يو17:5 أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل

 

“فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ:«أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».”(يو17:5)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

“فأجابهم يسوع: أبي يعمل حتى الآن،

وأنا أعمل”. (17)

دخل السيد المسيح في حوار مع القيادات التي تتهمه بكسر السبت. يبدو أن هذا الحوار كان أمام مجمع السنهدرين، إما في نفس اليوم أو في خلال يومين أو ثلاثة من شفائه للمريض.

بقوله: “أبي يعمل حتى الآن” (١٧) يوضح لهم أن الآب قد خلق العالم في ستة أيام واستراح في اليوم السابع، أي في السبت. لقد توقف عن عمل الخليقة إذ أكمل كل شيء، لكن راحته لا تعني تجاهله للخليقة، بل يبقى في سبته يعتني بخليقته ويرعاها ويدبر كل أمورها. فالسبت عند الله هو عمل فيه راحة ومسرة، حيث يعلن حبه لخليقته المحبوبة لديه جدًا. لو مارس السبت حرفيًا مثل القيادات اليهودية لتوقفت الخليقة وتدمرت، لأنها لا تقدر أن تقوم بدون العون الإلهي. هكذا الابن يقدس السبت بعمل الحب المستمر، حيث يرعى محبوبيه، ويعمل بلا توقف لكي يبرأ الكل وينمو في المعرفة والمجد. هذا هو مفهوم السبت على المستوى الإلهي.

في السبت يختتن الذكر إن كان هو اليوم الثامن لميلاده، وفي السبت يقدم الكهنة ذبائح، وفي السبت يقدم الرعاة المياه لأغنامهم. هذه كلها أعمال لا تكسر السبت لأنها تحمل رائحة حب. ابن الإنسان هو رب السبت، لأنه هو “الحب” عينه.

وأنا أعمل“: بكونه ابن الله فهو يمارس مسيرة أبيه الدائم العمل لحساب شعبه. التوقف عن عمل الحب هو كسر للسبت وإفساد له، أما عمل المحبة فهو تقديس له. إنه لا يعمل كأبيه، كأن لكل منهما عمله المستقل، إنما هو العامل مع أبيه، إذ “به كان كل شيء”. فإن أُتهم بكسر السبت، يكون في ذلك اتهام لله الآب نفسه الذي لا ينفصل الابن عنه قط.

يقارن السيد المسيح نفسه بالآب، فكما أن الآب يعمل في السبت كما في بقية الأيام هكذا يمكن له أن يفعل هذا. هذه المقارنة لها خطورتها عند القيادات اليهودية، لأنها تحمل معنى التساوي بينهما في الخطة الإلهية والعمل. من هو هذا الذي يعالج موضوع الآب والسبت بكونهما يخصانه؟

يرى القديس أغسطينوس أن اليهود أخطأوا في فهمهم ليوم السبت بطريقة جسدانية. لقد ظنوا أن الله خالق العالم في ستة أيام، فتعب وأراد أن يستريح من تعبه في اليوم السابع فقدس هذا اليوم للراحة. هذا الفهم الخاطئ جعلهم هم في تعبٍ. أما المعنى الروحي له فهو أنه إذ تعبر ستة أيام أو فترات التاريخ البشري يأتي يوم الرب بكونه اليوم السابع. راحته تعني راحتنا نحن فيه. أما الأيام الستة فهي:

 اليوم الأول: من آدم إلى نوح.

 اليوم الثاني: من الطوفان إلى إبراهيم.

 اليوم الثالث: من إبراهيم إلى داود.

 اليوم الرابع: من داود إلى السبي البابلي.

 اليوم الخامس: من السبي البابلي إلى مجيء السيد المسيح.

 اليوم السادس: العصر الحاضر منذ مجيء المسيح إلى مجيئه الأخير. في هذا اليوم نتشكل على صورة الله، إذ فيه خُلق الإنسان (تك ١: ٢٧). وفيه يتم تجديد خلقتنا (بالصليب يوم الجمعة).

هكذا يرى القديس أغسطينوس أن الله يعمل خلال الستة أيام، وأن اليوم السادس هو يوم خلقة الإنسان وتجديده حتى يتهيأ للتمتع بالراحة في اليوم السابع، يوم مجيئه الأخير.

v لكي نعرف بطريقة أكمل عن مساواة الآب والابن، إذ تكلم الآب عمل الابن، هكذا أيضًا الآب يعمل، والابن يتكلم. الأب يعمل كما هو مكتوب: “أبى يعمل حتى الآن، وأنا أعمل”. تجد انه قيل للابن: “قل كلمة فقط فيبرأ غلامي” (مت 8:8). ويقول الابن للآب: “أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني ليكونون معي حيث أكون أنا” (يو 17:14)، فالآب عمل ما قاله الابن.

القديس أمبروسيوس

v بالتأكيد كما تعلمنا الكنيسة حسب كلمات المخلص: “أبي يعمل حتى الآن وأناأعمل“… اللَّه يعمل (يخلق) نفوسنا كل يوم، الذي به نزيد ونعمل، وهو لن يكف عن أن يكون خالقًا.

v هو مُعطي باستمرار، دائمًا واهب عطايا. لا يكفيني أنه يهبني نعمة مرة واحدة، يليق به أن يعطيني النعمة على الدوام. أطلب لكي أنال، وإذ أنال أطلب أيضًا مرة أخرى. إني أطمع في سخاء اللَّه، وإذ لا يتأخر في العطاء، لا أمل من قبول عطائه. قدر ما أشرب أعطش بالأكثر.

القديس جيروم

v إن سأل أحد: كيف يعمل الآب الذي توقف عن كل أعماله في اليوم السابع؟ ليته يتعلم ما هي الطريقة التي يعمل بها. ما هي أعماله؟ إنه يعتني بأمور كل ما قد عمله ويدبرها. عندما ترى الشمس مشرقة والقمر يجري في مجاله والبحيرات والينابيع والأنهار والأمطار والمواسم الطبيعية للزرع وطبيعة أجسامنا وأجسام الحيوانات غير العاقلة وكل الأمور الباقية التي بها وجدت هذه المسكونة فنتعلم عدم توقف عمل الآب. إذ “يشرق شمسه علي الأشرار والأبرار، ويمطر علي الصالحين والطالحين” (مت 5: 45). وأيضا الله يلبس عشب الحقل الذي يظهر اليوم ويطرح غدا في التنور (مت 6: 30). وإذ يتحدث عن الطيور قال: “أبوكم السماوي يقوتها”.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v قال هذا لهم لأنهم أخذوا حفظ السبت بمعنى جسداني، متخيلين أن اللَّه كما لو كان قد نام بعد أن تعب بخلق العالم إلى ذلك اليوم، وأنه قدّس ذلك اليوم حيث بدأ يستريح كما من تعبه.

الآن بالنسبة لآبائنا القدامى قد وُضع سرّ السبت، هذا الذي نحفظه نحن المسيحيون روحيًا بالامتناع عن كل عمل ذليل، أي عن كل خطية، لأن الرب يقول: “كل من يفعل خطية هو عبد للخطية”. وإذ ننال راحة في قلوبنا فهذه هي الراحة الروحية.

أما عن القول بأن اللَّه استراح، فذلك لأنه لم يخلق أية خليقة أخرى بعد أن أكمل كل شيء.

علاوة على هذا فإن الكتاب المقدس يدعوها راحة، لكي يحثنا على الأعمال الصالحة التي بعدها نستريح. لأنه كتب في التكوين: “خلق اللَّه كل شيء حسن جدًا، واستراح اللَّه في اليوم السابع”. لكي ما تدرك يا إنسان أن اللَّه نفسه قيل أنه استراح بعد الأعمال الصالحة، فتتوقع راحة لنفسك بعد أن تمارس أعمالاً صالحة.

إن كان اللَّه بعد أن خلق الإنسان على صورته ومثاله وفيه أكمل كل أعماله لتكون حسنة جدًا عندئذ استراح في اليوم السابع. هكذا لا تتوقع أنت راحة لنفسك ما لم ترجع إلى ذلك الشبه الذي خُلقت عليه.

v لا تظن أن أبي استراح في السبت بمعنى أنه لا يعمل، لكنه إلى الآن هو يعمل، وهكذا أنا أعمل. وكما أن الآب بلا تعب هكذا الابن بلا تعب.

v الإيمان الجامعي (للكنيسة الجامعة) هو أن أعمال الآب وأعمال الابن غير منفصلة… كما أن الآب والابن غير منفصلين، هكذا أيضًا أعمال الآب وأعمال الابن غير منفصلة… ما يفعله الآب يفعله أيضًا الابن والروح القدس. فإن كل الأشياء صُنعت بالكلمة، عندما “تكلم كانت”.

القديس أغسطينوس

ربما يتساءل البعض: كمثال سار السيد المسيح على المياه، بينما لم يسر الآب على المياه، فكيف نقول أن أعمال الآب والابن غير منفصلة؟ يجيب القديس أغسطينوس قائلاً: [انظروا كيف يقدم الإيمان الجامعي شرحًا لهذا السؤال. سار الابن على البحر، وضع قدميه الجسديتين على الأمواج، سار الجسد، وقد وجَّهه اللاهوت. ولكن حين كان الجسد يمشي واللاهوت يوجّهه، هل كان الآب غائبًا؟ لو كان غائبًا فكيف يقول الابن نفسه: “لكن الآب الحال فيّ نفسه يعمل الأعمال”؟ إن كان الآب حالاً في الابن، هو نفسه يعمل الأعمال، إذن فالسير على المياه هو من عمل الآب وبالابن. بهذا فإن ذاك السير هو عمل الآب والابن بلا انفصال. أرى الاثنين يعملان كلاهما فيه. الآب لن يترك الابن، ولا الابن الآب. هكذا كل ما يعمله الآب لن يعمله بدون الابن، لأن ما يعمله الآب لن يعمله بدون الابن].

v يقول قائل: كيف يلد الأزلي أزليًا؟ كما أن اللهيب المؤقت يلد نورًا مؤقتًا. فإن اللهيب المولّد معاصر للنور الذي يلده. اللهيب المولّد لن يسبق النور في الزمن، ولكن منذ اللحظة التي يبدأ فيها اللهيب في نفس اللحظة يُولد النور. أرني لهيبًا بلا نور، وأنا أريك اللَّه الآب بدون الابن. لهذا “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل”، هذا يتضمن أن “ينظر” و”يولد” بالنسبة للابن هما ذات الشيء. رؤيته ووجوده ليسا مختلفين، ولا قوته وكيانه مختلفين. كل ما هو للابن هو من الآب، وكل ما يقدر عليه وما هو عليه هو أمر واحد، الكل من الآب.

v ما يعمله الآب هذا أيضًا يعمله الابن. صنع الآب العالم، وصنع الابن العالم، وصنع الروح القدس العالم. لو أنهم ثلاثة آلهة لوجدت ثلاثة عوالم. إذ هم إله واحد الآب والابن والروح القدس، إذن عالم واحد خلقه الآب بالابن في الروح القدس. بالتبعية فإن الابن يعمل ما يفعله الآب، ولا يعمل بطريقة مختلفة، هو يعمل معًا هذه الأمور، ويصنعها بذات الطريقة.

v إن كنت ترى أنه لا انفصال في النور، فلماذا تطلب انفصالاً في العمل؟ تطلع إلى اللَّه، انظر إلى كلمة الملازمة للكلمة التي يتكلم بها، فإن المتكلم لا يتحدث بمقاطع لفظية، وإنما كلمته تشرق في بهاء الحكمة. ماذا قيل عن الحكمة نفسها؟ “إنها إشراق النور الأبدي” (حك 9: 15). تطلع إلى الشمس في السماء تنشر بهاءها على كل الأراضي وفوق كل البحار، ومع ذلك فهي نور مادي بسيط. إن كنت بالحق تستطيع أن تفصل البهاء عن الشمس فلتفصل الكلمة عن الآب.

القديس أغسطينوس

فاصل

تفسير الأب متى المسكين

17:5- فَأَجَابَهُمْ يَسُوعُ: «أَبِي يَعْمَلُ حَتَّى الآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ».

‏بمعنى أن انه لم يتوقف عن عمله قط, فهو لا يزال يعمل وإلا تتوقف الحياة. فالله لم يخلق الخليقة بواسطة اللوغس الابن ثم تركها تعمل من تلقاء ذاتها كما يقول الذين لا يؤمنون بالله والخلق! وإلا تختل موازين الانضباط والتناسق والاستمرارية, فالله يحكم ويدين الخليقة بقوانين ‏دائمة لا تخضع لفكر الانسان.
‏والمسيح يضع نفسه مع الله الآب كمسئول عن الخليقة, وخاصة فيما يخصه من جهة قيامها ودوامها، وبالأكثر من جهة فدائها وخلاصها وتجديدها وتكميلها: «الله… كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء الذي به أيضاً عمل العالمين. الذى, وهو بهاء مجده ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته, بعدما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس في يمين العظمة في الأعالي.» (عب1:1-3‏)
‏كذلك يقول بولس الرسول في سفر العبرانيين صراحة كيف أسس الابن الأرض والسموات, وكيف أنها تتغير وفي النهاية يتلاشى شكلها المادي المنظور، أما المسيح الابن فلن يتغير ولا يتبدل: «وأما عن الابن (فيقول كرسيك يا الله (الابن) إلى دهر الدهور قضيب الاستقاهة هو قضيب ملكك، أحببت البر وأبغضت الإثم، من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الآبتهاج أكثر من شركائك. وأنت يا رب في البدء أسست الأرض, والسموات هي عمل يديك, هي تبيد ولكن أنت تبقى، وكلها كثوب تبلى وكرداء تطويها فتتغير, ولكن أنت أنت وسنوك لن تفنى» (عب8:1-12)
‏ثم يعود القديس بولس في رسالة أفسس ليوضح مركز المسيح من جهة الخليقة كلها في السماء وعلى الأرض، كيف أن تدبير الله منذ الأزل جعلها تتمحور في المسيح, وتنجمع، وتتحد بواسطته في انسجام يفوق تصور الانسان: «إذ عرفنا بسر مشيئته، حسب مسرته التي قصدها في نفسه، لتدبير ملء الأزمنة ليجمع كل شيء في المسيح ما في السموات وما على الأرض في ذاك (المسيح).» (أف9:1-10)
‏بهذا يتضح لنا قول المسيح: «أبى يعمل حتى الأن وأنا أعمل». فالخليقة كلها في السماء والأرض لا تزال فى دور الخلق والتجديد والترقي، وفق مشيئة الله وتدبيره مع المسيح الابن، لغاية ستظهر في النهاية حينما يُخضع الله كل شيء لسطان المسيح الابن: «لأنه يجب أن يملك، حتى يضع جميع الأعداء تحت قدميه. آخر عدو يبطل هو الموت.» (1كو25:15-16)
‏وربوبية المسيح فوق الخليقة وكل نواميسها واضحة من قول المسيح: «ثم قال لهم: السبت إنما جُعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت، إذا ابن الإنسان هو رب السبت أيضاً.» (مر27:2-28)
‏فالمسيح، بعمله الأشفية وصنع الرحمة في يوم السبت، كان يقوم في الحقيقة بعملية تكميلية للخلق مساوية في مضمونها الإلهي للخلق ذاته. فالذي يجعل الأعمى المولود هكذا يصبح له عينان والميت المدفون وله أربعة أيام يقوم, إنما يعمل عملاً من صميم جوهر الخلق والخالق، مما يثبت أن أعمال الخلق لم تنته في نظر الله في اليوم السابع!
‏أما سبت المسيح الحقيقي فكان بعد أن أكمل أعمال الفداء وخلاص الإنسان على الصليب «قد أُكمل» (يو30:19)؛ أما بحسب الجسد فقد استراح في القبر: «لأن يوم ذلك السبت كان عظيماً» (يو31:19‏), وأما بحسب الروح فبعد أن أكمل المسيح آلامه دخل إلى راحته العليا أي مجده: «أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟» (لو26:24‏)
‏ودخول المسيح إلى مجده هو بحد ذاته الراحة العظمى التي يحكي عنها سفر العبرانيين هكذا: «لأن الذي دخل راحته استراح هو أيضاً من أعماله, كما الله, من أعماله, فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة.» (عب10:4-11)
‏وهنا يُلاحظ التوازي بين قول المسيح «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل‏» و يين «استراح هو أيضاً من أعماله كما الله من أعماله». فالعمل على التوازي، والراحة على التوازي بين الآب والابن كل في مجاله، ومجال الاثنين هو تكميل مجال واحد!. لذلك يستطرد سفر العبرانيين ويقول إن راحتنا، أى سبتنا، هو «راحة» المسيح وسبته وقد أكملت مرة واحدة وإلى الايد، «إذاً بقيت راحة لشعب الله» (عب9:4‏), ويقصد هنا راحة جديدة غير راحة السبت، وهي الشركة في سبت المسيح أي موته لبلوغ القيامة التي هي غاية ونهاية كل الأعمال؛ والراحة التي تمت فيها ذبيحة المسيح وقبولها لدى الآب فتمت المصالحة بين الإنسان والله.
‏من هذا نفهم الآن لماذا كانت وصية السبت هامة وصارمة وخطيرة بهذا المقدار في الناموس القديم وكان ثمن التعدي هو الموت حتماً!! ليس لأنها كانت ذات مدلول أو نفع خلاصى بأي وجه من الوجوه، بل لأنها كانت تثير بالرمز إلى سبت العهد الجديد، سبت الله الآبدي، الذي كان ثمنه موت ابن الله أيضاً في القبر كنهاية لكل أعمال الناموس، الذي أُبطل بموت المسيح الفدائي. اسمع ما يقوله سفر العبرانيين كيف انتهى هذا الناموس بكل وصاياه من سبت وخلافه: «فلو كان بالكهنوت اللاوي كمال، إذ الشعب أخذ الناموس عليه (على أساس الكهنوت اللاوي), ماذا كانت الحاجة بعد إلى أن يقوم كاهن أخر(الرب يسوع) على رتبة ملكي صادق ولا يقال على رتبة هارون؟ لأنه إن تغير الكهنوت, فبالضرورة يصير تغيير للناموس أيضاً» (عب11:7-12)، «فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً.» (عب18:7-19)
‏ثم يعود سفر العبرانيين ويتكلم بعد ذلك عن راحة الله في سبت الله الآبدي الذى أكمله المسيح بموته. والذى به فتح الباب لدخول الإنسان في هذه الراحة عينها أي الحياة الآبدية.
‏يبدأ بولس الرسول الحوار في رسالته للعبرانيين بوصف بني إسرائيل وهم في التيه وقد أغضبوا الله بقلة إيمانهم بقوله هكذا: «… حتى أقسمت في غضبي لن يدخلوا راحتي, انظروا أيها الإخوة أن لا يكون في أحدكم قلب شرير بعدم إيمان في الارتداد عن الله الحي… ولمن أقسم لن يدخلوا راحته إلا للذين لم يطيعوا؟ فنرى أنهم لم يقدروا أن يدخلوا لعدم الايمان. فلنخف أنه مع بقاء وعد بالدخول إلى راحته يرى أحد منكم أنه قد خاب منه… لأننا نحن المؤمنين ندخل الراحة… مع كون الأعمال قد أُكملت منذ تأسيس العالم. لأنه قال في موضع عن السابع هكذا: واستراح الله في اليوم السابع من جميع أعماله. وفي هذا (هنا) أيضاً (يقول) لن يدخلوا راحتي؟… إذاً بقيت راحة لشعب الله! لأن الذي (المسيح) دخل راحته (السبت الآبدي) استراح هو أيضأ من أعماله كما الله من أعماله. فلنجتهد أن ندخل تلك الراحة لئلا يسقط أحد في عبرة العصيان هذه عينها.» (عب11:3-19) , (1:4-11).
‏واضح إذاً أن سبتنا الآبدي الدي يقوم على إيماننا بالمسيح بموته وقيامته، قد أُلغى وإلى الآبد سبت الناموس الرمزى الذى كان شبهاً للسماويات وظلها.
‏ولكن يلاحظ أن المسيح في قوله: «أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل»، لا يجعل عمله منفصلاً عن عمل الله بل متآزراً معه، كما يُفهم تماماً أن المسيح ينفي نفياً باتاً أن يكون خاضعأ تحت «أعمال الله» وبالتال تحت فكرة استراحة الله، بل أعلى منها وقواماً عليها، وهذا هو الذي أثار حفيظة اليهود أيما إثارة.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (17): “فأجابهم يسوع أبي يعمل حتى الآن وأنا اعمل.”

إبتداء من هذه الآية يبدأ المسيح في الرد على إتهامات الفريسيين لأنهم إتهموه بكسر الناموس إذ عمل المعجزة يوم سبت. فأخذ يوضح لهم نوعية العمل ويوضح لهم شخصه وعلاقته بالآب. ولأن الله يستريح في خلاص الإنسان فلا يكمن أن يكف عن العمل، فهو يعمل على حفظ الخليقة ولعلاج الأخطاء الموجودة حتى لا يهلك الإنسان. الله خلق الخليقة بكلمته (اللوغوس) وهو أي اللوغوس مازال يحفظها ويدبرها. وراحة الله ليست في التوقف عن العمل، فلو توقف الله عن عمله لتوقفت الحياة. ويتضح من كلام المسيح هنا أنه يضع نفسه مع الآب في موضوع الخلقة ومسئوليته عنها من جهة قيامها ودوامها وحفظها فهو ضابط الكون. وهذه الآية تشير أن المسيح يتساوى مع الله وفي وحدة كاملة معه فإذا كان له هذا السلطان فله سلطان على السبت وله أن يقول ماذا ينبغي أن يُعمل فيه أو لا يُعمل فيه. أبي يعمل وأنا أعمل= هذه مساواة في المقام فهو لم يقل أنا أعمل من تحت الآب. والمسيح في (مر27:2،28) شرح لهم أن السبت جُعِلَ لأجل الإنسان وليس العكس وكون المسيح يشفي يوم السبت فبهذا هو يكمل عمل الخلق، المسيح أراد أن يظهر بمعجزات الشفاء التي يصنعها في يوم السبت أنه يكمل نقص خليقته، نقصها الذي حدث بسبب الخطية، يكمله بفدائه الذي أتى لأجله، لذلك فعمل الفداء هو من صميم عمل الخالق. المسيح بهذا يشير أنه مسئول عن الخليقة كما أن الآب مسئول عنها. ويكون سبت المسيح الحقيقي هو بعد أن يكمل عمل الفداء وخلاص الإنسان. فراحة الله وراحتنا هي في خلاص نفوسنا. وصار سبتنا الحقيقي هو حياتنا الأبدية. وقارن هذه الآية مع (عب10:4،11) نجد أن العمل والراحة لدى الآب والابن متوازيان. حتى الآن= أي بدون توقف ومنذ الأزل. هذه تشير لوجوده مع الآب قبل التجسد. وإن كان الله يعمل فشرف للإنسان أن يعمل (تك15:2+ 2تس7:3-10+ 1تس10:4+ أف28:4).

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى