رو12: 21 لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير

 

لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.“(رو12: 21)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” فإن جاع عدوك فأطعمه. وإن عطش فأسقه. لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه. لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير” (رو20:12-21).

هـو هـنـا يقـول آلا ينبغي أن تكون علاقاتي سـلامية؟ خاصـة وهـو يعطـي وصية بالإحسان. لأنه يقول إطعمه وإسقه. ثم بعد ذلك، لأنه أمر بشيء مجهد وكبير، بشكل يتجاوز الحد، أضاف: “لأنك إن فعلت هذا تجمع جمر نار علـى رأسـه “. قـال هـذه الأمور، بهدف أن يردع الـعـدو بالخوف، وأن يجعل المحسين يعطي بدافع الرغبة في العطاء على رجاء نيل المجازاة. إن المظلوم لا تسره الخيرات التي ينالها عندما يشعر بالضعف (أمـام مـن ظلمـه)، ويشعر بالارتياح عندما يعاقب الظالم ويتألم، فلا يسره شيء أكثر مـن رؤيتـه لمـن أحزنـه وهـو يعاقب. ولذلك فقـد قـدم الـرسـول بـولـس هـذا أولاً وبحكمة، ثم أخذ ينصح بمـا هـو أسمى، قائلاً: “لا يغلبنـك الشـر “. لأنـه كـان يعـرف أن العدو وإن كـان بعـد وحشا كاسرا، إلا أنه لا يبقى عـدوا عنـدما تطعمه. وحتى وإن كان المظلوم صغير النفس آلاف المرات، فهو حين يطعم عدوه ، ويسقيه، فإنـه لـن يشـتهي عقابـه بعـد أن يطعمه. ولهذا، فنظرا لأن القديس بولس لديه ثقة في نتيجة ذلك الأمر، فإنه لم يهدد فقط، بل أيضا يعبر عن العقوبة في شدتها. لأنه لم يقل ستُعاقب عدوك، بل قال “تجمع جمر نار على رأسه “. ثم يناشد المنتصر قائلاً: “لا يغلبنك الشر. بل اغلب الشر بالخير “. وبأسلوب هـادئ يقصـد أنه لا ينبغي أن ننساق لرغبة الشر، لأن عدم نسيان الإساءة هو بمثابة إنتصار للشر.

لكنه لم يشر إلى هذا في البداية، بل بعد أن أنتزع الغضـب مـن المظلوم، أضاف عندئذ : “اغلب الشر بالخير”، لأن هذا أيضـا هـو الانتصار. كذلك فإن الملاكم ينتصر، لا عندما ينحني إلى أسفل فيتلقى الضربات، بل حين يقف منتصبا إلى أعلى ويتفادي الضربات، ويجعل خصمه يفرغ قوته في الهواء. وبذلك لا يتلقى أي ضربات، وتصير قوة الخصـم بـلا نفع، هذا بالضبط ما يحدث بالنسبة للإهانات . إذا فعندما ترد الإهانة فإنك تهزم لا من إنسان، بل من عبوديتك المرة للغضب وهو الأمر المخجل للغاية. أما إن صمت، فستكون قد انتصرت أيضا ، وتقيم نُصب الانتصار دون تعب، وسيكون لديك أعدادا لا تحصى من الذين يتوجونك، ويدينوا أكذوبة الإهانة. لأن ذاك الذي يعارض من الواضح أنه يعارض لأنه يجرح أو يهان، أمـا مـن يهـان ولا يبالي بالإهانة ، فإنه يعطـي فرصة للتفكير، حتى يتـدبـر مـا ينبغي أن يقوله، حسـنا فـإذا إحتقرت الإهانة، فستُبطل الحكم ضدك. وإن أردت أن تأخذ دليلاً واضحاً علـى كـل مـا قيـل، اسأل العدو نفسه: مـن يتضايق أكثر؟ هـل أنـت عنـدما تغضب وترد الإهانة، أم الأخر عندما يهين وتحتقر أنت هذه الإهانة. وهـذا مـا ستسمعه. فهو لا يفرح حين لا ترد الإهانة، بقدر ما يتضايق لأنه لا يستطيع أن يهينك بالأكثر.

ألا تـرى أولئك الذين يغضبون، كيـف أنهـم يهاجمون باندفاع كبير، ساعين بإصرار، وبصورة أسوأ من الخنازير المتوحشة نحو إحداث إصابات في القريب، ليحققـوا مـا يـريـدوا دون أن يتوخـوا الـحـذر مـن إمكانية تعرضهم للإصابات؟ إذا حين تحرمـه مـن فـعـل مـا يشتهيه، فإنـك تحـرمـه كـل شـيء ، طالما أنك حقرته، وأظهرته وضيعا، وطفلاً أكثر منه رجلاً، وهكذا تصير أنت حكيما، بينما ذاك فقد أحاطت به سمعة وحـش شـرير. فلنصنع نحـن هذا الأمر إزاء الضربات، كيف؟ بأن لا نرد الضربات، بل إن أردت أن توجه له الضربة القاضية، حول له الخد الآخر، وستُصيبه بإصابات لا تُحصى. لأن أولئك الذين يصفقون لك ويعجبون بك، هـم بالنسبة له، أكثر خطورة مـن القتلة المجرمين. وقبل هؤلاء، فإن ضميره سيدينه، وسيحكم عليه بعقوبات كبيرة، كمـا لـو كـان قـد أصيب بأسوأ أنواع الشرور، وهكذا فعندما يخجل لابد إنه سيرحل . لكن إن كنت تطلب المجـد مـن الكثيرين، فإنك ستتمتع بهذا المجد أيضا إلى حد كبير، لأنه على أية حال فنحن نحمل رأفة تجاه الذين يتألمون، ولكن حين نراهم لا يردوا الضربات، وليس هذا فقط، بل ويسلمون أنفسهم أيضا، عندئذ فإننا لا نتراءف بهم فقط، بل وتعجب بهم.

٤ـ مـن أجـل ذلـك، أشعر بأنني أريد البكاء بصـوت مرتفع، لأننـا نحـن نستطيع أن نحصل على خيرات العالم الحاضر، وننـال خيرات الدهر الآتي كذلك، إذا أطعنا نواميس المسيح كما ينبغي، إلا إننا نفقد الاثنين، لأننا لا نخضع لكل ما قيل، وتفلسف كل شيء بشكل زائد عن الحـد. . . خاصة وأن المسيح وضع قانوئا لكل شيء، وفقا لمنفعتنا، وعرفنا بما ينبغي فعله حتى يجعلنا ممجدين، وبما يجب أن نتجنبه حتى لا نكون أدنياء . وما كان له أن يأمر بهـذا (أي أن تقابـل الإساءة بالإحسـان)، إن كـان يهـدف إلى أن يضـع تلاميذه موضع سخرية. ولكنه أمر بهذا السلوك لأنهم أصبحوا أكثر مجدا عندما طبقوه، فهم لا يتطاولون بكلام سيئ، وعندما يتهمون، وعندما يساء معاملتهم، لا يردوا الإساءة بالإهانة . لكن إن كـان هـذا يجعلهم ممجـدين أكثر من أي سلوك آخر، فبالأكثر جدا فإن الكلام الحسن الذي يقولونه حين يتهمون، سيجعلهم ممجدين، وحين يباركون عندما يشتمون، وحين يحسنون عندما يعانون الألم، ولذلك فقد قنّن كل هذه الأمور. كذلك فهـو يهتم كثيرا بتلاميذه، لأنه يعرف جيدا، ما الذي يجعل الإنسان وضيعا، وما الذي يجعلـه عظيما. إذا إن كـان الله يهتم بك، ويعـرف كـل شـيء فلمـاذا تتشاجر مع عدوك، وتريد أن تسير في طريق آخر؟ إن الإنتصار الذي يأتي عن طريق المعاملة السيئة هو لحساب الشيطان.

إلا أن هذا القانون الخاص بالمكافآت لا يطبق في مجال الحياة بحسب المسيح، بل ما يحدث هو على العكس تماما ، فقانون المسيح أن يتوج المهزوم وليس الفائز. لأن هـذه هـي طبيعة ساحة الجهاد في المسيح : يتم تقييم كل شيء فيهـا بشكل عكسـي، حتى أن المعجـزة تصير أعظـم، ليس فقـط بالانتصار، بل بطريقة الانتصار. فعندما تكون العوامل التي تؤدي إلى الهزيمة في مكان ما ، يعرضها كسبب للانتصار، فهنا تتجلى قـوة الله، هذه هـي ساحة السماء، هذا هو مسرح الملائكة. أعرف أنكم صرتم أكثر حرارة الآن، وقد صرتم أكثر ليونة من الشمع، فلتطرحوا عنكم كل شيء عندما ترحلون مـن هـنـا. ولهذا فإنني أحزن وأشعر بالضيق، لأن أعمالنا لا تعكس أقوالنا ولا تعبر عنها، خاصة حين ننـوي أن نربح هنا في هذه الحيـاة مـا هـو أكثر عظمة. فإن أظهرنا رأفة، لن تهزم من أحد، ولن يكون هناك إنسانا سواء كان صغيرا أم كبيرا، يستطيع أن يصيبنا بضرر. إذا إن تكلم أحد بكلام سيئ عنك، فإنه لن يضرك مطلقا ، بل يؤذي نفسـه بشدة، وإن ظلم أحد فإن الضرر سيحيط بمن اقترف الظلم. ألا تـرى مـا يحدث في المحاكم؟ فالمظلومين هم أكثر إشراقا ، ويقفوا للتحدث بكل جرأة، وبفـم خـر، بينما الذين ظلموا يتكلمون منحنين الرأس، بخجل وخوف .

فاصل

تفسير القمص متى المسكين

۲۱:۱۲ «لا يغلبنك الشربل أغلب الشر بالخير» .

في هذه الآية يجمع ق . بولس مضمون كل الآيات من (١٤-٢٠) بل يأتي إلى خلاصة الروح المسيحية. كما أنها توضيح إيجابي للآية (١٩): لا تنتقموا لأنفسكم، أعطوا مكاناً للغضب . فإذا تحرك قلب الإنسان بالغضب، وفكر مجرد فكر بالنقمة ، فقد انغلب للشر مرتين !! مرة للشر في حد ذاته إذ أطاع إيحاءاته الشيطانية في القلب، والمرة الثانية للعدو إذ أراد الله بإساءة العدو إليك يختبر مقدار برك أو صدق أمانتك الله ، فإن أنت بادلت الشر بالشر أو حاولت النقمة لنفسك أو حتى الغضب، فستكون قد سقطت مغلوباً للعدو إذ صرت مثله أو ربما أكثر. هنا يكون خذلان الإنسان المسيحي للمسيح والنعمة مضاعفاً في الداخل وفي الخارج، إذ يكون قد انغلب من الداخل ومن أن الخارج أيضاً .

فالآن مطلوب من المسيحي التحرك على مستويين معا :
أولا : المـسـتـوى الـداخلي بأن لا ينغلب لروح الشر فيستغيث بالمسيح وبنعمته للنجاة ليبقى في قلبه متمسكاً بالصلاح والتقوى ، لا يحيد عن روح المسيح ومشورة النعمة ولا إلى لحظة واحدة ، هذه أخـطـر مـراحـل الـوقـوف أمام الأعـداء ، حيث لا يهتز القلب في الداخل هرة واحدة نحو الشر أو ينحرف الفكر بالرديء ولا حتى قيد شعرة ؛ بل يبقى في الداخل متمسكاً بالكمال المسيحي وتسليم الحياة لمن له الحياة وتقبل الإساءة بالدعاء ، باستعداد قبول المزيد منها حتى الموت ، طالما هو في يد الله .

ثانياً : أن يبقى الفكر مع القلب في حالة سلام مع شخص العدو، فلا يسمح أن تكون صورة الـعـدو أمامه أو في مخـيـلـتـه كعدو، بل كإنسان مجرد إنسان أرسله الله ليختبر مدى صبره، ومدى احتماله ، ومدى اتساع قلبه ، ومدى خضوعه لوصية المسيح : « أحبوا أعداء كم » (مت5: 44 ). هنا يكون الصراخ نحو الله أن يعطي القوة على إتمام الوصية حسب إرادة الله . فإرادة الله لا يستطيع أن يكملها إلا الله. ومحبة العدو وتقبله كصديق أمر لا يدخل في قاموس البشر ولا يدركه إنسان ولا يـقـوى على تـنـفـيـذه كل ذي لحم ودم . واحد فقط في كل السماء والأرض من له القدرة ليس على حب أعدائه وقبوله لهم أصدقاء وأخصاء بل وأن يذبح لأجلهم على الصليب ، هو يسوع المسيح ، ومن غير المسيح يـسـتـحـيـل لإنسان أن يحب عدوه أو يقبله كصديق . إنها قوة تعادل قوة الصليب أي صـاحـب الـوصـية نفسه ـ الذي أكملها لنا كنموذج ـ هو وحده يعطي سر تنفيذ وصيته ومفتاحها السري في يده. لذلك فالمسيحي يقف أمام عدوه متسلحاً بحضور المسيح ، وليس بأقل من ذلك ، حتى يتواجه مع الشر وهو باستعداد حسبانه كصديق .

هذه هي الغلبة بالمسيح على الشر في الداخل والخارج . ومن ذا الذي يغلب الشر في الداخل وفي الخارج إلا الذي تمسك بالمسيح حتى الموت، وملك الخير على زمام قلبه وفكره وكل حواسه . لذلك ، فإن قـيـام الأعداء في وجه المؤمنين هو محك الإخلاص في اتباع الرب يسوع ، وامتحان عسير لمدى تأصل الإنسان في الـبـر والـتـقـوى والحياة الدائمة في حضرة الله ، هو اختبار مدى فعالية النعمة ووجودها، ومدى تمشك الإنسان بقلبه وفكره باسم الرب يسوع في كل وقت . ثم أليس بسبب يـقـول الـرب إنه : « بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله » (أع ١٤ : ٢٢)؟ علماً بأن كلمة «ينبغي» هي ترجمة ضعيفة، والترجمة الصحيحة هي «يتحتم» = (must ) !! أي أن التجارب في نظر المسيح أساسية في حياة المسيحي حتى يمتحن إيمانه بالنار وتختبر قوة تمسكه بالبر والخير والحب من نحو جميع الناس .

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

يوصينا الرسول: “لا يغلبنك الشر، بل اغلب الشر بالخير” [21]، فإن كان الشر يجعل الإنسان ضعيفًا فلا تقابل الضعيف بالضعف، إنما قابله باتساع القلب في نضوج الحب. وكما يقول الأب يوسف: [بلطفنا نقهر غضبهم…. الإنسان الضعيف لا يقدر أن يعين الضعيف، ولا من يعاني أمرًا يقدر أن يشفي عليلاً مثله. أما من كان غير خاضع للضعف، فهذا يستطيع أن يقدم علاجًا للضعيف.]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (21): “لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ.”

هذا لا يستطيعه إلاّ كل من تمسك بالمسيح، ويستطيع أن يقول لي الحياة هي المسيح. إغلب الشر بالخير= بالصبر والاحتمال والإحسان للمسيء. عمومًا كل ما يطالب به الرسول في هذا الإصحاح يسهل على من له الطبيعة الجديدة فصارت أعضاؤه آلات بر.

فاصل

تفسير د/ موريس تاوضروس

لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير

يجب أن لا تنغلب من الشر بمعني أنك يجب أن لا ترد الشـر بالشـر ، بل عليك أن تغلب الشر بما تفعله من الخير ( انظر مت 5: 39) .

هذه هي الـواجـبـات التي علي كل واحـد من المؤمنين كعضو في الكنيسة التي هي جسد المسيح ، أن يحفظها وأن يتممها ازاء غيره من الأعضاء .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى