً يقدر ظروفهما. هذا الحق هو ما أمر به الرب بشأن الشخص الذى يتوفى دون أن ينجب نسلا حيث يتزوج أخوه بامرأته ويكون الابن البكر باسم المتوفى، وإن لم يكن له أخ يتزوج امرأته أقرب قريب له (تث 25: 5-10)، كما كان على الولى أيضاً أن يفك (يفدى) الملك الذي كان الشخص المتوفى قد باعه أو رهنه لفقره.

وقد احتارت نمى تلك الليلة التي كان بوعز يذرى فيها الشعير حيث المزارعون في ابتهاج وفرح في مثل هذه المناسبة، اختارت تلك الليلة لراعوث لتفاتحه في موضوعها. وكان الشعير يذرى بالمذراة والغربال لفصل الحبوب من التبن.

3- فاغتسلي وتدهنى والبسي ثيابك وانزلى إلى البيدر ولكن لا تعرفى عند الرجل حتى يفرغ من الأكل والشرب.

أشارت إليها بأن تغتسل وتدهن بالأطياب وتخلع عنها ثياب ترملها وثياب العمل وتلبس ثياب جميلة وتتأهب لعرض قضيتها على بوعز، وقولها ولكن لا تعرفي عند الرجل حتى يفرغ من الأكل والشرب أى لا تظهر أمامه لعرض قضيتها إلا بعد أن ينتهى من أكله وشربه بعد عناء عمله اليومي.

4- ومتى اضطجع فاعلمى المكان الذى يضطجع فيه وادخلى واكشفى ناحية رجليه واضطجعي وهو يخبرك بما تعملين.

بعد أن يأكل ويذهب لينام في الجرن عليها أن تراقب المكان الذي ينام فيه وتعرفه حتى إذا ما نعس تذهب بهدوء وتنام تحت رجليه كما ينام العبيد والإماء أحيانا تحت أرجل سادتهم ليتغطوا بجزء من غطائهم وليكونوا في خدمة سادتهم إن احتاجوا خدمة في أثناء الليل وكعلامة على طاعتهم والحياة تحت ظلهم ورعايتهم، وكان العبيد ينامون في الغالب في وضع متقاطع تحت أقدام سادتهم، كانت فكرة نعمى أن ينتبه بوعز من نومه فتعرض عليه راعوث قضيتها وتطلب إليه أن يقوم لها بما يجب على الولى أو يرشدها بما يراه مناسبا. 

لم يكن العمل الذى عملته راعوث مستهجناً في ذلك الزمان، بل كان أمراً تقليدياً مألوفاً بين العبيد والسادة، ولم يكن طلبها طلبا شاذاً بل كان أمراً شرعياً أمر به الرب شعبه. ولقد كانت نعمى امرأة حكيمة، وراعوث سيدة تقية محتشمة فاضلة، وبوعز رجلاً يعرف شريعة الرب وكلمته.

5- فقالت لها كل ما قلت أصنع.

 أطاعت راعوث حماتها وأبدت استعدادها لتنفيذ كل ما أوصتها به. 

كان في إمكان نعمى أن تطلب هذا الحق لها وربما كانت في سن مناسب للزواج، ولكنها أثرت كنتها على نفسها والتمست لها الراحة وهي بذلك تمثل المحبة الحقيقية التي “لا تطلب ما لنفسها” (1كو 13: 5)، بل ما هو لغيرها.

2-التماس راعوث من بوعز بما يتعلق بالولاية ( ع 6-9)

6 – فنزلت إلى البيدر وعملت حسب كل ما أمرتها به حماتها.

جاءت إلى البيدر (الجرن) دون أن يراها بوعز ونفذت الخطة التي رسمتها لها نعمى.

7- فأكل بوعز وشرب وطاب قلبه ودخل ليضطجع في طرف العرمة. فدخلت سرا وكشفت ناحية رجليه واضطجعت.

 أكل وشرب وطاب قلبه أى ارتاح ضميره وسر ، ببركة الله ونعمته التي ظهرت في وفرة المحصول، وكان المزارعون يشكرون الله ويقدمون له التسبيح على عطاياه وإحساناته.

بعد أن استغرق في النوم دخلت راعوث البيدر (سراً) أي بدون أن يحس بها إنسان، واضطجعت تحت رجليه حسب وصية حماتها لها.

8- وكان عند انتصاف الليل أن الرجل اضطرب والتفت وإذا بامرأة مضطجعة عند رجليه.

انتبه من نومه فى منتصف الليل، وأحس بشخص تحت رجليه فاضطرب أي انزعج، ولما التفت ليرى وجد امرأة نائمة تحت رجليه.

۹ – فقال من أنت فقالت أنا راعوث أمتك. فابسط ذيل ثوبك على أمتك لأنك ولى.

سألها مندهشا من أنت؟ فأجابته بتواضع أنها راعوث أمته، وبدون توقف حتى تزيل دهشته أعلنت له الغرض الذى جاءت لأجله فطلبت إليه قائلة: فابسط ذيل ثوبك على أمتك لأنك ولى.

ذيل الثوب طرفه، والمعنى المقصود أن يجعلها تحت رعايته وحمايته كما تجعل الدجاجة فراخها تحت جناحها، ويكون هذا بأن يتزوجها ليحيى اسم الموتى ويحفظ حقهم وينجب لهم نسلا بما أنه (ولى)، وبذلك يحفظ أسرة أليمالك وابنيه محلون وكليون من الضياع والاضمحلال.

3- حديث بوعز إلى راعوث ووعده لها وإكرامها (ع 10-15)

10 – فقال إنك مباركة من الرب يا بنتى لأنك قد أحسنت معروفك في الأخير أكثر من الأول إذ لم تسعى وراء الشبان فقراء كانوا أو أغنياء.

امتدحها بوعز وأعلن أنها مباركة من الرب، وامتدح صنيعها الحسن في الأخير أكثر من الأول)، وكان قد مدحها عن معروفها الأول إذ تركت أبويها وشعبها ولصقت بحماتها، والبرم يمدح معروفها الأخير إذ لجأت إليه وطلبت إليه حق الولاية وطلبت أن يكون زوجاً لها رغم تقدمه في السن وربما كان كهلا، ورغم حداثة سنها لم تطلب زوجاً من الشبان الاباء أو الفقراء.

11- والآن يا بنتى لا تخافي كل ما تقولين أفعل لك. لأن جميع أبواب شعبي تعلم أنك امرأة فاضلة.

طمأنها بأنه لابد أن يعمل كل ما فيه راحتها واستقرارها وسعادتها، ويجعلها تتمتع بالحقوق الشرعية التي تأمر بها الشريعة، ثم امتدحها بقوله: الآن جميع أبواب شعبي تعلم أنك امرأة فاضلة و أبواب الشعب تعبير مجازى يقصد به جميع الشعب الذين
( أ ) يحلون في أبواب المدينة والبيوت للتسلية والتشاور في الأمور الهامة
(ب) ويدخلون تلك الأبواب.

رغم أنها امرأة فقيرة وغريبة، ولكنها في نظر جميع الناس كانت فاضلة، و”امرأة فاضلة من يجدها لأن ثمنها يفوق اللآلئ” (أم 31: 10).

12 – والآن صحيح أنى ولى ولكن يوجد ولى أقرب منى

 عرفها بوعز أنه ولى، ولكن يوجد شخص آخر أكثر قرابة منه لأسرة أليمالك يعتبر وليا أول لهم، وهذا موافق لما قالته نعمى لراعوث حينما قالت عن بوعز : “إنه ثاني ولينا” (ص 2: 20).

كان بوعز رجلاً عادلاً ورغم أنه كان معجباً جداً براعوث ولكنه أراد أن يسلك الطريق القانونى فيعرض الأمر أولا على الولى الأقرب حتى لا يفتئت على حقه.

13 – بيتى الليلة ويكون فى الصباح أنه إن قضى لك حق الولى فحسناً . ليقض. وإن لم يشأ أن يقضى لك حق الولى فأنا أقضى لك. حي هو الرب. اضطجعي إلى الصباح.

 أمرها أن تبيت الليلة في مكانها حتى الصباح، لأنها لا تستطيع أن تذهب، ووعدها بأن يعرض الأمر على الولى الأقرب ليقضى لها كل ما يجب أن يقضيه الولى، ولكي يطمئن قلبها أكثر أقسم لها بقوله حى هو الرب، وهى صيغة قسم معروفة تعنى شاهد هو الله الحي على كلامي. وقد أمرها أن تبيت في الحقل لأنها لا تستطيع أن تذهب إلى بيتها في ذلك الوقت المتأخر من الليل.

14 – فاضطجعت عند رجليه إلى الصباح ثم قامت قبل أن يقدر الواحد على معرفة صاحبه. وقال لا يُعلم أن المرأة جاءت إلى البيدر.

اضطجعت كما كانت عند قدميه، وفى الصباح الباكر جدا قبل أن يتمكن المرء من تمييز المرئيات جيدا أرادت أن تعود إلى منزلها.

ورغم أنها امرأة فاضلة ورغم أن بوعز رجل تقى فقد حرصت هي ألا يلاحظها أحد وحرص هو أيضا ألا يعلم أحد بمجيئها إلى البيدر حتى لا يتطرق أي فكر رديء ضدهما من شخص ما محباً كان أو عدواً ولا يكونا موضع شبهة من أحد. والمؤمن يجب أن يحيا بحكمة وبحذر محافظاً على سمعته وصيته حتى لا يكون عثرة لأحد، وربما أيضاً لكي يحافظ بوعز على عزة نفسها وكرامتها فلا يظن أحد أنها طلبت منه أن يكون وليا وزوجا من تلقاء نفسها، مع أن هذا كان من حقها. 

15- ثم قال هاتى الرداء الذى عليك وامسكيه. فأمسكته فاكتال ستة من الشعير ووضعها عليها ثم دخل المدينة.

أمرها أن تمسك بالرداء الذى عليها، والمقصود به ثوب خارجي شبه معطف أو عباءة، أو ملاءة كانت تلفها حول نفسها، ولما أمسكت الرداء كال لها ستة أكيال من الشعير، يرى البعض أنها ستة أعمار والعمر عشر الإيفة ويسع نحو ١,٧٥ من الكيلو جرامات من الحنطة ويرى آخرون أنه ثلث الإيفة والإيفة تسع نحو ١٧,٥ كيلو جراما – فيكون ما أعطاه إياها نحو ١٠,٥ أو ٣٥ كيلو جراما، ولأن هذه الكمية ثقيلة عليها فقد وضعها عليها أى رفعها بيديه ليساعدها على حملها، وهكذا سارت في طريقها إلى حماتها ومعها هذه العطية السخية.

“ثم دخل المدينة” يرى البعض أن المقصود بهذا راعوث، وأنها دخلت المدينة، ولكن الأرجح أن العبارة يقصد بها أن بوعز نفسه قد دخل المدينة أيضاً، ربما بعد أن بارحت راعوث الحقل بفترة، وكان دخوله لينجز لراعوث وعده ويتحدث مع الولى الأقرب بشأنها، يرجح هذا ما نقرأه في الأصحاح الرابع ع١٤.

4- مجيء راعوث إلى البيت وحديثها مع حماتها (ع 16-18)

16 – فجاءت إلى حماتها فقالت من أنت يا بنتى فأخبرتها بكل ما فعل الرجل.

ما وراءك وما هى أخبارك؟، حينئذ قصت عليها راعوث كل الحديث الذي جرى بينها وبين بوعز.

17 – وقالت هذه الستة من الشعير أعطانى لأنه قال لا تجيئي فارغة إلى حماتك.

وأضافت راعوث أنه أعطاها الستة الأكيال من الشعير لتحملها إلى حماتها حتى لا ترجع إليها فارغة. 

18- فقالت اجلسى يا بنتى حتى تعلمى كيف يقع الأمر. لأن الرجل لا يهدأ حتى يتمم الأمر اليوم.

 طلبت نعمى إلى راعوث أن تجلس معها وتنتظر ماذا يحدث، ولأنها تثق في صدق بوعز وتقواه عرفتها أنه لن يهدأ باله أو يستريح خاطره إلا إذا تمم لها في نفس اليوم كل ما وعد، بشأن قضاء حق الولى لها سواء من الولى الأول إذا قبل، أو منه شخصيا، ولقد كانت نعمى صادقة في ظنها لأن أليمالك أنجز الأمر كله في نفس اليوم، كما هو واضح في الأصحاح التالي.

اجلسي: عليك أن تطمئنى ولا تقلقى لأن الرجل سيقوم بالأمر لما فيه راحتك. ما أشبه هذا القول بقول الرب الشعبه قديماً : “الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون” (خر 14: 14) يجب عليه دائما أن يسلم للرب طريقه ويتكل عليه مطمئنا لأن الرب يدبر جميع أموره.

تفسير راعوث 2 راعوث 3  تفسير سفر راعوث تفسير العهد القديم تفسير راعوث 4
الأرشيذياكون نجيب جرجس
تفاسير راعوث 3  تفاسير سفر راعوث تفاسير العهد القديم

 

زر الذهاب إلى الأعلى