رو12: 14 باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا

 

بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا.“(رو12: 14)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا ” (رو14:12).

١ـ بعدما علمهم كيـف يجب أن يسلكوا فيما بينهم، وبعدما وحد بين الأعضـاء بإحكـام، يكـون بهـذا قـد قـادهم إلى التعامل المستقيم خـارج الكنيسة، وهكذا يصير الأمر أكثر سهولة، إذ قد سبق وصنعه داخل الكنيسة. لأنه كما أن من يفشل في تسديد احتياجات أقربائه، يصعب عليـه أن يفي بالتزاماته نحـو الغرباء، هكذا فإن من درب نفسه جيدا علـى هـذه الأمور، فإنـه مـن السهل أن يفـي بالتزاماتـه نـحـو الغرباء أيضا. ولهذا فإن القـديـس بـولس يتقـدم رويـدا رويـدا، ويقـول: “بـاركوا عـلـى الـذين يضطهدونكم “. لم يقل لا تنسوا الإساءة، ولا قـال يجب أن تحاربوهم، بل طلب ما هو أفضل بكثير من ذلك كله، لأن هذه بالتأكيد هي سمة الإنسان الحكيم، بل هي بالأكثر صفة الإنسان الملائكي. فبعدما قال: “باركوا ” أضاف ” ولا تلعنـوا ” حتى لا نفعـل هـذا ونترك تلك، بل نفـعـل شـيئا واحـدا ، نبارك ولا نلعن، خاصة أنه د ، بسبب هؤلاء الذين يضطهدوننا، ننال المكافأة. أما إن كنت يقظا، فستُعد لنفسك مكافأة أخرى، مـن خـلال الـذي يضطهدك. لأن ذاك سيعطيك مكافأة من خلال إضطهاده لك، بينما أنت ستُعطي لذاتك المكافأة من خلال مباركتك له، مظهرا قدرا عظيما من محبتك للمسيح، فإن من يلعن المضطهد لا يشعر بالفرح، لأنه بهذا يكون قد رفض الألم لأجل المسيح، لكن الذي يبارك هو الذي يظهر محبته الكبيرة نحو المسيح.

إذن لا تُسيء إلي من يلعنك، لكـي تـربـح لنفسك مكافأة عظيمة، هذا الأمر لا يضع عليك إلتزام بأن تباركه، بل هو بمثابة احتفاء واحتفال، وليس نكبة، ولا ضيقة. ولهذا فإن المسيح له المجـد قـال أيضا : ” طـوبـي لـكـم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين” ولهذا فإن الرسل رجعوا فرحين، ليس لأنهم أهينوا فحسب، بل لأنهم جلـدوا. 

لأنه بالإضافة إلى ما سبق ستربح مكافأة أخرى كبيرة، أن تجعل أعداءك هكذا يتحيرون ويندهشـون، وأن تعلمهـم بالأعمال، أنك تسير نحو حيـاة أخرى، لأنه إن رآك تفرح، بل وتقفز من الفرح، فلماذا يسيئ إليك، سيعرف جيدا أن لديك رجاء آخر أعظم من مجرد الرجاء في الأمور الحاضرة. أما إذا بكيت وتذمرت، فمن أين سيعرف، أنك تنتظر حياة أخرى؟ لكن بالإضافة إلى كل هذا فإنك ستُحقق شيئا أخر، لأنه إن لاحظ أنك لا تتضايق بسبب الإهانات، بل وتبارك، فسيتوقف عن إضطهادك. إذا لاحظ مقدار المزايا التي تـأتـي مـن وراء ذلك، فإن المكافأة ستصير أكبر بالنسبة لك، والتجربة ستصير أقل، والذي يضطهدك سيوقف إضطهاده، والله سيتمجد، وإيمانك سيتحول إلى تعليم عن التقوى، لمن يعيش في الضلال . ولهذا فقد أوصانا أن تحسين ليس فقط للذين يهينوننا ، بل وللذين يسيئون إلينا ، وذلك مـن خـلال الأعمال.

فاصل

تفسير القمص متى المسكين

«باركوا على الذين يضطهدونكم. باركوا ولا تلعنوا» .

عمل المؤمنين، أي رسالة الكنيسة في العالم ، هي أن تتلمذ جميع الأمم (مت ١٩:٢٨) وتعلم وتظهر معرفة المسيح، وهذا يضعها في مركز الداعي إلى المحبة والخير الساعي لصالح جميع الناس ومـصـالحـتـهـم ، بذلك يكون عمل المؤمنين هو من جهة الإيمان المناداة بالسلام والمحبة، وفي نفس الوقت مقابلة الرفض والمقاومة والاضطهاد بالاحتمال والصبر. أولا: «صابرين في الضيق» ، وهذا هو الإجراء الداخلي، أما ثانياً أي الإجراء الخارجي و إظهار المودة والمحبة والدعاء بالبركة، وهو الإجراء الإيجابي لهؤلاء المضطهدين .

 على أن الإجراء الداخلي ـ الـصـبـر في الضيقات ـ الذي سبق وأن قدمه ق . بولس كفضيلة عامة للكنيسة، فهو القوة الدافعة التي تعطينا الثبات والانطلاق في الإجراء الثاني أي أن نبارك على الذي يضطهدنا. وهذا وارد في وصـيـة المسيح : « ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص » (مت ١٣:٢٤). وخلاص المسيحي في الضيقة، حتى ولو انتهى بتسليم الحياة كإستفانوس ، فإنه سيكون سبباً في خلاص الآخرين كشاول المدعو بولس .

والعكس صحيح، لأنه إن أخفق الإنسان وهو تحت الاضطهاد في الاحتمال والصبر، فإنه في الحال سـيـلـعـن مـضـطـهديه ، بل وإذا لم يضبط نفسه وتمادى في عدم الصبر وفقد الاحتمال ، فإنه سيلعن حاله وناسه وعالمه ثم يلعن الله : « وكانوا يعضون على ألسنتهم من الوجع وجذفوا على إله السماء من أوجاعهم ومن قروحهم ولم يتوبوا عن أعمالهم . » ( رؤ16: 10و11)

إذا فـكـون ق. بولس يقدم الوصية : «باركوا على الذين يضطهدونكم باركوا ولا تلعنوا»، فهذا يعتمد على أنه قدم قبلها وصية الأساس : «صابرين في الضيق. مواظبين على الصلاة». فإذا فقدنا وصية الأساس، اهتزت أسس الـعبـادة أمام أعيننا . فإذا حل الضيق، يتهاوى الإيمان وتختل مـوازيـن الـنـفـس ويبدأ الإنسان يتصرف ضد إيمانه وضد خلاصه وضد سلامه ، وأخيراً يفقد رؤيته لله . خسارة عظيمة !! 

علماً بأن الصبر، كما قلنا عنه بحسب ق. بولس، يؤدي إلى التركية ثم إلى الرجاء، والذي يبلغ الرجاء و يتمسك به لا يخزى أبداً. فإذا صدنا العدو عن الصبر وركبنا عقلنا ودسنا على إيماننا ونـبـذنـا الاحتمال وأفرغنا الصبر من صدورنا بإرادتنا بل بجهالتنا ، تحول الحال من صبر ورجاء لا يخزى إلى خزي وفـضـيـحـة وفقدان الرجاء ووقفنا نلعن ، نلعن الآخرين؛ وفي الحقيقة نكون نلعن أنفسنا التي لم تتمسّك بإيمانها وصبرها .

ثم لكي نحيط بما يقصد ق . بولس تماماً من جهة «باركوا ولا تلعنوا » ، يلزم أن نفهم أن إلقاء اللعنة على الأعداء في العهد القديم كان يعتقد أنها تحدث ضرراً بالذي يلعن. وقد انشغل اليهود بلعنة أعدائهم وصارت كأنها لغة كل يوم اعتادها الشعب : « اسمعوا قول الرب يا بني إسرائيل : إن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض، لعن وكذب وقتل وسرقة وفسق . » (هو4 : 1و2)

+ حتى الآباء والأنبياء كانت اللعنة سهلة في أفواههم . وها هو نحميا يحكي :
+«فخاصمتهم ولعنتهم وضربت منهم أناساً …» (نح 13: 25)
+ «جيل يلعن أباه ولا يبارك أمه . » (أم 11:30)
+ «فمهم مملوء لعنة وغشاً . » (مز7:10)

 

ولقـد حذرهم الناموس أن لا يتفوهوا باللعن على رئيس الشعب : «لا تلعن رئيساً في شعبك . » (خر22: 28)

بهذا نفهم أن استخدام اللعنة كان قد سرى في الشعب وتفشى، وصار أحد قبائحه المكروهة من الله . لذلك فإن ق. بولس ، وإذ قد أعطي فرصة أن يضع أساساً لأخلاقيات الشعب ولغته وسلوكه، حذره من اللعنة ووضع بدلاً منها البركة : «باركوا ولا تلعنوا»، وهي تأتي في مقابل وصية المسيح : «باركوا لاعنـيـكـم» (مت5: 44)، وهي أرفع مستوى من قول ق. بولس . فالقديس بولس يطلب أن نبارك ولا نلعن، والمسيح يطلب أن نبارك حتى الذين يلعنوننا . والأمر يسترعي انتباهنا ، إذ قد أغلق علينا المسيح حتى لا تخرج من فمنا لعنة قط ، لأنه إن كان ردنا على الـذيـن يـلـعـنـوننا بالبركة، فإلى من يمكن أن تخرج اللعنة ؟ المسيحي ليس له عدو لأن محبة الله التي انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا حولت العداوة فينا نحو الله والناس إلى صلح وسلام . فـمـن الـصـلح والسلام والمحبة نأخذ ونعطي . فإن كان الإنسان الأول تقبل اللعنة بسبب الخطية، وهكذا سرت فينا اللعنة وصار الإنسان ابناً لها، فالمسيح جاء واحتمل اللعنة هذه من أجلنا ورفعها : « المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا ، لأنه مكتوب ملعون كل من غلق على خشبة» (غل13:3). وهكذا حمل المسيح اللعنة من أجلنا على الصليب ، فصرنا فيه أولاداً للبركة. لذلك كأولاد للبركة أصبح لنا أن نبارك فقط ولا نلعن قط .

 وق. بولس حينما قال : «باركوا على الذين يضطهدونكم»، ارتفع من عدم اللعنة إلى طلب البركة للذين يضطهدوننا، بمعنى أن نطلب لهم الخير من الله ومع الخير كل ما هو جيد وكريم . وقد كان هذا موقف المسيح تماماً أعدائه ، كما وصفه داود النبي في المزمور: «يبغضونني بلا سبب » (مزه۱۹:۳)، «يجاز ونـنـي عـن الخير شـرأ تكلا لنفسي، أما أنا ففي مرضهم كان لباسي مشحاً (علامة الحزن)، أذللت بالصوم نفسي (لأشاركهم في حزنهم)، وصلاتي إلى حضني ترجع (كنت أصلي عنهم) كأنه قريب كأنه أخي كنت أتمشى (من الحزن والقلق ) كمن ينوح على أمه انحنيت حزناً (من أجلهم)، ولكنهم في ظلعي (بليتي) فرحوا واجتمعوا ، اجتمعوا علي شاتمين ولم أعلم ، مرقوا ولـم يـكـفوا» (مزه٣: ١٢-١٥). بمعنى أن الذين يضطهدونني يزيدون في اضطهادهم وأنا أزداد في بركتي لهم وصلاتي من أجلهم . 

ولكن لا المسيح ولا ق . بولس أوضح ما وراء هذه البركة، هل حينما نصلي من أجلهم يكفون عـن اضـطـهـادهـم ؟ لا نظن فإن هذا لم يكن قصد المسيح ولا القديس بولس . والذي نظنه أننا في بركـتـنا وصلواتنا من أجلهم إنما نسلك بما هو حق لنا وحق علينا، وأما هم فيسلكون بما لهم . وكل منا يجازى بحسب ما صنع . و بطرس الرسول يضع خاتمة لهذه المعادلة :

+« إن غيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم . » ( 1 بط 4: 14)

+ « وإن تألمتم من أجل البر فطوباكم وأما خوفهم فلا تخافوه ولا تضطربوا.» ( 1 بط 3: 14).

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

“باركوا على الذين يضطهدونكم، 

باركوا ولا تلعنوا” [14].

جاء الوصية الإلهية تأمرنا أن نبارك الذين يضطهدوننا (مت 5: 44؛ لو 6: 28). فإننا إذ كنا نستحق اللعنة حملها السيد المسيح عنا على الصليب ليهبنا بركته عاملة فينا، يليق بنا أن نرد له هذا العمل في خليقته التي يحبها فنحب الذين يضطهدوننا، مباركين إياهم… لقد صارت حياتنا بالمسيح تحمل بركته، فكيف نستطيع أن نلعن أحدًا ؟ لذلك يقول معلمنا يعقوب الرسول: من الفم الواحد تخرج بركة ولعنة؛ ألعل ينبوعًا ينبع من نفس عين واحدة العذب والمرّ؟” (يع 3: 10- 11).

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لم يقل: لا تكن شتامًا ولا منتقمًا، وإنما سألنا ما هو أفضل: “باركوا على الذين يضطهدونكم”….. فإن إنسانًا يعمل بحكمة هكذا ، يمارس عمل الملائكة. بعد قوله “باركوا” قال “لا تلعنوا” لئلا نمارس الاثنين معًا. الذين يضطهدوننا يمدوننا بمكافأة لحسابنا. فإن كنت متعقلاً فلتضف إلى المكافأة مكافأة أخرى تقدمها لنفسك. هو يهبك الاضطهاد، هب لنفسك مباركتك للآخرين، بهذا تقتني علامة عظيمة جدًا لمحبة المسيح. فمن يلعن مضطهده يظهر أنه لا يُسر باحتمال الآلام من أجل المسيح، هكذا من يبارك يظهر عظمة حبه للمسيح.]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (14): “باركوا على الذين يضطهدونكم باركوا ولا تلعنوا.”

باركوا= أي الدعاء بالبركة. وذكر محاسنهم، ولا نجازي عن شتيمة بشتيمة، ونصلي ونطلب لهم الخيرات ولا نفكر في الانتقام.باركوا ولا تلعنوا: المسيح حمل اللعنة التي نستحقها ليهبنا بركته عاملة فينا، فكيف نستطيع نحن أن نلعن من رفع المسيح عنهم اللعنة، علينا أن نبارك كما باركنا المسيح. ومن يبارك مضطهديه يُظِهرْ أنه يُسَّرْ بإحتمال الآلام من أجل المسيح، أما من يلعن مضطهديه سيبدأ بعد ذلك يلعن من حوله وقد يلعن الله نفسه (رؤ10:16،11). فلنمتنع عن عادة اللعن ولندرب ألسنتنا علي أن نبارك.

فاصل

تفسير د/ موريس تاوضروس

“باركوا علي الذين يضهدونكم . باركوا ولا تلعنوا”

وكلمـة باركوا يعني أن نتكلم نحو الذين يضـهدونا ، كلاما صالحا طيبا وأن نحرص فـلا نتكلم عنهم بالسوء ( لا تلعنوا ) .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى