تفسير سفر راعوث الأصحاح ٢ للقمص أنطونيوس فكري
الإصحاح الثانى
الآيات 1-7
الآيات (1-2): “وكان لنعمي ذو قرابة لرجلها جبار باس من عشيرة اليمالك اسمه بوعز. فقالت راعوث الموابية لنعمي دعيني اذهب إلى الحقل والتقط سنابل وراء من أجد نعمة في عينيه فقالت لها اذهبي يا بنتي.”
بوعز = فيه عز وقوة. جبار بأس = الكلمة فى أصلها العبرى تشير لأن بوعز غنى وصاحب سلطان ومهابة فضلاً عن أن الكلمة تشير أيضاً للقوة فى الحرب. وراعوث إستأذنت حماتها لتذهب لتعمل فى الحقول لتأكل هى وحماتها من ثمر تعبها. وبحسب الشريعة كانت تُتْرك سنابل الحصاد الساقطة من وراء الحصادين للغريب والمسكين. (تث 24 : 19-22) ولم تستنكف راعوث من العمل أياً كان نوعه بل عملت بمنتهى الجدية.
ورمزياً:- فراعوث تشير لكنيسة الأمم التى إلتصقت بنعمى (كنيسة اليهود). ونعمى كانت ذا قرآبة بالجسد مع بوعز أى أن المسيح جاء بالجسد من كنيسة اليهود. وراعوث أتت إلى حقل بوعز لتلتقط سنابل هذا يشير للكنيسة التى جاءت فى أواخر الأزمنة تجمع ما قد سبق وتعب فيه الأباء والآنبياء (يو 4 : 37،38)، ولاحظ أنها جاءت إلى بيت لحم أى بيت الخبز لتصير راعوث هى أيضاً ليست ذات قرابة لبوعز بل عروساً لهُ. ونحن الكنيسة عروس المسيح جبار البأس الذى بعز وقوة يسند نفوس عروسته الخائرة ويرفعها فوق الضيق والألم. وراء من أجد نعمة فى عينيه = لاحظ أن راعوث تركت تدبير الأمر كله لله والله دبّر عجباً.
آية (3): “فذهبت وجاءت والتقطت في الحقل وراء الحصادين فاتفق نصيبها في قطعة حقل لبوعز الذي من عشيرة اليمالك.”
فإتفق نصيبها = هذا ليس مصادفة أو حظ حسن بل هو تدبير من الله، والله يدبر لكل من يترك حمله عليه. ونلاحظ أن هذه الضيقة لم تجعل راعوث ترتد وتعود إلى موآب لبيت أبيها بل عملت فى صمت تجمع لتأكل وتشبع حماتها أيضاً. هكذا على كل نفس أن تعمل فى كرم المسيح مهما كانت الضيقات ولا ترتد لتعيش وتحب العالم. ومن المؤكد فالشبع والتعزيات سوف تأتى. ونلاحظ أن راعوث لم تقل لحماتها لماذا أعمل أنا وأنت نائمة فى البيت وأيضاً لم تطلب أن تلهو مع بنات القرية.
آية (4): “وإذا ببوعز قد جاء من بيت لحم وقال للحصادين الرب معكم فقالوا له يباركك الرب.”
لاحظ الطريقة المهذبة فى الحوار بين بوعز ورجاله.
آية (5): “فقال بوعز لغلامه الموكل على الحصادين لمن هذه الفتاة.”
لم يقل بوعز مَن هذه الفتاة بل لمن هذه الفتاة = فالعادة فى الشرق أن تنسب كل فتاة لرجل بكونها إبنته أو زوجته أو أمته.
آية (6): “فأجاب الغلام الموكل على الحصادين وقال هي فتاة موابية قد رجعت مع نعمي من بلاد مواب.”
هذا هو حال كنيسة الأمم تركت أباها القديم وجاءت بلا عريس، غريبة الجنس محتاجة إلى رجل تنسب إليه وإلى عريس يضمها.
آية (7): “وقالت دعوني التقط واجمع بين الحزم وراء الحصادين فجاءت ومكثت من الصباح إلى الان قليلا ما لبثت في البيت.”
إستحقت راعوث أن يهتم بها بوعز لأنها جاهدت جهاداً حسناً. وجهاد راعوث فى الحقل هو رمز لجهاد النفس فى التوبة والصلاة والصوم. وبجهاد راعوث دخل معها بوعز فى حوار محبة. والنفس المجاهدة تلتقى بالإيمان مع السيد المسيح وتشعر بمحبته.
الآيات 8-16
آية (8): “فقال بوعز لراعوث إلا تسمعين يا بنتي لا تذهبي لتلتقطي في حقل أخر وأيضا لا تبرحي من ههنا بل هنا لازمي فتياتي.”
يا بنتى = هذه تشير لأنه كان كبير السن. وتشير لمحبته الأبوية وإهتمامه بها. لا تذهبى لتلتقطى فى حقل أخر = وعد منه برعايتها. ولقدد صرنا أبناء لله بالمعمودية وهو كأب يعتنى بأولاده. ووصية بوعز هى وصية الله لا تبرحى من ههنا = لا تتركى الكنيسة لازمى فتيانى = أى نكون فى شركة مع القديسين ننعم كلنا بمحبة الله التى يحصرنا بها. (نش 18:1). وعلينا أن نلتصق بالكنيسة حتى ينتهى الحصاد (حصاد هذا العالم هو فى نهآية الأيام).
آية (9): “عيناك على الحقل الذي يحصدون واذهبي وراءهم ألم أوص الغلمان أن لا يمسوك وإذا عطشت فاذهبي إلى الآنية واشربي مما استقاه الغلمان.”
عيناك على الحقل = بوعز يشعرها أنها لا تأخذ مجاناً بل هى لها عمل، فلم تصبح غريبة بل عاملة فى الحقل كأنه حقلها. والنفس الأمينة فى علاقتها مع الله يعطيها كرامة الخدمة. وفى جهاد النفس تعطش فيرويها المسيح الذى فاض بروح قدسه لكى يروى كل نفس تقبله (يو 4 : 14 +7 : 37). لقد صارت النفس فى حمآية المسيح لا يؤذيها أحد = لا يمسوك.
آية (10): “فسقطت على وجهها وسجدت إلى الأرض وقالت له كيف وجدت نعمة في عينيك حتى تنظر إلى وأنا غريبة.”
هكذا على كل نفس تذوقت عطايا الروح القدس أن تنحنى لتسجد علامة شكر للمسيح.
آية (11): “فأجاب بوعز وقال لها أنني قد أخبرت بكل ما فعلت بحماتك بعد موت رجلك حتى تركت أباك وأمك وارض مولدك وسرت إلى شعب لم تعرفيه من قبل.”
المسيح يذكر لنا إيماننا به ويشجعنا على ذلك، المسيح يشجع كنيسة الأمم التى تركت إبليس أباها لتلتصق به. سرت إلى شعب لم تعرفيه = هذه الآية فيها إشارة إلى إبراهيم. وأيضاً لكل نفس تركت العالم بخطاياه لتلتصق بالسمائيين الذين كانوا غرباء عنها.
آية (12): “ليكافئ الرب عملك وليكن أجرك كاملا من عند الرب اله إسرائيل الذي جئت لكي تحتمي تحت جناحيه.”
أجركِ كاملاً = ما هو الأجر الكامل الذى حصلت عليه راعوث أكثر من أن يكون بوعز عريسها. وهذا نفسه بالنسبة للنفس مع المسيح.
آية (13): “فقالت ليتني أجد نعمة في عينيك يا سيدي لأنك قد عزيتني وطيبت قلب جاريتك وأنا لست كواحدة من جواريك.”
ربما كان بوعز هو أول يهودى يكلمها كلمة طيبة. ولاحظ إنسحاق راعوث.
الآيات (14،15): “فقال لها بوعز عند وقت الأكل تقدمي إلى ههنا وكلي من الخبز واغمسي لقمتك في الخل فجلست بجانب الحصادين فناولها فريكا فأكلت وشبعت وفضل عنها. م قامت لتلتقط فامر بوعز غلمانه قائلا دعوها تلتقط بين الحزم ايضا ولا تؤذوها.”
الخل = الكلمة تشير إلى نوع من “الصوص اللذيذ”. هو شراب من النبيذ المخمر الممزوج بالزيت وهذا لهً خاصية الآنعاش والترطيب. الفريك = يحمص فى المقلاة فيصير طعمه لذيذاً. والمسيح من محبته كعلامة لإتحاده بنا أعطانا أن نأكل جسده (الخبز) ونشرب ودمه(الخل) ونحيا بحياته التى عاشها متألماً عنا (الفريك) الفريك هو حنطة محمصة فى النار. والمسيح هو حبة الحنطة الذى عاش فى الأرض متألماً.
فجلست بجانب الحصادين = الحصادين يشيروا للملائكة الذين سيأتوا مع المسيح الديان يوم الحصاد يحصدون النفوس المقدسة لحساب ملكوته. فالمسيح وهبنا جسده ودمه لننعم بحياته فينا لنصير شركاء للملائكة فى حياتهم السماوية.
آية (16): “وانسلوا أيضا لها من الشمائل ودعوها تلتقط ولا تنتهروها.”
انسلوا لها من الشمائل = الشمائل هى الحزم. وأنسلوا لها من الحزم أى تظاهروا بأنكم نسيتم الحزم فى الحقل فتصبح من حق راعوث، هذا كرم المسيح فى عطاياه فهو الذى يعطى بسخاء ولا يُعيّر.
الآيات 17-23
الآيات (17-18): “فالتقطت في الحقل إلى المساء وخبطت ما التقطته فكان نحو ايفة شعير. فحملته ودخلت المدينة فرأت حماتها ما التقطته وأخرجت وأعطتها ما فضل عنها بعد شبعها.”
خبطت ما إلتطقته = خبطت بعصا لتفرز الحبوب من التبن. إيفة شعير = حوالى 15 كجم، هى ثمر جهادها مع كرم بوعز. لقد جاهدت وتعبت ولكنها فرحت وشبعت وتعزت بكلام ومحبة بوعز. فرأت حماتها ما إلتطقته = النفس التى تشبع تحمل للآخرين ليشبعوا، وكما قالت السامرية لأهلها تعالوا وأنظروا ذهبت راعوث لتشبع حماتها.
آية (19): “فقالت لها حماتها أين التقطت اليوم وأين اشتغلت ليكن الناظر إليك مباركا فأخبرت حماتها بالذي اشتغلت معه وقالت اسم الرجل الذي اشتغلت معه اليوم بوعز.”
أين إشتغلت = هى عرفت من الكمية التى أتت بها راعوث أن هناك من أحسن إليها. خصوصاً حين رأت علامات الفرح على وجهها.
الآيات (20،21): “فقالت نعمي لكنتها مبارك هو من الرب لأنه لم يترك المعروف مع الأحياء والموتى ثم قالت لها نعمي الرجل ذو قرابة لنا هو ثاني ولينا. فقالت راعوث الموابية انه قال لي ايضا لازمي فتياتي حتى يكملوا جميع حصادي.”
بوعز يبدو انه كان صاحب أفضال سابقة على عائلة نعمى زوجها وولديها وهم الآن أموات وها هو صاحب فضل على الأحياء أى نعمى وراعوث. وبوعز هو الولى الثانى لراعوث ونعمى وكلمة ولى من نفس مصدر فادى. ولقد تطلعت نعمى إلى بوعز ليرد لها أملاك زوجها الموروثه وليكون زوجاً لراعوث.
والمسيح هو الذى تبارك فيه الجميع الموتى والأحياء. فهو الذى أطلق الموتى من الجحيم إلى الفردوس. والأحياء إمتلأوا رجاء فيه. فإحسان المسيح كان مع الجميع ومازال مستمراً. وهو تقدم كولى ثان لنا بعد أن شاخ الناموس وعجز من إشباعنا.
آية (22): “فقالت نعمي لراعوث كنتها انه حسن يا بنتي أن تخرجي مع فتياته حتى لا يقعوا بك في حقل أخر.”
وصية نعمى لراعوث تأكيد لوصية بوعز. أن تلازم راعوث فتياته. وهى وصية الناموس والعهد القديم لنا أن نلازم الكنيسة والقديسين. حتى يقعوا بك = إن تركت راعوث حمآية بوعز (وحمآية الكنيسة) يقع بها الفتيان الأشرار (الشياطين).
آية (23): “فلازمت فتيات بوعز في الالتقاط حتى انتهى حصاد الشعير وحصاد الحنطة وسكنت مع حماتها.”
حصاد الشعير = حصاد العهد القديم. وحصاد الحنطة هو حصاد العهد الجديد. وبعد نهآية الحصادين نلتقى مع الرب يسوع فى السماء كعريس للكنيسة الجامعة.