يو2: 10 وقال له: كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً…

 

1وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ كَانَ عُرْسٌ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَكَانَتْ أُمُّ يَسُوعَ هُنَاكَ. 2وَدُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ. 3وَلَمَّا فَرَغَتِ الْخَمْرُ، قَالَتْ أُمُّ يَسُوعَ لَهُ:«لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ». 4قَالَ لَهَا يَسُوعُ:«مَا لِي وَلَكِ يَا امْرَأَةُ؟ لَمْ تَأْتِ سَاعَتِي بَعْدُ». 5قَالَتْ أُمُّهُ لِلْخُدَّامِ:«مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ». 6وَكَانَتْ سِتَّةُ أَجْرَانٍ مِنْ حِجَارَةٍ مَوْضُوعَةً هُنَاكَ، حَسَبَ تَطْهِيرِ الْيَهُودِ، يَسَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِطْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. 7قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«امْلأُوا الأَجْرَانَ مَاءً». فَمَلأُوهَا إِلَى فَوْقُ. 8ثُمَّ قَالَ لَهُمُ:«اسْتَقُوا الآنَ وَقَدِّمُوا إِلَى رَئِيسِ الْمُتَّكَإِ». فَقَدَّمُوا. 9فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْرًا، وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ، لكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا، دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ 10وَقَالَ لَهُ:«كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ!». 11هذِهِ بِدَايَةُ الآيَاتِ فَعَلَهَا يَسُوعُ فِي قَانَا الْجَلِيلِ، وَأَظْهَرَ مَجْدَهُ، فَآمَنَ بِهِ تَلاَمِيذُهُ. (يو2: 1-11)

+++

تفسير الأب متى المسكين 

 

9:2- 10 فَلَمَّا ذَاقَ رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْمَاءَ الْمُتَحَوِّلَ خَمْراً وَلَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هِيَ – لَكِنَّ الْخُدَّامَ الَّذِينَ كَانُوا قَدِ اسْتَقَوُا الْمَاءَ عَلِمُوا – دَعَا رَئِيسُ الْمُتَّكَإِ الْعَرِيسَ. وَقَالَ لَهُ: «كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ».

‏يلزم أن نستدرك القول إن أجران الماء التي للتطهير إنما موضعها يكون في الفسحة في مدخل البيت وليس داخله. والأجران لم تتحرك من مكانها أثناء صٌنع الآية, فهي ثقيلة جداً بالإضافة إلى أن حجمها يمنع أن تكون داخل البيت, لذلك حينما صنع المسيح آية تحويل الماء إلى خمر، صنعها بعيداً عن أهل العرس والمدعوين الذين في الداخل, لذلك قُدمت لهم الخمر وهم لا يدرون من أين أتت, وهذا أيضأ يضاف إلى أن سر التحول لا يعرف أحد كيف أتى.
‏والإشارة الروحية أو السرية واضحة أن آية تحويل القديم إلى جديد، أي ماء التطهير إلى خمر عشاء، صُنعت خارج حدود الناموس. وبالرغم من واقعها المنظور والمحسوس إلا أن لا الرئيس المكلف بضبط حدود الناموس ولا العريس, عريس الناموس, كانا على دراية بها أو بصانعها الذي هو «العريس الحقيقي»، ولكن «الخدام» وهم في الناموس الطبقة المترسبة من المجتمع التي تكتسب لقمتها بعرق جبينها، كانوا يعلمون: «فجاء الخدام إلى رؤساء الكهنة والفريسيين, فقال هؤلاء لهم لماذا لم تأتوا به؟ أجاب الخدام لم يتكلم قط إنسان هكذا مثل هذا الإنسان» (يو45:7-46)، والإنجيل اهتم بوضعهم كشهود.
«ومتى سكروا فحينئذ الدون»: ‏الكلام هنا لا يقع على الحاضرين, فلم يسكر أحد بعد، ولكن في حدود المثل الشائع يتكلم هنا رئيس المتكأ. وفي الحقيقة الكلام هنا يرمي إلى أبعاد تغوص في الواقع اليهودي الذي صار حاله كحال «متى سكروا فحينئذ الدون»، وفي هذا يقول إشعياء النبي: «ولكن هؤلاء أيضاً ضلوا بالخمر وتاهوا بالمسكر, الكاهن والنبي ترنحا بالمسكر، ابتلعتهما الخمر، تاها من المسكر، ضلّا في الرؤيا, قلقا في القضاء. فإن جميع الموائد امتلأت قيئاً وقذراً ليس مكان. لمن يعلم معرفة ولمن يفهم تعليماً…» (إش7:28-9‏). نعم فليس, من واقع الحال, أردأ من هذا خمر ولا من هذا حال.
«أما أنت فقد بقيت الخمر الجيدة إلى الآن»: «الخمر الجيدة»: ‏كلمة «جيدة» هنا التي تُترجم أيضاً في إنجيل يوحنا «حسن» و «صالح». فإذا قرأناها إنجيلياً وبإحساس العهد الجديد وخاصة أعمال المسيح، فهي قريبة ونسيبة لكلمة «الحق»‏. فهي نفس الكلمة المستخدمة في «أنا هو الراعي الصالح»، وهي أيضاً المسخدمة في قوله: «أعمالاً كثيرة حسنة أريتكم من عد أبي» (يو32:10). والسؤال هنا: ‏هل يمكن أن نقبل صفة «جيدة» بهذا الوضع والإحساس الإنجيلي على أنها خمر جيدة للمذاق والشرب الجسدي؟ أم أنها خمر لها علاقة جيدة بالكرمة الحقيقية؟ نحن في الواقع نرى أن «الخمر الجيدة» هي المحور الذي تدور حوله الأية، فهي آية تحويل الماء الساذج لغسل الجسد إلى خمر العهد الجديد « الجيدة», أي الروحية، لتفريقها عن الخمر العادية. ولكن بنو العرس صنفان: صنف شرب الخمر الجيدة فانحصرت جودتها عندهم في مذاقها وحسب فأعجبتهم، كما أعجب الذين أكلوا من الخمس خبزات وسعوا وراء المسيح يطلبون المزيد من الخبز البائد؛ أما بنو الملكوت وهم الصنف الذي يرافق العريس الحقيقي, فلما شربوها انفتحت أعينهم وتجلى العريس في أعينهم وقلوبهم وإيمانهم فعرفوه أنه هو المسيح الحمل ابن الله كما رأه المعمدان.
‏عرس قانا والكنيسة: ‏الكنيسة منذ ما قبل القرن الرابع وهي تعيد للميلاد والغطاس وعرس قانا الجليل عيداً واحداً متصلاً، وأسمته «عيد الظهور الإلهي», باعتبار أن ما تم في الميلاد بظهور الله في الجسد أي « الكلمة صار جسداً», بشهادة الملائكة هو الذي نظره المعمدان والتلاميذ في الاردن حيث استعلن بشهادة الروح القدس والآب من السماء أنه ابن الله، وأنه هو العريس, والمعمدان صديق العريس رأى وفرح, وهو الذي تم في عرس قانا الجليل حينما أظهر المسيح ذاته أنه ابن الله بتحويل ماء التطهير الذي للناموس إلى خمر العهد الجديد الذي يحمل سر الفداء والخلاص, وسر العريس الحقيقي, بشهادة أم المسيح والتلاميذ.

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب

 

“وقال له:

كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولاً،

ومتى سكروا فحينئذ الدون،

أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن”. (10)

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه لكي لا يقول أحد أن الشهادة قد صدرت عن أناس سكرى لا يدرون الفارق بين الخمر والماء، جاءت الشهادة من رئيس المتكأ. وحتمًا كان رئيس المتكأ يحرص ألا يسكر، إذ يلتزم بتدبير أمر العرس بوقارٍ وحكمةٍ.

حرص الإنجيلي أن يقول عن رئيس المتكأ: “ولما ذاق“، أي لم يكن بعد قد شرب حتى من هذا الخمر، إنما ذاقه.

في قانا الجليل حول السيد المسيح الماء خمرًا فبعث بالفرح الروحي في كل المحفل، وفي كنيسة العهد الجديد يحول السيد المسيح بروحه القدوس الخمر إلى دمه المبذول عنا، فيبعث بالفرح السماوي في حياة متناوليه.

v لم يحول المسيح الماء خمرًا فحسب، لكنه صيَّره خمرًا فائق الجودة، لأن عجائب المسيح لها هذه الخاصية، وهي أن تصير أبهى حسنًا وأفضل من الأصناف المتكونة في الطبيعة بكثير، فمن هذه الجهة متى أصلح في الناس عضوًا أعرج من جسمهم، أظهر ذلك العضو أفضل من الأعضاء الصحيحة. والبرهان على أن الماء الصائر خمرًا كان خمرًا فائق الجودة، شهد به ليس الخدام وحدهم، بل ومعهم رئيس متكأ العرس.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فاصل
تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

(الآيات9، 10): إستقوا الآن= الماء تحول فورياً. من أين هي= هو يعلم أن المنزل ليس به هذه النوعية. لكن هذه تشير لجهل الناس كيف يتغير أولاد الله ويتجددون.

توجد الأجران خارج المنزل، لذلك لم يعرف رئيس المتكأ ما حدث، لكن الخدام عَرِفوا فهم الذين ملأوا الأجران وهم الذين رأوا ما حدث. وتفسير هذا روحياً: لم يعلم= رئيس المتكأ يشير لشعب العهد القديم الذين هم تحت الناموس، هؤلاء لا يدركون عمل المسيح الخفي. فأسرار نعمة الله خفية لا يعرفها إلاّ من يقترب من اللهوالخدام علموا= يشير الخدام هنا لخدام العهد الجديد الذين عرفوا شخص المسيح وهم يعلمون عمله في تجديد الطبيعة.

ولنلاحظ أن الخمر التي صنعها المسيح ليست خمراً مسكراً، بل هي إعلان عن حبه، كانت مادة حلوة المذاق ولكنها بالتأكيد غير مسكرة مع أن لها طعم الخمر، فواضع الشريعة لن يناقض نفسه. ولا نستغرب أن تكون الخمر لها طعم الخمر وهي غير مسكرة فنحن نتناول دم المسيح ونتذوقه كخمر وهو دم، وننزل لماء المعمودية ونخرج دون تغيير ظاهر وبالميرون يحل فينا الروح القدس دون أن نراه.

هنا المسيح يحول القديم إلى جديد، ماء التطهير إلى خمر حقيقي فيه فرح حقيقي. ومتى سكروا= هذا لا يشير أن الحاضرين كانوا سكارى، بل رئيس المتكأ يقول عن مثل مشهور. ولكن هذا القول المشهور كان مُعَبِّراً عن حال اليهود (إش7:28-9). فواقع حال اليهود رديء وهو الموصوف بالخمر الدون، أمّا المسيح فأتى ليعطي الفرح الحقيقي أي الخمر الجيدة. ونلاحظ أن هذا هو حال العالم وحال الخطية فهي تقدم للناس لذة مؤقتة، خمراً رديئة، هي لذيذة في بدايتها ولكن يعقبها مراً وإفسنتيناً. جيدة= هي نفس الكلمة المترجمة صالح في “أنا هو الراعي الصالح” فالخمر الجيدة لها علاقة بالمسيح الذي هو الكرمة الحقيقية. وعموماً فهناك صنفان من الناس الأول= لا يعلم والثاني= يعلم.

الأول يشير لمن شربوا الخمر وأعجبتهم وتوقفوا عند هذا، وهؤلاء هم من رأوا معجزات المسيح وأعجبهم كلامه ولكنهم لم يتغيروا ولم يؤمنوا، مثل من أكل مما صنعه المسيح في معجزة الخمس خبزات فتبعوه إذ هم يطلبوا المزيد من الطعام البائد (يو26:6). وهؤلاء أيضاً هم من إنخدع بملذات العالم الشهية للنظر ولم يعلم النهاية المرة للشهوات العالمية.

الثاني هم من عرفوا المسيح لشخصه وعرفوا قوته ونعمته، وعلموا أن المسيح هو إبن الله فدخلوا في شركة معه (مت29:26). هؤلاء إختبروا قوة التجديد ولذة الفرح.

وعطايا المسيح عكس عطايا العالم فقد تبدأ بمرارة الجهاد والتوبة ولكنها تنتهي بالفرح.. حزنكم يتحول إلى فرح (يو20:16)

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى