رو 12:5 من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم…
“مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ. “ (رو 12:5)
+++
تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم
من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع (رو5: 12)
1 ـ تماما كما يصنع الأطباء الأكفاء الذين يفحصون دوما وبعمق جذور المرض ويصلون إلى السبب المباشر لظهوره، هكذا يصنع الطوباوي بولس. فعندما قال إننا تبررنا، وبعدما أظهر أن هذا البر استعلن في إيمان إبراهيم بالروح القدس، وبموت المسيح، لأنه مات لكي يبررنا، نجده يبرهن بعد ذلك وبأسلوب آخر على تلك الأمور التي سبق وأظهرها بدلائل كثيرة من خلال الموت والخطية . وقد حاول أن يشرح كيف وبأي طريقة دخل الموت إلى العالم وساد عليه، ويقول إن هذا حدث بخطية الإنسان الواحد (أى آدم). وماذا يعني بقوله: “وفي شخصه اجتاز الموت إلى جميع الناس؟” يعني أن الموت قد اجتاز إلى الجميع لأنه (أي آدم) سقط في الخطية، وأولئك الذين لم يأكلوا من الشجرة جميعهم صاروا في شخصه مائتين.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم،
وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس
إذ أخطأ الجميع.
فإنه حتى الناموس كانت الخطية في العالم،
على أن الخطية لا تحسب، إذ لم يكن ناموس.
لكن قد ملك الموت من آدم إلي موسى،
وذلك علي الذين لم يخطئوا علي شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي ” [12-14].
في هذا الحديث أوضح الرسول الآتي:
أولاً: فضح علة دخول الموت إلي البشرية وسلطانه عليها لكي يبرز بعد ذلك قوة تبريرنا بالسيد المسيح غالب الموت. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كما يبذل أفضل الأطباء كل الجهد لاكتشاف مصدر الأمراض ويبلغون أصل الداء عينه هكذا فعل الطوباوي بولس أيضًا، فعندما قال أننا قد تبررنا، مؤكدًا ذلك خلال البطريرك (إبراهيم)، والروح (القدس)، وموت المسيح (لأنه ما كان ليموت إلا ليبرر)، أخذ بعد ذلك يؤكد ما سبق أن أوضحه بإسهاب خلال مصادر أخرى، محققًا هدفه ببرهان آخر مضاد، أي الموت والخطية.]
كأن الرسول يسأل: متى دخل الموت؟ وكيف غلب؟، فيجيب: “من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلي العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلي جميع الناس، إذ أخطأ الجميع” [12]. لقد أظهر أن الخطية بدأت بالإنسان الأول، وتملّك الموت غالبًا إياه، وقد صار الكل مخطئين وإن لم يسقطوا في ذات المعصية. صارت الخطية منتشرة في الطبيعة البشرية لكنها غير مُكتشفة حتى جاء الناموس، فظهرت بعصيان الإنسان لوصايا معينة: “فإنه حتى الناموس كانت الخطية في العالم على أن الخطية لا تُحسب إن لم يكن ناموس” [13].
دبت بذار الموت مع الخطية منذ آدم، لكن الموت لم يكن ثمرة عصيان للناموس بل ثمرة عصيان أبينا آدم. ملك الموت علي الذين لم يخطئوا بعصيان الناموس إنما خلال شبه تعدي آدم الذي هو مثال الآتي [14].
v في آدم سقطت أنا، وفيه طُردت من الفردوس، وفيه مت، فكيف يردني الرب إلا بأن يجدني في آدم مذنباً، إذ كنت هكذا، أما الآن ففي المسيح أتبرر أنا.
v لذلك يقول: ” افرحوا، أنا قد غلبت العالم” (يو 16: 33).
هذا قاله كمصارع لائق ليس بكونه الله فحسب، وإنما بإظهار جسدنا (الذي التحف به) كغالبٍ للألم والموت والفساد.
لقد دخلت الخطية إلي العالم بالجسد، وملك الموت بالخطية علي جميع الناس، لكن دينت الخطية بذات الجسد في شبه (شبه جسد الخطية)، فقد غُلبت الخطية، وطرد الموت من سلطانه، ونُزع الفساد بدفن الجسد وظهور بكر القيامة، وبدأ أساس البرّ في العالم بالإيمان، والكرازة بملكوت المسوات بين البشر، وقيام الصداقة بين الله والناس.
القديس غريغوريوس صانع العجائب
v حتى الأطفال الذين لا يخطئون في حياتهم الشخصية إنما حسب الجنس البشري العالم يكسرون عهد الله، إذ أخطأ الكل في واحد.
ثانيا: يري القديس إيريناؤس أنه بالخطية “ملك الموت من آدم إلي موسى” [14]،أما وقد جاء الناموس في العصر الموسوي، انفضحت الخطية، وظهرت أنها خاطئة، وأُعلن أن الموت ليس ملكًا حقيقيًا إنما هو مُغتصب ومجرم يمثل ثقلاً علي الإنسان.
ثالثا: ماذا يقصد بعبارة “آدم الذي هو مثال الآتي” [14]؟ يجيب القديس يوحنا الذهبي الفم أنه كما بواحدٍ صار الحكم علي الكل بواحدٍ أيضًا صار البرّ لكل المؤمنين. كما سقط الكل تحت الموت مع أنهم لم يأكلوا مع آدم من الشجرة، هكذا قُدم الخلاص للعالم دون فضل من جانبهم، إنما يرجع الفضل لبرّ المسيح الذي يهبه خلال شجرة الصليب.
يؤكد القديس الذهبي الفم أنه لا يفهم من هذا أن الخطية والنعمة متساويان، ولا الموت والحياة عديلان، لأن الشيطان والله ليسا متساويين.
رابعا: إن كان الموت قد ملك علي البشرية بسبب آدم، فقد جاء كلمة الله متجسدًا كآدم الثاني لينزع عن الإنسان هذا السلطان القاتل:
v من آدم إلي موسى ملك الموت، لكن حضور الكلمة حطّم الموت (2 تي 1: 10). لم يعد بعد في آدم يموت جميعنا (1كو 15: 22)، إنما صرنا في المسيح نحيا جميعنا.
القديس البابا أثناسيوس
v منذ القديم: “تسلط الموت من آدم إلي موسى”، أما الآن فالصوت الإلهي يقول: “اليوم تكون معي في الفردوس“ (لو 23: 43). إذ يشعر القديس بهذه النعمة يقول: “لولا ان الرب كان معي لهلكت نفسي في الهاوية“(مز 94: 17) .
القديس البابا أثناسيوس
v إذ أخطأ الإنسان وسقط صار كل شيء في ارتباك بسقوطه، وتسلط الموت من آدم إلي موسى، ولعنت الأرض، وانفتح الجحيم، وأُغلق الفردوس، وتكدرت السماء، وأخيرًا فسد الإنسان وتوّحش (مز 49: 12) بينما تعظم الشيطان ضدنا. لذلك فإن الله في حبه الحاني لم يرد للإنسان الذي خُلق علي صورته أن يُهلك، فقال: “من أرسل؟ ومن يذهب من أجلنا؟” (إش 6: 8). وإذ صمت الكل قال الابن: “هأنذا أرسلنى”، عندئذ قيل له: “اذهب“ وسُلم إليه الإنسان، حتى إذ صار الكلمة جسدًا، فبأخذه الجسد أصلح الإنسان بكليته. لقد أُسلم إليه الإنسان كما إلي طبيب ليشفيه من لدغة الحية، فيهبه الحياة، ويقيمه من الموت، ويضئ عليه، وينير الظلمة. إذ صار جسدًا جدّد الطبيعة العاقلة… وردّ كل الأشياء إلي الصلاح والكمال.
القديس البابا أثناسيوس
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (12): “من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع.”
كأنما= يقولها بولس بتواضع إعلاناً منه بأنه غير فاهم تماماً لكل أثار الخطية، هو لا يري أمامه سوي إنتشار الخطية والموت (راجع الدراسة عن فكر بولس الرسول عن الخلاص في المقدمة)
نقول في القداس الباسيلي “يا الله العظيم الأبدي… الذي جبل الإنسان علي غير فساد” ونفهم من هذا أن الخطية غريبة عن الجنس البشري… ثم دخلت الخطية إلي العالم بإنسان واحد هو آدم. وبالخطية الموت= لأن الخطية إنفصال عن الله. فلا شركة للنور مع الظلمة. ونحن ورثنا من آدم طبيعة منفتحة علي الخطية وعلي الشيطان أي صرنا نميل للخطية. صار إحتمال الخطية وارد ولكنه ليس حتمي، بدليل وجود شخصيات بارة كإبراهيم وإسحق ويعقوب ويوسف وأيوب، والله دعا إبراهيم وإسحق ويعقوب أحياء. ولكن آدم سلَّمنا طبيعة تعرف الخير والشر وتميل للشر، وليس لها قوة كبيرة علي مقاومته. ولاحظ قول بولس إذ أخطأ الجميع= فالكل أخطأ ويموت بمسئوليته الشخصية والمعني الموجه لنا.. لا داعي أن نقول أن آدم هو السبب فيما حدث لنا من موت لأن الكل قد أخطأ. ونلاحظ أن الإنسان لم يرث طبيعة محتم عليها السقوط وإلا لما كان يدينه. ولذلك قال الله لقايين عن الخطية “إليك إشتياقها وأنت تسود عليها” (تك7:4). ونلاحظ أننا نموت لا بخطية آدم، بل بطبيعة آدم وبسبب خطايانا التي نصنعها بإرادتنا نحن. فنحن نخطئ بطبيعة آدم وبإرادتنا نحن. وبذلك صارت الخطية منتشرة في الطبع البشري. وفي آدم سقطت أنا ومُتْ. وكما أنه بخطية واحد دخل الموت للجميع هكذا ببر المسيح وفدائه صارت حياة لكل من يؤمن.
- تفسير رسالة رومية 5 – القديس يوحنا ذهبي الفم
- تفسير رسالة رومية 5 – القمص تادرس يعقوب ملطي
- تفسير رسالة رومية 5 – القمص متى المسكين
- تفسير رسالة رومية 5 – القمص أنطونيوس فكري
- تفسير رسالة رومية 5 – الأنبا أثناسيوس مطران بني سويف
- تفسير رسالة رومية 5 – د/ موريس تاوضروس
- تفسير رسالة رومية 5 – كنيسة مارمرقس مصر الجديدة