ملكوت الله ومملكة الشيطان
إنجيل يوم الجمعة من الأسبوع الثالث من الصوم المقدس
المزمـور: «1اِحْفَظْنِي يَـا اَللهُ لأَنِّي عَلَيْكَ تَـوَكَّلْتُ. 2قُلْتُ لِلـرَّبِّ: ”أَنْتَ سَيِّدِي. خَيْرِي لاَ شَيْءَ غَيْرُكَ“» (مز 16: 2،1).
الإنجيل: «14وَكَـانَ يُخْرِجُ شَيْطَانًا، وَكَانَ ذلِكَ أَخْرَسَ. فَلَمَّا أُخْرِجَ الشَّيْطَانُ تَكَلَّمَ الأَخْرَسُ، فَتَعَجَّبَ الْجُمُوعُ. 15وَأَمَّا قَوْمٌ مِنْهُمْ فَقَالُوا:”بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ“. 16وَآخَرُونَ طَلَبُوا مِنْهُ آيَـةً مِنَ السَّمَاءِ يُجَرِّبُونَهُ. 17فَعَلِمَ أَفْكَارَهُمْ، وَقَالَ لَهُمْ:”كُـلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تَخْرَبُ، وَبَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى بَيْتٍ يَسْقُطُ. 18فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ أَيْضًا يَنْقَسِمُ عَلَى ذَاتِهِ، فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟ لأَنَّكُمْ تَقُولُـونَ: إِنِّي بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ. 19فَإِنْ كُنْتُ أَنَا بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَأَبْنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟ لِذلِكَ هُمْ يَكُونُونَ قُضَاتَكُمْ! 20وَلكِنْ إِنْ كُنْتُ بِأَصْبعِ اللهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ، فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللهِ. 21حِينَمَا يَحْفَظُ الْقَوِيُّ دَارَهُ مُتَسَلِّحًا، تَكُونُ أَمْوَالُهُ فِي أَمَانٍ. 22وَلكِنْ مَتَى جَاءَ مَنْ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ فَإِنَّهُ يَغْلِبُهُ، وَيَنْزِعُ سِلاَحَهُ الْكَامِلَ الَّذِي اتَّكَلَ عَلَيْهِ، وَيُوَزِّعُ غَنَائِمَهُ. 23مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ، وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ. 24مَتَى خَرَجَ الرُّوحُ النَّجِسُ مِنَ الإِنْسَانِ، يَجْتَازُ فِي أَمَاكِنَ لَيْسَ فِيهَا مَاءٌ يَطْلُبُ رَاحَةً، وَإِذْ لاَ يَجِدُ يَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي الَّذِي خَرَجْتُ مِنْهُ. 25فَيَأْتِي وَيَجِدُهُ مَكْنُوسًا مُزَيَّنًا. 26ثُمَّ يَذْهَبُ وَيَأْخُذُ سَبْعَةَ أَرْوَاحٍ أُخَرَ أَشَرَّ مِنْهُ، فَتَدْخُلُ وَتَسْكُنُ هُنَاكَ، فَتَصِيرُ أَوَاخِرُ ذلِكَ الإِنْسَانِ أَشَرَّ مِنْ أَوَائِلِهِ!“» (لو 11: 14-26).
للأب متى المسكين
بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد، آمين
إنجيل القداس:
مرَّة أخرى يقول الرب يسوع في مواجهة خطيرة مع الشيطان: «إنْ كنتُ بأَصبع الله أُخْرِج الشياطين، فقد أَقْبَلَ عليكم ملكوت الله» (لو 11: 20)، «إنْ كنتُ أنا بروح الله أُخْرِج الشياطين، فقد أَقْبَلَ عليكم ملكوت الله» (مت 12: 28).
رأينا على جبل التجربة، المواجهة، وكان فيها المُتقدِّم بكلِّ جرأة هو الشيطان الذي ابتدر المسيح ليُجرِّبه. ولكن الشيطان خرج من هذا الحوار مقهوراً. بينما في هذا الإنجيل يحدث العكس، فالمسيح نفسه هو الذي يقتحم الشيطان في عُقْر داره ويُخرِجه عنوةً.
وكما ورد في إنجيل القديس متى: «حينئذ أُحضِرَ إليه (إلى يسوع) مجنونٌ أَعمى وأَخرس فشفاه، حتى إنَّ الأعمى الأخرس تكلَّم وأَبصر» (مت 12: 22).
في الحقيقة، فإنه في هذه الحادثة كما على جبل التجربة، جَمَعَ الشيطان مملكته كلها في لحظةٍ من الزمان، مملكة غير منظورة ومنظورة؛ قدَّم كل ممالك العالم للمسيح كرشوة، لكي يتنازل الرب عن صليبه، لا لشيء إلاَّ لأن الشيطان كان يَعْلَم أنه سيُهزَم.
مواجهة بين مملكتَيْن: مملكة الله ومملكة الشيطان:
وهنا أيضاً نجد تَواجُه المملكتين: مملكة الله ومملكة الشيطان، وهذا شيءٌ مُرعب. فقد وصف الربُّ مملكةَ الشيطان بوضوح، أنه «إنْ كان الشيطان أيضاً ينقسم على ذاته، فكيف تثبُت مملكته»؟ هذا في مقابل قول الرب: «إنْ كنتُ بأَصْبع الله أُخْرِجُ الشياطين، فقد أَقْبَلَ عليكم ملكوت الله» (لو 11: 20،18)؛ فهي مملكة في مواجهة مملكة!
في الحقيقة، إنَّ الممالك التي قدَّمها الشيطان للمسيح كانت كرشوة، وهذه هي الممالك المنظورة. أمَّا مملكة الشيطان التي يتكلَّم عنها المسيح في هذا الإنجيل، فهي مملكة غير منظورة؛ هي مملكة حقيقية، ولكن عملها غير حقيقي؛ مملكة موجودة، ولكنها غير موجودة حقّاً، لأنها مملكة ظُلمة. وكما قلنا، وكما عرفنا، فهي ظُلمة، ولن تبقى أبداً.
المسيح جرَّد الرياسات والسلاطين:
القديس بولس الرسول يُبيِّن لنا طرفاً خفيّاً مـن نظام هذه المملكة المُرعبة، وذلك عندما كان يتكلَّم عن الصليب، فإنه يقول: «إذ جرَّد (المسيح) الرياسات والسلاطين، أشهرهم جهاراً، ظافراً بهم فيه (أي ”في الصليب“ أو ”على الصليب“)» (كو 2: 15).
يقول بولس الرسول: ”رياسات“، ليس رئيساً واحداً، بل رياسات. فالمسيح جرَّد الرياسات، مثلما نسمع عنها في رُتَب الجيش، عندما يتهاون ضباط في عملهم، أو يخونون وطنهم، يأتي القائد ويُجرِّدهم من رُتبهم العسكرية, وهذا التجريد والتشهير يتمُّ جهاراً أمام جميع رُتَب الجيش.
فالمسيح جرَّد الرياسات والسلاطين، وفضحهم جهاراً ظافراً بهم في الصليب، مثلما يُجرِّد القائد ضُبَّاطه من كلِّ رُتبهم العسكرية لأنهم مُنهزمون.
هل معنى هذا أنَّ الشيطان قد قُهِرَ نهائياً؟ نقول: إنَّ الرب قد ربطه هو ورياساته وأضعف قوَّتهم، لكنهم لا يزالون يُحاربون!
القوي (الشيطان)، والأقوى (المسيح):
في إنجيل القديس لوقا، وفي حادثة الأعمى الأخرس، يقول الرب بعد أن شفاه، كاشفاً عمَّا جرى في الخفاء ما بين المسيح وبين الشيطان في هذه المعركة غير المنظورة: «حينما يحفظ القَويُّ (الشيطان) دارَه مُتسلِّحاً، تكون أمواله في أمانٍ. ولكن متى جاء مَن هو أقوى منه، فإنه يغلبه وينزع سلاحه الكامل الذي اتَّكل عليه ويُوزِّع غنائمه» (لو 11: 22،21).
فقد حدثت معركة عجيبة بين القَوي (الشيطان) والأقوى (المسيح). فكيف كانت هذه المعركة؟ وكيف تحدث إلى هذا اليوم؟ فهي معركة بين القوي والأقوى! وكل طرف من طرفَي المعركة له أسلحته!
في إنجيل القديس متى يقول الرب: «أَم كيف يستطيع أحدٌ أن يدخل بيت القَوي وينهب أمتعته، إنْ لم يربط القَويَّ أولاً، وحينئذ ينهب بيته؟» (مت 12: 29). هذا الكلام يُوضِّح ما جرى في هذه المعركة، أنَّ المسيح ربط الشيطان أولاً، قبل أن يدخل بيته. هذا المشهد العجيب رآه إشعياء النبي من وراء الدهور، إذ يقول: «هل تُسلَبُ من الجبَّار غنيمةٌ، وهل يُفْلِتُ سَبيُ المنصور؟ فإنه هكذا قال الرب: ”حتى سَبيُ الجبَّار يُسلَبُ، وغنيمةُ العاتي تُفْلِتُ. وأنا أُخاصِمُ مُخاصِمَكِ، وأُخلِّص أولادَكِ. وأُطْعِمُ ظالميكِ لحمَ أنفُسِهِم“» (إش 49: 24-26)، يقول كل ذلك عن الشيطان.
كلمات قالها إشعياء النبي من وراء الدهور، تصف المنظر وصفاً جميلاً، مع دقة الألفاظ المتطابقة مع كلام الرب يسوع الذي ”يوزِّع غنائم الشيطان“، إذ يقول إشعياء: «هل تُسلَب من الجبَّار غنيمةٌ»؟ فهذه المناظر التي رآها إشعياء النبي، وقالها الرب يسوع، هي مخفية عن أعيننا، ولذلك نمرُّ عليها مرور الكِرَام. ولكن الذي يرى ويسمع هذه الأمور، يستطيع أن يُقدِّر ما فيها من حقائق، فهي ليست خيالات – كما يقول علماء الغرب وشُرَّاحهم – بل هي حقائق.
فما يقوله ويعمله علماء الغرب، هو جزءٌ من حرب الشيطان، وإن كان إشعياء يقول عنه إنه ”المنصور“، وسِفْر الرؤيا يقول عنه: ”سيصنع حرباً (مع القدِّيسين) ويغلبهم ويقتلهم“ (انظر رؤ 11: 7). وفي أواخر الأيام سيكثُر الإثم، ويرتفع قَرْن القوي الجبَّار (الشيطان): «ولكثرة الإثم تبرُد محبةُ الكثيرين» (مت 24: 12).
فإنْ كان الإثم قد كثُرَ، فهل معنى هذا أنَّ العدو انتصر! وإن كانت المحبة قد انسحبت، فهل معنى هذا أنَّ المسيح – في نظر البعض – انسحب! هذه هي علامات أواخر الدهور، وهي ليست بعيدة عنَّا.
غَلَبة المسيح على الشيطان:
ولكن الذي يُنعش أرواحنا ويُقوِّي إيماننا، ما قاله المسيح عن نفسه: «متى جاء مَن هو أقوى منه، فإنه يغلبه» (لو 11: 22)، وكما وَرَدَ في إنجيل القديس متى: ”يربطه أولاً“ (مت 12: 29)، ثم «يوزِّع غنائمه» (لو 11: 22). ويقول بولس الرسول: «إذ صَعِدَ (المسيح) إلى العَلاء، سَبَى سبياً وأعطى الناس عطايـا. وأمَّا أنـه صَعِدَ، فما هو إلاَّ إنـه نَزَلَ أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السُّفْلَى (الجحيم)» (أف 4: 9،8).
وما يهمُّنا فيما قاله بولس الرسول: إنَّ المسيح «سَبَى سبياً». هؤلاء المسبيون الذين هم تحت سلطان العدو، سواء كانوا من الآباء الذين ماتوا على الرجاء، أو الذين انتقلوا وهم لا يزالون ينتظرون الخلاص، فقد «ذهب (المسيح) فكَرَزَ للأرواح التي في السجن (الجحيم)، إذ عَصَت قديماً… فإنه لأجل هذا بُشِّرَ الموتى أيضاً، لكي يُدانوا حسب الناس بالجسد، ولكن ليَحْيَوْا حسب الله بالروح» (1بط 3: 20،19؛ 4: 6). المسيح سَبَى المسبيين، فقد حرَّرهم من قيود الشيطان، وأَخذهم معه.
ولكن، كيف يَسلِب الشيطان أولئك المسبيين؟ كيف يَظهر أنه قويٌّ وسالِبٌ ومنتصرٌ؟ فالذي يعرف الشيطان، ويعرف أعماله الشريرة؛ يأخذ حذره، ويزداد قُرْباً من المسيح، ويزداد تمسُّكاً بإله الخلاص، وركضاً إلى حضن الله: «اسم الرب بُرجٌ حصين، يـركض إليه الصدِّيـق ويتمنَّع» (أم 18: 10). فهل يمكن لإنسانٍ أن يركض ويتحصَّن مـن سبي الشيطان بدون المسيح! فبدون المسيح نكـون مسبيين ومنهوبين ومُسَيْطَراً علينا!
ما هي أسلحة الشيطان؟ وما هو بيته؟
واضحٌ، أنَّ الأسلحة التي يستخدمها الشيطان، هي نفسها أسلحة الإنسان الطبيعي. فالإنسان الذي قدَّموه للمسيح كان ”مجنوناً أعمى وأخرسَ“، والرب يسوع «شفاه، حتى إنَّ الأعمى الأخرس تكلَّم وأَبصر» (مت 12: 22).
ومن المُلاحَظ أنَّ عَمَى هذا المريض ليس عَمًى عضوياً، وبالتالي فإنَّ خَرَسَه ليس خَرَساً عضوياً أيضاً. معنى هذا أنَّ ذلك الإنسان قد أَعطى فرصةً للشيطان، بواسطة عينيه، وذلك بأخطائه الكثيرة؛ كما أنه يُفرِّط بلسانه كثيراً جداً. فالنتيجة النهائية أنْ أصبح للشيطان مكانٌ في ذلك الإنسان، في عينيه، وكذلك في لسانه. وعندما تمادَى ذلك الإنسان في أخطائه، استلم الشيطان العينَيْن كليهما، كما استلم اللسان بكامله. ولكي يُظهِر الشيطان مقدرته، جعل العينين لا تريان شيئاً، مع أنَّ العينين عضوياً سليمتان؛ وهكذا أيضاً جعله لا يتكلَّم بالرغم من أنه كان يتكلَّم قبلاً، فقد أَخْرَس لسانه.
ولكن المعنى الروحي يمتدُّ إلى أعمق من ذلك! فليس من الضروري أن يَعْمَى الإنسان عن رؤية الأمور المنظورة، ولكن الأخطر أن يَعْمَى عـن الأمور غير المنظورة بالعين البشريـة، أي الأمور الروحية، وهذا هو النور الإلهي. وليس من الضروري أن يكون صامتاً عن التكلُّم بالكلام المسموع من الآخرين، ولكنه صامتٌ عن الحديث القلبي الباطني مع الله. فلا هو قادرٌ أن يرى نور الله، ولا هو قادرٌ أن يتكلَّم عن المسيح ومعه!
لقد دخل الشيطان إلى ذلك الإنسان وتملَّكه، وأصبح الإنسان بيتاً للشيطان، أي بيته الخصوصي. فهل هذا الكلام بعيدٌ عنَّا؟ حاوِل أن تتواجَه مع نفسك: أَلم تُخطئ بعينيك؟ أَلم تُفرِّط بلسانك في حقِّ المسيح؟ الأمر الذي تجد نفسك فيه غير قادر أن تقف أمام الله، أو أن ترفع قلبك بالصلاة إليه! فبعد ارتكاب الإنسان للخطية، لا يمكنه أن يرفع عينيه إلى الله، أو ينطق لسانه باسم المسيح!
ما الذي يحدث عندما يُسلِّم الإنسان حواسه للشيطان؟
ما الذي حدث، إذن؟ الذي حدث أنَّ المسيح أَخَذَ أدواته التي من خلالها ينفتح الإنسان على الله وعلى الآخرين. فالعين انطمست، ولم تقدر أن ترتفع نحو السماء؛ واللسان انعقد ولم يستطع أن يشهد باسم المسيح. وصار الإنسان يحتاج إلى توبـةٍ وإلى صراخٍ مُـرٍّ، لكي تنفكَّ العينان من أَسْر الشيطان، ويتحرَّر اللسان من رباط الشرير. وقد رأينا وسمعنا عن أُناسٍ بدأوا جيِّداً، يَرَوْن بأعينهم ويشهدون بلسانهم؛ ولكنهم انتهوا نهاية مؤسفة، لا يَرَوْن ولا يشهدون: «أهكذا أنتم أغبياءُ! أَبعدما ابتدأتُم بالروح تُكمَّلون الآن بالجسد؟» (غل 3: 3)
المقياس الروحي اللاهوتي:
وهناك أمثلة مُحزنة عن علماء يقولون لا يوجد شيطان، هذا كلام خُرافة؛ الأمر الذي تملَّك فيه الشيطان على العقول، ثم سيطر على الوعي. انظر، الآن، إلى العالم من حولك، فلو كان لديك مقياسٌ روحي لاهوتي تقيس به هذا العالم، ستجد مقدار تقلُّص الكنائس في العالم، ومقدار تحكُّم الشيطان. فقد قرأتُ عن كاردينال وقف في باريس في إحدى الكاتدرائيات يوم عيد القيامة وبدأ يقول للحاضرين: ”ليس من المهم أن تؤمنوا بقيامة المسيح، فلا توجد أدلة كافية في الأناجيل على قيامته. يكفي أننا نؤمن بالمسيح فقط“. وفي ذلك الوقت أثناء حديث الكاردينال، وقف شخصٌ مؤمنٌ حُرٌّ، ورفع يده إلى أعلى. فسمح له الكاردينال أن يتكلَّم، فإذا به يقول بصوتٍ عالٍ: ”خرستوس آنستي“؛ فردَّد وراءه كل الحاضرين في الكاتدرائية بصراخٍ: ”آليثوس آنستي“!
انظروا وتحقَّقوا، كيف أنَّ أسلحتنا وآلاتنا التي بها نُقدِّس اسم الرب والحق والطهارة، حينما نهملها تُنتَزَع منَّا انتزاعاً؟ وكيف يدَّعي الشيطان ملكيته لها؟ وكيف يُحاربنا بها؟ فبها يُحارِب الله، بالعينين وباللسان وبالعقل! وتصير حينئذ أسلحة الشيطان!
نحن نعتقد أن حادثة هذا الأعمى الأخرس، حدثت فقط في زمن خدمة الرب يسوع منذ أكثر من 2000 سنة مضت، وأنَّ المسيح قد شفاه. ولكن حقيقة الأمر، أننا نحن المرضى، ونحن المصابين، ونحن المحتاجين جدّاً للرب القوي الجبَّار الذي يستطيع أن يربط هذا العدو و«يغلبه، وينزع سلاحه الكامل الذي اتَّكل عليه، ويوزِّع غنائمه»، ويُحرِّر الأسرى من قيوده.
انظروا كيف ينتقل الإنسان من معيَّة ملكوت الله، لكي ينضوي تحت لواء مملكة الشيطان، وهو لا يدري أو وهو يدري، ولكنه لا يستطيع الفكاك!
«مَن ليس معي فهو عليَّ، ومَن لا يجمع معي فهو يُفرِّق»:
المسيح يقول: «مَن ليس معي فهو عليَّ» (مت 12: 30). فلا يوجد حيادٌ أو تعريجٌ بين الفرقتين: «إنْ كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البَعْل (الشيطان) فاتبعوه» (1مل 18: 21). يستحيل أن يقول إنسانٌ ما: ”أنا لا مع المسيح، ولا مع الشيطان“! لو لم يكن الإنسان مع المسيح، فسوف يخطفه الشيطان، إن لم يكن بإرادته الحُرَّة، فسيكون عنوةً. فالذي ليس مع المسيح بقلبه وحواسه، فهو حتماً واضطراراً سيكون مع الشيطان، وبالتالي سيكون ضد المسيح، التزاماً وانهزاماً!
إن لم تكن العينان مع المسيح، فهل من المعقول ألاَّ تكون مع الشيطان؟ هذا أمرٌ مستحيل! واللسان إن لم يكن يلهج باسم المسيح وحبه ونعمته الليل والنهار، فهل يجرؤ ويقول إنه حرٌّ، والشيطان ليس له سلطان عليه؟ هذا أمرٌ مستحيل! فاللسان الذي يتوقَّف عن تمجيد المسيح، ينتزعه الشيطان ويكون تحت سيطرته وملكيته!
ويُكمِل المسيح حديثه ويقول: «ومَن لا يجمع معي فهو يُفرِّق» (مت 12: 30). فإذا لم يعمل الإنسان لحساب المسيح وحساب ملكوته، هل يستطيع ألاَّ يعمل لحساب الشيطان وحساب مملكته؟
ماذا يكون عمل الإنسان، عندما يكون وسط الناس، وهو لا يعمل لحساب المسيح أو لا يشهد للمسيح أو يتكلَّم عنه! هل يصمت؟ إذن، فيكون صمته تفريقاً للناس، وتضليلاً لهم! لقد أوضح المسيح هذا الأمر ووضعه في صورة محدَّدة وقاطعة: يستحيل على الإنسان الذي لا يجمع مع المسيح إلاَّ بأن يُفرِّق الآخرين اضطراراً ضد المسيح!
لذلك أصبح هذا الأمر حقيقة لا مفرَّ منها: إمَّا أن نكون لملكوت الله بالقلب والضمير والنيَّة والعينين واللسان، وإلاَّ نُخطَف من العدو، والذين خُطِفوا كثيرون. ولكن الحقيقة الأعظم التي نخرج بها من هذه المعجزة أنَّ المسيح هو الأقوى: «ثقوا، أنا قد غلبتُ العالم» (يو 16: 33).
ولربنا المجد الدائم إلى الأبد، آمين.