رو7: 8 …لأن بدون الناموس الخطية ميتة

وَلكِنَّ الْخَطِيَّةَ وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ أَنْشَأَتْ فِيَّ كُلَّ شَهْوَةٍ. لأَنْ بِدُونِ النَّامُوسِ الْخَطِيَّةُ مَيِّتَةٌ. “(رو7: 8)

+++

تفسير القديس يوحنا ذهبي الفم

” ولكن الخطية وهى متخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة ” (رو8:7).

أرأيت كيف أنه برأ الناموس من الإدانة؟ لأنه بعدما أظهر الدافع، يقول إن الخطية وليس الناموس، هي التي ضخمت الشهوة، الأمر الذي يعتبر دليلاً على الضعف، وليس على الخبث. لأنه عندما نشتهي ثم تمنع من إتمام الشهوة، تزداد اشتعالاً أكثر . إلا أن هذا ليس عمل الناموس. لأن الناموس ينهي عن ارتكاب الخطية، لكي يبعد الإنسان عنها، بينما الخطية التي تتمثل في لامبالاتك، وفي الرغبة الخبيثة، استخدمت الشيء الحسن بطريقة سيئة.

ولكن هذا لا يعد إدانة للطبيب، بل للمريض الذي استخدم الدواء بشكل سيئ. فالناموس لم يعط لكي يشعل الشهوة، بل لكي يطفئها. ولكن ما حدث هو العكس، ولذلك فالإدانة ليست موجهة للناموس، بل لنا. فالطبيب الذي يعالج مريضا يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة، وهذا المريض لدية رغبة في شرب ماء مثلج، فمن حق الطبيب بل ومن واجبه أن يمنعه من هذا الفعل، وهو حين يفعل هذا، فهو يزيد من هذه الرغبة، المؤدية إلى ضرره، ولن يدان الطبيب من أجل هذا، لأن له وحده الحق في أن يمنعه، ولكن إذا شرب المريض فالمسئولية تقع على عاتقه. إذا ماذا يعني أن الخطية تأخذ الدافع من الناموس؟ لأن الكثيرين من الخبثاء، زادوا من خبثهم اعتمادا على وصايا صالحة. والشيطان سبق وأضر يهوذا بهذه الطريقة، لأنه جعله يسقط في البخل ويسرق الفقراء . فالضرر الذي لحق به لم يكن راجعا لاستئمانه على خزينة النقود ، بل أن ما أضره هو رغبته الخبيثة . نفس الأمر هو الذي أدى إلى طرد آدم من الفردوس، لأن حواء جعلته يأكل من الشجرة. وحتى في هذه الحالة أيضا لم تكن الشجرة هي السبب، على الرغم من أنها كانت الوسيلة التي دفعت آدم للسقوط. وإن كان الرسول بولس يستخدم الكلمة بحكمة من جهة حديثه عن الناموس، فلا يجب أن ينتابك الشك. لأنه أراد أن يضع حدا لهذا الأمر على وجه السرعة، ودون أن يترك هؤلاء الذين أخذوا كلامه بشكل مختلف، أن يكون لديهم دافعا للخطية. وقد ركز اهتمامه على تصحيح ما يحدث في الزمن الحاضر.

إذن لا نفحص هذا الكلام الذي قيل هنا هكذا بدون دقة، بل علينا أن نعرف الدافع الذي جعله يقول كل ذلك، وعليك أيضا أن تفكر في هوس اليهود ورغبتهم الشديدة في الجدال، وهذا ما يريد الرسول بولس أن يمحوه ، ومن الواضح أنه قاسي جدا أثناء حديثه عن الناموس، لا لكي يدينه، ولكن لكي يبطل حجة اليهود. لأنه إن كانت هناك إدانة للناموس، باعتبار أن الخطية اتخذت فرصة بالوصية، فإن هذا سيحدث في العهد الجديد. لأنه بالحقيقة توجد وصايا كثيرة جدا في العهد الجديد متعلقة بأمور أكثر أهمية. ويستطيع المرء أيضا أن يرى نفس الشيء يتكرر، ليس فقط بالنسبة للشهوة، بل بالنسبة لأى خطية بشكل عام. لقد قال المسيح له المجد ” لو لم  أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية”. وهكذا صارت الخطية ظاهرة، وأيضا العقاب الشديد المترتب عليها. وعندما تكلم الرسول بولس عن النعمة أيضا، يقول ” فكم عقابا أشر تظنون أنه يحسب مستحقاً من داس ابن الله “. وبالتالي فإن سبب العقاب الأشر يكون من الازدراء بروح النعمة، برغم عطايا النعمة الوفيرة جدا. ولهذا السبب أيضا فإن اليونانيين مدانيين، كما يقول الرسول بولس، لأنه على الرغم من أنهم كرموا بعطية العقل ـ التي وهبها الله لهم ـ وأدركوا جيدا جمال الكون، وكان يجب من خلاله أن ينقادوا إلى معرفة خالقه، إلا أنهم لم يستخدموا الحكمة الإلهية كما ينبغي.

أرأيت أنه في كل موضع يؤكد على أن الدوافع لعقاب الأشرار، تأتي بالأكثر من سوء استخدام الأمور الصالحة؟ لكن من المؤكد أننا لن لدين إحسانات الله لهذا السبب، بل سوف نقدرها بالأكثر، بينما سندين رغبة هؤلاء الذين يستخدمون الأمور الصالحة لممارسة عكس ما تهدف إليه . إذا فهذا هو ما  ينبغي أن نفعله في حالة الناموس. ومن المؤكد أن ذلك يعد أمرا بسيطا وسهلاً، بينما الغير المفهوم هو قوله ” فإننى لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس لا تشته”؟ لأنه إن لم يعرف الإنسان الشهوة قبل أن يأخذ الناموس، فمن أين أتى الطوفان؟ ومن أين أتى حرق سدوم؟ ماذا يعني الرسول بولس بهذه العبارة؟ إنه يعني ازدياد الشهوة. ولهذا لم يقل أثار ي شهوة، لكن “كل شهوة”، وهو يعني هنا الشهوة المفرطة. وما هي الفائدة من الناموس لو أنه جعل الشهوة تزاد فينا؟ لا يوجد أي فائدة من وراء هذا، بل على العكس فإنه يسبب خسارة كبيرة . غير أن اللوم لا يوجه للناموس، بل لأولئك الذين قبلوه. لأن الخطية أثارت الشهوة المفرطة، ولكن هذا لم يكن موضع اهتمام الناموس، بل إن اهتمامه كان على عكس من ذلك. إذا الذي ظهر بوضوح، هو أن للخطية قوة كبيرة في إثارة الشهوة . غير أنه ولا هذا الأمر أيضا يعد لوما موجها للناموس، بل موجه ضد أولئك الجاحدين.

” لأن بدون الناموس الخطية ميتة ” بمعنى أنها ليست معروفة بهذا القدر. لأنه من المؤكد أن الذين عاشوا قبل أن يعطى الناموس قد أخطأوا، وهذا يعني أنهم قد عرفوا حجم الخطية بعد إعطاء الناموس . ولذلك كانوا موضع مساءلة لإدانة أكبر. هكذا فإن هناك فرق بين أن يدين المرء نفسه، وبين أن يصاحب الناموس الذي يعلن هذه الإدانة بوضوح .

تفسير القمص متى المسكين

8:7 « ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة، لأن بدون الناموس الخطية ميتة» .

 هنا بولس الرسول يصف الوضع البشري العام للإنسان ككيان عندما دخل تحت الناموس . وقد واجه الخطية لأول مرة. هنا أمران يظهران معاً في نفس الوقت : الأول، أنه بمجرد أن يدخل الناموس شيئاً كان مباحاً سابقاً على أنه من صميم طبيعة الإنسان، وهو الشهوة، يدخله تحت المنع المحتم والحظر، ففي الحال تتحرك الشهوة نحوه بحسب القانون الفطري : « كل ممنوع مرغوب » ؛ « المياه المسروقة حلوة، وخبز الخفية ( المسروق) لذيذ» (أم 9: 17)؛ الثاني، أنه بمجرد الإعلان عن الـشـهـوة أنهـا محـظـورة كخطية، فإنها تكون قد دخلت تحت المعنى القضائي «التعدي». وبهذا برزت الخطية كعنصر مناوىء للإنسان لم يكن موجوداً سابقاً .

«متخذة فرصة » : 

هذا اصطلاح حربي. فكلمة «متخذة فرصة » تعني حرفياً «أخذ المبادرة». وهو في الحرب يشير إلى الخصم المتعدي أولاً. فالإنسان هنا في موقف المحايد تجاه الناموس والخطية، ولكن الخطية هي التي بدأت المبادرة بالحرب ، ووسيلتها في اتخاذ أول خطوة للحرب هي الناموس. لأن الوصية الناموس تقول: «لا تشته»، والشهوة قائمة بطبيعتها في الإنسان، قد تميل إلى الخير كما قد تميل إلى الشر بالتساوي ، حسب إيعاز حب المعرفة. هنا الوصية أثارت في شهوة الإنسان الميل إلى معرفة ما عساه أن يكون وراء النهي . وهنا تماماً تبدأ الخطية تتحرك بحركة الشهوة نحو المخالفة الصريحة ، أي معرفة الشر التي ينهى عنها الناموس! وهي التي بعينها أسقطت آدم. فشجرة معرفة الخير والشر ستظل تتابع الإنسان حتى النهاية : الخطية تدفع لمعرفة الشر، والنعمة تدفع لمعرفة الخير. في الأولى محاولة للتأله اختطافاً، وفي الثانية تأله[1] بدعوة من الله ومؤازرة .

ويلاحظ هنا أن بـولـس الـرسـول يـشـرح كـيـف أن الخطية التي كانت ميتة قبل أن يجيء الناموس، بدأت تحيا بالناموس لتنشىء الموت للإنسان. ولكن في الحقيقة إن استعداد الخطية موجود في الإنسان، والخـطـيـة لـم تـكـن ميتة إلا بالنسبة لانتباه الإنسان ، لأن الخطية لا وجود لها إلا بالفعل. فالناموس كشف عن استعداد الإنسان للخطية، والإنسان هو الذي يحول الاستعداد إلى فعل. وفي هـذا يـشـكـر الناموس الذي يفضح استعداد الإنسان للخطية، ويلام الإنسان الذي حول استعداد الخطية إلى فعل تعد بإرادته وحب استطلاعه لمعرفة الشر.

تفسير القمص أنطونيوس فكري

آية (8): “ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت فيّ كل شهوة لأن بدون الناموس الخطية ميتة.”

الخطية كانت ميتة بالنسبة لإنتباه الإنسان، أي أن الإنسان لم يكن منتبهاً إليها كعنصر شرير مفسد وقاتل. ولكنها كانت موجودة بالفعل يمارسها الإنسان دون أن يعيها أو يعي خطورتها، وكانت تقتله دون أن يدري. هذه الآية تشبه ما قاله السيد المسيح “لو لم أكن قد جئت وكلمتهم لم تكن لهم خطية” (يو22:15).

بدون الناموس الخطية ميتة = لا يعني الرسول أن الخطية لم يكن لها وجود بدون الناموس، بل يعني أن عملها ونشاطها كان أشبه بحالة من الموت بدون الناموس:- مثال ثعبان في الشتاء يكون متجمداً ويكون أشبه بميت وحينما تسطع الشمس بحرارتها (الناموس) يتحرك الثعبان ويعود للحياة. هنا يُشْكَرْ الناموس الذي يفضح استعداد الإنسان للخطية، لقد أظهر الطبيعة المتمردة التي فيَّ، وزادت خطية العناد. هذا معني الممنوع مرغوب. هذا ما جعل الوصية تثير فيَّ شهوة الخطية. ويُلام الإنسان الذي حَوَّل إستعداد الخطية إلي فعل تعدٍ بإرادته وحب إستطلاعه للشر. ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية= متخذة فرصة تعني أنها قد أعلنت الحرب ضدي وأثارت فيَّ شهواتي بدافع أن كل ممنوع مرغوب (هذه هي طبيعة العصيان والتمرد التي صارت في الإنسان بعد السقوط) كما أقول لإنسان إفتح كل هذه الدواليب، ما عدا هذا الدولاب، ستجده يفتحه وربما أول دولاب يقوم بفتحه). وهذا ما جعل سليمان يقول أن المياه المسروقة حلوة (أم17:9). ولنعلم أن الإنسان بالناموس الطبيعي أي الضمير كان يعرف أن الخطية خاطئة، وجاء الناموس يحددها ويحدد الشهوة بدقة. وكان الإنسان يعرف الشهوة قبل الناموس (سدوم وعمورة /زوجة فوطيفار..) لكن الناموس كشفها للخارج وقننها (صارت لها قوانين). ولنلاحظ أن بولس الذي كان بلا لوم من جهة البر الذي في الناموس كان شاعراً بأن فيه كل شهوة. كانت الخطية الساكنة فيه هي التي أنشأت فيه كل شهوة بسبب الطبيعة الفاسدة. والخطية إنتهزت فرصة بالوصية، هذه إقتبسها بولس الرسول من تصرف الحية مع حواء أي يمكن تعديل الآية ووضع كلمة إبليس بدلاً من الخطية. ومنذ سقط آدم صار كل ممنوع مرغوب بسبب طبيعة التمرد والعصيان التي صارت في آدم.

ولكن هل يُعاب الناموس= أبداً ولنقارن بين الشعب اليهودي والأمم الذين وصلوا لإنحطاط غير عادي. إذ قال فلاسفتهم أن الشذوذ الجنسي هو ميزة للسادة لا يجب أن يتمتع بها العبيد، وبهذا إنحطوا بدرجة أقل من الحيوانات، أمّا الناموس فحفظ اليهود وقلل خطاياهم بقدر الإمكان وسيطر عليهم نسبياً فصاروا أفضل من الأمم، وهذا معني أعطيتني الناموس عوناً. فاليهود بلا ناموس كانوا سينحطون لدرجة أقل من الحيوانات كالأمم.

تفسير د/ موريس تاوضروس

“ولكن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية أنشأت في كل شهوة لأن بدون الناموس الخطية ميتة”.

الناموس لـيـس هـو إذن علة الخطيئة وليس هو مصدرها، الخطيئة لاتنبع من الناموس ولكنها تتخذ دافعا لها، محرمات الناموس ، أو كما يقول الرسول تتخذ «فرصـة بالوصية». إن الناموس يكشف عن روح المخالفة والعصيان في الإنسان، وبمعني آخر أن الإنسان العاصي المتمرد تظهر روح عصيانه وشرده في مخالفته لما يأمر به الناموس، الخطيئة إذن تجد في الناموس فرصة لمزاولة نشاطها لأنه حيث لايوجد ناموس يحرم أو يمنع من ارتكاب عمل ما، فإن الخطيئة تكون في حالة موت لو رقاد، فعبارة «بدون الناموس الخطيئة ميتة، لايعني بها الرسول أن الخطيئة لم يكن لها وجود بدون الناموس بل يعني ان عملها ونشاطها كان أشبه بمالة الموت، وذلك في حالة عدم وجود ناموس يلتزم به الإنسان. إن في وصايا الناموس، وجدت الخطيئة ، بما فيها من روح العصيان والتمرد، وجدت فرصة لكي تظهر وتعمل وتخلق مختلف انواع الشهوات والأنشأت في كل شهوة . الخطيئة إذن يجب أن لاترد إلى الناموس اولكن كل واحـد مـجـرب إذا إنجنب وانخدع من شهواته، (یع1: 4).

تفسير كنيسة مارمرقس مصر الجديدة

ع8: كشفت الوصية الخطية، فتعلقت النفس بها بدلًا من أن تتركها؛ أي أن الوصية كشفت لى الشر فسعيت إليه وتعلقت به. وعبارة “بدون الناموس الخطية ميتة”، ليس معناها أن الخطية كانت غير موجودة، بل المعنى أن الإنسان قبل الناموس كان يصنع الخطية كشئ طبيعي في سلوكه اليومى، غير عارف أن هذا السلوك خطية، أي ظن أن الخطية غير موجودة وكأنها ميتة، ثم جاء الناموس فكشف خطاياه.

وعدم تمييز الإنسان للخطية قبل الناموس سببه هو أن الإنسان عوج الضمير الذي كان يميز به الخطأ من الصواب، فاحتاج إلى الناموس لكي يرشده ويكشف له الخطية.

رو7: 7رسالة روميةرو7: 9
رسالة رومية – أصحاح 7
تفسير رومية 7تفاسير رسالة رومية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى