رو1: 19

إِذْ مَعْرِفَةُ اللهِ ظَاهِرَةٌ فِيهِمْ، لأَنَّ اللهَ أَظْهَرَهَا لَهُمْ،“(رو1: 19)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” إذ معرفة الله ظاهرة فيهم ” (رو1: 19)

غير أن هذا لا يعتبر دليل، بقدر ما يمثل دينونة عليهم. لكن بين لي كيف أن معرفة الله كانت ظاهرة فيهم، وأنهم بإرادتهم قد احتقروها، فمن أين يتضح أنها كانت ظاهرة؟ هل نادي إليهم من السموات؟ لم يحدث هذا ، لكن الله الذي استطاع أن يجذب هؤلاء بواسطة أقواله، قد وضع أمامهم الكون، حتى أن الحكيم والجاهل، السكيثي والبربري، يستطيع أن يرى بعيونه ويفهم جمال الأشياء المرئية. وهذا كله يقوده إلى معرفة الله ولهذا قال:

” لأن أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات بمجد قدرته السرمدية ولاهوته ” (20:1).

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

إن كان الله قد أعطى اليهود الناموس الموسوي، فإنه لم يهمل الأمم ولا تركهم بلا شاهد لنفسه بينهم، فقد أعلن نفسه خلال الطبيعة المنظورة، إذ يقول: “إذ معرفة الله ظاهرة فيهم، لأن الله أظهرها لهم، لأن أموره غير المنظورة تُرى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات، قدرته السرمدية ولاهوته، حتى أنهم بلا عذر” [20].

الله لم يترك نفسه بلا شاهد فإن السماء تحدِّث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه (مز 19: 1). يُعلن قدرته السرمدية ولاهوته خلال أعمال الخليقة الفائقة، التي أقامها بكلمته، لا لاستعراض إمكانياته، وإنما من أجل أعماق محبته لنا. فحب الله الفائق غير المنظور نلمسه خلال رعايته العجيبة، إذ قدّم لنا هذه المصنوعات لراحتنا.

بينما يتهم الرسول بولس البشر أنهم يحجزون الحق بالإثم [18]، وكأن الإنسان يتفنن في اختراع الطرق الأثيمة المتنوعة ليحجز “الحق” فلا يُعلن، إذ بالله يُعلن “الحب” لنا بطرق متنوعة خلال المصنوعات المباركة التي هي من عمل يديه. الإنسان يستميت في حجز الحق، والله يبذل لإعلان الحب السرمدي!

يرى القديس أغسطينوس في هذا القول الرسولي أن الله يقدم لنا العالم كعطية نستخدمها و ليس نتلذذ بها، فنرى خلالها أموره غير المنظور، نمسك بالروحيات والسماويات خلال الماديات والزمنيات.

يُعلّق القدّيس أمبروسيوس على التعبير “قدرته السرمدية”، قائلاً: [إن كان المسيح هو قدرة الله السرمدية، فالمسيح إذن سرمدي.]

هذا وإذ يحجز الإنسان الحق بالإثم يسقط تحت الغضب الإلهي [18]، أمّا من يرجع إليه بالتوبة فيسمع الصوت الإلهي: هلم يا شعبي أدخل مخادعك وأغلق أبوابك خلفك، اختبئ نحو لُحيظة حتى يعبر الغضب، لأنه هوذا الرب يخرج من مكانه، ليعاقب إثم سكان الأرض فيهم، فتكشف الأرض دماءها ولا تغطي قتلاها فيما بعد” (إش 26: 20-21). ما هي المخادع التي تدخل فيها إلا الحياة السرية في المسيح يسوع حيث فيه نختبئ من الغضب، ونصير موضع سرور الآب! وأمّا قوله هوذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب…” إنما يعني أنه يودّ أن يبقى في مكانه يُعلن حُبّه ورحمته، لكن إصرار سكان الأرض على الإثم تلزمه أنه يعاقب!

تفسير القمص متى المسكين

19:1 «إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم ».

” ظاهرة ” و ” أظهرها : φανερόν ἐφανέρωσεν

هذه لغة الإدراك المباشر وليس المعرفة الملقنة أو العلمية، لغة الإدراك الفطري ، فالله في ذاته مدرك كامل يذرك ولكن لا يذرك كماله ، وإدراك الله ليس بالعقل المادي الذي يعيش على المنظور المقاس، بل بالوعي الفطري لأن الله خفي لا يمكن أن يظهر للحواس .

ولـكـن ق. بولس لا يقصد المعرفة الباطنية في داخل الإنسان، بل المعرفة المعلنة في المنظورات خفيا. فالإنسان إذا نظر إلى السماء والطبيعة من حوله، وفي تعامله الوثيق مع الخليقة من نبات ، وحـيـوان وإنسان، يدرك الله الذي صنع كل شيء ووراء كل شيء بحس لا يخطىء، فإذا خضع لهذا الإحساس بدأ يعلن عن وجود الله أكثر فأكثر. ولكن أخطر ما يقترفه الإنسان في حياته هو أنه عندما يحس بالله ويبدأ يتعرف عليه من واقع الحياة حوله، لا يبدي الخضوع والاعتراف به فيتجاهل صـوتـه و وجـوده . على أن قصة حياة كل القديسين منذ بدء الدهور تبدأ من هنا، عندما أحس كل مـنـهـم بالله ، فبدأ يكرمه ويمجده ويخضع له ويطيع وخيه، وبدأ الله يقترب إليه ويضمه ويعلن له ذاته أكثر فأكثر. هذه خبرة ق . بولس في توراته وفي علاقاته بالله ، فهو يتكلم عن خبرة ويقين المكتوب .

 وق . بولس شرح هذا الفكر بأكثر وضوح في أحد المواقف :

+ «أيها الرجال لماذا تفعلون هذا (كاهن الوثن أراد أن يقدم ذبائح لبولس و برنابا باعتبارهما آلهة هبطت من السماء)، نحن أيضاً بشر تحت آلام مثلكم نبشركم أن ترجعوا من هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها ، …، مع أنه لم يترك نفسه بـلا شـاهـد وهـو يفعل خيراً، يعطينا من السماء أمطاراً وأزمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاماً وسروراً . » (أع 14: 15 و17)
+ « الإله الذي خلق العالم وكل ما فيه هذا إذ هو رب السماء والأرض لا يسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي ولا يخدم بأيادي الناس كأنه محتاج إلى شيء. إذ هو يعطي الجميع حياة ، ونفساً وكل شيء، وصنع من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون على كل وجه الأرض . وحـتـم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم، لكي يطلبوا الله لعلهم يتلمسونه فيجدوه ، مع أنه عن كل واحد منا ليس بعيداً لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد . » (أع 17: 24-28)

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (19): “إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم.”

إنهم يحجزون الحقيقة بسبب إنكارهم لله وعبادتهم الفاجرة للأوثان فهل لهم أن يعتذروا بأنه لم يكن لهم ناموس؟ الإجابة لا عذر لهم.

لأن المعرفة الحقيقية عن الله يستطيع العقل البشري أن يتوصل لها. فالله أعد عقول البشر ليهتدوا إليه، الله غرس بذرة الإيمان في كل إنسان. والله أعطي أيضاً لكل إنسان ضمير يعرف به الحق (رو14:2،15). فمجرد التأمل في خلقة الإنسان أو العالم أو الكون يثبت ضرورة وجود هذا الإله. وكثيرون من الفلاسفة شعروا بهذا وقالوا أن الإوثان خرافة وانه لابد أن يكون هناك إله وراء هذه الطبيعة ينبغي أن نعبده. وهذا الشعور بوجود إله ندركه من خلال أعماله هو ما يميز الإنسان عن الحيوان. ولاحظ قبول الأطفال لله ومحبتهم له وتصديقهم للحقائق الإلهية. إذاً إن كان الله قد أعطي لليهود ناموس موسي، فهو أعلن عن نفسه للوثنيين خلال الطبيعة المنظورة (مز1:19) فالله لا يبقي نفسه بلا شاهد.

تفسير د/ موريس تاوضروس

 إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأن الله أظهرها لهم : هؤلاء الوثنيون يتنكرون لله علي الرغم من أن المعرفة الحقيقية عن الله – بقدر مايستطيع العقل البشري أن يكتسب – ظاهرة لعقولهم وأفكارهم، لأن الله قد اعد عـقـولـهـم لـتـقبلهـا وأظهـرهـا لهم بكل وضوح، إن بذرة الإيمان غرسها الله في كل إنسان، وكل فكر مستقيم وعـقل سليم يهتدي بطبعه اليها، فإن الله ولم يترك نفسه بلاشاهد. بالطبيعة يتجه الإنسان إلى الإيمان بالله، وإن كان يمكن أن لاتكون للإنسان فكرة سليمة عن الاله الذي يؤمن به ، ويشـيـر سـفـر الأعمال إلى المفاهيم الخاطئة عن الألوهية فالجمـوع لما رأوا مـافـعل بولس رفعوا صوتهم بلغة ليكاؤنية قائلين أن الآلهة تشبـهـوا بالناس ونزلوا إلينا فكانوا يدعون برنابا زنس وبولس هرمس إذ كـان هـو المـتـقـدم في الكلام، فـأتـي كـاهـن زفس الذي كان قدام المدينة بثيران وأكاليل عند الأبواب مع الجموع وكان يريد أن يذبح ، فلما سمع الرسولان برنابا وبولس مزقا ثيابهما واندفعا إلى الجمع صارخين وقائلين أيها الرجال لماذا تفعلون هذا، نحن أيضا بشـر تحت الألام مثلكم نبشركم أن ترجـعـوا من هذه الأباطيل إلى الاله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل مـافيهـا الذي في ا الأجيال الماضية ترك جميع الأمم يسلكون في طرقهم، مع أنه لم يترك نفسه بلا شاهد وهو يفعل خيرا يعطينا من السماء أمطاراً وازمنة مثمرة ويملأ قلوبنا طعاماً وسروراً» وهذه الحقيقة عن غريزة التدين والإيمان بالله علي الرغم مما يمكن أن يلحق بها من تشويه ، قد أعلنها الرسول بولس في أثينا «فوقف بولس في وسط أريوس باغوس وقال : أيها الرجال الأثينيون أراكم من كل وجه وكانكم متدينون كثيراً، لأنني بينما كنت أجنـاز وأنظر إلي مـعبـوداتكم وجدت أيضـا مذبحاً مكتوبا عليه لإله مجهول. فالذي تتقونه وأنتم تجهلونه هذا أنا أنادي لـكـم به. الاله الذي خلق الـعـالـم وكل مـافـيـه، هذا إذ هو رب السماء والأرض لايسكن في هياكل مصنوعة بالأيادي ولا يخدم بأيادي الناس كأنه محتاج إلي شيء إذ هو يعطي الـجـمـيـع حـيـاة ونفـسـا وكل شيء، وصنع من دم واحد كل أمة من الناس يسكنون علي كل وجه الأرض وحتم بالأوقات المعينة وبحدود مسكنهم، لكي يطلبوا الله لعلهم يتلمسونه فيجدوه أنه مع عن كل واحد منا ليس بعيداً لأننا به نحيا ونتحرك ونوجد، كما قال بعض شعرائكم أيضا لأننا أيضا ذريته، فإذ نحن ذرية الله لا ينبغي أن نظن أن اللاهوت شـبـيه بذهب أو فـضـة أو حـجـر نقش صناعة واختراع إنسان فالله الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضيا عن أزمنة الجهل.

تفسير كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

ع19: ليس هناك عذر للإنسان بادعائه عدم معرفته بالله، لأن صوته داخله وهو الضمير.

رو1: 18 رسالة رومية رو1: 20
رسالة رومية – أصحاح 1
تفسير رومية 1 تفاسير رسالة رومية

 

زر الذهاب إلى الأعلى