هو 1:11-4 من مصر دعوت ابني

 

1«لَمَّا كَانَ إِسْرَائِيلُ غُلاَمًا أَحْبَبْتُهُ، وَمِنْ مِصْرَ دَعَوْتُ ابْنِي. 2كُلَّ مَا دَعَوْهُمْ ذَهَبُوا مِنْ أَمَامِهِمْ يَذْبَحُونَ لِلْبَعْلِيمِ، وَيُبَخِّرُونَ لِلتَّمَاثِيلِ الْمَنْحُوتَةِ. 3وَأَنَا دَرَّجْتُ أَفْرَايِمَ مُمْسِكًا إِيَّاهُمْ بِأَذْرُعِهِمْ، فَلَمْ يَعْرِفُوا أَنِّي شَفَيْتُهُمْ. 4كُنْتُ أَجْذِبُهُمْ بِحِبَالِ الْبَشَرِ، بِرُبُطِ الْمَحَبَّةِ، وَكُنْتُ لَهُمْ كَمَنْ يَرْفَعُ النِّيرَ عَنْ أَعْنَاقِهِمْ، وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ مُطْعِمًا إِيَّاهُ.“(هو 1:11-4)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

في المقدمة هذا الأصحاح يتحدث الله عن إسرائيل، أيّ عن شعبه، أو عن النفس البشريّة، بكونه يمثل غلامًا محبوبًا لدى الله. يشتاق أن يطلقه من عبودية فرعون مصر ويحرره كابن له. يدعوه إليه لكي يتقبله أبًا له، ويمسك بيديه كمربية مملوءة حنانًا ليعلمه المشي في طريق الحق، يضمد كل جرح في أعماقه أصابه أثناء عبوديته، يجتذبه بحبال العطف ويربطه برباط الحب، ويرفعه كطفل ليلاطفه بخديه اللطيفين، يمد له يده ليطعمه بنفسه… يا له من حنو فائق، فإنه كمن يقوم بدور مربية مملوءة حنوًا نحو النفس البشريّة، لا يتركها في عوز إلى شيء حتى يتدرج بها من الطفولة الضعيفة إلى النضوج.

في أكثر تفصيل نتابع كلمات الرب نفسه القائل:

“لما كان إسرائيل غلامًا أحببته، ومن مصر دعوت ابني” [ع1]. بينما كان إسرائيل غلامًا أو صبيًا لا يدرك الأمور، يعجز عن تقديم شيء من جانبه، أحبه الله ودعاه من أرض العبودية مقدّمًا له البنوة. هكذا أيضًا أحب الله يعقوب وهو بعد في البطن لم يفعل خيرًا ولا شرًا (رو 9: 11). وكما يقول الرب لإرميا النبي: “قبلما صورتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدستك” (إر 1: 5)، ويؤكد الرسول بولس أن الله “أحبنا أولًا”.

لقد بادر الله فأحب غلامه إسرائيل وأطلقه من عبودية فرعون، لكن إسرائيل بقى بقلبه مرتبطًا بالعبودية، كالمريض الذي يحب المرض، أو السجين الذي لا يفارق بقلبه ظلمة السجن. هكذا أطلقنا ربنا يسوع المسيح من عبودية إبليس -فرعون الحقيقي- واهبًا إيانا بالمعمودية البنوة للآب فيه، لكن كثيرًا ما يرجع قلبنا إلى أرض العبودية فنشتهي كُرات مصر وبَصَلها كما سبق فصنع بنو إسرائيل، إذ بكوا قائلين: “قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجانًا والقثاء والبطيخ والكُرات والبصل والثوم، والآن قد يبست أنفسنا. ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المن” (عد 11: 5-6). لقد يبست أنفسهم من المن النازل من فوق واشتهوا السمك الصغير المجاني والقثاء والبطيخ والكُرات والبصل والثوم! لا عجب فإن الإنسان إذ يرتبط بالأرض يصير أرضًا، فتمل نفسه من الأمور السماوية لتشتهي الأرضيات؛ ترى في السمويات يبوسة وفي الأرضيات لذة وبهجة للقلب.

وقد رأى الإنجيلي متى في القول الإلهي: “من مصر دعوت ابني” نبوة واضحة وصريحة عن هروب السيد المسيح ابن الله الحيّ إلى مصرنا التي كانت في ذلك الزمن من أعظم مراكز الأمم، ليعلن قبوله لكل الشعوب الأممية، مقدسًا أرضنا، فما كان قبلًا مركزًا للوثنية صار موضع راحة لمخلص العالم. ولا يزال الرب يدخل مصرنا الداخلية ليحولها من وثنيَّتها إلى مَقدس له فيها يقيم مذبحه الإلهي (إش 19: 19)، فتتعرف عليه وتقدم له ذبيحة وتقدمة حب (إش 19: 21) لتسمع صوته الإلهي: “مبارك شعبي مصر” (إش 19: 25).

نعود مرة أخرى إلى رعاية الله لغلامه إسرائيل الذي دعاه من أرض العبودية كابن له لنتعرف على موقف الابن من هذه الرعاية. “كل ما دعوهم ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم ويبخرون للتماثيل المنحوتة” [ع2]، جاءت الترجمة السبعينية في أكثر وضوح تعلن أن كلما دعاهم يذهبون من أمامه، وكأنهم بالابن العنيد الذي يدعوه أبوه مقدّمًا له كل حماية فيرفض ويهرب من وجه أبيه إلى عدوه “البعليم والتماثيل المنحوتة”.  منذ طفولته كان إسرائيل معاندًا لله، يقابل الحب بالجفاء، والرعاية بالعناد. ومع هذا لم يتوقف الله عن محبته إذ يقول: “وأنا درجت (علمته المشي) إفرايم ممسكًا إياهم بأذرعهم فلم يعرفوا إني شفيتهم” [ع3]. إنه يعلهم كمربية تمسك أيدي الطفل المقاوم لتعلمه كيف يمشي ليصير ناضجًا. إنه محب لهم“كنت أجذبهم بحبال البشر بربط المحبة، وكنت كمن يرفع النير عن أعناقهم وممد إليه مطعمًا إياه”[ع4]. وجاءت الترجمة السبعينية توضح أنه كان يرفعهم كطفل إلى خديه وينحني ليقدم لهم الطعام في أفواههم؛ أيّ حب أعظم من هذا؟! إنه قدّم كل رعاية كأب لكي نلجأ إليه ويدخل هو فينا، ونصير معه واحدًا. وكما يقول القديس جيروم[المسيح واقف كل يوم على باب قلبنا، يشتاق أن يدخل. لنفتح له قلبنا على مصراعيه، فيدخل ويكون ضيفنا، يسكن فينا ويتعشى معنا[63].]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

“لما كان إسرائيل غلاما أحببته ومن مصر دعوت ابني. كل ما دعوهم ذهبوا من أمامهم يذبحون للبعليم ويبخّرون للتماثيل المنحوتة. وأنا درّجت افرايم ممسكا إياهم بأذرعهم فلم يعرفوا أني شفيتهم. كنت اجذبهم بحبال البشر بربط المحبة وكنت لهم كمن يرفع النير عن أعناقهم ومددت إليه مطعما إياه”

الله يظهر هنا حبه لشعبه إسرائيل ويشبه العلاقة هنا بأنه أب حنون على ابنه المحبوب لديه ويشتاق أن يحرره من عبودية فرعون = من مصر دعوت ابني = ولكننا فهمنا من (مت15:2) أن هذه نبوة عن المسح ومعنى الصورة في آية (1) أن إسرائيل في مصر حين حرّره الله كان مازال غلاماً يحتاج لأن تمسك أمه بيده ليستطيع السير وليتعلم المشي = وأنا درجت أفرايم فماذا كان موقف الشعب في مقابل المحبة؟ كل ما دعوهم = الله أرسل لهم الأنبياء كمربية تُسْمِعَهُمْ صوت الله وتعاليمه وتدعوهم إلى الله لكنهم ذهبوا من أمامهم للبعليم = في منتهى الجحود. وكما سكن إسرائيل في مصر وكانوا في ضعف قليلي العدد هرب المسيح إلى مصر من وجه هيرودس وسكن فيها. فلم يعرفوا إني شفيتهم = لم يقدروا أن الله شفاهم من العبودية لفرعون وذهبوا لعبودية البعل. كنت أجذبهم بحبال البشر = جاءت هذه الآية في السبعينية” أنه كان يرفعهم كطفل إلى خديه وينحني ليقدم لهم طعاماً في افواههم” هذه الصورة لله كأب يحاول أن يجتذب إبنه الطفل ليحبه فيأتي لهُ بالحلوى وهذه هي حبال البشر والله صنع مع شعبه في مصر معجزات عديدة، وهكذا في البرية وفي دخولهم إلى أرض الميعاد، وذلك ليعرفوه ويحبوه، والله يهتم بأن نحبه، ففي محبة الله ننفك من عبودية إبليس = كنت كمن يرفع النير = الحرية من فرعون رمز للحرية من إبليس.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى