نش 1:5 قد دخلت جنتي يا أختي العروس قطفت مري مع طيبي

 

 
 قَدْ دَخَلْتُ جَنَّتِي يَا أُخْتِي ٱلْعَرُوسُ. قَطَفْتُ مُرِّي مَعَ طِيبِي. أَكَلْتُ شَهْدِي مَعَ عَسَلِي. شَرِبْتُ خَمْرِي مَعَ لَبَنِي.
 
كُلُوا أَيُّهَا ٱلْأَصْحَابُ. ٱشْرَبُوا وَٱسْكَرُوا أَيُّهَا ٱلْأَحِبَّاءُ. (نش 1:5)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

ما أن دعت الكنيسة عريسها للنزول إليها ليأكل من جنته التي في داخلها، المملوءة من أغراس روحه القدوس، والمرتويه من ينبوع المعمودية المقدس، حتى استجاب لدعوتها فورًا بغير تردد، قائلًا:

“قَدْ نَزلّت إِلى جَنَّتِي يَا أُخْتِي الْعَرُوسُ،

قَطَفْتُ مُرِّي مَعَ أطِايبِي،

أَكَلْتُ شَهْدِي (خبزي) [143] مَعَ عَسَلِي،

شَرِبْتُ خَمْرِي مَعَ لَبَنِي،

كُلُوا أَيُّهَا الأَصْحَابُ، اشْرَبُوا، وَاسْكَرُوا أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ” [١].

لقد أسرع بالنزول إلى جنته بغير تردد، لأن الدعوة هنا جاءت مطابقة لمشيئته، فوجدت استجابة سريعة في عيني الله. لقد دعته للنزول إلى جنته، التي يشتهي أن ينزل إليها على الدوام. فإن كان الرب منذ الأزل قد أعد أحداث الخلاص حتى صارت موضوع لذته وسروره بالرغم مما حملته من خزي وآلام وموت كقول الرسول بولس: “من أجل السرور الموضوع أمامه أحتمل الصليب مستهينًا بالخزي” (عب ١٢: 3)، فإن عروسه تدعوه أن ينزل إلى ذات البستان الذي دخله ليلة آلامه، وإلى ذاك الذي فيه وضع جسده في القبر. تدعوه أن يراها وهي تكمل نقائص شدائده في جسمها (كو ١: ٢٤)، أي تشاركه آلامه وصلبه ودفنه، لهذا لا يتردد الرب في قوله: “قطفت مُرّي مع أطيابي”… وكأن أحداث الخلاص صارت حية وممتدة في حياة أولاده!

ويرى الأب روفينوس[144] أن الجنة هنا ليست إلاَّ الموضع الذي صلب فيه الرب، حيث يعلن الحكيم أن العريس يشرب الخمر ممتزجًا بالمرّ، الذي قُدم للرب في لحظات صلبه.

لقد قبل الرب الدعوة فورًا إذ وجد كل ما للعروس إنما يخصه، فلقبها هو جنته، وهي أخته وعروسه، وفي داخلها وجد مرّ وأطيابه وشهده وعسله وخمره ولبنه. وجد ثمار روحه القدوس في داخلها فأسرع إليها، ولم يجد في داخلها أجرة إثم أو أجرة زانية أو غير ذلك من الأمور التي لا يقبلها إذ يقول: “لا تدخل أجرة زانية ولا ثمن كلب إلى بيت الرب إلهك عن نذر ما لأنهما كليهما رجس لدى الرب إلهك” (تث ٢٣: ١٨).

قبل أن يشرح القديس غريغوريوس أسقف نيصص ما بداخل الجنة، تساءل:

“من هو هذا الذي تدعوه للوليمة التي أعدتها”

إنه ذاك الذي منه وبه كل شيء كائن (1 كو ١: ١٧)، الذي يُعطي عونًا لكلأحد في حين حسن (لو ١٢: ٤٣)، الذي يفتح يده فيشبع كل حيّ بالبركة (مز ١٤٤: ١٦)، الذي ينزل بكونه الخبز السماوي (يو ٦: ١٤)، واهبًا الحياة للعالم، يسكب من عنده وحده حياة على كل الخليقة.

هذا هو الذي أعدت له العروس مائدتها، أما المائدة فهي جنة مغروسة أشجار حية. وأما الأشجار فهي نحن، والثمر الذي نقدمه هو نفوسنا، وذلك كقوله عندما أخذ كمال ناسوتيتنا: “طعامي أن أعمل مشيئة أبي” (يو ٤: ٣٤). أما غاية إرادته الإلهية فواضحة، إذ يُريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون (١ تي ٢: ٤).

إذن، الطعام المعد هو خلاصنا، والثمر هو إرادتنا الحرة التي تقدم لله “نفوسنا”، كأنها ثمر يُجنى من الغصن.

يليق بنا أيضًا أن نتأمل العروس التي تمتعت قبلًا بثمر التفاح، قائلة: “ثمرته حلوة لحلقي” (نش ٢: ٣)، أما الآن فقد صارت هي نفسها حلوة، صارت ثمرة ناضجة تُقدم للكرام ينعم بها.

أما العبارة “لينزل حبيبي” [١]، فهي مثابة طلب في تعبيره يماثل الصلاة: “ليتقدس أسمك” و “لتكن مشيئتك”. فكما أن تكوين هاتين العبارتين يحمل صلاة هكذا تصلي العروس قائلة: “لينزل (خليلي)” معلنة لله فيض ثمر كمالها.

نزوله يستلزم عمل محبته الإلهية، إذ لا نقدر نحن أن نرتفع إلى العلي ما لم يقف الرب عند المتواضعين ويرفع الودعاء (مز ١٤٦ (١٤٧): ٦). 

فلكي ترتفع النفس إلى السماء تطلب عون الله العالي، متوسلة إليه أن ينزل من عظمته، ويتحد بنا هنا نحن الذين أسفل.

لقد جاءت الإجابة خلال النبي هكذا: “حينئذ تدعو… فيقول هأنذا” (إش ٥٨: ٩)، بل وقبلما ترفع العروس صلاتها يسمع طلبتها ويصغي إلى استعداد قلبها (مز ١٠: ١٧ الترجمة السبعينية).

إنه يأتي إلى جنته… ويقطف أطيابها المملوءة من ثمر فضائلها، عندئذ يتحدث عن تمتعه بالوليمة وتلذذه بها قائلًا: لعروسه: “قد نزلت إلى جنتي يا أختي العروس…”.

القديس غريغوريوس أسقف نيصص

إنه ينزل إلى القلب ويسكن فيه ويستريح، يقطف مُرّه مع أطيابه… أي يجني ثمار الصليب (المرّ) مع بركات قبره المقدس (الأطياب). يرى كأس مرّنا إنما هو كأسه، والأطياب التي نكفن نحن بها إنما هي أطياب تكفينه… يرانا حاملين صليبه ومدفونين معه عن العالم.

في داخلنا يأكل شهده وعسله، وكأنه قد دخل أرض الموعد التي تفيض لبنًا وعسلًا. يأكل ذات النوعين من الطعام “الشهد والعسل” اللذين أكل منهما مع تلاميذه بعد قيامته مبرهنًا بطرق كثيرة أنه حيّ قائم من الأموات يبقى عاملًا وسط كنيسته.

يجد كل ما في قلبنا حلو وشهي كالشهد والعسل.

يشرب أيضًا خمره أي حبه الذي سكبه فينا بروحه القدوس، مع لبنه غير الغاش أي النقاوة والطهارة…

عندئذ يدعو أصحابه وأحباءه أن يدخلوا معه جنته الخاصة لكي يشبعوا ويفرحوا بعروسه، فمن هم هؤلاء الأصحاب والأحباء؟ إنهم السمائيون الذين يفرحون بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى توبة (لو ١٥: ٧). هؤلاء يدخلون مع الرب القلب لا ليملكوا بل كجند الملك السماوي، أصدقاء العريس، قائلين مع القديس يوحنا المعمدان: “من له العروس فهو العريس، وأما صديق العريس الذي يقف ويسمعه فيفرح فرحًا من أجل صوت العريس” (يو ٣: ٢٩).

فيما يلي مقتطفات من أقوال الآباء عن هؤلاء الأصدقاء وعملهم في القلب:

* القلب هو قصر المسيح، فيه يدخل الملك لكي يستريح، ومعه الملائكة وأرواح القديسين، هناك يقطن ويتمشى وفي داخله يقيم مملكته!

القديس مقاريوس الكبير

* إنه لا يقف بمفرده بل يذهب قدامه الملائكة قائلين: “ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم” أية أبواب هذه؟ تلك التي يترنم بها المرتل في موضع آخر قائلًا: “افتحوا ليّ أبواب البرّ” (مز ١٩: ١).

إذن افتحوا أبوابكم للمسيح كي يدخل فيكم،

افتحوا أبواب الطهارة، أبواب الشجاعة، أبواب الحكمة.

صدقوا رسالة الملائكة: ارفعوا أبوابكم الدهرية ليدخل ملك المجد، رب الصباؤوت (الجنود).

القديس أمبروسيوس

إذن لنفتح القلب لله وملائكته، ليكون في داخلنا فرح سماوي.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (1): “قد دخلت جنتي يا أختي العروس قطفت مري مع طيبي أكلت شهدي مع عسلي شربت خمري مع لبني كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحباء.”
في آخر الإصحاح السابق دعت العروس عريسها ليأتي إلى جنته وها هو قد استجاب فوراً ونزل إلها فهو يشتهي هذا. مرى مع طيبي= المر يشير للصليب أما الطيب فيشير للدفن في القبر وكأن أحداث الخلاص ممتدة في حياة عروسه، فهو يرى أن كأس المر الذي تشربه إنما هو كأسه. أكلت شهدي مع عسلي= كأنه دخل أرض الميعاد ووجد في عروسه راحته، فهي أرض الميعاد بالنسبة له، كل ما فيها حلو. شربت خمري مع لبني= الخمر هو خمر الحب واللبن هو لبن الإيمان البسيط عديم الرياء (2تي5:1). وهذا الإيمان ناشئ من تعاليم صحيحة شربناها من كلمة الله. كلوا أيها الأصحاب= ه السمائيين “يصير فرح في السماء بخاطئ يتوب”.

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى