يو6: 68 فأجابه سمعان بطرس: يا رب إلى من نذهب، كلام الحياة الأبدية عندك؟
“67فَقَالَ يَسُوعُ لِلاثْنَيْ عَشَرَ:«أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟» 68فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ:«يَارَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ، 69وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ».” (يو6: 67-69)
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
“فأجابه سمعان بطرس:
يا رب إلى من نذهب،
كلام الحياة الأبدية عندك؟” (68)
امتاز القديس بطرس بغيرته المتقدة واستعداده الدائم، لذا أجاب في الحال ليس فقط عن نفسه، بل وعن التلاميذ. لقد أدرك أنهم لن يستطيعوا التمتع بالحياة الأبدية بدون المخلص المسيا. من يلتصق به لا يقدر الموت الأبدي ولا الجحيم ولا العذابات الأبدية أن تلحق به. لا يستطيع العالم ولا الجسد ولا الشيطان أن يقدموا حياة أبدية.
لم يقبل البعض حديث السيد المسيح فرجعوا عنه، بينما ازداد البعض اقترابًا إليه وأدركوا مع بطرس الرسول قوة كلمته واهبة الحياة الأبدية. يقدم حديثه رائحة حياة لحياة ورائحة موت لموت.
تحدث القديس بطرس باسم كل نفسٍ ملتصقة بالسيد المسيح، كما تحدثت راعوث مع حماتها: “لا تلحي عليَّ أن أتركك وارجع عنك لأنه حيثما ذهبت أذهب، وحيثما بتِ أبيت” (را ١: ١٦). وفي شجاعة رفض نحميا أن يترك موقع العمل ويختفي في الهيكل ويغلق أبوابه عليه لئلا يقتلوه، قائلاً: “أرجل مثلي يهرب؟” (نح ٦: ١١).
“يا رب إلى من نذهب؟” (٦٨) إن ذهبنا إلى الآباء البطاركة يردونا إليك لأن إبراهيم رأى يومك فتهلل، وإن ذهبنا إلى موسى يقدم لنا الناموس قائدنا إليك. وإن ذهبنا إلى رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين نجلس عند أقدامهم، ماذا يقدمون سوى رياءهم وبغضهم للحق؟ من يعلن لنا الحق سواك؟ ومن يهبنا الحياة الأبدية إلاَّ أنت؟
v يلزمنا أن نجلس بجوار المعلم الواحد الوحيد، المسيح، ونلتصق به بلا انقطاع ولا انفصال عنه، ونجعله سيدنا الذي يعرف حسنًا كيف يقود أقدامنا إلى الحياة التي بلا نهاية… لأنه هكذا يليق بنا أن نرتقي إلى المنازل السماوية الإلهية، ونسعى إلى كنيسة الأبكار لنعيد بالصالحات التي تفوق إدراك الإنسان.
v كأنهم يقولون: معك سنبقى، وبوصاياك نلتصق إلى الأبد، ونقبل كلماتك دون أن نعثر بها.
يرى القديس كيرلس الكبير أن ما حدث في أثناء رحلة بني إسرائيل في البرية كان رمزًا للحقيقة التي نعيشها الآن. فقد جاء في سفر العدد أن القائد الحقيقي للشعب هو الله نفسه. فقد ظهر على شكل سحابة تظللهم، متى ارتفعت عن الخيمة تحركت المحلة، ورحل الجميع، وحيث حلت السحابة ينصبون خيامهم (عد ٩: ١٥-١٨). هكذا نلتصق نحن بالرب، ولا نتحرك في موضع دون أمره [لا يمكننا أن نترك الرب، بل بالأحرى نجتهد أن نبقى معه روحيًا. هذا بالحق لائق بالأكثر بالقديسين].
“ونحن قد آمنا،
وعرفنا أنك أنت المسيح ابن الله الحي“. (69)
بحكمة روحية يقدم الرسول بطرس الإيمان عن المعرفة دون تجاهل لدور المعرفة. فقد آمنوا بابن الله الحي، وعرفوا أسراره بالالتصاق به والشركة معه.
v نادى الكلمة بهذه التعاليم من خلال الشبابيك إلى عروسه، وهى الحمامة، فاستجابت لجماله، لأنها استنارت بشعاع الفهم وتعرفت على الصخرة وهو المسيح. إنها تقول: “أرني وجهك، اسمعني صوتك لأن صوتك لطيف ووجهك جميل” (نش 14:2)… رأى سمعان مثل ما أرادت العروس أن ترى. وهؤلاء الذين استقبلوا صوت المسيح الحلو تعرفوا على نعمة الإنجيل وصرخوا: “يا رب إلى من نذهب. كلام الحياة الأبدية عندك” (يو 68:6).
v يقولون أنهم يؤمنون ويعرفون، فيربطون الأمرين معًا. لأنه يجب على الإنسان أن يؤمن وأيضًا أن يفهم. ليس معنى أننا نقبل الأمور الإلهية بالإيمان أن نبتعد تمامًا عن أي فحص لها، بل نحاول بالأحرى أن نبلغ إلى معرفة معتدلة، كما يقول بولس: “كما في مرآةٍ كما في لغزٍ” (١ كو ١٢: ١٢). حسنًا إنهم لم يقولوا عرفوا أولاً ثم آمنوا، إذ يضعون الإيمان أولاً ويلحقونه بالمعرفة، ولكن ليس قبل الإيمان. كما هو مكتوب: “إن لم تؤمنوا لن تفهموا” (إش ٧: ٩ LXX).
v ليس أننا عرفنا وآمنا بل “آمنا وعرفنا” (69). لقد آمنا لكي نعرف؛ لأننا إن أردنا أن نعرف أولاً وعندئذ نؤمن، لن نستطيع أن نعرف ولا أن نؤمن…
ماذا آمنا وعرفنا؟ “أنت المسيح ابن اللَّه الحيّ” (69)، بمعنى أنت هو الحياة الأبدية عينها، تهبها في جسدك ودمك فقط اللذين هما أنت.
تفسير الأب متى المسكين
67:6 و68 فَقَالَ يَسُوعُ لِلاِثْنَيْ عَشَرَ: «أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟». فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ القديس بطرس: «يَا رَبُّ إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كلاَمُ الْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ.
السؤال هنا الذي يسأله المسيح للاثني عشر هو سؤال استنكاري، يستفز به حرية الرأي والإرادة فيهم. ومعلوم أن الرد عليه سيكون بالنفي, مما يفيد أن الرب يسأله لطرح الحرية أمام الاختيار حتى يستوثق كل واحد فيهم من موقفه وأمام نفسه، لأنه، في الواقع وعين الأمر, كان يوجد بينهم من هو مهيأ للسقوط، ومن هو ساقط بالفعل، فالقديس بطرس لولا مساندة الرب له في اللحظة الحرجة لهوى وصار كنجم سقط، أما يهوذا حامل الصندوق, أو بلغة الزمن الحاضر, مدير الادارة المالية أو أمين الخزانة لزمرة التلاميذ, فكان يسرق أولا بأول ما يقع في الصندوق، والذي يسرق يبيع دائما بأرخص الثمن، فقد باع معلمه بحصيلة يوم أو يومين.
«يا رب إلى من نذهب, كلام الحياة الأبدية عندك»: في الحقيقة, كان رد القديس بطرس ليس تماما ردا على سؤال المسيح، بل كان هو الرد الحاسم القاسم على جحود التلاميذ الذين رجعوا إلى الوراء ولم يعودوا يسيرون معهم ولا مع معلمهم. وكأنما رأهم داود النبي من وراء الزمن وتكلم بلسانهم: «هذا كله جاء علينا وما نسيناك ولا خنا في عهدك, لم يرتد قلبنا إلى وراء ولا مالت خطوتنا عن طريقك.» (مز17:40-18)
لقد كانت شهادة القديس بطرس أقوى شهادة نطق بها التلاميذ، وقد جاءت متوافقة مع فكر المسيح، ولو أنها لا تدخل إلى عمقه. فقد جاءت بما يتناسب مع حاجتهم, فقد رأوا في المسيح كنز الحياة الأبدية الذي لا يفرغ؛ وليس مجرد الكلمات أو الحديث في ذاته؛ ولكنه الكلام المؤدي إلى الحياة الأبدية الذي شعرت به قلوبهم ووثقوا منه بعقولهم، فنطقت به أفواههم.
ويلاحظ أن رد القديس بطرس بهذه الأية: «كلام الحياة الأبدية عندك»، هو مستمد من قول المسيح «الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة», «من يسمع كلامي… فله الحياة الأبدية» (يو63:6، 24:5) كما هو رد مفحم على التلاميذ الذين خانهم إيمانهم واعتبروا أن كلام المسيح صعب. كما هو أيضا رد يؤمن به القديس بطرس تأمينا مباشرا على ما أعلنه الرب أنه «خبز الحياة» المعطي الحياة الأبدية، كما هو«ماء الحياة» ونورها.
وعلى هذا الأساس: «إلى من نذهب» إن كان هو الوحيد الذي يقود إلى الحياة الأبدية، فهنا إشارة موبخة ومستهينة برجوع بعض التلاميذ إلى الوراء، كما هي إشارة إلى فكر الجليليين الذين يطلبون نبيا يكون على مستوى موسى ويعطيهم المن من السماء.
وهكذا يضع القديس بطرس المقارنة المستحيلة بين المسيح وبين أي آخر. فكلام المسيح في نظر القديس القديس بطرس يشهد للمسيح أنه هو هو وليس آخر الذي ينبغي أن يُذهب إليه, او بلغة المسيح: «يأتي إلي», الذي في موضع أخر يترجمه القديس القديس بطرس الرسول هكذا: «ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك» (لو28:18)، وبهذه الآية كان القديس بطرس الرسول يمهد لبقية اعترافه:
69:6- وَنَحْنُ قَدْ آمَنَّا وَعَرَفْنَا أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ».
لا يزال القديس القديس بطرس يتكلم بلسان التلاميذ، لأنه كان أكثرهم اندفاعأ وحرارة، ولو أنه ليس أكثرهم إيمانا أو محبة للمسيح. و يلاحظ أن القديس القديس بطرس يضع الإيمان والمعرفة في موضعهما الصحيح، فالإيمان باعتباره تصديق الله ببساطة قلب بدون محاورة العقل يأتي أولا، ومنه يستمد السلوك طبيعته المتواضعة والأمينة. كما يستضيء العقل الروحي بنور المعرفة فيبلغ به الإيمان حد العمل كشهادة، وحد الرؤيا العقلية فيتواجه مع الحق الإلهي، وهنا يبلغ الإيمان اليقين.
ولم يكن هذا المبدأ الإيماني عند القديس بطرس مجرد فكر عارض بل نسمعه بعد ذلك بسنين كثيرة يشرح هذا المبدأ عينه في رسالته الثانية: «ولهذا عينه، وأنتم باذلون كل اجتهاد، قدموا في إيمانكم فضيلة (عمل) وفي الفضيلة معرفة (رؤية مستنيرة).» (2بط5:1)
والرب يسوع يؤمن على هذا بقوله: «وهم قبلوا (آمنوا) وعلموا يقيناً (بالسلوك والفكر) أني خرجت من عندك» (يو8:17). وبولس الرسول يؤكد ذلك جاعلا القلب مخرنا للايمان والفم مخرجا للمعرفة والشهادة: «لأن القلب يؤمن به للبر, والفم يعترف به للخلاص.» (رو10:10)
هذا المبدأ يتنكر له كثير من علماء الكتاب المقدس، مع أنه هو المفتاح السري الذي إذا استهان به الإنسان شق عليه الإيمان البسيط الفعال وسقط عن المعرفة الصحيحة المستنيرة بالروح. علمأ بأنه قد تجيء كلمة «االمعرفة» قبل كلمة «الإيمان» في بعض مواضع الآنجيل، وهذا لا يقلل من أهمية اشتراكهما معا في بلوغ الحق الإلهي، فلا معرفة بدون إيمان ولا إيمان بدون معرفة.
وقول القديس بطرس: «أنت المسيح, ابن الله الحي»، هي شهادة ذات وزن عال، لأنها تجيء بعد خيانة الجزء الأكبر من التلاميذ، كما تجيء بعد أن أعلن المسيح عن هدف مجيئه، وهو الموت الذي يعتبر في نظر القديس بطرس إخفاقا شديدا للرجاء الذي وضعه القديس بطرس والتلاميذ أن يكون المسيح ملكا يحكم ويسود ويعطيهم نصيبهم في الحكم. فهذه الشهادة لا تأتي مجاملة ولا من أجل رجاء كاذب، بل عن يقين. ومضمون هذه الشهادة هو أن التلاميذ قبلوا المسيح وآمنوا به وتبعوه بإخلاص، فعلموا بالخبرة والواقع أنه هو المسيح ابن الله, أو قدوس الله, كما جاءت في بعض المخطوطات، و«قدوس الله» تأتي في فم المسيح كأساس للتعرف عليه: «فالذي قدسه الآب وأرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله.» (يو36:10)
وتأتي الصفتان معا في فم الملاك المبشر: «فأجاب الملاك وقال لها: الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظلك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله» (لو35:1)
فـ «قدوس الله» هي صفة المسيح الاولى التي يمكن أن تبنى عليها كل الصفات الإلهية الأخرى، من جهة إرساله إلى العالم أو كشف سر تجسده أو كشف سر بنوته لله.
ويلاحظ أن المسيح خاطب الله بـ «الآب القدوس» (يو11:17). فهنا، إذ يلقب القديس بطرس المسيح بـ «قدوس الله» يضعه في موضع المساواة في الكرامة والقداسة مع الآب من حيث الطبيعة الواحدة للآب وللمسيح (القداسة).
وفي سفر الرؤيا يلقبه الوحي: «هذا يقوله القدوس الحق الذي له مفتاح بيت داود…» (رؤ7:3)، وكلمة «قدوس» هي مدخل إلى طبيعة الله واستعلان الصلة بصميم هذه الطبيعة. فتسمية «قدوس الله» للمسيح هي تأكيد لطبيعة المسيح المعلنة لطبيعة الله، واستعلان لصلة المسيح بالله كواحد معه, وصفة هذه القدوسية في المسيح هي فريدة لشخصه التي جاء ليعطيها لتلاميذه والمؤمين به بذبيحة نفسه، ليشتركوا بجسده ودمه في هذه القداسة.
ومرة أخرى يرد القديس بطرس على المستوى الإلهي العميق الذي يتكلم منه المسيح، فالقديس بطرس حينها قال: «أنت هو» فهو يجيب إجابة مباشرة على قول المسيح: «أنا هو»، وهي اسم ذات الله، فالمسيح يقولها ليستعلن بها نفسه والآب، بهذا المعنى يكون كلام القديس بطرس صحيحاً وواقعيا؛ حينما قال: «نحن قد آمنا وعرفنا»، فهنا كلمة «عرفنا» التي تجيء باليونانية ( ) تتضمن معرفة الاستعلان وكشف الحقيقة التي أظهرها القديس بطرس.
وعلى كل حال, فإن شهادة القديس بطرس الرسول توضح الثقة المطلقة والأمانة والتبعية للمسيح، هذا ما أراد أن يعلنه القديس بطرس للمسيح، مؤكدا أن كل كلامه عن الحياة الأبدية قد صار هو أكلهم وشربهم بالفعل. وهكذا ألقيت النار على الأرض لكي تحرق وتنير، تحرق الأفكار والنيات التي تغتذي على الظلمة فترتد، وتنير وتبهج القلوب التي تسعى نحو النور فتمتد.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
الآيات (67 ،68): “فقال يسوع للإثني عشر ألعلكم انتم أيضاً تريدون أن تمضوا. فأجابه سمعان بطرس يا رب إلى من نذهب كلام الحياة الأبدية عندك.”
كلام الحياة الأبدية عندك= كل كلمة تقولها وقلتها تعطي حياة. فالرب يعطي حياة أبدية. المسيح يضع الإثنى عشر أمام حريتهم ليختاروا. وكان رد بطرس هو الرد على موقف التلاميذ الذين إنسحبوا ورد بطرس متفق مع قول المسيح “الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة. ولكن لنلاحظ أن الآية (67) موجهة لكل من لا يؤمن بسر الجسد والدم. فالمسيح بإصرار أصر على أننا نتناول جسده ودمه وليس على شكل رموز كما تقول بعض الطوائف الآن. فالمسيح حين رأي أن تلاميذه يتركونه لم يقل أنتم لم تفهموا، فما يؤكل هو مجرد رمز، بل نظر إلى الإثني عشر وقال لهم ن لم تقبلوا إنصرفوا أنتم أيضاً. وما كان أسهل على المسيح أن يشرح لهم قصة الرمز والأكل بالإيمان ولا يخسر تلاميذه. الإثني عشر= إستمر هذا إسماً للتلاميذ حتى بعد غياب يهوذا.
آية (69): “ونحن قد آمنا وعرفنا انك أنت المسيح ابن الله الحي.”
بطرس إختار المسيح بعد أن عقد مقارنة بين المسيح وبين كل من سواه فوجد المسيح هو إبن الله الحي مؤكداً تبعيته للمسيح. آمنا= تصديق كلام المسيح وعرفنا= نتيجة الإختبار والعشرة. والإيمان يأتي أولاً ثم المعرفة. وبطرس هنا يجيب بالنيابة عن الإثني عشر.