رو1: 16 لأني لست استحي بإنجيل المسيح…

لأَنِّي لَسْتُ أَسْتَحِي بِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، لأَنَّهُ قُوَّةُ اللهِ لِلْخَلاَصِ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ: لِلْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ لِلْيُونَانِيِّ.“(رو1: 16)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” لأني لست استحي بإنجيل المسيح ” (16:1).

 ماذا تقول يا بولس؟ لأنه كان ينبغي أن تقول “إني افتخر وأزهو ” لكنه قال: ” لست استحي” إذا لأي سبب تكلم هكذا وما معنى ذلك؟ ومع أنه كان يفرح لأجل الإنجيل، فقد كتب إلى أهل غلاطية قائلا “أما من جهتي فحاشا لي أن افتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح “”. إذا فلأي سبب هنا يقول “لست استحي” ولا يقول إني افتخر؟ السبب أن أهل رومية كانوا محصورين في أمور هذا العالم الحاضر، بسبب الغني الذي كانوا يتمتعون به، وبسبب السلطة والانتصارات الكثيرة، هذا بالإضافة إلى أنهم اعتبروا ملوكهم مساوين للإلهة، ولهذا أيضا بنوا لهم هياكل ومذابح، وقدموا لهم الذبائح. ولأنهم كانوا يفتخرون بوضعهم هذا، ولأن الرسول بولس كان ينوي أن يبشر بيسوع الذي اعتقدوا أنه ابن النجار الذي تربى في اليهودية في منزل بسيط، بلا حراس حوله ولا تبدو عليه علامات الثراء، بل إنه مات وأدين مع لصوص، وصبر على أمور كثيرة مهينة. من أجل هذا كله كان من الطبيعي أن يشعروا نحوه بالخجل، طالما أنهم لم يكونوا قد عرفوا بعد أي شيء عن الأمور السامية التي لم تستعلن لهم بعد. ولهذا قال ” لست أستحى” معلما إياهم، خطوة خطوة، ألا يستحوا ، لأنه يدرك أنه إذا تحقق هذا ، فإنهم سوف يتقدمون سريعا وسيصلون إلى مرحلة الإفتخار.

وأنت أيضا إن سمعت أحد يقول لك، هل تسجد للمصلوب؟ لا تخجل ولا تنظر إلى أسفل، بل يجب أن تفتخر وتزهو وتعترف بإيمانك برأس مرفوعة ولا تستحى. ولو قالوا لك هل تسجد للمصلوب؟ أجبهم إننى لا أسجد لشخص زانی، ولا قاتل لأبيه، ولا قاتل لأبنائه، لأن هذه الأمور تصنعها آلهتهم. لكن المسيح أسكت الشياطين وأعوانهم بصليبه، وقضى على أعمالهم المضللة. لأن الصليب بالنسبة لنا عمل محبة الله نحو البشر، تلك المحبة التي لا يعبر عنه. فالصليب هو رمز العناية الغير محدودة بنا. ولأن أهل رومية افتخروا بصناعة الكلام جدا، وانتفخوا بالحكمة العالمية، أتى الرسول بولس يبشرهم بالصليب وهو لا يخجل من ذلك.

لأن الإنجيل هو ” قوة الله للخلاص ” كما أنه هو الله قوة للدينونة. لأن الله عندما عاقب المصريين قال “جيشي العظيم الذي أرسلته عليكم”. وأيضا يقول: “خافوا بالحرى من الذي يقدر أن يهلك النفس والجسد كليهما في جهنم”. ولهذا يقول لهم الرسول بولس، بأنني لم آت لأبشركم بالأمور الخاصة بالدينونة، لكن لأبشركم بالأمور المختصة بالخلاص. ماذا إذا؟ ألم يبشر الإنجيل بهذه الأمور الخاصة بالدينونة؟ بلا، فالإنجيل يخبرنا أيضا عن الدينونة. وإن كانت هناك دينونة، فكيف يقول إذا إن الإنجيل هو ” قوة الله للخلاص”. اسمع ما يقوله فيما بعد “لكل من يؤمن لليهودي أولا ثم لليوناني”. إذا فالإنجيل ليس للجميع بشكل عام، ولكن لكل من يقبله، لأنه لو أنك يوناني، ولو فعلت كل شر، أو أنك سكيثي، أو بربري، ولو أنك ملىء بكل جهالة، محمل بخطايا كثيرة، فعندما تقبل البشارة بالصليب والمعمودية، فإن كل هذه الأمور سوف تختفي.

لكن لماذا قال هنا ” لليهودي أولا ثم بعد ذلك لليوناني؟” ماذا يريد بهذا الترتيب؟ فعلى الرغم من أنه في مواضع كثيرة قال: “لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة” فكيف يميز هنا، واضعا اليهودي أولاً ثم بعد ذلك اليوناني؟ وماذا يعني هذا؟ الترتيب هنا هو ترتيب شريف فقط، فهذا لا يعني أن اليهودي حاصل على نعمة أكثر لأنه أولاً، لأن نفس العطية أعطيت لليهودي واليوناني. كما في حالة المعمدين، فإن الجميع يذهبون للمعمودية، لكن ليس في الوقت نفسه، بل إن واحدا يذهب أولاً والآخر بعده. لكن الأول لا يأخذ نعمة أكثر من الثاني، بل الجميع يتمتعون بنفس النعمة. إذن فكلمة (الأول) هنا هي كلمة شرفية، وليس المقصود بها نعمة أكثر.

بعد ذلك، عندما قال “إنه قوة الله للخلاص” فإنه يعني أن العطية تتزايد ، مظهرا أنه لا يتحدث عن الأمور الحاضرة، لكنه فقط يشير إلى أمور الدهرالآتى. لأن هذا قد أوضحه قائلا:

“لأن فيه معلن بر الله بإيمان لإيمان. كما هو مكتوب أما البار فبالإيمان يحيا” (١٧:١).

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

كان القدّيس بولس يخجل من الصليب قبل أن يلتقي بالمصلوب الممجّد، حاسبًا الصليب عارًا لا يليق بالمسيّا ملك اليهود، أمّا الآن فقد أدرك أنه قوّة الله للخلاص، يلزم أن يُكرز به للجميع.

يُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على كلمات الرسول قائلاً:

[يقول لأهل غلاطية: حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح (غل 6: 14). كان الرومانيّون شديدي التعلّق بالزمنيّات بسبب غناهم وإمبراطوريتهم وكرامتهم، فكانوا يحسبون ملوكهم في مصاف الآلهة، حتى أقاموا لهم المعابد، وقدّموا لهم القرابين، وهم يتشامخون بهذا. أمّا بولس فكان يودّ أن يكرز لهم بيسوع الذي ظنوا أنه ابن نجار نشأ في اليهوديّة، في بيت امرأة فقيرة لا يحيط بها الخدم والحشم ثم مات ميّتة اللصوص والمجرمين، متحمّلاً أصناف السُخرية والإهانات، الأمور التي حاول (بعض الرومانيّون الذين تنصروا) الاختباء منها قبل إدراكهم عظمة هذه الأمور غير المنطوق بها: لهذا يقول الرسول أنه لا يستحي، إذ كان يعلمهم هم أيضًا ألا يستحوا من هذه الرسالة المجيدة، حتى إذا ما بدأ هكذا بعدم الاستحاء ينتهي بهم إلى الافتخار أيضًا. فإن سألكم أحد: أتعبدون المصلوب؟ لا تستحوا، ولا تنظروا إلى الأرض بل ارفعوا رؤوسكم… أجيبوا باعتزاز، نعم نعبده!… الصليب بالنسبة لنا هو عمل المحبّة اللانهائية نحو البشر، وعلامة عناية الله غير المنطوق بها.]

ج. أدرك الرسول أن الإنجيل أو الكرازة بالصليب هو “قوة الله الخلاص”، اختبر هذه القوّة في حياته فأراد أن يقدّمها للجميع، كارزًا لليونانيّين أي أصحاب الفكر الهيِليني، وللبرابرة أي بقية الأمم. يودّ أن يتمتّع الكل بعمل الصليب: الحكماء أصحاب الفلسفات، والبسطاء الذين يُحسبون كجهلاء.

إن كان الصليب قد أنقذه، فإنه مدين للعالم كله، حاسبًا الوثنيّين دائنين له، يلتزم أن يرد لهم الدين بالكرازة لهم ليتمتّعوا بما تمتّع هو به!

د. يدعو الإنجيل “قوة الله للخلاص”، إذ هو ليس رسالة نظرية أو فلسفة فكرية تعليمية إنما “عمل إلهي ديناميكي” في حياة الإنسان، حركة حب إلهي لا تتوقف تبلغ به إلى شركة الأمجاد الإلهية.

ه. إنجيل المسيح مُقدّم لليهودي أولاً ثم اليوناني، هنا الأولوية لا تقوم على محاباة الله لجنسٍ على حساب آخر، وإنما أولوّية الالتزام بالمسئولية والعمل. فإن كانوا قد ائتمنوا على الناموس المكتوب، وتقبلوا إعلانات ونبوّات، ومنهم خرج رجال الله، فقد لاق بهم أن يتلّقفوا عمل السيد المسيح الخلاصي، ويحتضنوا الصليب حتى يخرجوا إلى الأمم، حاملين نير البشارة بالخلاص.

يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [كلمة “أولاً” ليست إلا تعبيرًا عن الناحية الزمنيّة فقط، إذ لا يوجد امتياز في مقدار البرّ الذي يحصل عليه، ولكن كمن ينزل في جرن المعمودية أولاً ثم يليه الآخر نعمة أعظم من التالي له، إنما ينعم الكل بنعمة واحدة. هكذا يتساوى اليهودي واليوناني في مواهب النعمة متى قبِلوا الإنجيل.]

و. ماذا يعني بقوله: “إيمان لإيمان؟” يرى العلامة ترتليان والعلامة أوريجينوس وابن كاتب قيصر أن برّ الله بإيمان الناموس حين نُقل المؤمنين إلى الإيمان بالإنجيل، وكأن الثمر الذي يشتهيه الرسول لكل عالم هو ذات الثمر الذي ترجّاه رجال الإيمان في العهد القديم، وقد حلّ الوقت المعيّن لينعم العالم به خلال الإيمان بالإنجيل الإلهي. يقول القدّيس إكليمنضس السكندري: [يعلّمنا أن خلاصًا واحدًا من الأنبياء إلى الإنجيل يحقّقه الرب الواحد عينه.] ويري القدّيس أمبروسيوس أن برّ الله يُعلن خلال أمانة الله في مواعيده، فتنتقل أمانته إلى إيمان الإنسان الذي ينعم ببرّ الله.

يقدّم لنا الرسول مفتاح كل عطيّة صالحة إلهية: “أما البارّ فبالإيمان يحيا [17]. فالإنسان الذي يرتبط بالله يحمل برّ المسيح فيه، لكنه لا يعني هذا أنه يصير معصومًا من الخطأ كما يظن البعض، إنما يتمتّع بالنمو المستمر في برّ المسيح بلا توقف. وقد حذّرنا القدّيس أغسطينوس من فهم هذه العبارة بمعنى أننا نصير بلا خطيّة.

ويُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على هذه العبارة بالقول:

[مادامت عطيّة الله تفوق الإدراك تمامًا فمن المنطق أننا نحتاج إلى الإيمان.

أما ترون أن عدم الإيمان هو هوّة سحيقة، أمّا الإيمان فحصن حصين. لأن عدم الإيمان أهلك الآلاف بينما الإيمان لم يُؤدِ إلى خلاص الزانية وحدها بل جعلها أيضًا أمّا لكثيرين. 

إننا نستضيف برقةٍ أم كل البركات، وهو الإيمان، لكي نكون كمن هم يسيرون في ميناء هادئ مستقر تمامًا، محافظين على إيماننا الأرثوذكسي، فنقود سفينتنا باستقامة ونحظى بالبركات بالنعمة ومحبة البشر التي لربنا يسوع المسيح.]

تفسير القمص متى المسكين

«لست أستحي بإنجيل المسيح » :

المسألة ليست خجلاً نفسياً وكأننا نشعر بالنقص حينما نبشر بالمسيح ، ولكن الأمر يتعلق بشهادة هي بحد ذاتها شهادة لمصدر قوة أعلى من كل العالم ، قوة الله لخلاص الإنسان . فنحن نشهد لقوة تحمل الحياة للإنسان بل تحمل له قوة الخلاص نفسها . فكيف نستحي ونحن نبشر بقوة الخلاص ؟ وافتخار ق . بولس بأنه لا يستحي راجع إلى أنه يستمد قوة من الإنجيل الذي هو مصدر قوة الخلاص والحياة.

والـقـديـس بـولـس يضع هنا تفرقة مؤقتة بين الإنجيل وعمله بالإنجيل . فالقديس بولس يفتخر بالإنجيل باعتباره هو بحد ذاته قوة الله للخلاص، تلك القوة التي يجب أن نرفعها فوق مستوى أفق حـيـاتـنـا ومـوتـنـا. فالقديس بولس أهين مئات المرات في كل مدينة وكنيسة، فكانت كرازته كلها جـروحـاً ودمـوعـاً، ولكنه كان يفتخر بإنجيل الله لأنه كان يستمد منه القوة والشفاء والإحساس الـدائـم أنـه أعـظـم من منتصر. القديس بولس كان يستحي ويخجل من مرضه ولكنه لم يستح من جروح الرب وصليبه أبدأ. القديس بولس مات، ولكن بقيت قوة التي كانت فيه والتي شددته حتى أكمل سعيه، وهي باقية في أسفاره يغتذي منها العالم ، قوة الله للخلاص أقوى من حياتنا ومـوتـنـا وأقوى من كل العالم ، هكذا عرفها ق. بولس وتعايش معها ، لذلك لم يستج بإنجيل الله . والإنجيل هو قوة الله ليس بمعجزاته ، بل باستعلان الله الذي فيه، واستعلان قوته العاملة في كلماته وفي تسليمه للإنسان سر الحياة الأبدية في قوة الخلاص الحاضر واستعلانها الكامل في الحياة  الأخرى . أما الخلاص الذي هو المجال الذي تظهر فيه قوة الله فسيكون موضوع الرسالة كلها . ولـكـن كـلـمـة نـقـولهـا للقارىء العزيز: إن كانت تعوزك قوة الله ، فتتلمذ على إنجيله ، اجعله درسك الليل والنهار: «طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراً كل يوم . » ( أم 8: 34 )

القديس بولس يقول عن اختبار إن الكرازة بالمسيح مصلوباً تثير عند الحكماء من أهل العالم اشمئزازاً، كيف يكون مخلصاً من حكم عليه بلعنة الصليب ؟ والذي لم يستطع أن يفدي نفسه كـيـف يـفـدي الآخرين ؟ وعثرة الصليب تبدأ من اليهود وقد بدأت ببولس وجعلته يرتكب حماقات ضد المسيح والمسيحيين . أما عند الحكماء ـ وروما مليئة باليهود والحكماء ـ فالصليب عندهم جهالة: «لأنه إذ كان الـعـالـم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة، استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة» (1کو 1: 21)، «فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله . » ( 1کو 1: 18)

وق . بولس اعتبر حمل الصليب بمثابة حمل عار المسيح !! طبعاً العار الموصل إلى المجد! « فلنخرج إذا إليه خارج المحلة حاملين عاره » ( عب 13: 13). ولكن في المقابل السري غير المنظور، نجد أن الـصـلـيـب عـنـد الـذين حملوا الصليب قد أعطاهم قوة المسيح : « ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة وأما للمدعوين ، يهوداً ويونانيين ، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله . » (1کو 1: 23)

بهذا المعنى تماماً يكتب ق . بولس لأهل رومية وفيهم اليهود وفيهم الحكماء ويقول : « لست أستحي بإنجيل المسيح» وهو يضمر الافتخار.

«لأنه قوة الله للخلاص»:

لينتبه القارىء، فإنجيل المسيح ـ أساساً ـ ليس كلاماً للمعرفة ولا استعلاناً لأسرار الله ، ولا تعليماً للتهذيب والتقويم ، فهذه إن كانت واردة ولكنها ليست الأساس، فالأساس هو أن الإنجيل قوة δύναμις، قوة الله ، تعمل في الـذي يـؤمـن ، تـعـمـل على كل المستويات في الفكر والوعي المسيحي والإرادة والـنـفـس والشعور، حتى في الجسد. لأن الإنجيل قائم على عملية تغيير كبرى بواسطة المسيح جازها المسيح لحسابنا ، من موت لحياة، من حالة خطيئة ولعنة إلى حالة بر ومصالحة ، هذا التغيير هو قوة عمل الله الخاص بنعمة خاصة تؤازر الذين يؤمنون .

وقوة الله للخلاص المذخرة في إنجيل المسيح تعمل على مستويين ، مستوى الذي يؤمن ومستوى الذي لا يؤمن ، فرفض الإنجيل هو رفض حياة أو رفض « القوة المخلصة المحيية» للإنسان : «لأننا رائحة المسيح الذكية الله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون، لهؤلاء رائحة موت لموت ولأولئك رائحة حياة لحياة . » (2کو 2: 15و16)

ولكي يأخذ القارىء صورة عملية حية لقوة الخلاص في إنجيل المسيح والإيمان به، فليعلم أن قوة الخلاص في الإنجيل تتركز بصورة واضحة في قوة قيامة الرب من بين الأموات . هذه القوة التي أقامت المسيح من الموت هي بعينها قوة الخلاص في الإنجيل، فهي موضوع البشارة المفرحة التي كـان يـطلبها الإنسان منذ أن سقط آدم وهي الآن ملء يديك ، بل وقلبك. ولكن لا تطلب لها علامات ولا تنتظر أنها تظهر لك أو لغيرك ، فالعامل للخلاص في هذه القوة هو الروح القدس وهو روح الخلاص أي روح الحياة الجديدة للإنسان ، ولا يحسه إلا من بدأ يحيا الحياة الجديدة ، أي من يؤمن بالخلاص، أي مـن يـؤمـن أولاً بالرب يسوع المسيح، وثانياً أنه مات من أجل خطايانا وقام لتبريرنا وأنه أعطانا الحياة الأبدية .

« للخلاص» :

لـيـس هـنـا مجال التكلم عن الخلاص لأنه يشمل الفداء والغفران والمصالحة ونوال التبني للحياة الأبدية، التي أكملها المسيح بذبيحة نفسه على الصليب، والتبرير والقيامة، التي هي بحد ذاتـهـا تعلن عن بر الله الذي صار للإنسان بالإيمان بالمسيح . فالخلاص هو ثمرة قوة عمل برا المستودعة في الإيمان بالمسيح وما عمله المسيح في الإنجيل !

والخلاص دخل العالم لما دخل المسيح بدمه إلى الأقداس العليا في السموات وتراءى أمام الله لأجلنا، فـوجـد فـداء أبـديـا، لا يزال المسيح يكمله لنا في السموات بالشفاعة ، ومؤازرة الروح القدس، حيث سيظل الخلاص يتكامل فعله حتى إلى منتهى الدهر. فالخلاص قرين حياة الإنسان على الأرض، كـل مـن يـؤمـن بـالمسيح ، وبآن واحـد هـو قـرين حياة الدهر الآتي بالرجاء وسبق ذوق : «لأن الذين استُنيروا مرة ( المعمودية) وذاقوا الموهبة السماوية (بر الله والخلاص) وصاروا شركاء الروح القدس وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات δυνάμεις الدهر الآتي… » (عب 6: 5و6). فـقـوات الـدهر الآتـي هـي مـفـاعـيـل عمل الخلاص الذي أكمله الله في المسيح مستعلنة على مستوى الروح في السموات .

وكلمة الخلاص عند ق . بولس غنية وخصبة وسوف نوفيها حقها أولا بأول كلما صادفتنا ، لأن لها في كل مجال معنى، لها في الأرض معنى ولها في السموات معنى، وفي كل موقف قوة. ويكفي أن يكون الإنجيل برمته عند ق. بولس هو قوة الله للخلاص !! والخلاص رسالة الحياة الأبدية هنا وهناك .

« لكل من يؤمن، لليهودي أولا ثم لليوناني» :

هذا الخلاص الذي هو ثمرة بر الله المجاني استعلن باستعلان بر الله بواسطة المسيح في مقابل : إيمان الإنسان، حيث الإيمان لا يعتمد على مؤهلات الإنسان ولا ماضيه ، فكل من يؤمن يخلص : «آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص أنت وأهل بيتك» (أع 16: 31)، «لأن القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص. » (رو 10: 10 )

أما قوله : « لليهودي أولاً ثم لليوناني»، فهذا الترتيب ليس من عند الله ولكن بمقتضى تاريخ الخلاص نفسه، لأنه عُرض أولاً لليهود ثم عن طريق اليهود قدم للأمم. ولكن ليس الأمر مسألة تاریخ فقط بحد ذاته فهو تاريخ الاختيار، والاختيار لازمه ناموس فيما بعد، والناموس انتهى بالمسيح. لذلك لولا الناموس ما تمهد طريق الخلاص، فهو الذي رفع صراخ الإنسان المجاهد ضد الخـطـيـة بـصـوت المغلوب والمطالب بالرحمة ، فسمع الرب وأتى ببره من السماء. وحينما ازدادت الخطية جداً بحصار الناموس ، زاد سلطان النعمة وامتد وتجاوز الناموس ليشمل الذين بلا ناموس .

وحـيـنـمـا يقول ق. بولس : « لكل من يؤمن » دون اعتبار لأية مواهب أو امتيازات من جهة الإنسان، فهنا يرتفع ضمناً بامتياز عمل الله للخلاص بصورة رائعة فوق هامات أطوار الناس ومـقـدراتـهـم وامـتـيـازاتهم بما في ذلك الناموس ، إذ جعل خلاص الله أقوى من أن تحده قوة أو ضعف من جهة الإنسان أو يحده زمان أو مكان أو جنس، فهو يخترق الزمان بما احتوى ليستقر عمله في الأبدية ! لذلك فعظمة الخلاص وجلاله وشموله وتفوقه سيستعلن لنا فوق بالأكثر! فالخلاص عمل آت من السماء أصلاً بقوة فائقة من السماء ليسود على الإنسان والخطية والزمن ويصارع كل معوقات انطلاق الإنسان نحو الله لكي يستقر في الحياة الأبدية في حضرة الله !

وعـمـل الخلاص وإن رئي على مستوى الواقع الزمني الآن حينما نرى أنفسنا وقد انعتقنا من ماضينا ومن ضعفنا ولبسنا صورة الإنسان الجديد، فما هذا إلا مقدمة، فالخلاص سوف يرى بأجمل بهائه وأعظم قدراته، عند الوقوف في الدينونة العتيدة، لنرى ختم الخلاص الذي على جباهنا وقـد ألهـلـنـا للوقوف عن يمين الله في حمى المسيح، لنسمع نطق البركة ونرى الميراث المعد!

وكـل مـن يساوره شك في فعل الخلاص وعمل قوته ومواعيده ، عليه أن يتحسس إيمانه ، فحيثما يكون الإيمان، يكون الخلاص، فإيماننا هو الوعاء المقدس الذي نحمل فيه خلاصنا وكلما زينا إيماننا بالحب والبذل والاتضاع ، تراءى لنا الخلاص في أبهج صورة ، سلام وتسبيح وهتاف بالمجد لحضرة المسيح في القلب .

فالقديس بولس لا يتكلم عن نظريات بل يحكي عن واقع يعيشه ومسيح يراه وحياة أبدية تدب في أعضائه .

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (16): “لأني لست استحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي أولاً ثم لليوناني.”

لست أستحي= قال في غلاطية حاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع.. (غل14:6). والرسالة هنا موجهة للرومان أغني وأعظم دولة في العالم. وهم في رومية يفتخرون بالقوة والعظمة ويعيشون في زهو وكبرياء. لكن بولس لا يستحي بالإنجيل الذي يبدو في ظاهره ضعفاً، هو لا يستحي بأن يبشر بأن نجاراً مات مصلوباً بين لصين، وهذا يدعو لإشمئزاز الرومان، وربما كان مسيحيو روما يشعرون بالإستحياء من هذه الفكرة شاعرين بالزهو أنهم من سكان روما القوية سيدة العالم والرسول أراد ان يكسر من زهوهم، وحتي لا يستحوا قال: لا أستحي وهو لا يستحي لأنه شاعر بقوة عمل الله. أما أهل غلاطية فهم بؤساء وفي مذلة لذلك يقول لهم أفتخر. عموماً فالطريق الذي يبدأ بلا أستحي ينتهي بأفتخر. ولو سألني أحد أتعبد المصلوب؟ أقول نعم فهذا الصليب علامة محبته الإلهية غير المتناهية لي وعنايته بي.

لأنه قوة الله للخلاص= هو لا يخجل من إنجيل الله لأنه يشعر بقوة هذا الإنجيل. فالإنجيل ليس رسالة نظرية أو فلسفة فكرية تعليمية، إنما هو عمل إلهي جبار، وحركة حب إلهي لا تتوقف لتبلغ بالإنسان إلي شركة الأمجاد الإلهية. هو قوة يشعر بها بولس الرسول وسيشعر بها كل مؤمن. هو قوة مجالها خلاص الإنسان، قوة تعمل في الفكر والإرادة والنفس والشعور والجسد. بعظة واحدة من بطرس آمن 3000 لأن الكلمة لها قوة جبارة غيرت الدولة الرومانية نفسها للمسيحية. فالإنجيل قائم علي عملية تغيير كبري بواسطة المسيح، تعطي الخلاص وتهبه للذين يؤمنون بالمسيح. لليهودي أولاً= زمنياً فقط، فاليهود كانوا أسبق في إرتباطهم بالله. وقد أخذوا المواعيد بالخلاص وأئتمنوا علي ناموس الله أولاً. ولهذا فعليهم واجبات أكثر فلا محاباة، هم عليهم الإيمان بالمسيح أولاً ثم أن يبشروا هم الأمم ثم لليوناني: فالأمم أيضا مدعوين.

تفسير د/ موريس تاوضروس

16 لأني لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قـوة الله للخلاص لكل من يؤمن لليهودي اولا ثم لليوناني. 17 لأن فيه معلن بر الله بإيمان لإيمان كما هو مكتوب، أمـا البار فبالإيمان يحيي ؛ (رو1: 16 – 17).

“لأني لست اسـتـحـي بإنجيل المسيح لأنه قـوة الله لـلـخـلاص لكل من يؤمن لليهودي أولا ثم لليوناني”، يشير الرسول بولس في العددين السادس عشر والسابع عشر، لي موضوع الكرازة أو مـوضـوع الـرسـالة، وهو «إنجيل المسيح». ويحس الرسول بالانـتـخـار لأنه لختير من قبل الله لكي يباشر هذه الخدمة الشريفة الممتازة. ويتحدث عن فاعلية الإنجيل وقوته في تحقيق الخلاص، ذلك لأن الإنجيل الذي يدور حول شخص المسيح المصـلـوب هـو قـوة الله للخلاص لكل من يؤمن،. ويقـدم الإنجيل هذا الخلاص أولا لليهود من حيث أنهم كانوا أسبق من غيرهم في إرتباطهم بالله، وقد أخذوا المواعيد من الله بالخلاص، ثم يقدمه أيضـا لليونانيين لأنهم مدعوون أيضا لهذا الخلاص الذي لايقتصر علي شعب اليهود ولكنه يمتد إلى جميع الناس ويـوهـب لكل من يؤمن، مهما كان الشعب الذي ينتمي اليه، لأن المسيح والكل وفي الكل.

لأن فـيـه مـعلن بر الله بإيمان لإيمان كـمـا هـو مـكتـوب أمـا الـبـار فـبـالإيمان يحيا“. بواسطة الإنجيل يظهر الـبـر الذي يهبه الله للمؤمن، أما مصدر هذا البر أو هذا الخلاص فليس هـو أعـمـال الـنـامـوس بل الإيمان. الخلاص لايتحقق بواسطة أعـمـال الـناموس بل بالإيمان بالمسيح المصلوب. كذلك فإن هذا الخلاص لايوهب فقط لمن كان لهم الناموس بل لكل من يؤمن. وهذا التعليم الذي يجعل البر أو الخلاص نتيجة للإيمان وليس ثمرة لأعمال الناموس، قد سبق وأشير إليه في العهد القديم، فقد قال حبقوق «أما البار فبالإيمان يحياة . واما كلمة «بار، فتشير إلي مـن يـحـفـظ الناموس. ومعني ذلك أن الذين يحفظون الناموس يحـيـون لا بأعمال الـنـامـوس بل بالإيمان، وكلمة «يحياة تشير إلى الحياة الروحية وهي حياة النعمة التي حررتنا من سلطان أو عبودية الخطية، وحياة المجد الذي ينتظرنا فيما بعد كورثة للملكوت مع المسيح، وعلي ذلك فعبارة «بإيمان لإيمان» تعني أن البر يتحقق من ناحية بواسطة الإيمان ومن ناحية أخري يوهب لكل من يؤمن.

تفسير كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

ع16: يفتخر بولس أنه يبشر بإنجيل المسيح، ولا يخجل من آلامه وصلبه، لأن للإنجيل قوة تعمل في النفوس. وقد بدأ بالكرازة لليهود أولا، لأنهم يهود مثله ويعرفون الله والأنبياء.

رو1: 15 رسالة رومية رو1: 17
رسالة رومية – أصحاح 1
تفسير رومية 1 تفاسير رسالة رومية

 

زر الذهاب إلى الأعلى