دع الموتى يدفنون موتاهم

 

“دع الموتى يدفنون موتاهم” (لو9 :60)

لا يزال الإنسان يُقدس موتاه وعظام موتاه ، ويبكيهم أكثر مما يبكي خطاياه ، ويضيع الأيام والأموال للتلذذ بذكراهم وتشييد قبورهم ، تثبيتاً لعواطف لحمية . والمسيح لم يترك الإنسان نهباً لهذه المشاعر النفسانية ؛ بل أعطى الاستنارة الروحية لعتق الإنسان وتحرير روحه من الانحصار في الموتى والقبور والبكاء على ما كان.

كان توجيه المسيح للشخص الذي طلب أولاً أن يذهب لأبيه ويدفنه قبل أن يتبعه هو « دع الموتى يدفنون موتاهم وأما أنت فاذهب وناد بملكوت الله” (لو9 : 60 ) . المسيح هنا يرفع بصر الإنسان الروحي من مستوى الارتباط بالأرض والقبور إلى ملكوت الله ، أي فوق حيث المسيح جالس ، كذلك نجد أن المسيح قد وضع حداً فاصلاً واضحاً بين خدمة العواطف والموت والأجساد ، وبين خدمة القيامة والحياة الأبدية .

قد يبدو مظهر الوصية هنا خشناً للغاية ، إذ كيف يترك الإنسان أباه ميتاً في داره ويذهب ويبشر الناس ويخدم؟ ولكن لا عجب ، فهذا شأن كل الوصايا في مظهرها الخارجي ، ولكن حينما نؤمن ونصدق ثم ننفذ بالروح؛ حينئذ يُستعلن ملكوت الله بالحقيقة كغاية أسمى من كل غاية ونهاية أسمى من كل نهاية. وتصير بهذا الإجراء شهادة علنية تُذاع بين كل الناس ، أن تكريم النفوس المحتاجة للحياة الأبدية أعظم من تكريم الأجساد ، وأن خدمة الإنجيل أسمى من خدمة العواطف الميتة . وطالما توجد عينة مختارة شجاعة تستطيع أن تنفذ وصايا المسيح بأمانة فحينئذ سوف يتعلم الناس ما هو للجسد وما هو للروح. وهكذا فالخشونة التي في مظهر كل آية هي مقصودة قصداً لكي تنتبه القلوب الجافية . 

فاصل

من كتاب الإنجيل في واقع حياتنا للأب متى المسكين

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى