مت3: 16-17 …هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت

 

“16فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، 17وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلاً:« هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ». (مت3: 16-17)

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه.

ولكن يوحنا منعه قائلًا:

أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ.

فأجاب يسوع وقال له: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمِّل كل برّ.

حينئذ سمح له.

فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء.

وإذ السماوات قد انفتحت له،

فرأى روح الله نازلًا مثل حمامة وآتيًا عليه.

وصوت من السماوات، قائلًا:

هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” [13-17].

تحتفل الكنيسة بعيد عماد المسيح بكونه عيد الظهور الإلهي، حيث أعلن الثالوث القدّوس ذاته فيه. فإن كان عند نهر الأردن جاء كثيرون معترفين بخطاياهم، فإنه بدخول السيّد إلى المياه انكشفت حقيقته أنه أحد الثالوث القدّوس. دخل بين الخطاة لينكشف، فندرك أسراره، لا لمجرّد المعرفة العقليّة، وإنما لنختبر عمله الفائق فينا.

يتحدّث القديس أغسطينوس عن ظهور الثالوث القدّوس في العماد، قائلًا: [بجوار نهر الأردن ننظر ونتأمّل كما في منظر إلهي موضوع أمامنا. لقد أعلن لنا إلهنا نفسه بكونه الثالوث. جاء يسوع اعتمد بواسطة يوحنا، الرب بواسطة العبد، مثالًا للتواضع. أظهر لنا في تواضع أن المحبّة قد كملت. وعندما قال له يوحنا: “أنا محتاج أن اعتمد منك، وأنت تأتي إليّ. أجاب: اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برّ” [14-15].

عندما انفتحت السماوات ونزل الروح القدس في شكل حمامة، تبعه صوت من السماء، قائلًا: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت” [17]. إذن هنا أمامنا الثالوث متمايزًا، الواحد عن الآخر: الآب في الصوت، الابن في الإنسان، والروح القدس في شكل حمامة. إنهم الله الواحد، ومع ذلك فإن الابن غير الآب، والآب غير الابن، والروح القدس ليس بالآب ولا بالابن. نحن نعلم أن هذا الثالوث الذي لا يُنطق به، يسكن في ذاته، يجدّد الكل، يخلق، يدعو، يدين ويخلّص، هذا الثالوث هو كما نعلم لا يُنطق به وغير منفصل[122].

نستطيع أن ندرك مدى اهتمام الكنيسة بالمعموديّة من كلمات القديس جيروم: [لم يكرز المخلّص نفسه بملكوت السماوات إلاّ بعد تقديسه الأردن بتغطيسه في العماد[123].]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

الآيات (16-17): “فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وأتيًا عليه. وصوت من السماوات قائلًا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.”

صَعِدَ = إذاً هو كان نازلاً في الماء. لذلك فالمعمودية بالتغطيس وفي يوم عيد الغطاس، يوم عماد المسيح تحتفل الكنيسة أيضاً بعيد الظهور الإلهي، إذ ظهر هنا بوضوح الثلاثة الأقانيم. صوت الآب في السماء والابن الإنسان في الماء والروح القدس في شكل حمامة. هنا نرى التمايز في الثالوث، الواحد عن الآخر، ولكنهم هم الله الواحد.

والمسيح حل عليه الروح القدس في شكل حمامة كاملة (حمامة رمز السلام والطهارة والوداعة والبراءة والبساطة وهذه ثمار يعطيها الروح لمن يحل عليه). وهي كاملة رمز لحلول الروح القدس بالكامل على المسيح. أما التلاميذ فحل عليهم على قدر ما يحتملون، ألسنة نار منقسمة. والروح حل على التلاميذ على شكل نار ليطهرهم، أما المسيح الذي بلا خطية لم يحتاج لشكل النار: 1) هو لا يحتاج لنار تحرق خطاياه؛ 2)التلاميذ لايحتملون كبشر الا لمواهب وعطايا الروح. ومعنى الألسنة المنقسمة = أن كل منهم أخذ بقدر احتياجه وبقدر احتماله؛ 3) أما المسيح فحل الروح عليه علي شكل الحمامة وتعنى الروح كاملا، فالروح إنسكب على المسيح رأس الكنيسة لحسابها أي لينسكب على الكنيسة بعد ذلك = كالطيب ينزل على الرأس ثم على اللحية أي الكنيسة جسد المسيح (مز 133). [اللحية شعر كثير يلتصق بالرأس كما يلتصق المؤمنين برأس الكنيسة المسيح].

وحلول الروح القدس على المسيح كان لتكريسه وإعداد جسده ليقدم ذبيحة نفسه، كما كان رئيس الكهنة يُمسح بالزيت ليقدم ذبائح. وصوت الآب من السماء تكرر يوم التجلي (مت5:17) وأيضاً في (يو28:12).

انْفَتَحَتْ لَهُ = يوحنا المعمدان رأى الحمامة نازلة على المسيح وعرف أن هذا هو الروح وقد إستقر على المسيح (يو31:1-34) . والسماء تنفتح الآن بعد أن كانت قد أغلقت أمام البشرية ومن أيام نوح فالحمامة رمز للسلام وزوال السخط وانتهاء زمن سلطان الخطية.

والحمامة مشهورة دائما أنها تعود لبيتها (حمامة نوح/الحمام الزاجل). وعمل الروح القدس هو دفع الكنيسة للإتحاد بالمسيح، والمسيح يحملها كعروس له إلى حضن الآب بإتحاده بها. وكلمة بساطة وهي صفة الحمام مترجمة SINGLE HEARTED، في الترجمة الإنجليزية. أي يكون الإنسان له هدف واحد بقلبه، متجه دائماً للمسيح. وهذا هو عمل الروح القدس فينا: إذ أننا كلما نخطئ يبكتنا الروح القدس ويعيننا حتى نعود للثبات في المسيح. لذلك نقول الحمامة رمز البساطة “كونوا بسطاء كالحمام” (مت16:10). ومن يفعل أي يكون قلبه دائما لا هدف له سوى مجد الله، يثبت في المسيح ويُحسب كاملاً (كو1: 28) وهذا معنى “إفتحى لي يا أختى ياحبيبتى يا حمامتى يا كاملتى” (نش2:5).

لذلك فالروح القدس بتبكيته ومعونته يجعلنا دائماً في حالة رجوع دائم للمسيح “إرجعى إرجعى يا شولميث” (نش13:6). والروح يثبتنا في المسيح في المعمودية (2كو1: 21، 22)، وإن أخطأنا يبكتنا لنتوب ويعيننا فنعود للمسيح ويثبتنا فيه.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى