1كو4:13-7 المحبة تتانى وترفق

 

4الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ، وَلاَ تَنْتَفِخُ، 5وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ، 6وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ، 7وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ، وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ، وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ.(1كو4:13-7)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

«المحبة تتأني وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ » (ع4) .

تأمل في بولس الرسول إذ ابتدأ فوضع أولاً قوله «المحبة تتأني» فهذا سبب الخيرات كلها أي طول الأناة وهذه أصل الفلسفة كلها ، لأن النفس الطويلة الأناة مهما وقع فيها من الشدائد التي لا ترجوها يزول سريعاً ولا يزعجها أصلاً لأن طول الأناة أشد صلابة من كل شيء .

«ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء» (ع5) .

فالمحبة لا تقبح شيئا بل بأجنحة من ذهب تغطى ذنوب المحبين كلها وعلى هذا الوجه كان يوناثان يحب داود.

والمحبة لا تستقبح شيئا لأن أمرها المستغرب هو هذا ، وذلك لكونها لا تدع المهان يحزن وتعتريه الغموم فقط بل تجعله يصير فرحاً.

والمحبة تعد شرفاً لا يستحي به الغير لأن الخزي إنما يكون من عدم المحبة.

والمقصود من «ولا تطلب ما لنفسها» كما يحدث بين الناس فالحاكم الجالس ليحكم لا يطلب ما يوافقه بل ما ينفع القريب ، والمرؤسون أيضاً يطلبون ما يوافق الحاكم لأجل العمل والخدمة، والجنود من أجلنا يحملون الأسلحة لأنهم لأجلنا يخاطرون بأنفسهم ونحن نشقى لأجلهم لأن قوتهم من عندنا والأمور الأخرى كلها هكذا

«ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق» (ع6)

أي أنها لا تفرح بالذين يصابون وليس هذا فقط بل وما هو بالحرى أعظم أنها « تفرح بالحق » 

«وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر على كل شیء » (ع7).

من طول الأناة ومن الصلاح نحتمل الشتم أو الجراح أو الموت أو أي شيء آخر . ومعنی  «وترجو كل شيء » أي ترجو كل شيء صالح ولا تيأس ممن تحبه ، بل وإن كان رديئاً تتوقع إصلاحه.

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

المحبة تتأنى وترفق… [4].

طويل الأناة على الآخرين يتعلم كيف يحب اللَّه والناس عملياً. فإنه من أجل محبة اللَّه لا يبالي بإهانات الآخرين أو تصرفاتهم ضده، وبهذا يسلك طريق الكمال، طريق الحب المقدس.

v المحبة تتأنى وترفق” (1 كو 4:13)

تأمل من أي نقطة بدأ الرسول، وماذا قال كأول مسبب لعظمة المحبة: “إنها طول الأناة“. وطول الأناة أصل كل إنكارٍ للذات. وكما قال أحد الحكماء: “الإنسان الطويل الأناة له فهم عظيم، أما المتهور فعظيم في غبائه”.

v وإذا قارنا طول الأناة بمدينة حصينة وجدناها أكثر حصانة منها. فهي سلاح ماضٍ وقلعة حصينة، يمكن بسهولة أن تقف ضد كل المضايقات. وكما أن الشرارة البسيطة إذا ما سقطت في جب لا تؤذي بل تنطفئ سريعًا. هكذا كل ما يسقط على النفس الطويلة الأناة سرعان ما يتلاشى، وأما النفس فلا تضطرب. لأنه بالحق ليس هناك أقوى من طول الأناة.

v قد تتكلم عن الجيوش والأموال والخيول والحصون والأسلحة أو أي شيء يمكن أن يوجد، هذا كله يمكن للغضب أن يهزمه. ذلك لكن ليس مثل التأني. لأن من ينشغل بهذه الأمور غالبًا ما يغلبه الغضب، ويصير مكتئبًا كطفلٍ تافه، ويمتلئ بالارتباك والهياج، أما المتأني فإنه كمن في ميناء، يتمتع بهدوء مملوء تعقلاً. فإن أحاطت به الخسارة، يكون كالصخرة لا يتحرك، وإن شُتم يكون كالقلعة لا يهتز، وإن ضرب بالعصا فلن يُجرح لأنه أصلب من الماس.

أما بولس فلم يقف عند هذا الحد، بل أضاف أيضًا إحدى خصائص المحبة قائلاً “تترفق“. لأن هناك من يمارسون طول الأناة، ليس إنكارًا لذواتهم، وإنما لمعاقبة من أثاروهم لكي يفجّروا فيهم الغضب، لهذا يقول بأن المحبة لا تقبل هذا الانحطاط، لذلك أضاف “المحبة تترفق“. فهو لا يقصد بطول الأناة إشعال النار فيمن أثاروا الغضب بمعاملتنا لهم بطول الأناة، بل بقصد إخماد الغضب وإبادته. فلسنا نعالج الألم ونشفي جراحات الغضب باحتمالنا الآخرين بنبلٍ، بل احتمالنا لهم بلطف وتعزية.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v كيف يقدر أن ينال كمال نقاوة القلب من لا ينفذ الوصايا التي يظهرها الرسول: “احملوا بعضكم أثقال بعضٍ وهكذا تّمموا ناموس المسيح” (غلا 2:6)، ومن ليس لديه فضيلة المحبة التي هي: “لا تُقبِح… ولا تحتدُّ… ولا تظنُّ السوءَ… وتحتمل كلَّ شيءٍ… وتصبر على كل شيءٍ” (1كو 4:13-7)؟! لأن “الصدّيق يراعي نفسه بهيمتهِ، أما مراحم الأشرار فقاسية” (أم 10:12).

الأب شيريمون

v حيث أن الحب الحقيقي هو أن نحب الكل, فإن عرف أحد أنه يبغض لو شخصًا واحدًا يلزمه أن يسرع ويتقيأ هذه اللقمة المرة حتى يتهيأ لقبول عذوبة الحب نفسه.

الأب قيصريوس أسقف آرل

v سأل أخ شيخًا: إني أريد أن أستشهد من أجل اللَّه. فأجابه: “من احتمل أخاه في وقت الشدة، فذاك أصبح داخل أتون الثلاثة فتية”.

القديس بالاديوس

v من احتمل ظلمًا من أجل الرب يعتبر شهيدًا.

القديس الأنبا موسى الأسود

v إن طول الروح هو صبر، والصبر هو الغلبة، والغلبة هي الحياة، والحياة هي الملكوت، والملكوت هو اللَّه. البئر عميقة ولكن ماؤها طيب عذب. الباب ضيق كرب، ولكن المدينة مملوءة فرحًا وسرورًا. البرج شامخ حصين ولكن داخله كنوزًا جليلة.

القديس مقاريوس الكبير 

v إن كان الشخص يغضب بكونه إنسانًا، فأنه يضع حدًا للغضب بكونه مسيحيًا.

القديس ايرونيموس

v أتى أخوة إلى القديس أنطونيوس وقالوا له “يا أبانا قل لنا كيف نخلص؟”

فقال لهم: “هل سمعتم ما يقوله الرب… من لطمك على خدك الأيمن حول له الأيسر؟”

فقالوا له: “ما نطيق ذلك”.

فقال لهم: “إن لم تطيقوا ذلك فاصبروا على اللطمة الأولى”.

قالوا له: “ولا هذه نستطيع”.

فقال لهم: “إن لم تستطيعوا فكافئوا من يظلمكم”.

فقالوا له: “ولا هذا نستطيع”. 

فما كان من القديس إلا أن دعا تلميذه وقال له “اصلح لهم مائدة واصرفهم لأنهم مرضى. إن هذا لا يطيقون، وذاك لا يستطيعون، ووصايا الرب لا يريدون. فماذا أفعل لهم؟!”

القديس بلاديوس

المحبة لا تحسد… [4].

المحبة هي إنكار للنفس أو إماتة اللذات ليحل اللََّه مكانها. فالمحبة لا تطلب ما لنفسها بل ما هو للآخرين. لذلك من يحب يفرح ويسر لنمو الآخرين روحيًا وجسديًا، ويشتاق لو أعطى له أن يتخلى عن كل ما اكتسبه من بركات أرضية وسمائية لأجل اخوته. فيوناثان لما أحب داود (1 مل 1:18) كان يشتهي أن يرى إكليل أبيه على رأس داود أكثر مما يشتهي أن يراه على رأسه، إذ قال له: “انت تملك على إسرائيل وأنا أكون معك ثانيًا” (1 مل 17:23). والأم إذ تحب أولادهما تشعر أن نجاحهم وحصولهم على شهادات دراسية هو نجاح لها شخصيًا.

كثيرون، بل ربما الجميع، يشعرون أحيانًا بثقل أفكار الحسد في داخلهم رغم تأكدهم تمامًا من الشرور التي يجلبها الحاسد على نفسه، وعجزه عن أضرار المحسود. ولعل سر العجز في التخلص منه هو عدم معرفة أسباب دخوله فينا. لما سقط الشيطان شعر بالفراغ يملأ قلبه، وإذ لم يستطع إشباعه من اللََّه بدأ يحسد الشبعى. وسقط آدم وذريته وصارت القلوب فارغة تريد أن تشبع! فإن لجأت النفس إلى يسوع المسيح مصدر شبعها امتلأت، وأحبت الكل، واشتاقت لو أخذت آخر صفوف البشر في هذا العالم والعالم الآتي. ففي هذا العالم، مهما اشتاقت أن تتراجع خلف البشرية، فستجد ربنا يسوع المسيح محتلاَ آخر صف، ليس له أين يسند رأسه، مبصوقًا على وجهه، مطرودًا، مجدفًًا عليه، مصلوبًا كأحقر لصٍ. وإن أرادت أن تتراجع إلى الوراء طالبة خلاص اخوتها أولاً، نجد موسى يسبقها قائلاً: “والآن إن غفرت خطيتهم وإلا فامحني من كتابك” (خر 32:32)، وبولس قائلاً: “فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح اخوتى” (رو 3:9).

أما إن بحثت عن ينبوع آخر من ينابيع العالم ازداد ظمأها أكثر، فإن طلبت أمجاد العالم وممتلكاته تحسد كل من يملك أو ينال أكثر منها، بل وتحسد من هم أقل منها، لأن النفس العطشى تطلب كل العالم لعله يُشبعها.

الحسد يجعل الإنسان يقف موقفًا عدائيًا قِبَل اللََّه ذاته، وبالتالي يستحيل أن يستقر السلام في مثل هذا القلب. وبناء عليه لا يمكن أن يوجد السلام في جماعة تَسرّب إليها داء الحسد. 

v لماذا المحبة لا تحسد, ذلك لأنها لا تنفخ فحيث يوجد الكبرياء يتبعه الحسد, لأن الكبرياء هو أم الحسد.

القديس أغسطينوس

v لا تحسد“. إذ يمكن للإنسان أن يتأنى ويحسد في نفس الوقت فيفسد سمو التأني، أما المحبة فتمنع حدوث هذاٍ.

v مثل هؤلاء لا يهنأون بطعامٍ أو يتمتعون بشرابٍ. إنهم على الدوام يتأوّهون ويتنهّدون ويحزنون، فطالما لا يُطرد الحسد تتمزق قولبهم نهارًا وليلاً بلا انقطاع.

كل الشرور لها حدود، وكل خطأ ينتهي بارتكاب الجريمة، فالزاني تنتهي معصيته عند حد ارتكاب التعدّي، واللص تقف جريمته عندما يقتل، والسالب يضع حدًا لجشعه، والمخادع يضع نهاية لغشّه، أما الحسد فليست له حدود. إنه شر يعمل على الدوام وخطية ليس لها نهاية.

الشهيد كبريانوس

v لا توجد خطية تفرق الإنسان عن اللََّه والناس مثل الحسد، لأن هذا المرض أشد خبثًا من محبة الفضة. لأن محب الفضة يفرح متى ربح شيئًا، أما الحاسد فيفرح متى خسر أحد شيئًا أو ضاع تعبه سُدى، ويحس خسائر الآخرين ربحًا له أكثر من أي نجاح. فأي شر أعظم من هذا؟!

الزاني يتورط في الخطأ لأجل لذة مؤقتة والسارق قد تكون له حجة الفقر، ولكن أي عذر تقدمه أيها الحاسد؟!

الزاني يحصل على لذة زمنية أثناء ارتكابه الخطية، ثم يعود فيرفضها… فيتوب ويخلص، أما الحاسد فيُعذّب نفسه ولو لم يحدث له ضرر ممن يحسده. فلهذا خطية الحسد أشر الخطايا وأشنعها، لأن الحاسد لا يمكنه مغادرة خطيته، بل يصير كالخنزير المتمرغ في الحمأة، ويماثل بفعله الشيطان…

لهذا أقول لكم أنه ولو كان أحدكم يصنع معجزات أو يحفظ البتولية، أو يكون صوّامًا أو باسطًا كفيّه في الرحمة أو ينام على الحضيض أو يصل بهذه الوسائط إلى فضيلة الملائكة؛ ولكن فيه آلام الحسد فلا محالة يكون أشر من جميع الخطاة وأردأ منهم.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخ” [4].

الإنسان الذي انسكبت فيه محبة اللََّه بالروح القدس يُدرك حقيقة عضويته وعضوية اخوته في جسد الرب، لذلك لا يحتقر أحدًا ولا يزدري به، بل يحسب الكل مكرّمين لأجل الرب، فيشعر بمشاعر الرسول بولس وهي” “أعضاء الجسد التي تحسب أنها بلا كرامة نُعطيها كرامة أفضل. والأعضاء القبيحة فينا لها جمال أعظم، وأما الجميلة فينا فليس لها احتياج. لكن اللََّه مزج الجسد، معطيًا الناقص كرامة أفضل، لكي لا يكون انشقاق في الجسد بل تهتم الأعضاء اهتمامًا واحدًا بعضها لبعض” (1 كو 23:12-25). فالفقير الذي يحسب كأنه بلا كرامة له عمله في الكنيسة أعظم بكثير من عمل الغني. ففي الكنيسة لا يزدري الأسقف أو الكاهن أو المتوحد أو الراهب في نظام الشركة أو العلماني ببعضهم البعض. بل كل منهم يعطي الآخر كرامة.

v المحبة لا تعرف العجرفة، لهذا قال الحكيم “لا تستحي أن تسلم على قريبك” (ابن سيراخ 31:22).

القديس أمبروسيوس 

v لا تتفاخر“، بمعنى “لا تتهوّر”. فإن من يحب يكون متعقلاً وجادًا وثابتًا. بالحقيقة إحدى علامات الذين يحبون بطريقة خاطئة هي السقوط في هذا العيب. أما الذي يعرف هذا الحب فيتحرر من هذه الشرور تمامًا. 

فحيث لا يوجد غضب في الداخل يهرب كلٍ من التهوّر والاستخفاف بوقاحة. الحب يشبه مزارعًا يضع كرسيه في داخل النفس ولن يسمح لأي من هذه الأشواك أن تنبت فيها…

الحب يطهّر الكل بكمالٍ.

لاحظوا أن طويل الأناة ليس بالضرورة يكون مترفقًا. فإن لم يكن مترفقًا يصير طول الأناة ليس بالضرورة مترفقًا. فإن لم يكن مترفقًا يصير طول الأناة رذيلة، ويتعرض الشخص لخطر السقوط في المكر. لذلك يقدم الحب دواءً، أقصد الترفق فيحفظ الفضيلة نقيّة. 

مرة أخرى الشخص المترفق غالبًا ما يصير مبالغًا في رغبته في إرضاء الغير، هذا أيضًا يصححه الحب، إذ المحبة “لا تتفاخر ولا تنتفخ“. الترفق وطول الأناة غالبًا ما يأخذا صورة التظاهر، أما المحبة تنزع هذه الرذيلة أيضًا. انظروا كيف يزين المحبة ليس فقط بما لها، بل وبما ليس لها. إذ يقول: إنها تجلب الفضيلة وتحطم الرذيلة، بل لن تسمح لها أن تنبت قط!

v أنظر كيف أن الرسول لم يقل اكرموا بعضكم بعضًا فقط، بل قال “مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة” (رو10:12). فلا تنتظر أن يبدأ ذاك بإكرامك وتقديمك عنه، بل اجتهد أن تسعى أنت متقدمًا في إكرامه…

القديس يوحنا الذهبي الفم 

v

بهذا عرفنا محبة اللََّه، لأنه أسلم نفسه عِوضًا عنّا. فينبغي علينا نحن أيضًا أن نبذل أنفسنا عِوضًا عن اخوتنا (1 يو 16:3). فإذا كان ينبغي أن يبلغ حبنا للمسيح إلى هذا الحد، أي إلى بذل أنفسنا عوضًا عن اخوتنا، فبالأحرى إذًا أن تبلغ بنا إلى أشياء كثيرة نصادفها كل يوم، وهي أقل كلفة بكثير عن بذل أنفسنا عنهم. فأحد هذه الأشياء وأحقّها؛ الذي تقتضيه المحبة منّا وتعيننا في حياتنا ونموها هو اعتبارنا للقريب، فهذا عليه يتأسس ويعتمد كل بنيان المحبة الحقيقية…

فاعتبارنا لاخوتنا يجعلنا نحبهم ونكرمهم ونخدمهم ونتمم نحوهم بقية ضرورات المحبة. فبمقدار ما يزيد فينا اعتبارنا لهم… تزداد فينا المحبة وتوابعها، لهذا يحث الرسول أهل فيلبي “لا شيئًا بتحزب أو بعُجْب بل بتواضع حاسبين بعضكم البعض أفضل مت أنفسكم” (في 3:2). وقال أيضًا لأهل رومية “وادين بعضكم بعضًا بالمحبة الأخوية، مقدّمين بعضكم بعضًا في الكرامة”.

القديس باسيليوس الكبير 

v الكل غير كاملين، لا قوّاد الألف، ولا قوّاد المائة ولا قوّاد الخمسين ولا ما يشبههم، بل كلٌ في رتبته يقوم بأداء المهمة الملقاة عليه من (الملك) أو القادة. فبدون الصغير في الرتبة لا يوجد العظيم، وبدون العظيم لا يوجد الصغير. إنه يوجد نوع من الخلطة في كل شيء، وبذلك توجد فوائد مشتركة.

لنأخذ جسدنا كمثالٍ: الرأس بدون الرجلين ليس بشيء، كذلك الرجلان بدون الرأس. فكل الأعضاء حتى أصغرها وأحقرها ضرورية ومفيدة للجسم، فالكل يعمل معًا في انسجام وتحت ضابط واحد، لأجل المحافظة على الجسد كله.

إذًا لنحافظ على سلامة الجسد في المسيح يسوع، خاضعين بعضنا لبعض، كل بحسب الموهبة التي نالها من اللََّه. فالقوي لا يحتقر الضعيف، والضعيف يكرّم القوي. والغني يشبع احتياجات الفقير، والفقير يشكر اللََّه الذي وهبه إنسانًا يشبع احتياجاته…

القديس إكليمنضس الروماني

“ولا تقبح… ” [5]. 

v الإنسان الذي يعيش في عزلة ليس مُعدًا ليميز أخطاءه, إذ لا يوجد من ينصحه أو يصححه بلطف وحنو. في الواقع النصح الصادر من عدو غالبًا ما ينتج في الإنسان الحكيم الرغبة في الإصلاح.

القديس باسيليوس الكبير

ولا تطلب ما لنفسها… ” [5].

v حيث أن المحبة “لا تطلب ما لنفسها” [5]، لذا لم يصنع يسوع ما ظنّه بطرس صالحًا (مت 23:16). لذلك نزل من الجبل إلى الذين لم يكونوا قادرين على الصعود عليه ليروا تجلّيه، وذلك ليرد بالطريقة التي بها يستطيعون ذلك. لهذا فمن جانب الإنسان البار الذي له المحبة التي لا تطلب ما لنفسها أن يتحرر من الكل، ولكننه يستعبد نفسه للجميع لكي يربح الأكثرين.

العلامة أوريجينوس 

v لا تطلب ما لنفسها” بدون شروط… فالمحبة تجعل المحبوب هو كل شيء لدى المحب. ويحسب المحب (مهما قدّم) أنه يسلك ليس كما ينبغي عندما لا يستطيع أن يحرر المحبوب مما لا يليق به… يشعر الشخص أن الطرف الآخر في موضع نفسه عندما يحب،، لأن هذه هي الصداقة، أن المحب والمحبوب لا يعودوا بعد شخصين منفصلين بل هما بطريقة ما شخص واحد، الأمر الذي لا يمكن الإيمان يكون له موضع إلا بالمحبة. 

إذن لا تطلبوا ما لأنفسكم فتجدون أنفسكم. لأن من يطلب ما لنفسه لا يجدها. كما قال بولس أيضًا: “لا يطلب أحد ما لنفسه بل كل ما لأخيه” (1 كو 24:10). فإن نفعك قائم في نفع أخيك، ونفعه هو لنفعك.

v بالحقيقة الإنسان المحب هو الذى لا يبحث إلاّ عن نفع محبوبه. فلو خالف المحب ذلك فإنه ولو صنع عشرات الآلاف من أعمال المحبة الصالحة فإنه بالأكثر يكون أقسى من أي عدو.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v إن كنت قد وُلدت بالمسيح حقًا، فكل مولود من المسيح هو أخوك. فإن أحببت نفسك أكثر من أخيك، فهذه الزيادة ليست من المسيح!

الشيخ الروحاني

ولا تحتد… ” [5]. 

v اطرد ظلمة الغضوب الذي تراه بصمتك وتعود تقتني الفرح في قلبك, والسلام في الاخوة والأخوات الذين يشبهونك في الفكر, والغيرة والاهتمام بحفظ كنائس الرب.

القديس باسيليوس الكبير

v من كان غضوباً فهو خالٍ من طول الأناة والمحبة، يقلق سريعًا من الأقوال التافهة، ويثير الخصام لأمر يسير حقير، وحيثما لا يكون له مكان يطرح نفسه… فمن لا ينوح على مثل هذا؟ فهو مرذول عند اللَّه والناس. 

مار إفرام السرياني

ولا تظن السوء” [5].

ولا تفرح بالإثم بل تفرح بالحق” [6].

v لا تفرح بالإثم” بمعنى لا تجد مسرّة عندما يُصاب الآخرون بشرٍ، بل ما هو أعظم: “بل تفرح بالحق“. يقول: المحبة تشعر بالسرور بأولئك الذين يتكلم عنهم حسنًا أنهم “يفرحون مع الفرحين ويبكون مع الباكين” (رو 15:12)… ألا ترون كيف تجعل المحبة من تقتنيها ملاكًا تدريجيًا؟ فإنه عندما يبطل الغضب ويتنقى من الحسد، ويتحرر من كل هوى الطاغية يتخلص من طبيعة الإنسان من هذه الناحية ويبلغ إلى هدوء الملائكة. 

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v الحب يبغض ما هو ظلم ويفرح بما هو صالح ومكرّم.

ثيؤدورت أسقف قورش

وتحتمل كل شيء،

وتصدق كل شيء،

وترجو كل شيء،

وتصبر على كل شيء” [7].

v ترجّو كل شيء” يقول: أن المحبة لا تحتقر المحبوب مهما كن تافهًا، فإنها تستمر في تصحيحه ومساندته والعناية به. تصدق كل شيء“: يقول أنها ليست فقط تعطي رجاءً، بل تصدق بكل طاقات عاطفتها. فإنه حتى وإن لم تسر الأمور الصالحة كما كنت تترجى فإن الشخص الآخر يؤكد أنه يحتمل حتى هذه الأمور، إذ يقول: “تحتمل كل شيء“. 

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v من يحب بطريقة كاملة لا يجد شيئًا لا يحتمله، لكننا نحن لا نحتمل أمورًا كثيرة لأننا لم نقتنِ بعد المحبة التي تحتمل كل شيء. إن كنا لسنا نحتمل أثقالاً معينة، إنما بسبب نقص المحبة التي تحتمل كل شيء. في الصراع الذي نثيره ضد الشيطان أيضًا غالبًا ما نسقط، وذلك بلا شكك لأنه ليس فينا المحبة التي لا تسقط أبدًا.

العلامة أوريجينوس 

v كلما اقتنى القديسون حُبًا للَّه أعظم يحتملون من أجله كل شيء.

القديس أغسطينوس

v الإنسان الذي له هذا الحب لا يخشى شيئا, لأن المحبة تطرد الخوف. عندما يطرد الخوف تحتمل المحبة كل شيء وتحمل كل شيء. من يحمل كل شيء بالحب لا يخاف الاستشهاد.

القديس أمبروسيوس

v الحب يجعل العنف هدوءً، والاستباحة عفة، هذا لا يحتاج بعد إلى أمثلة إذ نشاهده في كل البشر. فالإنسان العنيف أكثر من أي حيوان مفترس يصير بالحب أكثر وداعة من أي حمل.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v لما كان الحب هو مبدع كل الفضائل، فلنزرعه بكل دقة في نفوسنا حتى ينتج لنا بركات كثيرة، ويكون لنا ثمر باستمرار وبفيض، ثمر دائم الجدة ولن يفسد. بهذا نحصد ليس أقل من البركات الأبدية، هذه التي ننالها نحن جميعًا بنعمة ربنا يسوع المسيح ورحمته.

القديس يوحنا ذهبي الفم 

v ويقول أيضًا: “درع الإيمان والمحبَّة” (1 تس 5: 8). المحبة في الواقع هي التي تحيط بالمناطق الحيوية للصدر فتحميه من تعرضه لجراحات الأفكار المتزايدة المهلكة، وتحفظه من الضربات الموجهة ضده، ولا تسمح لسهام الشرير أن تتعمق إلى الإنسان الداخلي، لأن المحبة “تحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبر علي كل شيء” (1 كو 13: 7).

الأب سيرينوس

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 المحبة تتانى وترفق المحبة لا تحسد المحبة لا تتفاخر ولا تنتفخولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوءولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحقوتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبرعلى كل شيء.

هناك من إستبدل كلمة المحبة في هذه الآيات بكلمة المسيح، فالرسول هنا يرسم صورة للرب يسوع الذي تجسدت فيه المحبة. ولكن السؤال لو لم يكن عندي هذه المحبة وهذه الصفات ماذا أعمل.

1)     نطلب الإمتلاء من الروح القدس، و أول ثماره المحبة (غل 22:5)

2)  والإمتلاء من الروح، والإمتلاء من المحبة هما نعمة، ولا نعمة دون جهاد والجهاد هو أن يغصب الإنسان نفسه على عمل الشيء المطلوب. و بالتالي لن أمتلئ محبة سوى بالجهاد. وما هو الجهاد المطلوب ؟ لنذكر تعليم الرب أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم (مت 44:5) فمحبة الأعداء هي نعمة ولكنها تتطلب جهاد، وهكذا أي محبة

أ) باركوا…. تكلموا حسناً على كل الناس، ولا تلعنوا أحداً، حتى لو في داخلي شئ آخر.

ب) أحسنوا….قدموا خدمات لكل الناس وتشبهوا بالسيد الذي أتى ليخدم لا ليُخْدَمْ إصنع هذا حتى لو لم تكن تحب الخدمة.

ج) صلوا….لا تنشغل في صلاتك بنفسك، بل صلى لكل الناس، لكل متألم، لمن في كنيستي ومن ليس في كنيستي للمسيحى وغير المسيحي. وفى مقابل هذا تنسكب علىَّ النعمة وتتغير طبيعتي، فأجد نفسي أحب كل الناس حتى أعدائي، وهذه هي الخليقة الجديدة التي في المسيح (2 كو 17:5) فأقصى ما تستطيعه الخليقة العتيقة هو أن يغصب الإنسان نفسه على عمل المحبة أمّا الخليقة الجديدة فتصنع هذا عن حب لله والناس والبداية هي التغصب 

تتأنى وترفق = التأنى هو طول أناة بالفكر. والرفق هو طول أناة بالسلوك والعمل والتخاطب في التعامل مع الآخرين. ويحتمل المعنى عدم الإساءة لمن يسئ لنا، بل نقابله بالصلاح والخير. 

تدريب عملي :- أعط للناس عذر فيما يفعلونه من أخطاء، وقل ربما هم في ظروف صعبة إضطرتهم لذلك. وحاول السيطرة على إنفعالاتك. وربما في البداية يحدث نوع من الكبت. ولكن مع إنسكاب النعمة ستمتلئ النفس سلاماً.

لا تحسد = أي لا تشعر بالألم نتيجة لسعادة الآخرين وتقدمهم، ولا تحقد على الآخرين بسبب نعمة نالوها. ولا تتمنى زوالها عنهم. وإبليس يحرك الحسد في قلوب البشر، فقلبه مملوء حسداً مقابل الحب الذي يملأ قلب الله. ومن حسد إبليس انه أسقط الإنسان في الخطية (مثال :- الأخ الأكبر للابن الضال حسده على النعمة التي نالها).أمّا الإنسان الروحي المملوء محبة يفرح مع الفرحين وهذه ليست في طاقة الإنسان العادى. ولكن هذا هو المحك …. هل تغيرت طبيعتك أم لا. وإذا كانت طبيعتك لم تتغير ماذا تفعل 

تدريب عملي :-

 أ) صلى لأجل من ناله خيرات، وأطلب له المزيد حتى لو كان هذا بتغصب
ب) صلى من أجل أن تتغير طبيعتك
ج) إذهب لهذا الإنسان وبارك له، وخذ معك هدية، ولو بتغصب. وبهذا تغير النعمة طبيعتك. 

لا تتفاخرلا تنتفخ = تتفاخر هذه تكون أمام الناس. وتنتفخ هذه بيني وبين نفسي. والمحبة تملأنا شعوراً بإحترام الآخرين وتقديرنا لهم وتكريمنا لهم، وتحد من تكريمنا لأنفسنا، فلا نتطرف في تقديرنا لأنفسنا تطرفا يجعلنا نتفاخر ونمتلئ غرورا وشعورا بعظمة أنفسنا يجعلنا نتفاخر على الآخرين ربما بشئ نملكه وهم لا يملكونه، أو بسبب خدمة قدمناها لهم. أما المحب فهو متواضع كالمسيح الذي غسل الأرجل، والناس تحب المتواضع وتنفر من المنتفخ وكيف ينتفخ أو يتفاخر من يشعر أن الله هو مصدر كل خير عنده (يع 17:1) ولا ينتفخ أي لا يمتلئ صاحبها بالغرور والكبرياء والغطرسة. أما المملوء محبة يتمنى الخير لكل الناس، ويحزن لأنهم لا يمتلكون مثله، ويصلى لله ليعطيهم فيفرحوا (هذا هو التدريب المطلوب). إذا فهمنا أن الله هو مصدر كل خير عندي، فكيف أتفاخر بما ليس لي (1كو 7:4)

لا تقبح = أي يجرح مشاعر الغير بكلام قبيح وسفيه ليوبخه، ويفعل أفعالاً رديئة ويسلك بغير لياقة. وقارن مع (كو 6:4)

تدريب عملي = فلنتعلم أن نشجع الناس بكلام لطيف بدلاً من أن نسئ لمشاعرهم 

لا تطلب ما لنفسها = هذه هي عكس الأنانية. فالمحب يطلب ما للآخرين ثم ما لنفسه، أمّا الأنانية فلا تتفق مع الروحيات (يو 18: 7،8) لنتعلم من المسيح أن نتعب لنربح الآخرين (رو 3:9 +خر 12:32،10). إذاً المحبة تهتم بنفع الآخرين قبل الأنا

لا تحتد = أي يتصرف بلطف ووداعة وهدوء، بحزم بلا تجريح وبلا غضب. فالمحبة لا تنظر للآخرين بروح النقد وتسعى لإدانتهم، بل لا تحسب للآخرين خطاياهم. 

لا تظن السوء = تفترض الثقة في الآخرين، أما المحبة الشكاكة فتفترض أن الجميع أشرار ما لم يثبتوا العكس في معاملاتهم. وليس معنى هذا أن نتعامل بلا حكمة، بل علينا أن لا نترك الفرصة لعدو الخير لزرع شكوك العداوة بيننا و بين الآخرين، ولا نتسرع في الحكم.(مثال بنى عمون مع رسل داود) وعلينا أن ندافع عن الناس بقدر ما يمكن وان نتروى ونبطئ في الحكم ولا نحتفظ بسجل لخطايا الآخرين (كما جاءت في بعض الترجمات) بل ننساها. فلو تذكر الله كل خطايانا لما تعامل معنا.

تدريب عملي :- إنشغل بالسماء، بترديد مزامير والتأمل فيها مثلاً، أو ترديد آيات ومن هو مشغول بالسماء لن يلاحظ أخطاء الآخرين. كقائد السيارة المشغول بالطريق، لن يهتم بملابس الراكبين معه

لا تفرح بالإثم = أي لا تشمت في سقوط الآخرين، فهناك من يفرح بسقوط عدوه في خطية حتى ينتقم منه الله، ومن يفرح بوجود الإثم فهو لم يتب توبة حقيقية، بل المحب يبكى على خطية الخاطئ تدريب عملي :- صلى لكل نفس تخطىء لكي تتوب، حتى لو كان هذا ضد رغبتك.

تفرح بالحق = تفرح وتسر عندما يسود الحق، ويقدم الخطاة توبة. فالقلب المحب يسكنه الله، والله هو الحق، فالمحب يفرح بالتوبة والسلوك بالإنجيل. 

تحتمل كل شيء = أي تحتمل نقائص الآخرين وسوء تصرفاتهم، والمسيح إحتمل نقائصنا وهو القدوس أفلا نحتمل نقائص البعض نحن الخطاة. وأيضا نفهم هذه على أن المحبة لا تشهر بالآخرين وتذيع نقائصهم بل تستر عليهم (قصة أبو مقار) بل كانت الكنيسة تصلى لأجل الذين يقتلون أولادها، وهكذا طلب بولس الرسول أن نحترم الرؤساء. وكان هذا أيام نيرون.

تصدق كل شي = تصدق المظهر الطيب للناس دون أن تبحث في دواخلهم وتشكك في نيات قلوبهم، فهذه متروكة لله، ولكن إن أظهر الإنسان شروراً من داخله فهذه لها مواقف أخرى قد تصل لإختصار هذا الإنسان، طبعا تصدق كل شي لا تعنى البلاهة بل بعقل مستنير(1 يو 1:4 + ا تس 21:5). 

ترجو كل شي = أي لا تعرف اليأس، وتأمل أن يُصلح الآخرون أحوالهم، فإذا أخطأوا فهي ترجو لهم التخلص من الخطيئة والتغلب عليها، هي تتوقع بثقة عمل الله في الآخرين لتغييرهم. فمن يحب لايتصور هلاك من يحب بل يأمل في خلاصه. 

تصبر على كل شئ = تسلك في طول أناة نحو الآخرين، وتصبر على كل ما يصيبها من ضيق أو من إضطهاد ولا تتعجل النتائج، ولا تيأس سريعا. إنما تفعل الخير دائما وتصبر. وتحتمل كل تجربة مهما كانت 

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى