زك 9:9 إبتهجي جدًا يا إبنة صهيون… هوذا ملكك يأتي إليك… وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان
اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. (زك 9:9)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
لئلا يظن البعض أن زكريا يهدف إلى الخلاص في العصر المقدوني، وأعطاء الرب نعمة لليهود في عيني الإسكندر إنتقل إلى الخلاص الحقيقي خلال الملك الوديع المخلص واهب السلام للعالم. إن عيني الله المفتوحتين تنظران عمله الخلاصي كعمل حاضر به تخلص البشرية، لذا يقول: “إبتهجي جدًا يا إبنة صهيون، إهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان، وأقطع المركبة من أفريم والفرس من أورشليم وتقطع قوس الحرب، ويتكلم بالسلام للأمم وسلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض” [9-10].
لقد حرم شعب من أرضه زمانًا طويلاً وخضع تحت ملوك غرباء في السبي هوذا يأتيه ملكه الذي يبهج ابنة صهيون جدًا ويفرح قلب بنت أورشليم، هو ملك عجيب، كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لا يقود مركبات كبقية الملوك، ولا يطلب جزية، ولا يطرد اناسًا، ولا يطلب حراسًا، إنما يسلك بوداعته العظيمة[55]].
سبق لنا في تفسير الإنجيل بحسب متي تقديم فكر آباء الكنيسة في تفسير هذا النص وما حمله الجحش والآتان من رموز حين ركبهما السيد عند دخوله أورشليم، وما حملته أورشليم من رموز إستقبالها للسيد بإبتهاج[56]. وهنا نلاحظ:
أولاً: يرى القديس ديديموس الضرير أن كلمة “صهيون” تعني “ملاحظ الوصايا أو منفذها”، أما أورشليم فتعني “رؤية السلام”، وكأن الذين ينعمون بالبهجة والتهليل بدخول السيد في حياتهم إنما هم منفذو الوصايا والمتمتعون برؤية السلام (خلال الصليب). يقول المرتل: “وصايا الرب مستقيمة تفرح القلب، أمر الرب طاهر ينير العينين” (مز 119: 8). “بالأولى (تنفيذ الوصية) تبتهج النفس جدًا لمجيء الملك الحقيقي، وبالثانية (رؤية السلام) تهتف لأنها في موقف مرتفع جدًا تعلن عن مجيء ملك الملوك… الأولي أخذت أمرًا أن تبتهج والثانية أخذت أمرًا أن تعلن عنه!.
ليتنا نكون بحق بنت صهيون فنبتهج جدًا خلال ملاحظتنا للوصية الإلهية، ولنكن بنت أورشليم فنهتف معلنين الشهادة له خلال رؤيتنا للسلام الحقيقي الفائق في الرب المصلوب!
ثانيًا: إذ يدخل الرب المخلص الوديع إلى القلب يقطع المركبة الحربية من أفرايم والفرس من أورشليم وينزع قوس الحرب، فيحل السلام في داخله ويصير أفريم مثمرًا وأورشليم متمتعة بالسلام الحقيقي، مترنمًا: “هؤلاء بالمركبات وهؤلاء بالخيل، أما نحن فإسم الرب إلهنا نذكر؛ هم جثوا وسقطوا أما نحن فقمنا وإنتصبنا” (20: 7-8).
ثالثًا: يمتد سلطان الرب الملك على الأمم، من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى أقاصي الأرض. لعله يقصد بالبحار الذين كانوا يشربون المياه المالحة خلال التعاليم الوثنية، أما النهر فيقصد به الشريعة المقدسة الموسوية، فيضم الأمم مع اليهود تحت سلطانه.
رابعًا: يقول: “وأنت أيضًا فإني بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء، إرجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء، اليوم أيضًا أصرخ أني أرد عليك ضعفين” [11-12]. يبدو أن إسرائيل كجماعة من الفلاحين قد نقر كل جماعة منهم جبًا لأنفسهم وسط الصخور حتى متي وقت المطر يمتليء ماءً، فإذ جاء وقت السبي ودخلوا في حالة رعب هربوا من الأعداء إلى الجب الذي ليس فيه ماء فصاروا أسرى هناك. ولعل هذا الجب يشير إلى الذات البشرية التي يقيمها الإنسان بنفسه ليحبس نفسه بنفسه فيها، لكن الله يطلقه بعهد الدم المقدس، يطلقه من أنانيته وذاته ليحيا في كمال حرية الصليب. ويري القديس ديديموس الضرير في هذا الجب الذي بلا ماء الذي أُلقي فيه يوسف وأرميا ودانيال إلخ… إنما يُشير إلى الجحيم الذي بلا ماء الحياة الأبدية، فقد أطلقنا منه الرب لا خلال دم ثيران وتيوس وإنما من خلال دم العهد الجديد. إنه يدعونا للخروج من الجب للإنطلاق إلى الحصن الذي هو الكنيسة المجيدة التي بلا عيب ولا دنس (أف 5: 27). “هناك يجد المأسورين المسحوبين من الجب الذي بلا ماء راحة”. ففي الكنيسة يجد أسري الرب “حصن للإستقامة طريق الرب” (أم 10: 29)، ويكون الرب نفسه حصنًا: “كن ليّ صخرة ملجأ أدخله دائمًا” (مز 71: 3)، “كن ليّ صخرة حصن بيت ملجأ لتخليصي، لأن صخرتي ومعقلي آنت، من أجل إسمك تهديني وتقودني” (مز 31: 2-3).
سادسًا: يرد الله للنفس مكافأة مضاعفة عوض أيام تعبها، وكما يقول القديس ديديموس الضرير: [من هو أسير للمسيح يستوطن في هذه المدينة ويجلس في الحصون المجيدة التي بها، ويحيا بلا خوف إذ ينتظر تعزيات مضاعفة وتشجيعًا عوض الحزن… ستكون المكافأة مضاعفة عن الضيقات السابقة، والمثل الواضح لذلك قصة أيوب الذي كانت له نفس قوية فنال مكافأة مضاعفة (أي 42: 11)]. إنه ينال مكافأة مضاعفة، إذ يتمتع بمئة ضعف في هذا العالم والحياة الأبدية في العالم الآخر؛ كما هي مضاعفة إذ ينال خلاص النفس مع الجسد أيضًا. وسر مضاعفتها كما يقول القديس ديديموس الضرير: [إن الذي في السبي إذ يرجع من سبيه لا يخلص فحسب وإنما يصير معلمًا لظالميه فيضاعف مجده مجدًا!].
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (9-12): “ابتهجي جداً يا ابنة صهيون إهتفي يا بنت أورشليم.هوذا ملكك يأتي إليك هو عادل ومنصور وديع وراكب على حمار وعلى جحش إبن أتان. وأقطع المركبة من إفرايم والفرس من أورشليم وتقطع قوس الحرب.ويتكلم بالسلام للأمم وسلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. وأنت أيضاً فأني بدم عهدك قد أطلقت أسراك من الجب الذي ليس فيه ماء. إرجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء.اليوم أيضاً أصرّح أني أرد عليك ضعفين.”
ينتقل الآن النبي لذكر ملك أعظم من الإسكندر، وسيدخل أورشليم ليس على مركبة حربية كالعظماء من ملوك العالم بل وديعاً على حمار وجحش إبن أتان وهو عادل ومنصور= ليس كملوك الأرض يظلمون، وهو دائماً منتصر. فهو انتصر على الشيطان في معركته التي قدم نفسه فيها ذبيحة، ليستوفي عدل الله وبذلك ملك على قلوب عبيده. ولئلا يظن أحد أن المقصود هو الخلاص في العصر المقدوني إنتقل للمسيح المخلص الذي يأتي وديعاً كأفقر الناس. وبمجيء المسيح فلتبتهج صهيون وتهتف بنت أورشليم= وهذا ما حدث عند دخول المسيح لأورشليم إذ إبتهجت صهيون، وسبحت الكنيسة بنت أورشليم. وكلمة صهيون تعنى ملاحظ الوصايا ومنفذها، وأورشليم تعنى رؤية السلام. إذاً من يبتهج هو من يلاحظ الوصايا ويرى السلام الذي سيعطيه المسيح. وفي (10) وأقطع المركبة من أفرايم= أي شعب المسيح لن يعودوا يتكلون على الجيوش والسلاح أو قوة ذراعهم بل على الرب. وإذ يدخل الرب القلب يحل السلام بنزع قوس الحرب. ويكون المؤمنون من البحر للبحر= البحر ماؤه مالح ويقتل من يشربه، والبحر يشير للأمم الذين كانوا بدون الله كمن يشرب من البحر. ومن البحر للبحر تعنى كل الأمم في كل العالم الوثني. ومن النهر إلى أقاصي الأرض= فاليهود كان لهم الناموس والأنبياء، لذلك كانوا يشربون من النهر، والمؤمنون إذاً يشملون من كانوا يشربون من هذا النهر أي اليهود والأمم الذين هم في أقاصي الأرض.
وفي (11) كان الفلاحين اليهود يحفرون في الصخور جباً ليمتلئ بماء المطر وحين ينقطع المطر يصبح هذا الجب جافاً، وكان يتحول الجب عادة لمكان للهرب من الأعداء وقت الحروب، طبعاً في حالة جفاف هذا الجب. وكانوا يلقون في هذه الجباب المجرمين حتى يموتوا، وقد فعلوا هذا مع أرمياء النبي. وكأن النبي يرى الشعب هارباً في هذه الجباب، وهذه الجباب تشير للجحيم الذي بلا ماء الحياة الأبدية، محكوماً على كل من فيه بالموت والهلاك، إلى أن أتى المسيح فخلص الأبرار من هذا الجب (الجحيم). ومن المعروف أنه قبل المسيح كان كلا الأبرار والأشرار يذهبون إلى الجحيم، لكن الأبرار كان لهم رجاء في الخلاص بالمسيح لذلك يسميهم هنا أسرى الرجاء (12). وكان الشيطان يقبض على أرواح كل المنتقلين ويأخذهم للجحيم، أي يذهب بهم للجب فيكونوا أسرى إبليس. كان هذا حتى جاء المسيح الذي قال “رئيس هذا العالم يأتي (وقت موت المسيح) وليس له فىّ شئ (أي سيجدني بلا خطية، وطالما لست مديوناً له فلن يستطيع أن يأخذني لهذا الجب) (يو30:14). بل أن المسيح هو الذي قبض عليه وقيده 1000سنة، ونزل إلى الجحيم من قبل الصليب لينقذ كل الأبرار، ويحرر أسرى الرجاء (أف9:4 + 1بط19:3). لقد كان الجميع يذهبون أسرى لإبليس إذ ليس أحد بلا خطية حتى جاء المسيح الذي قال عن نفسه من “منكم يبكتني على خطية”. بدم عهدك أطلقت أسراك= في العهد القديم كان الدم هو دم الذبائح الحيوانية، وهذا لم ينقذ أحد من الجحيم، ولكن في العهد الجديد فإن دم المسيح أطلقنا من أسر إبليس من الجب الذي ليس فيه ماء= لذلك طلب الغني من إبراهيم أن يرسل له لعازر ليبلل شفتيه بالماء. أما السماء فهي مكان نهر صافي من ماء الحياة (رؤ1:22)
وفي (12) كانوا في الجب وذلك في العهد القديم لكن كان لهم رجاء فهم أسرى الرجاء، وهؤلاء أطلقهم المسيح. وهنا دعوة لهؤلاء المفديين أن يرجعوا إلى الحصن ومن هو الحصن الذي نلجأ إليه ونحتمي سوى المسيح. ومن يثبت فيه فله مكافأة ضعفين= والضعفين هي إشارة لنصيب البكر، ونحن في المسيح صرنا أبكاراً. وأيوب إسترد ما فقده مضاعفاً، فهو في آلامه كان رمزاً للمسيح.