مز 1:1 طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار
“طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي لَمْ يَسْلُكْ فِي مَشُورَةِ الأَشْرَارِ، وَفِي طَرِيقِ الْخُطَاةِ لَمْ يَقِفْ، وَفِي مَجْلِسِ الْمُسْتَهْزِئِينَ لَمْ يَجْلِسْ.“(مز 1:1)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
يضع المرتل ثلاث مراحل للإنسان الشرير: يسلك أو يمشي في الطريق، ويقف، ثم يجلس مع الأشرار، قائلاً:
“طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة المنافقين،
وفي طريق الخطاة لم يقف،
وفي مجلس المستهزئين لم يجلس” [1].
أ. يرى القس أبو الفرج عبد الله ابن الطيب أن المرتل يميز هنا بين الإثم والخطية والاستهزاء. الإثم هو ارتكاب شر يتعلق بجسده ممثل الشهوات الشريرة والزنا والفجور؛ والخطية تتعلق بعلاقته مع الله مثل الإلحاد؛ والاستهزاء يتعلق بخطية تمس علاقتة بالآخرين كالشتيمة والنميمة والافتراء عليهم. وكأن الطوبى هي تمتع بحياة مقدسة تمس علاقة المؤمن بحياته الشخصية وبربه كما بأخيه الإنسان!
ب. يرى بعض المفسرين أن المشي في مشورة المنافقين يشير إلى التفكير في الشر، أما الوقوف في الطريق فمعناه الدخول إلى العمل، وأخيراً الجلوس في مجلس المستهزئين فيشير إلى الأندفاع نحو إغراء الآخرين وتعليمهم الشر. وكأن مراحل الشر الثلاث هي: التفكير ثم العمل وأخيراً التعليم.
ج. يذكر المرتل ثلاث خطوات متتالية في طريق الشر:
- السلوك في مشورة المنافقين، يعني تبني مبادىء فاعلي الشر كقانون للحياة، باتخاذ مشورتهم نصيحة للحياة. يتجنب الإنسان التقي الشر بنبذه صحبة الأشرار تماماً، حتى لا ينقاد وراءهم.
يرى الإنسان التقي الأشرار حوله يحيطون به، فالعالم مليء بهم، يمشون في كل جانب. إنه يحبهم كأشخاص لكنه لا يحب طرقهم و لا شرورهم. يصلي من أجلهم وبحكمة يتعامل معهم، متجنباً طرقهم الشريرة. يكره الخطية لا الخطاة.
- الوقوف في طريق الخطاة، كمن يبدأ رحلة معهم، يعني أنه يتشبه بهم بالإصرار على ممارسة المعاصي الرديئة.
- أخيرًا، أشر الخطايا هو الجلوس في مجلس المستهزئين، ومشاركتهم في السخرية بالأمور المقدسة.
v يصعب على الإنسان ألا يخطيء، وكما يقول الإنجيلي يوحنا أن من ينكر أنه يخطيء فهو كاذب (1 يو 1: 8). إن كان جميعنا يخطيء، فماذا تعني الكلمات: “وفي طريق الخطاة لم يقف“… لم يقل الكتاب المقدس “طوبى للرجل الذي لم يخطيء” بل بالحري طوبى للرجل الذي لا يستمر في الخطية.
v يلزمنا أن ندرس التدرج: “يسلك ويقف ويجلس” [1]؛ فالإنسان يسلك في طريق الخطاة حينما يعطي ظهره لله، ويقف عندما يجد لذة في الخطية، يجلس عندما ينحصر في كبرياءه، فيصير غير قادر على الرجوع إلى الطريق المستقيم إلا بمجيء ذاك (المسيح) الذي لم يسلك في مشورة المنافقين، ولم يقف في طريق الخطاة ولم يجلس في مجلس المستهزئين لكي يخلصه.
د. حالة التطويب هي هبة إلهية تُعطى للمشتاقين إلى الحياة المستنيرة البعيدة عن ظلام الخطية. يقول المعلم دانيال الصالحي: [فليقترب الذين يشتهون الطوبى الموهوبة من الروح القدس ويسمعوا. لمن أعطى داود المرتل تلك الطوبى المغبوطة؟… القرب من الطوبى الإلهية تجعلنا نبتعد عن ظلام الخطية… إن العارفين باللغة العبرية حينئذ
يرى أيضًا المعلم دانيال الصالحي أن الإنسان الساقط من الحالة المطوَّبة إلى طريق الشر هو آدم الأول، مقارنًا بينه وبين ملك إسرائيل الأول شاول قائلاً:
[صار (آدم) تلميذًا للحية بمشورة حواء مثلما صار شاول عبدًا للكهانة (العرافة) المضلة بتعليم المرأة العرَّافة. أما ذاك فسقط من من الجنة مطرودًا، وهذا سقط من مملكة شعب الله وخاب من شركة القديسين مرذولاً].
هـ. إن كان المعلم دانيال الصالحي يرى التطويب هو عطية الروح القدس الممنوحة لراغبيها فإن لفظ “طوبى” هو أحد القاب السيد المسيح، إذ يقول القديس بولس: “المبارك العزيز الوحيد، ملك الملوك ورب الأرباب” (1 تي 6: 15). وكأن التطويب هو عمل الروح فينا باتحادنا مع المطوّب المبارك، رأسنا يسوع المسيح.
يرى الأشرار في لذة الخطية المؤقتة سعادتهم التي تجتذبهم ولا تشبعهم فتكون سرابًا في حياتهم، أما المؤمنون المتحدون مع السيد المسيح فيجدون سعادتهم وتطويبهم وشبعهم لا في الأمور الزمنة الزائلة بل في الاتحاد بالسيد المسح نفسه.
و. لماذا استخدم المرتل التطويب هنا بصغة المفرد “طوبى للرجل“؟
- ربما لأن السالكين في طريق الرب، في الحياة المطوبة هم قلة قليلة جدًا، أو لعله أراد تأكيد وحدتهم معًا بروح الحب ووحدة الإيمان، فيحسبون كإنسان واحد. يقول الرسول بولس: “جسد واحد وروح واحد كما دُعيتم أيضًا في رجاء دعوتكم الواحد؛ رب واحد، إيمان واحد، معمودية واحدة؛ إله وآب واحد للكل…” (أف 4: 5-6).
- يرى بعض الآباء مثل القديس أغسطينوس أن الرجل الواحد المطوّب هنا هو السيد المسيح، آدم الثاني، الذي يحمل كنيسته فيه جسدًا مقدسًا للرأس، يهبنا حياته المطوَّبة.
ز. يُلاحظ أن المرتل يطوب مقاومي الشر ليؤكد أن هبة هذه التطويب تُمنح كعطية مجانية لمقاومي الخطية. فيؤكد القديس أغسطينوس أن الشاب الذي يقاوم فكرًا شريرًا لا يثور في مشاعر أو أحاسيس الطفل الصغير يهبه بالأكثر أكليلاً أعظم مما للطفل. فالشاب مقاوم الخطية ينال إكليل الجهاد عن حب وصراع لا كالطفل عن عجز. طهارة الشاب المقاومة للشر هي طهارة النضوج أما طهارة الطفل فهي عن ضعف!
تفسير الأب متى المسكين
« طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار ، وفي طريق الخطاة لم يقف ، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس » :
« طوبي » : في السبعينية (مکاریوس) وهي موجودة في مزامير ( 1:41 ، 12:84 ، 12:94 ، 1:112 ، 5:127 ، 1:128) وقد جاءت في إنجيل ق . متى ( 3:5 إلخ ) . فالرجل البار يوصف أولاً سلبياً فيما سار عليه سابقاً فكان كل حياته متمسكا بالقول :”ابتعد عن الشر” كما جاء في مزمور ( 14:34 ) : « حد عن الشر واصنع الخير » .
«الأشرار ungodly» :
وهي المقابل للبار righteous وقد جاءت بالعبرية rasha . وقد جاءت في سفر أيوب بمعنى المنافقين ( أي 17:3) وجاءت في سفر إشعياء ( 57: 20و21) : « أما الأشرار فكالبحر المضطرب …ليس سلام قال إلهي للأشرار».
وهي كلمة تشرح ماذا تصنع الخطية في طبيعة الإنسان ، حيث تصيب العلاقة بين الإنسان والله والآخرين ونفسه .
« الخطاة sinners » :
وهم الذين فقدوا الهدف من الحياة فضلوا الطريق نحو الحق ، وهي تشير إلى التأصل في الإساءة والتجني وتكدير الآخرين ( انظر : أم۱۰:۱) : « يا ابني إن تملقك الخطاة فلا ترض » .
« المستهزئين scornful »:
هم المحتقرون scorners للآخرين والمزدرون بالناس وبأمور الدين ، كما جاءت هكذا بهذا المعن في سفر الأمثال . وجاءت في سفر إشعياء بنفس معنى الهزء :
+ « لذلك اسمعوا كلام الرب يا رجال الهزء … » ( إش 14:28)
+ « لأن العاتي قد باد وفني المستهزئ … » ( إش 20:29)
+ « یوم ملكنا يمرض الرؤساء من سورة الخمر ، يبسط يده على المستهزئين.» ( هو 5:7)
وهم المنحرفون المتهكمون الذين لا يؤمنون بصلاح البشر ، المتهكمون على الناس ، الساخرون بالعالم :
+« المنتفخ المتكبر اسمه مستهزئ عامل بفيضان الكبرياء . » ( أم 24:21).
وهم ذوو الأفكار المتحررة التي لا تؤمن بالأصول والواجب أو التقليد ويستحيل إصلاحهم . و عکس هؤلاء هم العقلاء الملتزمون . والمستهزئون هم دائماً کارهون مبغضون وفي وسط مسرة الناس يختفون في الوسط ، يكرهون التوبيخ ولا يقبلون التعليم :
+ « الابن الحكيم يقبل تأديب أبيه ، والمستهزئ لا يسمع انتهار.» ( أم 1:13)
+ « المستهزئ لا يحب موبخه ، إلى الحكماء لا يذهب . » ( أم 12:15)
ومن العبث المحاجاة معهم :
+« من يوبخ مستهزئاً يكسب لنفسه هواناً. ومن ينذر شريراً يكسب عيباً. لا توبخ مستهزئاً لئلا يبغضك . وبخ حكيماً فيحبك . » ( أم 9: 7 و8)
وهم مخزون لهم دينونة اللله :
+ « كما أنه يستهزئ بالمستهزئين . هكذا يعطي ( الله ) نعمة للمتواضعين . » ( أم 34 :3).
ويلاحظ أن الأشرار والخطاة والمستهزئين محصورون في : يمشي – يقف – يجلس.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية (1): “طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس.”
طولى للرجل= قالها بالمفرد فليس صالحاُ سوى المسيح وحده. ونلاحظ التدرج لا يسلك في مشورة الأشرار=أي يفكر في طريقهم ويستحسنه ويعطي ظهره لله وهذه مخاطرة. ولا يقف في طريق الخطاة= هنا حدث استحسان للشر ووجد الإنسان لذة، فبدأ يجاري الأشرار ويخطئ. ونلاحظ قوله طريق الخطاة، ونقارن هذا بأن المسيح هو الطريق والحياة فالمسيح طريق الأبرار وأي طريق سواه فهو طريق الشيطان طريق الموت واللعنة. لا يجلس في مجلس المستهزئين= هنا نجد الاستسلام لطريق الشر، وصار الأشرار رفقاء لهذا الإنسان، والمستهزئين هم من يستهزئون بالأمور المقدسة. هنا استمرار إرادي في الشر.