1يو1:1 الذي كان من البدء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا

 

اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ. (1يو1:1)

+++

تفسير القديس أغسطينوس

” الذي كان من البدء الذي سمعناه الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته ايدينا من جهة كلمة الحياة ” . من كان يستطيع ان يلمس الكلمة لولا أن “الكلمة صار جسداً” ( يو 1: 14).

لقد صار الكلمة جسداً ولمسناه منذ أن تجسد من العذراء ، ولكن وجوده لم يبدأ من ذلك الحين لان الرسول يقول ” الذي كان من البدء ” ( 1يو 1:1). لاحظوا كيف تدعم رسالته شهادة أنجيله حيث يقول ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الله الكلمة ” ( يو 1:1). وربما يأخذ احد عبارة ” من جهة كلمة الحياة” انها نوع من التعبير اللغوي عن المسيح ولا يقصد بها جسد المسيح الذي لمسناه بايدينا. لنرى ماذا قال الرسول بعد ذلك ” الحياة اظهرت” ، المسيح اذن هو كلمة الحياة  ولكن أين ظهرت وبای شکل؟ انه كان من البدء ولم يظهر للبشر فقط ولكن للملائكة الذين نظروه واقتاتوا به كطعام لحياتهم ولكن ماذا يقول الكتاب “أكل الناس طعام الملائكة” ( مز 25:78) الحياة أظهرت في الجسد لانها استعلنت وصارت ظاهرة ، وهكذا صار الذي كان لايمكن رؤيته الا بالقلب ، صار ممکناً ان نراه بعيوننا لكي يشفي قلوبنا ، بالقلب فقط يمكننا أن نرى الكلمة ولكن الجسد يمكن أن نراه بالاعين ، كان لنا الوسيلة التي يمكنها ان ترى ( الجسد ) ولكن بنفس الوسيلة لا يمكن ان نرى الكلمة ، لقد صار الكلمة جسداً لکی نراه بعيوننا فيشفي داخلنا ما نستطيع به أن نرى الكلمة.

فاصل

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

الذي كان من البدء، 

الذي سمعناه، 

الذي رأيناه بعيوننا، 

الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة” [1].

لاق بالرسول يوحنا أن يبدأ رسالته بهذه الشهادة القوية، لأنه كان أكثر التلاميذ والرسل دالة عند ربنا. انفرد باتكائه على صدره (يو 13: 23)، فتشرّب منه أسرارًا عميقة، وعاين مع يعقوب وبطرس أمجاد الابن على جبل تابور (مت 17: 1)، ورافق ربنا في خدمته حتى الصليب، متسلمًا منه الأم الحنون العذراء مريم أمًا له (يو 19: 25-27)، ونظر ولمس مع التلاميذ آثار جراحات ربنا القائم من بين الأموات (لو 24: 39).

ولعل القديس يوحنا كان في ذلك الوقت الرسول الوحيد الذي كشاهد عيان للرب لم ينتقل بعد، لذلك قال “الذي كان من البدء“، أي الأزلي غير المنظور، هذا صار جسدًا. أخذ ناسوتًا حقيقيًا هذا “الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا“، أي جاء الابن متأنسًا، فسمعناه ورأيناه ولمسناه، فأدركته قلوبنا “من جهة كلمة الحياة“. جاءنا لكي نراه من جهة الناسوت، فتتلامس معه أرواحنا، وتحيا به، إذ هو الإله الحي مصدر الحياة (يو 1: 1، 3).

وكما يقول القديس أغسطينوس: [من كان يستطيع أن يلمس اللَّه الكلمة لو لم يكن الكلمة قد صار جسدًا وحلَّ بيننا؟! لقد أخذ الكلمة المتجسد بداية ناسوته من مريم العذراء، لكن ليست هذه هي بداية الكلمة، إذ يقول الرسول: “الذي كان من البدء”، شريك الآب في الأزلية.] 

جاء الكلمة متجسدًا لكي يعلن للبشر محبته لهم. فهو لا يريد أن يكون غريبًا عنهم بل قريبًا إليهم، يسمعون صوته في داخل نفوسهم ويرونه بقلوبهم، وتلمسه حياتهم الداخلية. وبهذا يتمتعون بكلمة الحياة، إذ يقول الرسول: “لا تقل في قلبك من يصعد إلى السماء، أي ليحدر المسيح. أو من يهبط إلى الهاوية، أي ليصعد المسيح من الأموات. لكن ماذا يقول؟ الكلمة قريبة منك في فمك وفي قلبك” (رو ١٠: ٦-٨).

ويعلق العلامة ترتليان على هذا النص فيقول: بأن اللَّه لا يراه أحد ويعيش (خر 33: 20؛ يو 1: 18). فالآب غير منظور، والابن غير منظور، لكنه أخذ جسدًا فصار منظورًا. هذا الابن، الذي وحده له عدم الموت، “ساكنًا في نورٍ لا يُدنى منه” (1 تي 6: ٦) أخذ جسدًا فمات عنا (1 كو 15: ٣) وصار منظورًا (1 كو 15: 8). لكن عندما رآه الرسول لم يكن قادرًا أن يبصره من أجل بهائه (أع ٢٢: ١١)، ولم يستطع بطرس ويعقوب ويوحنا أن يحتملوه (مت ١٧: ٦؛ مر ٩: ٦). 

إذن جاء الابن الكلمة متجسدًا حتى تسمعه مع يوحنا وبقية التلاميذ ينادي الخطاة والعشارين بأسمائهم مترفقًا بهم بلا عتاب أو توبيخ. تسمعه بأذنين نقيتين يغفر لك خطاياك، مصالحًا إياك مع أبيه، دافعًا ثمن المصالحة: دمه الثمين.

وتشاهده يبحث عنك كراعٍ صالحٍ وأبٍ حقيقيٍّ. يذهب بإرادته إلى الصليب ويفتح جنبه حصنًا وسترًا لك، ترى فيه الأحشاء الملتهبة حبًا لك. تراه قائمًا من بين الأموات، صاعدًا إلى السماوات، فيرتفع قلبك به ومعه ويستقر فيه، لتكون حيث هو جالس. 

تلمسه مع أمه العذراء مريم فتشتاق إليه، مقدمًا نفسك عروسًا بتولاً عذراء نقية له، وتلمسه مع تومًا معترفًا بألوهيته وربوبيته. تلمس قدميه مع المرأة الزانية، وتغسلهما بدموعك. فلا يستنكف منك بل يطوِّبك ويباركك. لا يرفض لمسات يدك ولا يستخف بدموعك، بل يحرص عليها كجواهرٍ ثمينةٍ لديه.

لأجلي ولأجلك جاء ربنا متجسدًا حتى تتمتع بالحياة التي أظهرها لنا “فإن الحياة أظهرت” [2]. وكما يقول القديس أغسطينوس: [لقد ظهر المسيح… كلمة الحياة بالجسد للبشر. في البدء ظهر للملائكة لا للناس، فعاينوه واقتاتوا به كخبز لهم. والآن صار خبزًا لنا إذ يقول الكتاب: “أكل الإنسان خبز الملائكة” (مز 78: 25).] 

كما يقول: [لقد أُظهرت الحياة في الجسد، حتى أن من يمكن رؤيته بواسطة القلب وحده يُرى أيضًا بالعينين، حتى تُشفى القلوب.]

ويقول العلامة ترتليان: [لقد جاء المسيح لكي يظهر ذاته كحياة للنفس البشرية، مخلصًا الإنسان من موته الروحي، وليس بقصد الكشف لنا عن أسرار النفس.]

هذا هو غاية تجسد الكلمة. هذا هو ما رآه التلاميذ وشهدوا به. 

v عندما يقول: “الذي كان من البدء” يشير إلى ميلاد الابن الذي بلا بداية، إذ هو موجود أزليًا مع الآب. ففعل “كان” هنا يعني “الأزلية”، بكونه الكلمة نفسه، أي الابن الذي هو واحد مع الآب، ومساوي معه في الجوهر، أزلي غير مخلوق. وعندما يقول: “لمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة” لا يعني جسد الابن مجردًا بل قوته أيضًا.

القديس أثناسيوس الرسولي 

v يظن كثيرون أن هذه الكلمات تنطبق على ظهورات يسوع بعد القيامة. يقولون بأن يوحنا يتحدث عن نفسه وعن التلاميذ الآخرين، الذين سمعوا أولاً أن الرب قد قام، وبعد ذلك رأوه بأعينهم، لدرجة أنهم لمسوا قدميه ويديه وجنبه، وتحسسوا آثار المسامير. فإنه إن كان توما هو الوحيد الذي تلامس معه بالفعل جسديًا، فقد كان ممثلاً للآخرين. فقد طلب منهم المخلص أن يلمسوه ويروا ذلك بأنفسهم (لو 24: 39). 

لكن آخرين رأوا في هذه الكلمات معنى أعمق، مدركين أنهم لم يتحدثوا على مجرد اللمس، بل أيضًا عن تدبير “كلمة الحياة الذي من البدء”. فإلى من يشير هذا إلا إلى الذي قال: “أنا هو الذي هو” (خر 3: 14). 

يوجد تفسير آخر وهو أننا نرى علانية بأعيننا ذاك الذي كان من البدء، الذي تحدث عن الناموس والأنبياء أنه سيجيء. لقد جاء حقًا ونُظر في الجسد، وبعد معالجة ضخمة للنصوص الكتابية التي تشهد له. هذا ما نؤمن به بخصوص كلمة الحياة.

القديس ديديموس الضرير 

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

أية 1 :- اَلَّذِي كَانَ مِنَ الْبَدْءِ، الَّذِي سَمِعْنَاهُ، الَّذِي رَأَيْنَاهُ بِعُيُونِنَا، الَّذِي شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا، مِنْ جِهَةِ كَلِمَةِ الْحَيَاةِ

الذى كان من البدء  = أى الأزلى، الكائن قبل كل الموجودات الذى سمعناه…. = أى تجسد، الله الأزلى غير الزمنى صار زمنياًً، وبعد أن كان غير منظوراً صار منظوراً وتلامسنا معه. وهذه هى نفس بداية إنجيل يوحنا “والكلمة صار جسداً” (يو1: 14).

سمعناه … رأيناه … شاهناه … لمسته أيدينا … 

v     معرفة يوحنا إختبارية معاشة فهو عاش مع المسيح ثلاث سنين ونصف. 

v     المعرفة هنا متدرجة فالرؤيا اقوى من السمع والمشاهدة أقوى من الرؤية فالمشاهدة هى نظرة تأملية أى قضاء وقت فى التأمل أما الرؤية فهى نظرة سريعة. أما التلامس فهو أقوى من المشاهدة. 

v     هل هذه الخبرة قاصرة على يوحنا تلميذ المسيح الذى عايشه سنوات على الأرض ؟ لا فالروح القدس يعطينا نفس الشئ دون أن نرى المسيح بالجسد (يو16: 13-16). وهذا نحصل عليه بالإيمان، الروح القدس يعطينا أن نتلامس مع حقيقة محبته وغفرانه فنقترب اليه بدموعنا كالمرأة الخاطئة نطلب المغفرة. ويعطينا الروح أن نحبه إذ نتلامس مع صفاته، نستمتع به ونشتاق إليه، ونشعر بمجده كما لو كنا رأيناه، بل افضل، فطوبى لمن آمن ولم يرى، بل هناك من رأوه بالجسد ولم يدركوه، فصلبوه، أما الروح فيعطينا أن نعرفه حقيقة، وفى معرفته حياة (يو17: 3). 

v     يقصد يوحنا بهذا أن المسيح تجسد حقيقة وبالذات بقوله لمسته أيدينا ليرد على الهراطقة الذين قالوا أن جسد المسيح كان جسداً خيالياً (هرطقة الدوسيتيين) وهؤلاء قالوا أن الذى من البدء أى الله الأزلى لم يكن هو يسوع الذى عرفناه. وقول يوحنا هنا يعنى أن جسد المسيح كان جسداً حقيقياً. من جهة كلمة الحياة = قوله من جهة يعنى أن ما أقوله عن الذى كان من البدء الذى سمعناه. . . هذا أقوله عن المسيح كلمة الحياة. هو الكلمة وهو الحى، هو كلمة الله الحى بل هو الحياة أى الذى يعطى حياة للخليقة ويجدد الخليقة التى فسدت وماتت، فأتى ليعطيها حياة ” لى الحياة هى المسيح ” (فى1: 21) المسيح هو الكلمة (يو1: 1). وهو الحياة (يو1: 4). هو كلمة الله الحى الذى كان مع الأب والروح منذ الأزل. وهو كلمة الحياة لأنه ينبوع الحياة لكل بشر. أتى لتكون لنا حياة روحية وأبدية على الأخص. ويوحنا حين سمع و تلامس مع المسيح أدرك أنه أتى ليعطى البشر حياة. ونحن الأن ندرك هذا بالروح القدس. والمسيح تجسد لندرك نحن هذه الحقيقة وتكون لنا هذه الحياة.

فاصل

زر الذهاب إلى الأعلى