رو12: 15 فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين

 

فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ.“(رو12: 15)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين” (رو15:12).

إذن لأنـه مـن الممكـن أن تُبـارك ولا نلعـن، بسبب المحبة، فهـو يريد أن نشتعل تماما بالمحبة. ولهذا أضاف” فرحا مع الفرحين وبكاء مع الباكين”، حتى أننا لا نبارك فقط، بل وأن نشارك في الحـزن وفي الألم، إن رأينا الناس في نكبة في وقت ما. فمن حيث مشاركة الذين يبكون أحزانهم، فهذا أمـر صائب، ولكن لماذا أوحي بالجانب الأخر إذا كان لا يعتبر أمرا مهما؟ لأن الفرح مع الفرحين يحتاج إلى نفس حكيمة، أكثر من البكاء مع الباكين. لأن البكاء مع الباكين بالتأكيد ثمليه علينا الطبيعة ذاتها، ولا يوجد أحد جامدا مثل الصخرة، حتى لا يبكي مع من يواجه كارثة، لكن الذي يفـرح مع الفرحين يحتاج إلى نفس سخية جدا، حتى أننا ليس فقط يجب علينا ألا نحسد من هو في حالة يسر ورخاء، بل وأن نفرح معه. ولذلك فقد ذكـر هـذا أولاً “فرحا مع الفرحين”. لأنه لا يوجد شيئا يقوي المحبة بهذا القدر الكبير، سوى أن نشترك فيما بيننا في الفرح وفي الحزن.

إذن ينبغي ألا تبقى بلا إحساس لأنك بعيد عن النكبات، ولا تحتاج لأن يرثي لك أحد. لأنه حين يصاب القريب بمكروه، فأنت مدين أن تشاركه الألم. فلتشارك في البكاء، لكي تُخفف عنه الحزن، وأن تشارك في الفرح لكي ثمكن له الابتهاج، وتؤصل المحبة، وتنفع نفسك. لأنه بالبكاء تجعل نفسك مشاركة في الحزن، بينما بواسطة الشركة في الفرح، تنقيها تماما من الحسد والغيرة. لاحظ أن الرسول بولس لا يشعر مطلقا بأي ضجر أو سأم. لأنه لم يقل، عليك أن تمنع الكارثة، حتى لا تقول وتكرر أن هذا مستحيل، لكنه أوصى بما هو أكثر سهولة، أوصى بمـا هـو في استطاعتك أن تفعله. لأنه إن لم تستطع أن تزيل الكارثة فعلى الأقـل شـارك في البكاء، وبهذا تكـون قـد محـوت الجـزء الأكبر، وإن لم تستطع بعـد أن تعطي السعادة ، فعلى الأقل شارك في الفرح، وبهذا تزيد الفرح جداً.

ومن أجـل هـذا ينصح، ليس فقـط بـألا نحسد، بل ينصح بمـا هـو أكثر بكثير مـن هـذا ، أي أن نفـرح مـعـه. لأن هـذا يعتبر أعظـم كـثيـرا مـن عـدم الحسد.

فاصل

تفسير القمص متى المسكين

15:12 «فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين» .

واضح أن ق. بولس هنا يطلب المجاملة مع الذين من الخارج، بعد أن أعطى وصيته السابقة مـن نـحـوهـم: «بـاركـوا على الـذيـن يـضـطـهـدونكم ، باركوا ولا تلعنوا». هنا الوصية : «فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين» تتمشى معها. فإن كانت لنا القوة والنعمة أن تبارك الذين يـضـطـهدوننا، أي نطلب لهم الخير والبركة، فليس من الصعب أن نجاملهم في أفراحهم وأحزانهم .

فتقديم البركة مقابل الاضطهاد أصعب بكثير من تقديم الفرح مقابل الفرح والبكاء مقابل البكاء هذا إن كانت البركة التي نبارك بها مضطهدينا صادقة ومن القلب ، والدعاء لهم حقيقياً أمام الله . والـقـديـس بـولـس سـواء في الآية الأولى أي قوله أن نبارك الذين يضطهدوننا أو نجاملهم في الفرح والحزن، إنما يجتذ العداوة من جذورها ويوقف تيار الاضطهاد بعمل إيجابي إلهي رائع حقا وهذا يتمشى مع الإنجيل: «لأنه إن كنا ونحن أعداء صولحنا مع الله بموت ابنه … » ( رو5: 10)

 بل لو تمعنا في كل الوصايا الخاصة بالأعداء والمقاومين نجد أنها كلها تتجه ناحية الإيجاب المطلق، من أجل أن نوقف تيار الشر بعمل إيجابي شديد الإيجابية :

+ « من سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين . » (مت 5 : 41)،

+ «من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضاً . » (مت5: 39)،

+«من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً . » (مت 5 : 40)،

+«من أراد أن يقترض منك فلا ترده . » (مت 5 : 42)،

«كن مراضياً لخصمك سريعاً ما دمت معه في الطريق . » (مت5 : 25)

ولـكـن هذه الوصية الجديدة : «فرحاً مع الفرحين وبكاء مع الباكين» تأتي بإيجابية شجاعة ، فيها انفتاح قلب ظاهر وفيها محبة ملموسة ، فتكاد هذه الوصية تقوم على أنه لا توجد عداوة أبدأ حتى ولـو كـانـت مـوجـودة. هذا الإلغاء للسلبيات في ضمير المسيحي له قدره وقيمته . فهو وإن لم يلغ العداوة في قلب العدو فليس أقل من أن يخفف من غلوائها .

ولـكـن لا يزال في هذه الوصية سر أعمق من كل ما فات ، فالقديس بولس هنا لا يتكلم عن عداوة ولا عن اضطهاد، فهو يطلق هذه الوصية لتكون سبباً وأساساً لعلاقة لا تحتمل الاضطهاد والعداوة. فالذين عاشوا معاً في عشرة مجاملة ومودة في كل ما هو مفرح وكل ما هو محزن ، عسير كل العسر أن تتحول هذه العشرة إلى عداوة واضطهاد. إذا فهنا ق. بولس يبني أساساً للعلائق مع  الخارجين قادرة ، لو نحن أكملناها بحكمة روحية مسيحية، أن تجعلنا نتحاشي العداوة والاضطهاد ، لا خوفاً من عداوة ولا رعباً من اضطهاد، ولكن لتعطى حياة هادئة مطمئنة . هذه هي نظرة القديس بولس الرسول . 

ولـكـن لا تزال في هذه الوصية مخاطرة يلزم أن نتفاداها ، فالفرح غير المسيحي يحمل أحياناً من الـصـفـات مـا يـتـنـافى مع الروح المسيحية المحافظة والمتعففة جداً. هنا المسيحي في مشاركته مع الـفـرحين من الخارج يلتزم بالأصول الأخلاقية التي عاش فيها ولا يتعداها . أما في مشاركة الحزن فهنا مجال المسيحي حاضر حقاً ومتسع، فالمسيحية لها روح عزاء قادرة أن تؤثر تأثيراً إيجابياً ناجحاً في الآخرين. فهنا مجال نشط يتبارى فيه المسيحي ويكون محل تقدير وتكريم ومنفعة .

ولـكـن لا نزال نرى في المشاركة مع الذين من الخارج تجاوباً اجتماعياً يقوم على المودة الخالصة والمـسـاعـدة والبذل خصوصاً في وقت الحاجة والضيقة ، حيث يصبح التعاطف الخالص غير المغرض أساساً لرابطة المودة الصادقة والمحبة والاحترام المتبادل .

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

“فرحًا مع الفرحين وبكاءً مع الباكين” [15].

لا تقوم هذه الشركة على فكر اجتماعي بحت أو مجاملات ظاهرية، وإنما عن شركة الأعضاء التي تشعر ببعضها البعض.

ربما يسهل على الإنسان أن يحزن مع الحزين ويئن مع أناته، لكن يصعب جدًا أن يفرح مع فرح أخيه، هذا يتطلب نفسًا سامية، فلا يحسد أخاه على نجاحه، بل يفرح معه، حاسبًا كل نجاح لأخيه هو نجاح لنفسه. يقول الرسول: فإن كان عضو واحد يتألم فجميع الأعضاء تتألم معه، وإن كان عضو يكرم فجميع الأعضاء تفرح معه، وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا” (1 كو 12: 26-27).

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء يثبت الحب بقوة مثل المشاركة في الفرح والألم. ليس لأنك بعيد عن المتاعب تنعزل عن مشاركة الآخرين أيضا. فعندما يتعب قريبك احسب الضيق خاصًا بك. شاركه دموعه لكي تسند روحه المنسحقة، وشاركه فرحه ليصير الفرح فيه عميقًا متأصلاً؛ ثبتّ المحبة إذ بهذا تخدم نفسك أكثر من خدمتك له. فبدموعك تصير أنت رحومًا، وبمشاعر البهجة تنقي نفسك من الحسد والغم… إن كنت لا تستطيع أن تنزع عنه الشرور شاركه بدموعك، فتزيل عنه نصف الشر؛ وإن كنت لا تستطيع أن تزيد خيراته فشاركه فرحه فتضيف إليه أمرًا عظيمًا.]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (15): “فَرَحًا مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ.”

هذه ليست مجاملات اجتماعية بل شركة الأعضاء متشبهين بالمسيح الذي بكى على قبر لعازر، وتهلل فرحًا بالروح للبركات التي حصل عليها تلاميذه (لو21:10). ولا يستطيع أحد أن يفرح مع الآخرين إلاّ من سكن يسوع فيه وأعطاه حياته فالفرح مع الفرحين أصعب بكثير من البكاء مع الباكين. لأن الإنسان الطبيعي يحسد الناجح، ولكن من هو خليقة جديدة سيتشبه بالمسيح. وهذا ما سيحدث في السماء، فسنفرح مع من هم في مجد أكثر منا. ولنلاحظ أن اشتراكنا بمشاعرنا مع إخوتنا يزيد المحبة بيننا.

فاصل

تفسير د/ موريس تاوضروس

فرحا مع الفرحين وبكاء مع الباكين

يجب أن نشـتـرك مع الآخرين في مختلف ظـروفـهـم فـنفـرح حين يفـرحـون ونـحـزن حين يحـزنون (أنظر لو1: 58) . يقول داود البني ، أما أنا فـفـي مـرضـهـم كـان لـبـاسي مسحا …كأنه قريب كانه أخي كنت أتمشي كمن ينوح علي أمه انحنيت حزينا (مز 35: 13، 14) .

زر الذهاب إلى الأعلى