يو٢: ١٣ وكان فصح اليهود قريبًا فصعد يسوع إلى أورشليم

 

12وَبَعْدَ هذَا انْحَدَرَ إِلَى كَفْرِنَاحُومَ، هُوَ وَأُمُّهُ وَإِخْوَتُهُ وَتَلاَمِيذُهُ، وَأَقَامُوا هُنَاكَ أَيَّامًا لَيْسَتْ كَثِيرَةً 13وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيبًا، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، 14وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَرًا وَغَنَمًا وَحَمَامًا، وَالصَّيَارِفَ جُلُوسًا. 15فَصَنَعَ سَوْطًا[2] مِنْ حِبَال وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ، اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ، وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. 16وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ:«ارْفَعُوا هذِهِ مِنْ ههُنَا! لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ!». 17فَتَذَكَّرَ تَلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ:«غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي». (يو2: 12-17)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“وكان فصح اليهود قريبًا

فصعد يسوع إلى أورشليم”. (13)

هذا هو الفصح الأول بعد عماد السيد المسيح، الثاني ورد في لو ٦: ١، والثالث في يو ٦: ٤، والرابع الذي صلب فيه السيد المسيح (يو ١١: ٥٥).

“ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرًا وغنمًا وحمامًا والصيارف جلوسًا”. (14)

يتساءل العلامة أوريجينوس عن إضافة “اليهود” إلى “الفصح”، فهل يوجد احتفال بفصح آخر غير فصح اليهود؟ ويجيب أنه ربما كان البعض يحتفلون بالفصح حسب فكرهم البشري، وليس حسب الفكر الكتابي الإلهي، لهذا دعاه “فصح اليهود“. جاء في سفر الخروج: “إنه فصح للرب” (خر ١٢: ١١)، ولم يقل “إنه فصحكم” في أي موضع. عندما يعلن الله عن رفضه للشعب ينسب الأصوام والأعياد إليهم لا إليه. وكما جاء في سفر إشعياء النبي: “رؤوس شهوركم وأعيادكم بغضتها نفسي، صارت عليّ ثقلاً، مللت حملها” (إش ١: ١٤).

v كما أنه عندما يخطئ شعب الله (لا يُنسبون لله) هكذا الأعياد عندما تبغضها نفس الرب تُحسب أعياد الخطاة، وأما عندما يعدها الرب فتُدعى أعياد الرب. الآن فإن الفصح هو أحد الأعياد. جاء في نص الإنجيل الذي أمامنا أنه ليس للرب بل فصح اليهود. بينما جاء في موضع آخر من الكتاب المقدس: “مواسم (أعياد) الرب” التي فيها تنادون محافل مقدسة هذه هي مواسمي (لا ٢٣: ٢).

العلامة أوريجينوس

أورد الازائيون هذا الحدث في الأسبوع الأخير من حياة السيد المسيح على الأرض حين صعد إلى أورشليم، مما عجّل بالأحداث ليُحاكم ويصلب. فقد حسبه القادة في الهيكل إهانة لهم وللهيكل المقدس. أما القديس يوحنا فجعل هذا الحدث في بداية رسالة ربنا يسوع العامة ليؤكد لهم أنه هو الهيكل الجديد الذي يحتل مركز الهيكل القديم، وأنه الذبيحة الفريدة التي تحتل مركز الذبائح الدموية الحيوانية، لذا طرد البقر والغنم مع الباعة. ويرى كثير من الدارسين أن السيد المسيح قام بتطهير الهيكل مرتين: المرة الأولى في الفصح الأول من بدء خدمته كما ورد هنا في إنجيل يوحنا. والمرة الثانية في الفصح الأخير أو الرابع الذي فيه صلب السيد المسيح(مت ١٢:١٢؛ مر ١١: ١٥؛ لو ١٩: ٤٥). وكأن تطهير بيت الرب هو عمل المسيح الأول والأخير، لذلك بدأ خدمته في الهيكل وأنهاها به. وقد سبق أن تنبأ ملاخي النبي عن هذا العمل (ملا ٣: ٢- ٣).

وجد السيد سوقًا في إحدى مباني الهيكل يدعى دار الأمم. كانوا يبيعون فيه الثيران والغنم والحمام لتقديم ذبائح. وكان هذا الموضع بجوار بركة بيت حسدا (يو ٥: ٢). استخدمها رؤساء الكهنة ومن معهم من أجل الربح المادي، حيث تقدم شهادات بأن الذبيحة بلا عيب مقابل دفع رسم معين. وهكذا أفسدت محبة المال نقاوة العبادة (١ تي ٦: ٥، ١٠). كما وجدت المصارف لبيع شواقل الذهب الخاصة بالهيكل لتقديمها.

بلا شك رأى السيد المسيح هذا المنظر قبلاً حين كان يأتي إلى الهيكل، خاصة حين حاور المعلمين وهو في الثانية عشر من عمره، لكنه لم يقم بتطهير الهيكل إلا بعد أن بدأ خدمته العلنية. كما لم يشكوا الأمر إلى رؤساء الكهنة إذ يعلم أن ما يحدث هو بسماحٍ منهم أو بتشجيعهم.

باعة الغنم هم الذين يحوّلون خلاص المسيح، حمل اللَّه، إلى تجارة، فيقتنون أمرًا زمنيًا عوض الخلاص الأبدي، ويطلبون ما هو أرضي عوض السماوي.

v حقًا يقول اللَّه عنهم: “رعاة كثيرون أفسدوا كرمي، داسوا نصيبي، جعلوا نصيبي المشتهى برية خربة، جعلوه خرابًا” (إر10:12-11). لأنه حقًا قد فسد كرم الرب، إذ قد تعلموا أن يدوسوا على العبادة الإلهية نفسها، وعن طريق الحبالدنيء للربح عند أولئك الذين أقيموا عليه فإن (الكرم) تُرك عاريًا لكل جهالة.

القديس كيرلس الكبير

v من هم الذين يبيعون الغنم والحمام؟

هؤلاء الذين يطلبون ما لذواتهم في الكنيسة لا ما للمسيح. يحسبون كل شيء موضوع بيع بينما لا يخلصون. إنهم لا يطلبون أن يُشتروا بل يطلبوا أن يبيعوا. نعم كان الأفضل لهم أن يخلصوا بدم المسيح، ويأتوا إلى سلام المسيح. الآن ما المنفعة أن يطلبوا في هذا العالم أمرًا مؤقتًا زائلاً أيّا كان هذا الأمر، سواء مالاً أو لذة طعام، أو كرامة تنبع عن مديح الناس؟ أليس هذا كله ريحًا ودخانًا؟ ألا يعبر هذا كله ويهرب؟… من يطلب هذه الأمور يا اخوتي إنما يبيعون.

القديس أغسطينوس

يرى القديس أغسطينوس أن الثيران تشير إلى الرسل (1 كو 9:9-10)، فمن يتاجر في الثيران إنما كمن يرتبط بالرسول دون صاحبه (السيد المسيح)، لهذا وبّخ القديس بولس أهل كورنثوس قائلاً: “ألعل بولس صلب لأجلكم؟ أم باسم بولس اعتمدتم؟” (1 كو 1: 13). “أنا غرست وأبولس سقى، لكن اللَّه كان يُنمي” (1كو3: 6-7). [ليقول الراغبون في سلام خادمه: ليتمجد الرب!].

الذين يتاجرون في الثيران هم الذين يقدمون تعليم الكلمة كمن يحرث في حقل المسيح، لا للتمتع بثمر الروح، وإنما لأجل منفعة زمنية. هؤلاء يقول عنهم الرسول بولس: “عن تحزب ينادون بالمسيح لا عن إخلاص” (في 1: 16).

الذين يتاجرون في الأغنام هم الذين يقدمون أعمال الرحمة (الملابس الصوفية واللحوم) من أجل المديح الزمني، هؤلاء الذين يأخذون أجرهم في العالم (مت 6: 5).

والذين يبيعون الحمام هم الذين يسيئون استخدام مواهب الروح القدس الذي ظهر على شكل حمامة، مثل السيمونية في سيامة الكهنوت. فقد أراد سيمون أن يقتني بالفضة مواهب الروح القدس لكي يبيعها، فينال مكاسب مادية أو كرامات زمنية عوض العمل الروحي (أع 8: 19-20).

v إنه لا يسمح لعبيد المال أن يكونوا في هيكله، ولا لمن يبيعوا الكراسي. ما هي هذه الكراسي إلا الكرامات؟ ما هو الحمام إلا البسطاء في الذهن والنفوس الذين يتبعون إيمانًا واضحًا؟ هل أُحضر إلى هيكله من يغلق المسيح الباب في وجهه، إذ من يبيع الكرامات والمناصب يلزم أن يُؤمر بالخروج. يلزم الأمر بالخروج لمن يبيع أصحاب العقول البسيطة من المؤمنين.

القديس أمبروسيوس

v يشير البقر إلى الأمور الزمنية، إذ تعمل (في حرث) الأرض. ويرمز الغنم إلى الأمور البهيمية غير العاقلة حيث أن الغنم أكثر الحيوانات غير العاقلة المُستعبدة. ويرمز الحمام إلى عدم ثبات الأفكار وبطلانها، والعملات تشير إلى ما نظنه أمورًا صالحة.

v يلزم نزع هذه الأمور البهيمية والتجارية عن هذا الهيكل الذي هو جسد المسيح، فلا يكون بعد بيت تجارة.

v أيضًا يلزم أن يُنقض هذا الهيكل بواسطة أولئك الذين يخططون ضد كلمة الله، وبعد نقضه يقوم في اليوم الثالث … كل شخص أيضًا إذ يطهره يسوع ينزع الأمور البهيمية والارتباك بالتجارة سيتحطم بسبب غيرة الكلمة التي فيه، ويقوم في اليوم الثالث بواسطة يسوع …. يُقام بناء الهيكل في اليوم الأول بعد نقضه، وفي اليوم الثاني، ويتم البناء في كمال الثلاثة أيام حيث تتحقق القيامة وستكون قيامة إن كنا ندفن مع المسيح ونقوم معه (رو ٦: ٤).

العلامة أوريجينوس

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

13:2 -14 وَكَانَ فِصْحُ الْيَهُودِ قَرِيباً فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً وَالصَّيَارِفَ جُلُوساً.

فصح اليهود: ليس تبرؤاً من اليهود وليس امتهاناً لفصحهم كتب القديس يوحنا «فصح اليهود» ولكن أولاً لتميزه عن الفصح المسيحي, لأنه يكتب في وقت كان قد استتب فيه التعييد للفصح في الكنيسة. وقد ظل القديس يوحنا هو الوحيد من أساقفة كراسي المسكونة آنئذ الذي يعيده في زمانه المحدد, أي الرابع عشر من شهر نيسان، لأن صوت المعمدان الصارخ أن هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية العالم لم يفارق أذني القديس يوحنا، وكأن الرابع عشر من نيسان خُلق من أجل حمل الله وليس من أجل ذبيحة إسرائيل, وقد انعقد لواء تعيين زمان الفصح في العالم بعدئذ على كرسي الإسكندرية كل سنة بمنشور يوزعه على كراسي العالم.
«فصعد يسوع إلى أورشليم»: لم تكن بطبيعة الحال هذه أول زيارة له لأورشليم، فقد اعتاد دخولها والحياة فيها منذ أن كان صبياً, وكان يظن أن له أقرباء في أورشليم ومنزلاً ينزلون فيه. ولكن هنا هي الزيارة الاولى التي يدخلها كمن يفتقد مدينته وشعبه الخاص، دخلها وهو يحمل على كتفيه الرئاسة ومسئوليتها، لا بقصد القصاص والمحاكمة كما يتهيأ من النصوص، ولكن كمن يريد أن يجمح أولاده في حضه: «يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها, كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا.» (مت37:23)
‏وواضح من النص بعد ذلك أنه أخذ يجول في المدينة ويصنع آيات، إذ في الآية (23‏) بعد ذلك يقول الكتاب: «ولما كان في أورشليم فى عيد الفصح أمن كثيرون باسمه، إذ رأوا الآيات التي صنع». فهي كانت زيارة تاريخية نبوية ظهر فيها المسيح باعتباره المسيا، رآها الأباء والأنبياء من خلف حُجب الزمان وحيوها، وبفارغ الصبر ترقبها البنون: «لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب» (إش3:2‏). أما بقية الأية فهي من صميم اختصامنا نحن الأمم: «فيقضي بين الأمم ويُنصف لشعوب كثيرين» (إش4:2). أما البقية الأخيرة من الآية فتخص أولادنا والأتين من بعدنا: «فيطبعون سيوفهم محاريث ورماحهم مناجل. لا ترفع أمة على أمة سيفاً, ولا يتعلمون الحرب فيما بعد»!!
ويلزمنا هنا أن نقف وقفة قصيرة لكي نوضح أن حادثة تطهير الهيكل ذكرها الإنجيليون الثلاثة في نهاية خدمة المسيح. أما هنا في إنجيل يوحنا فتذكر في بداية خدمته. وهذا الإختلاف ‏ظاهري, بالرغم من أنه دوخ العلماء وقسمهم على بعض بين من يتشيع للتطهير في نهاية الخدمة ومن يتشيع له في بداية الخدمة، وكأنما هناك خلل في الأناجيل. ولكن لو تمعنا الأسباب، لبطل الخلاف. فالأناجيل الثلاثة اكتفت بخدمة المسيح في الجليل، ولم تذكر للمسيح زيارة أورشليم ودخوله الهيكل إلا مرة واحدة التي ذهب إليها وصٌلب فظهر لأول وهلة في الأذهان أن زيارة أورشليم مربوطة بزيارة تطهير الهيكل, مربوطة بصلب الرب، ثم ترسخ في الأذهان صورته في الهيكل كمسيا الدينونة. ولكن يأتي إنجيل القديس يوحنا ويضيف على التقليد الرسولي تقليدا رسولياً آخر يكشف عن خدمة الرب في أورشليم واليهودية قبل خدمة الجليل وبعد خدمة الجليل، ويحدد زيارات الرب لاورشليم والهيكل في زيارته المبكرة الاولى، فظهر للأذهان أن زيارته لاورشليم وتطهيره للهيكل في بداية الخدمة مربوطة باستعلان ذاته وبداية عمل رسالته للتطهير والإصلاح. فظهر بصورة مسيا التطهير, السيد الذي جاء إلى هيكله فجأة.
‏ولقد أراحت الكنائس التقليدية نفسها وقبلت بالزيارتين, إلا أن الكنيسة الكاثوليكية اقتنعت أخيراً أنها زيارة واحدة ولكن لم تحددها.
«ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً والصيارف جلوساً»:
الهيكل: ‏يلزم للقارىء أن يفرق بين الهيكل، ككل، الذي يأتي في اليوناني باسم ( ) وهو يحتوي على الأروقة, وأولها ناحية الخارج هو رواق الأمم، وله حاجز يمنح الدخول إلى الداخل ومكتوب عليه بكل اللغات تحذير بالموت للمخالف! أما الجزء الداخلي المخصص للعبادة والصلاة فيسمى ناووس ( ‏). ولكن للأسف يأتي الاسمان في اللغة العربية باسم «الهيكل»، وهذا يهين التعبير اللاهوتي أن جسد المسيح هو الهيكل الحقيقي المخصص للعبادة كما يجيء في الآية (23‏) بعد ذلك. لأن الهيكل المقدس ( ) الداخلي هو الذي قيل عنه أنه هو الذي يمثل جسد الرب، وبالتال كياننا نحن في المسيح .
‏وهكذا يلاحظ القارىء أن المسيح في الأية (13) يدخل الهيكل ( ) ويطرد الباعة، وفي الأية (23‏) يقول انقضوا هذا الهيكل ( ). ولأن الفارق بينهما كبير للذي يتحسس المعاني ويتعمقها، نقدم للقارىء أيضاً المواضع التي أتت فيها كلمة «هيكل» بمعنى «الأروقة» والمواضح التي جاءت فيها كلمة «الهكل» بمعنى «القدس المقدس» ليتذوق الفارق بينهما في مواضعه:
«الهيكل» بمعنى «الاروقه» ( )
«ثم أخذه إبليس وأوقفه على جناح الهيكل». (مت1:4)
«ولكن أقول لكم إن ههنا أعظم من الهيكل». (مت 6:12)
«ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل». (مت1:24)
«وهي أرملة لا تفارق الهيكل» (لو37:2).
«وجداه (يسوع) في الهيكل وسط المعلمين» . (لو46:2)
«وكان يسوع يتمش في الهيكل في رواق سليمان فاحتاط به اليهود». (يو23:10»
«الهبكل» بمعنى »القدّس المقّدس» ( )
«من حلف بالهيكل فليس بشيء …… الهيكل الذي يقدس الذهب». (مت16:23-17)
«دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه ‏بين الهيكل والمذبح». (مت35:23)
«فطرح الفضة في الهيكل وانصرف وخنق نفسه». (مت5:27)
«وإذا حجاب الهيكل قد انشق» . (ت 51:27)
‏وبهذا نكون قد وصلنا إلى معنى الهيكل الذي دخله يسوع حيث وجد الذين يبيعون ويشترون الذبائح وذلك في رواق الأمم.
ولأول وهلة يتبادر إلى الذهن: ماذا أزعج المسيح من هذا المنظر؟ واضح أن الرواق رواق الأمم الذين يأتون من مشارق الأرض ومغاربها: «بيتي بيت الصلاة يدعى لكل الشعوب» (إش7:56)، لينظروا هيكل يهوه إله اليهود، وربما ليتعلموا شيئاً عن هذه العبادة المقدسة التي ذاع صيتها في العالم كله. ولكن هذا السوق التجاري المكتظ بالحيوانات وروثها وروائحها لم يجعل للهيكل هيبته ولا مكاناً للداخلين من الأمم؛ علمأ بأن رسالة المسيح هي للأمم بالدرجة الاولى ولكن عبر اليهود. وهذه السوق التجارية الضخمة هي التي سمح بها قيافا رئيس الكهنة الرسمي، ولكن كانت تدار لحساب بيت حنان رئيس الكهنة المخلوع.

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

الآيات (13-25): 

  (تطهير الهيكل اليهودي والإشارة إلى هيكل جسده)

الآيات (13-25): “وكان فصح اليهود قريباً فصعد يسوع إلى أورشليم. ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً والصيارف جلوساً فصنع سوطاً من حبال وطرد الجميع من الهيكل الغنم والبقر وكب دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام ارفعوا هذه من ههنا لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة. فتذكر تلاميذه انه مكتوب غيرة بيتك أكلتني. فأجاب اليهود وقالوا له أية آية ترينا حتى تفعل هذا. أجاب يسوع وقال لهم انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه. فقال اليهود في ست وأربعين سنة بني هذا الهيكل أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه. وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه انه قال هذا فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع. ولما كان في أورشليم في عيد الفصح آمن كثيرون باسمه إذ رأوا الآيات التي صنع. لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه لأنه كان يعرف الجميع. ولأنه لم يكن محتاجاً أن يشهد أحد عن الإنسان لأنه علم ما كان في الإنسان.”

المسيح طهر الهيكل مرتين، الأولى هنا في بداية خدمته، والثانية يوم الإثنين من أسبوع الآلام قبل الفصح الأخير [وذلك إظهاراً لسلطته وإعلاناً عن عمله، إذ هو أتى ليطهر ما قد فسد (جسدنا= هيكلنا)]. وهنا نجد مقارنة بين هيكل أورشليم القديم الذي سيهدم لتقوم الكنيسة هيكل جسد المسيح الجديد.

(الآيات 13،14): في (ملا1:3-4) يتنبأ ملاخي عن مجيء المسيح للهيكل ليطهره،لقد حلّ الآن السيد بغتة في هيكله ليطهره. وزكريا يتنبأ عن بناء الهيكل الجديد (12:6،13)

فصح اليهود= لماذا يقول فصح اليهود وهل هناك فصح لأحد غير اليهود؟ هذا إشارة لأن المسيح هو الفصح الجديد. ويوحنا يكتب إنجيله سنة 100م بعد أن إستقر الفصح المسيحي الجديد. وبعد المسيح إنتهى الفصح اليهودي ولم يصبح له معنى وما عاد فصحاً للرب. والمسيح أتى لأورشليم يفتقدها ويصنع فيها آيات (آية23) وبدأ خدمته بتطهير هيكلها فرسالته تطهير البشر وإصلاحهم. (المسيح أتي في الفصح لأورشليم تنفيذاً للناموس.) فصعد إلى أورشليم= لأن أورشليم على جبل. ووجد في الهيكل= أي الرواق الخارجي.

وكان الذين يبيعون ويشترون الأغنام والأبقار، والصيارف الذين يغيرون العملة الأجنبية وعليها صورة قيصر بالشاقل اليهودي الذي بدون أي رسومات ليدفع اليهودي النصف الشاقل الجزية المفروضة عليه. أمّا الأغنام والأبقار فكانت ليقدموا منها ذبائح في الهيكل، ولقد سمح قيافا وحنان بهذه التجارة في الهيكل فكانت أرباحهم منها أرباح ضخمة. بل كان التجار من الكنعانيين وكانوا مشهورين بالغش (هو7:12) وهؤلاء طردهم المسيح (زك21:14) (راجع أش7:56+ أر11:7). وكان يجب أن تكون هناك حيوانات لتقديم ذبائح. ويجب أن يكون هناك صيارف. لكن الموضوع تحول لتجارة ونهب لحساب رؤساء الكهنة وكان هذا عثرة للشعب.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى