١كو ٢٧:١ بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء
27 بَلِ اخْتَارَ اللهُ جُهَّالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ. وَاخْتَارَ اللهُ ضُعَفَاءَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الأَقْوِيَاءَ. 28 وَاخْتَارَ اللهُ أَدْنِيَاءَ الْعَالَمِ وَالْمُزْدَرَى وَغَيْرَ الْمَوْجُودِ لِيُبْطِلَ الْمَوْجُودَ،
+++
تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم
“فانظروا دعوتكم أيها الإخوة أن ليس كثيرون حکماء حسب الجسد ليس كثيرون أقوياء ليس كثيرون شرفاء . بل اختار الله جهال العالم ليخزى الحكماء واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الاقوياء” ( ع 26، 27)
أي أن هؤلاء قد يكونون ممتلئين من الكبرياء ، لأنه لا يوجد شيء غير ملائم لقبول حسن العبادة كالتشامخ ورغبة الغني الزائلة ، لأنها تجعل الإنسان يستحسن الحاضرات ولا يهتم قط للعتيدات ، بل إن الله اختار ضعفاء العالم الأمر الذي هو علامة عظيمة للغلبة عندما تكون للأميين ، لأن اليونانيين لا يخزون بهذا المقدار بل ويخجلون إذا ما أبصروا الصنايعي والسوقی متفلسفاً أكثر منهم ولذلك قال “ليخزى الحكماء”.
“واختار الله أدنياء العالم و المزدرى و غير الموجود ليبطل الموجود » (ع ۲۸).
فما هو غير الموجود الذي ذكره بولس الرسول هنا ؟ الجواب : أي الشيء الذي لا يُحسب شيئا لزيادة حقارته ؛ لأنه قوة عظيمة هي أن المطروحين الذين لم يمارسوا شيئاً من التعاليم نراهم بغتة يهذبون ويصبحون معلمين بالفلسفة التي تخص السماويات.
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء،
واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء” [27].
“واختار الله أدنياء العالم والمُزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود” [28].
يشير هنا إلى المختارين للخدمة ممن ينقصهم التعليم الزمني والغنى والسلطان والجاه فيبدو أنهم أغبياء، وكانوا محتقرين من العظماء والأغنياء. اختارهم لكي يُدرك من يظنوا في أنفسهم أنهم حكماء وأقوياء وعظماء أنهم محتاجون إلى العمل الإلهي. بالنعمة يصيرون أبناء اللَّه، فينالون كرامة حتى أمام السمائيين، ويغتنوا بكنوز إلهية لا تُقدر!
v كان بولس غير متعلمٍ لكنه غلب أفلاطون، أقول كانت النصرة جلية. فإنه قد جذب الأول تلاميذ الأخير. مع أنه غير متعلم أقنعهم وأخذهم إلى صفِّه. من هذا يتضح أن الإنجيل لم يكن ثمرة حكمة بشرية بل نعمة اللَّه.
v لنربحهم بحياتنا. فإن كثيرين من بين غير المتعلمين ادهشوا بهذا الأسلوب عقول الفلاسفة، مظهرين في أنفسهم أيضًا أن الفلسفة التي تكمن في الأعمال تُعطي صوتًا أعظم من اللسان.
v إن كان ليس بحكمة الكلام، فلماذا أُرسل أبلوس البليغ؟ يجيب: ليس خلال الاعتماد على قوة الكلام، بل لأنه كان مقتدرًا في الكتب المقدسة (أع24:18، 29)، ويجادل اليهود… الآن فإن هذا (المسيح) القادر أن يعمل بدون الحاجة إلى أُناس متعلمين في البداية، أضاف إليهم أناس فصحاء، ليس لأنه محتاج إليهم وإنما يود أن لا يُوجد تمييزًا بين هؤلاء وأولئك. فإنه إذ لم يكن محتاجًا إلى حكماء ليحققوا ما يريده، فإنه فيما بعد إذ يوجد من هم هكذا لا يرفضهم بسبب فصاحتهم.
v “ليس كثيرون أقوياء، ليس كثيرون شرفاء“، فإن هؤلاء أيضًا مشحونون بالكبرياء. ليس شيء يسبب فشلاً من جهة معرفة اللَّه الدقيقة مثل التشامخ والالتصاق بالغنى، فإن هذا يجذب الإنسان إلى الإعجاب بالأمور الحاضرة وعدم المبالاة بالأمور المستقبلة، ويسد الآذان خلال الاهتمامات الكثيرة. أما اللَّه فاختار جهلاء العالم، وهذه علامة عظيمة على النصرة إذ يغلب اللَّه بغير المتعلمين.
v لم يدع غير المتعلمين فقط بل ودعا المحتاجين والمحتقرين والمجهولين لكي يخزي الذين في مراكز عالية.
v صنع اللَّه كل شيء بهذا الهدف: أن يحطم المجد الباطل والكبرياء ويذل التشامخ. يقول: “هل أنتم أيضًا تشغلون أنفسكم بهذا العمل؟” لقد فعل كل شيء حتى لا نصنع بأنفسنا شيئًا لحسابنا، بل ننسب كل شيء للَّه. هل تعطون أنفسكم لهذا الشخص أو ذاك؟ أي غفران تنالونه؟
v انظر ماذا فعل الرب الذي يقول عنه الرسول: “اختار اللَّه الضعفاء…” الآن كلمات صيّادي السمك تُقرأ، وتنحني رقاب الخطباء (الفلاسفة). لتعبر الرياح الفارغة، ليُنزع الدخان ويتبدد. ليُحتقر هؤلاء تمامًا عندما يكون السؤال خاصًا بهذا الخلاص.
v حجر الزاوية هذا يجعل الاثنين لائقين به. لكي يؤكد ذلك اختار جهلاء العالم ليخزي الحكماء، ولم يدعُ الأبرار بل الخطاة، حتى لا يفتخر إنسان بنفسه على عظمته، ولا ييأس أحد بسبب انحطاطه.
v ليفكروا في ذاك الذي إذ نزل ليشفي بمثال تواضعه سرّ نفس الإنسان العظيم: الكبرياء! “اختار ضعفاء العالم ليخزي بهم الأقوياء وجهّال العالم ليخزي الحكماء- ليسوا بالحق حكماء بل يبدو كأنهم هكذا- واختار أدنياء العالم وغير الموجود ليخزي الموجود”.
v كان عاموس النبي راعيًا للغنم، وبطرس صيّادًا للسمك، وأخوه أندراوس يمارس ذات العمل وأيضًا يوحنا؛ وبولس كان صانع خيام، ومتى عشّارًا، وهكذا بقية الرسل. لم يكونوا قناصله ولا وُلاة أو حكّام ولا رجال فلسفة وبلاغة، بل فقراء، ليسوا ذوي مهن سامية علميًّا، بل مبتدئين في أعمال وضيعة. ومع ذلك فإن أصواتهم قد بلغت الأرض كلها، وكلماتهم إلى أقاصي المسكونة.
اختار اللَّه “غير الموجود“… ماذا يعني؟ كان هذا التعبير شائعًا في الشرق (إش 17:40) يُستخدم عمن يبدو كأنه كلا شيء وبلا وجود. فاليهود كانوا يحتقرون الأمم ويحسبونهم كأنهم غير موجودين، كأنهم ليسوا شعبًا (هو 10:1؛ 23:2؛ رو25:9؛ 1 بط 10:2).
عندما يتحدث إنسان من الهندوس ذو مكانة عن أشخاصٍ محتقرين في نظره يقول “alla tha barkal” وتعني “غير الموجودين”. وهو تعبير لا يشير إلى الوجود ذاته أو عدمه، وإنما إلى الاستخفاف بالشخص حتى يصير في عينيه كأنه عدم.
بقوله “ليبطل الموجود” يعني الشرفاء والأغنياء وأصحاب المراكز السامية الذين يشعرون كأن ليس في الوجود غيرهم.
ربما يشير الرسول هنا إلى الأمم، إذ كان اليهود يتطلعون إليهم كجهلاءٍ وضعفاءٍ وأدنياءٍ، لا وجود لهم. ومع هذا فقد اختار اللَّه منهم من يخزي قادة اليهود الذين يحسبون أنفسهم حكماء وأغنياء وشرفاء. كان اليهود يتطلعون إلى الأمم بأنهم ليسوا أفضل من الكلاب (مت 15 :27).
في القديم كان كثيرون يتطلعون إلى الزوفا أنه كلا شيء، لكن اللَّه كرَّمه كما كرَّم الأرز، أمر باستخدامه في الطقس الخاص بتطهير الأبرص، وفي محرقة البقرة الحمراء وفي رشم قوائم أبوابهم للخلاص (خر 22:12) فلا يحتقر اللَّه الأمور المحتقرة عند البشر. لهذا لم يستخف سليمان بالزوفا بل تحدث عنه كما عن الأرز (1 مل 33:4).
تفسير القمص أنطونيوس فكري
آية 27 :- بل اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماءواختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء.
الله أظهر في حياة المؤمنين البسطاء فشل الذين اعتمدوا علىحكمتهم في الحصول على الخلاص. الله أستخدم تلاميذكانوا صيادين وخضع العالم لهم. وبعظة واحدة آمن 3000 على يد بطرس (مز 19 : 3، 4). الله إختار هؤلاء الذينيحتقرهم العالم وينظر لهم كجهلاء لكي يخزى الحكماء فينظر العالم، وذلك ليفهم العالم أن الحكمة ليست إنسانية بلعطية إلهية.
آية 28 :- و اختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغيرالموجود ليبطل الموجود.
الله أختار من ينظر لهم العالم في ازدراء واحتقار كما لوكانوا غير موجودين، أي ليس لهم شأن يُذكر = غيرالموجود. وكان اليهود يدعون الأمم ” غير الموجودين ” إشارةلمنتهى الاحتقار. وأنظر لنسب السيد المسيح (راحاب وراعوثوثامار)، ليوبخ هؤلاء الذين ينظر لهم العالم نظرة تقديروتعظيم (هيرودس ونيرون وقيافا) = ليبطل الموجود فالخلاص ليس بقوة بشرية بل بقوة الله. فلو أختارالله العظماء والشرفاء لظنوا أن الله أختارهم لماهم فيه من علوالشأن، ويرجعوا القوة لأنفسهم، بل هم أصلاً في كبريائهم كانوا سيرفضوا دعوة الله. ولاحظ أن هذا الكلام درس فيالتواضع يلقنه الرسول لأهل كورنثوس المنتفخين بمواهبهم ويطالبوا بالمزيد (مثل الألسنة) لتعظيم أنفسهم.
آية 29 :- لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه.
لقد فعل الله هكذا حتى لا يكون هناك مبرر لأن يفتخر أحدأمامه بنسبه أو ماله أو فلسفته كما يفعل اليونانيين أو ببره وقداسته كما يفعل اليهود.