يو9: 6 قال هذا وتفل على الأرض، وصنع من التفل طينًا…

 

“قَالَ هذَا وَتَفَلَ عَلَى الأَرْضِ وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِينًا وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى.” (يو9: 6)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“قال هذا وتفل على الأرض،

وصنع من التفل طينًا،

وطلى بالطين عيني الأعمى”. [6]

طريقة شفاء المولود أعمى فريدة، فمن المعروف أن الطين يفسد العين السليمة، فكيف يصنع من التفل طينًا ليطلي به عيني المولود أعمى؟ ولماذا لم ينتظر ليشفيه خفية حتى لا تهيج القيادات الدينية؟ وأيضًا لم ينتظر حتى يعبر السبت ليشفيه؟

أولاً: يؤكد السيد المسيح أنه يتمم عمله بحسب فكره الإلهي وليس حسب رغبتنا ووسائلنا البشرية.

ثانيًا: ما يشغله هو وهب الأعمى بصرًا لعينيه، وبصيرة لقلبه، دون اهتمام بمقاومة القيادات اليهودية له.

ثالثًا: لم ينتظر حتى يعبر السبت، لأن السبت هو يوم الراحة، فتستريح نفس المسيح بالعمل الإلهي واهب الاستنارة والراحة للغير.

رابعًا: يقدم نفسه مثلاً ألا نؤجل عمل الخير إلى الغد، بل ننتهز كل فرصة لنسرع إلى عمل الخير لئلا لا توجد هذه الفرصة في الغد.

خامسًا: صنع من التفل طينًا وطلى عينيه بيديه، ليؤكد أن سرّ القوة في المسيح نفسه، وفي عمل يديه. كل ما يصدر عن المسيح فيه قوة وحياة واستنارة، فإن يده قديرة.

v لاحظوا أنه عندما أراد أن يشفيه نزع عماه بأمرٍ يزيد العمى، إذ وضع طينًا.

v أخذ ترابًا من الأرض وذلك بنفس الطريقة هو يخلق (آدم). حقًا لو أنه قال: “أنا هو الذي أخذ ترابًا من الأرض وشكل الإنسان”، لكان الأمر شاقًا وبغيضًا على سامعيه أن يحتملوه. لكنه إذ أظهر الأمر خلال العمل الواقعي لا يقف شيء أمامه. لذلك إذ أخذ ترابًا ومزجه باللعاب يًعلن مجده الخفي. فإنه ليس بالمجد الهين أن يؤمنوا أنه صانع الخليقة.

v إن سألت: لِم لم يستعمل السيد المسيح ماءً في الطين الذي أصلحه، بل استعمل لعابه؟ أجبتك: لكى لا يُنسب الشفاء إلى الينبوع، بل لكى تعرف أن القوة الظاهرة من فمه هي التي أبدعت عيني الأعمى وفتحتهما.

القديس يوحنا الذهبي الفم

v منحه عينين جديدتين.

القديس بولينوس

v صنع العينين من الطين.

انبعث النور من التراب،

وذلك كما حدث في البداية…

أمر النور، فُولد من الظلمة.

هكذا هنا أيضًا.

صنع طينًا بلعابه،

وقدم كمالاً لما كان ناقصًا في الخليقة، وذلك منذ البداية،

ليظهر أن ما كان في يديه هو أن يقدم كمالاً لما هو ناقص في الطبيعة…

وإذ كانوا لا يريدون أن يؤمنوا أنه قبل إبراهيم.

برهن لهم بالعمل أنه ابن ذاك الذي شكلت يداه آدم الأول من التراب.

مار افرام السرياني

v فإذ صنع من التفل طينًا طلى بالطين أعيننا (يو 6:9، 7)، وجعلنا نبصر جليًا (مر 25:8) وفتح آذان (راجع مر 33:7-35) قلوبنا، حتى إذ صارت لنا آذان نسمع (راجع متى 11: 15، 13: 19). وإذ نشتم رائحته الذكية (راجع أف 5؛ 2 كو 15:2)، مميزين اسمه كرائحة طيب مسكوب (نش 1: 3، في 2) وإذ ذقنا ونظرنا ما أطيب الرب (1 بط 3:2، مز 34 [33]: 8) وإذ لمسناه بتلك اللمسة التي يتحدث عنها يوحنا: “الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة” (1 يو 1:1)، صار في إمكاننا حينئذ أن نذبح الحمل ونأكله، فنخرج بهذا من مصر.

العلامة أوريجينوس

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

6:9- 7 قَالَ هَذَا وَتَفَلَ عَلَى الأرض وَصَنَعَ مِنَ التُّفْلِ طِيناً وَطَلَى بِالطِّينِ عَيْنَيِ الأَعْمَى. وَقَالَ لَهُ: «اذْهَبِ اغْتَسِلْ فِي بِرْكَةِ سِلْوَامَ». الَّذِي تَفْسِيرُهُ مُرْسَلٌ. فَمَضَى وَاغْتَسَلَ وَأَتَى بَصِيراً.

‏الآية في مضمونها الإلهي تشير إلى عملية خلق أو على وجه الأصح عملية «خلقة تصحيحية». فكل عمليات الشفاء التي أجراها المسيح تدخل تحت بند «الشفاء من المرض» أما تفتيح عيني الأعمى المولو بدون مقلتي العين فهي ليست شفاء. فنحن هنا لسنا أمام طبيب البشرية الأعظم يسوع، بل نحن بصدد عملية خلق، وأمام خالق.
‏والتركيز الأساسي في لغة الآية واقع عل كلمة «الطين»، لأن المقصود هو نقل عقولنا إلى سفر التكوين وكيف خلق الله الإنسان من «تراب الأرض». وفي مواضع كثيرة يذكر الوحي الإلهي «التراب» الذي صيره الله طيناً قبل أن يشكل الإنسان:
+ «يداك كونتاني وصنعتاني، كلي جميعاً ، أفتبتلعني (بغضبك)، اذكر أنك جبلتني كالطين, أفتعيدني إلى التراب.» (أي8:10-9)
+ «روح الله صنعني ونسمة القدير أحيتني… أنا أيضاً من الطين تقرصت.» (أي4:33-6)
+ «والآن يا رب أنت أبونا، نحن الطين, وأنت جابلنا وكلنا عمل يديك.» (إش8:64)
‏لقد ولد الأعمى بدون عينين, وكأن الطين الذي جُبل منه تنقصه الصياغة. إذ لما شُكل الأعمى في بطن أمه سهي على الطبيعة أن تمده بمقلتين. لقد أخفق قانون التوريث والتوليد في أن يعطى صورة الكمال حسب الرسم. والمرجع لواضعه، فهو يصحح ما نقص من صورته. وكأن عجنة الطين عادت إلى يد خالقها الأول يشكل لها من ذات الطين عينين.
والملاحظ أن جميع الآيات التي فيها فتح المسيح أعين اعمثى، لم يكن فيها أعمى واحد وُلد من بطن أمه ناقص المقلتين، فاكتفى المسيح بأن يمسح العينين المكفوفتين بريقه فانفتحتا ورأتا النور: «فأخذ بيد الأعمى وأخرجه إلى خارج القرية وتفل في عينيه, ووضع يديه عليه، وسأله هل أبصرت شثيئاً, فتطلع وقال: ابصر الناس كأشجار يمشون. ثم وضع يديه أيضا على عينيه وجعله يتطلع، فعاد صحيحاً، وأبصر كل إنسان جليا.» (مر23:8-25)
‏أما هذا الأعمى المولود ناقص الخلقة، فالمسيح وقف منه موقف الخالق وجبل له من الطين ما نقص لجبلته. وانصاع الطين ليد النور الإلهي الخالق، فاستنار.
‏والآن نأتي إلى استخدام الريق أو اللتعاب «تفل على الأرض»، فإذا علمنا أن لعاب الإنسان يحوي من الميكروبات ما يكفي لإمراض أي عين سليمة، وأمامنا الأن أن لعاب المسيح استرجع عيناً سليمة بكامل صحتها، أدركنا سر الحياة والصحة الكائنة في جسم الرب ولعابه بنوع خاص. فالرب نقل إلى الأعمى الفاقد مقلتيه «سر الحياة الجسدية السليمة والكاملة, لتصحيح الصورة الجسدية المشوهة، لينطبق المثيل على المثيل، وليعرد الإنسان بمثل الصورة الجسدية الكاملة للمسيح. فلو رجعنا إلى تقليد الآباء القديسين في فهم كيف خلق الله الإنسان في البدء من التراب، الذي حوله الرب الإله إلى طين, لأدركنا مدى انطباق ذلك على عمل المسيح بالنسبة للأعمى: «اذكر أنك جبلتني كالطين، أفتعيدني إلى التراب؟ ألم تصبني كاللبن وخثرتني كالجبن، كسوتني جلدا ولحمأ فنسجتني بعظام وعصب، منحتني حياة ورحمة وحفظت عنايتك روحي. لكنك كتمت هذه في قلبك. علمت أن هذا عندك.» (أي9:10-13)
‏فأيوب هنا يكشف كيفية ما تم في عملية الخلقة من درجات، التي أخفاها الله في قلبه، ولكنه أعلمها لأيوب. ومنها نفهم أن عملية الخلق تمت على نمط نمو الجنين في رحم الأم، حسب الصورة والمثال الذي كان في فكر الله. والآن كان أمام المسيح، الأعمى الفاقد مقلتيه، وكان هو المثال الكامل والصحيح. فالمسيح أخذ من المثال سر لاكمال، ووضعه في الصورة لكي يقبل الأعمى سر النور العامل في جسمم الإنسان الترابي، الذي كان ينقص خلقته.
«وقال له: اذهب اغتسل في بركة سلوام, الذي تفسيره مرسل, فمضى واغتسل, وأتى بصيراً»: قصة بركة سلوام قصة تحولت إلى قضية ضد القديس يوحنا وانجيله على مدى مائة عام من النقد المرير. فهذه البركة رُدمت منذ زمان بعيد جداً، وضاعت معالمها كلية، فاتحذها النفاد تكأة لنقد صحة الإنجيل بجملته، معتبرين أن القديس يوحنا لا يعرف جغرافية الأرض التي يكتب عنها، وإنما يؤلف أسماء ومسميات من عنده. علماً بأن القديس جيروم (إيرونيموس) رآها رؤيا العين وكتب عنها في شرحه لسفر إشعياء (6:8‏). وفي حفرياته أواخر القرن الثامن عشر أُكتشفت البركة وأُكتشفت القناة: « وبقية أمور حزقيا وكل جبروته وكيف عمل البركة والقناة وأدخل الماء إلى المدينة أما هي مكتوبة في سفر أخبار الأيام لملوك يهوذا» (2مل20:20)، هذه القناة التي تحت الأرض التي تسحب المياه من النبع العالى المسمى الآن نبع مريم. وقد حُفرت هذه البركة بقصد توصيل المياه ‏داخل أسوار أورشليم منذ زمن بعيد ربما منذ أيام سليمان. وقد ذكرها إشعياء النبي تحت اسم «مياه شيلوه، أو شيلون» (إش6:8) ومعنى الكلمة بالآرامي «مرسل»، لأنها ليست مياه نابعة من مكانها، بل منحدرة ومُرسلة إليها من نبع آخر أعلى. لذلك سماها إشعياء النبي مياه شيلوه، أي مياه مُرسلة، أي مياه جارية، لأنها كانت ترتفع وتنخفض مرتين في اليوم. وهي مياه عذبة جيدة للشرب وكانت تسقي حدائق الملك في وادي قدرون، قبل أن يلتحم في وادي يهوشافاط. ويُلاحظ أن الاسم العربي لبركة «سلوام» هو «سلوان». وجدران هذه البركة ملتحمة في الجدار الجنوبي للمدينة. والمكان الآن قد تحقق منه علماء الآثار أنه الحافة الجنوبية لجبل صهيون ومدينة داود.
‏وكانت بركة سلوام ذات اتصال وثيق بخدمات الهيكل، لأن مياهها اعتبرت مياهاً مقدسة، وكانت تُحتسب أنها مثيلة بالمياه التي نبعت من الصخرة في سيناء، لذلك كانت تستخدم في طقوس عيد المظال على أساس هذا المعنى.
‏وعندما أمر الرب المولود أعمى أن يذهب ويغتسل في بركة سلوام، كان وراء هذه الإرسالية معان، فالإغتسال بالمياه المقدسة في المفهوم الإنجيلي هو بحد ذاته معمودية. ومعروف في العهد الجديد أن اسم المعمودية السري أو الروحي هو «الاستنارة»، فالمعمودية هي سر الاستنارة.
وواضح أن هذا الضرير المحظوظ «أُرسل» أعمى، وعاد بصيراُ، أُرسل يتخبط في اظلام، وعاد في ضياء وملء «نورالعالم». وكان ذلك يوم سبت!!

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

“قال هذا وتفل على الأرض وصنع من التفل طيناً وطلى بالطين عيني الأعمى. وقال له اذهب اغتسل في بركة سلوام الذي تفسيره مرسل فمضى واغتسل وآتى بصيراً.”

هذه عملية خلق أو هي خلقة تصحيحية. فالمسيح هنا يخلق عينين (تك7:2+ أش8:64) كأن عجنة الطين التي خُلِقَ منها الأعمى عادت ليد خالقها الأول يشكل لها من ذات الطين عينين راجع (أر18). ولعاب المسيح يصنع شفاء فهو ينقل من المسيح سر الحياة الجسدية والسليمة والكاملة فهو حي ومحيي وكل جزء من جسده فيه حياة وشفاء. إذهب إغتسل في بركة سلوام= وكان على الأعمى أن يؤمن ويطيع ويغتسل ولو فكر لإمتنع فلو إغتسل لسقط الطين. وبركة سلوام هي بركة تستمد مياهها من نبع عالٍ إسمه حالياً “نبع مريم” وقد حُفِرتْ البركة بقصد توصيل المياه داخل أسوار أورشليم خلال قناة تحت الأرض ليكون هناك مياه في أورشليم أثناء حصارها. وربما حفرت من أيام سليمان. ومعنى كلمة سلوام= المرسل لأن مياهها مرسلة من مكان آخر، وليست نابعة من مكانها، بل منحدرة ومرسلة إليها من نبع آخر أعلى كأن المسيح يقول أن من يشفي الأعمى أي المسيح نفسه هو مرسل من الله. والإغتسال فيه معنى المعمودية والمعمودية هي موت وقيامة مع المسيح المرسل من الله= سلوام (رو3:6-5) وهذا هو الخلق الجديد. وسماها إشعياء “شيلوه” (6:8) بمعنى مرسلة. وقد ردمت مع الزمن وأعيد إكتشافها. وهي لها إتصال وثيق بخدمة الهيكل لذلك إعتبرت مياهها مقدسة وكانت تستخدم مياهها في طقوس عيد المظال. والرب أرسل الأعمى ليغتسل فيها، والإغتسال في مياه مقدسة هو المعمودية. فالماء له دور في الخلقة الجديدة لذلك أرسله المسيح إلى الماء. وكانت المياه مياه جارية لإنحدار القناة من البركة العليا للبركة السفلى. والمعمودية تسمى الإستنارة في العهد الجديد. وهذه البركة ترمز للمسيح (أش6:8) وبالذات لخلاص المسيح الهادئ، وفي (أش6:8) نجد مقارنة بين خلاص المسيح الهادئ وبين المياه القوية والكثيرة التي كانت ترمز للقوى الإنسانية التي يتصورها اليهود لخلاصهم، فهم يريدون مسيحاً يقود جيوش. وهذه النبوة تشير لأن اليهود رفضوا المسيح “رذلوا مياه شيلوه الجارية” ولاحظ أن المسيح ذهب للأعمى دون أن يسأله أحد، رمزاً لأنه أتى لتجديد خلقة البشر دون أن يسأله أحد (أش1:65) نلاحظ أن الطين يفسد العين السليمة، أي الطين يزيد حجم المشكلة. وهكذا في بعض الأحيان نتصور أن الله يعقد المشكلة. كما حدث للشعب فالبحر أمامهم وفرعون وراءهم.

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى