يو3: 30 ينبغي أن ذلك يزيد، وإني أنا أنقص
“25وَحَدَثَتْ مُبَاحَثَةٌ مِنْ تَلاَمِيذِ يُوحَنَّا مَعَ يَهُودٍ مِنْ جِهَةِ التَّطْهِيرِ. 26فَجَاءُوا إِلَى يُوحَنَّا وَقَالُوا لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، هُوَذَا الَّذِي كَانَ مَعَكَ فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ، الَّذِي أَنْتَ قَدْ شَهِدْتَ لَهُ، هُوَ يُعَمِّدُ، وَالْجَمِيعُ يَأْتُونَ إِلَيْهِ» 27أجَابَ يُوحَنَّا وَقَالَ:«لاَ يَقْدِرُ إِنْسَانٌ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ السَّمَاءِ. 28أَنْتُمْ أَنْفُسُكُمْ تَشْهَدُونَ لِي أَنِّي قُلْتُ: لَسْتُ أَنَا الْمَسِيحَ بَلْ إِنِّي مُرْسَلٌ أَمَامَهُ. 29مَنْ لَهُ الْعَرُوسُ فَهُوَ الْعَرِيسُ، وَأَمَّا صَدِيقُ الْعَرِيسِ الَّذِي يَقِفُ وَيَسْمَعُهُ فَيَفْرَحُ فَرَحًا مِنْ أَجْلِ صَوْتِ الْعَرِيسِ. إِذًا فَرَحِي هذَا قَدْ كَمَلَ. 30يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ. 31اَلَّذِي يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، وَالَّذِي مِنَ الأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ الأَرْضِ يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ السَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ الْجَمِيعِ، 32وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ، وَشَهَادَتُهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُهَا. 33وَمَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُ فَقَدْ خَتَمَ أَنَّ اللهَ صَادِقٌ، 34لأَنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلاَمِ اللهِ. لأَنَّهُ لَيْسَ بِكَيْل يُعْطِي اللهُ الرُّوحَ. 35اَلآبُ يُحِبُّ الابْنَ وَقَدْ دَفَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي يَدِهِ. 36الَّذِي يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ بِالابْنِ لَنْ يَرَى حَيَاةً بَلْ يَمْكُثُ عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ».” (يو3: 25-36)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“ينبغي أن ذلك يزيد،
وإني أنا أنقص”. (30)
يدرك القديس يوحنا المعمدان أن ذاك يزيد وهو ينقص. هذا ظهر بكل قوة في موتهما. الأول استشهد وهو في السجن خفية، ولم يدرك أمره غير قليلين، أما السيد المسيح فمات علانية على الصليب، ورفع رأسه نحو السماء، وبسط يديه ليحتضن بحبه الإلهي كل البشرية. الأول مات ودفن مقطوع الرأس، والثاني مات ودفن وقام ليقيم معه الأموات.
كلمات القديس يوحنا المعمدان تمس حياة كل مؤمن صادق ونامٍ في شركته مع السيد المسيح. فمع كل لحظة من لحظات عمره يتخلى عما هو مادي فيه، بل ويشعر كأنه يتخلى عما هو بشري، لا ليعيش بلا إرادةٍ بشرية أو عواطفٍ بشرية أو فكرٍ بشري، وإنما تتجلى إرادة المسيح فيه، وتتقدس عواطفه فيه، ويحمل فكر المسيح. هكذا يجد المؤمن عذوبة في نقصه، لكي يزيد المسيح فيه.
نجاح السيد المسيح في خدمته هو بدء لنشر برّه المجيد وسلامه والحق الذي له بين البشر.
يُسر القديس يوحنا حين ينقص عدد القادمين إلى معموديته، حيث يتوجهون إلى يسوع المسيح، فيحققون ما تهدف إليه خدمته ومعموديته.
v “ينبغي أن ذلك يزيد، وإني أنا أنقص” (30). ما هذا: يلزم أن يتمجد هو وأنا أن أتواضع؟
كيف يزيد يسوع؟ كيف يزيد اللَّه؟ اللَّه لا يزيد ولا ينقص. لأنه إن كان يزيد فهو ليس بكاملٍ، وإن كان ينقص فهو ليس اللَّه…
هل كان بحالته كإنسان حيث تنازل وصار إنسانًا؟ كان طفلاً، ومع أنه حكمة اللَّه رقد في المذود كرضيعٍ. ومع أنه خالق أمه، رضع لبن الطفولة منها، ثم نما يسوع في الجسد، ولعلّه لهذا قيل: “ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص“. ولكن لماذا هذا؟ إذ هما من جهة الجسد كانا في ذات العمر، الفارق بينهما ستة أشهر، وقد نميا معًا… إذن ما هو معنى “ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص“؟
هذا سرّ عظيم!
قبل مجيء الرب يسوع كان البشر يمجدون أنفسهم.
جاء كإنسانٍ ليقلل من مجد الإنسان، ويزيد مجد اللَّه. الآن جاء بغير خطية، ووجد كل البشر في الخطية. إن كان هكذا قد جاء لينزع الخطية، فاللَّه يعطي مجانًا والإنسان يعترف. اعتراف الإنسان هو نزول به، حنو اللَّه هو ارتفاع.
لذلك إذ جاء ليغفر خطايا الإنسان، فليعترف الإنسان بانحطاطه، وليظهر اللَّه حنوه.
“ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص“، أي ينبغي أن يعطي وأنا أن استلم، هو يتمجد، وأنا اعترف. ليعرف الإنسان حاله، ويعترف للَّه. لتسمع ما يقوله الرسول للإنسان المتكبر المتشامخ الذي يُفخم نفسه: “وأي شيء لك لم تأخذ؟ وإن كنت قد أخذت، فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟” (1 كو 4: 7).
v ليت اللَّه الذي هو دائمًا كامل ينمو، وينمو فيك. فبقدر ما تفهمه يبدو ناميًا فيك، أما في ذاته فهو لا يزيد بكونه كاملاً أبديًا… هكذا أيضًا بالنسبة للإنسان الداخلي. إنه ينمو حقًا في اللَّه، ويبدو اللَّه متزايدًا فيه. لكن الإنسان نفسه يبدو كأنه ينقص حيث يسقط من مجد ذاته، ويقيم مجد اللَّه.
v معنى هذا أن أفعالنا نحن قد توقفت وكفت، أما أفعال المسيح فينبغي أن تنمو، لأن ما تخشونه لا يحدث الآن فقط بل بالأكثر فيما بعد. وهذا على وجه الخصوص يجعل أحوالي أكثر بهاءً. لهذا الهدف أنا جئت؛ وإنني أفرح بأن أحواله قد صارت في تقدم عظيم، وان هذا يتم خلال ما فعلته. ألا ترون كيف أنه في رقة وبحكمة عظيمة هدأ من آلامهم، وأطفأ حسدهم، وأظهر أنهم كانوا يتحدثون في أمور مستحيلة، وأنه يجب ضبط الشر؟
تفسير الأب متى المسكين
30:3- يَنْبَغِي أَنَّ ذَلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ.
تأتي «ينبغي» بصورة ضعيقة، فهي في أصلها اليوناني يتحتم، لأن هذا يتعلق بالقانون الإلهي. نعم فقد انتهى دور الأنبياء والنبوة بظهور الذي تركزت فيه كل النبوات. فإذا خرجت الشمس لزم إطفاء المصابيح. أو هو غروب نجم على أحسن الأحوال لشروق شمس على أقلها!! وهذا القول هو النبوة الأخيرة ليوحنا المعمدان عن بزوغ فجر العصر الماسياني الذي طالما حلم به الأباه والأنبياء. فالمعمدان وإن كان يتكلم عن نفسه كصورة أدت مهمتها بأمانة، إلا أن القديس يوحنا الإنجيلي يرتفع بهذه الصورة ليرى فيها آخر صوت يسمعه الإنجيل، ليس للأنبياء وحسب بل وللعهد القديم قاطبة.
فقد انقضى عهد الظلمة وأشرق نور الحياة. وإن ظهر المعمدان بهذه الكلمات على مستوى الإتضاع حقاً، فإنما هو إتضاع من حكم الواقع, أوكما يقولمون، تحصيل الحاصل.
وبشهادة المعمدان هذه أمام تلاميذه، يكون قد صادق المسيح في تعليمه ضمناً عن المعمودية الأفضل التي من فوق، التي شرحها لنيقوديموس بإسهاب وعكرت مزاج التلاميذ النساك، والناسك يصبح دائمأ متضايقاً في نفسه إذا غاب عنه عمل الروح. بل ويكون المعمدان قد صادق نفسه عندما قال سابقاً: «أنا أعمدكم بماء ولكن في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه هو الذي يأتي بعدي… فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس» (يو26:1و27و33). وإن ذهاب « الجميع», كما يقول تلاميذه, للمسيح ليعتمدوا، هو الصحيح، وهو بعينه ما يقوله أن «من له العروس فهو العريس». فليس «الجميع» فقط ينبغي أن يعتمدوا له بل والعالم كله، «لأنه هكذا أحب اللة العالم» عوض إسرائيل!
تفسير القمص أنطونيوس فكري
(آية30): إنتهى دور الأنبياء بظهور الذين تنبأوا عنه، فإذا ظهرت الشمس (المسيح) ينتهي عمل المصابيح (المعمدان). لقد برهن المعمدان أنه بروحانيته هو أعظم من الإثارة. وعلىّ أن أقول ينبغي أن يتمجد المسيح ويزداد وأن ذاتي تنقص. ويزداد المسيح فيًّ وأنقص أنا وأتضع.