تفسير المزمور 17 للقديس أغسطينوس
عظة في المزمور السادس عشر (بحسب السبعينية)
كنيسة الأرض
كنيسة الأرض المحاطة بالأعداء المُفسدين تستنجد بالله وتشكره على رعايته لها في كلّ يوم، ولها الرجاء الوطيد بالغلبة بتلك الرعاية.
صلاة لداود
1 – ينبغي أن نعزو هذه الصلاة ليسوع المسيح المتحد بالكنيسة التي هي جسده.
2- «أصخ يا ربّ لبرّي، واسمع صلاتي وأمل أذنك إلى تضرعاتي، فإنّ شفاهي لم تعد ماكرة» (17: 1). هذه الصلاة لا تأتيك من شفاه متملقة. «لينبع من وجهك حكمي» (17: 1)، أي فلتُنرني معرفتك ولتجعلني أقضي بالحقِّ أو لا تدع حكمي يصدر عن شفاه ماكرة، بل من نورك، لئلا أنطق بما يُخالف ما أكتشفه فيك. ولتر عيناي الاستقامة»، أي عينا قلبي.
3- «امتحنت قلبي وافتقدته ليلاً» (17: 3) لأن ذاك القلب امتحن عندما ذاق الشدّة. «محصتني بالنار فلم تجد في جوراً» (17: 3) ذاك الإختبار بالشدّة الذي أظهر العدل، يمكن أن يُدعى لا الليل الذي يُقلِقُنا فحسب، بل النار التي تكوينا.
4-« فلا ينطق فمي بحسب أعمال البشر» (17: 4). لئلا يخرج من فمي شيء ينطق بغير مجدك وتسبيحك ؛ لا لأجل ثواب البشر الذين يسلكون ضدّ مشيئتك بل على حسب كلمات فمك» (17: 4)، كلمات سلامك، أو كلمات أنبيائك ؛ «اجتزتُ طرقًا وعرة» (17: 4)، طرق الألم والموت الشاقة .
5 – «لكي أثبت خطاي في سُبُلِك» (17: 5)، لكيما تكمل محبة الكنيسة في تلك الطرق الضيقة التي تقود إلى سكناك . «فلا تزل قدماي» (17: 5) لئلا تمحي معالم عبوري المرسومة كالخطوات، في الأسرار المقدسة وفي كتُبِ رُسُلي، فيتمكّن الذين يتبعون مشيئتي أن يروها ويعرفوها، أو لئلا أتزعزع في الأبدية بعد أن عبرتُ طرقًا وعرة، وطبعت معالم خطواتي في سبلك الضيقة.
6- «أللهم إني دعوتُك لأنك استجبت لي» (17: 6). رفعت إليك صلاتي بقوة وحرارة، لأنك استجبت لي عندما سألتك تلك الحرارة في صلاتي الفاترة. فأمل أذنك إليّ واستمع قولي» (17: 6). ولا تدع رحمتك تتخلّى عن حقارتي.
7- «أشرق بمراحمِك» (17: 7) لئلا تُزدري رحماتك، فتقابل بمحبة باردة .
8 – «أنت يا من تذود عن المعتصمين بك من الذين يقاومون يمينك» (17: 7) أي النعم التي تُسبِعُها عليّ. «إحفظني يا ربّ حِفظَ الحدقة بنت العين» (17: 8) التي تظهر صغيرةً ضيقة، هي التي تعطي القوّة للبصر وتجعلنا نُميّز النور من الظلمة، كما يُميز السلطان الإلهي الأبرار من الخطأة، يوم الدين، بالإنسان يسوع المسيح. بظل جناحيك استرني (17: 8) ، أي ليكن لي حبك الرحيم درعا «يقيني من المنافقين الذين يضطهدونني» (17: 9).
9- «حاصر الأعداء نفسي وحبسوا أحشاءهم عن الرحمة» (17: 9-10). غمرهم فرح جسدي بعد أن أشبعوا بالشر نهمهم. «وأفواههم نضحت بالكبرياء» (17: 10) : أطلقت أفواههم كلمات سفيهة عندما قالوا : «سلام يا ملك اليهود» (مت 27: 29) وسواها من التجاديف المماثلة.
10 – «طردوني، وها هم يُحيطون بي» (17: 11) أخرجوني من مدينتهم، وها هم الآن يُحيطون بي على الصليب. وعزموا أن يوجهوا أبصارهم إلى الأرض» (17: 11). أي أنهم عزموا على أن يُثبتوا قلوبهم في الأمور الأرضية، عندما ألصقوا بالذي ساقوه إلى الموت إثما أراد جلّادوه أن يُعفوا منه أنفسهم .
11 -« قبلوني، كما يقبلُ الأسد فريسة ليبتلعها» (17: 12). رصدوا خطواتي، مثل ذلك العدوّ الذي يجول حولنا ملتمسا ابتلاعنا (1بط 5: 8) «وكالشبل الذي يربض في الستر» (17: 12)، أي كالشبل الرابض في الكمين لكي يُراوغ الصدّيق ويُهلكه.
12– «قم يا ربّ اسبقهم واصرعهم» (17: 13). قم يا ربّ، يا من يحسبونك نائما، غير عابئ بخطايا البشر. إسبق فعاقب مكرهم بالعمى، واصرعهم، لكي يسبق الانتقام إثمهم.
13 – «نج نفسي من المنافق» (17: 13). نج نفسي، واجعلني بالقيامة أنتصر على ذلك الموت الذي أنزله بي الأثَمة . «نج سيفك من أعداء يدك» (17: 14) . نفسي هي سيفُك، ذاك السيف الذي تمتشقه يدك، أو قوّتُك الأبديّة، لكي تُدمّر ممالك الظلم، وتفصل به الأخيار عن الأشرار. ذاك السيف الذي يجب أن يُنتَزَع من أعداء يدك، أي من أعداء جبروتك، من أعدائي. أمحُهم يارب من الأرض وبددهم من أهل الدنيا (17: 14) . أمحُهُم من هذه الأرض التي يسكنونها ، وبددهم في العالم، على مدى هذه الحياة التي يحسبون أنها الوحيدة، من حيثُ أنهم لا يؤمنون بالحياة الأبدية . «بطونهم ملأى من أسرارك» (17: 14) . عقابهم لا يقف عند حدّ القصاص المحسوس، بل إنّ تلك الخطايا التي تحجب عنهم نور حقيقتِك، تشغل بالهم وتنسيهم الله . «شبعوا من لحم الخنازير» (17: 14) أي أنهم استطابوا الأقذار، هم الذين يدوسون بأقدامهم جواهر كلمة الله. “وتركوا فضلاتهم لأطفالهم” (17: 14)، وهم يصيحون : دمه علينا وعلى بنينا (مت 27: 25).
١٤ – «أما أنا فأقف أمامك في يوم عدلك» (17: 15). أنا الذي لم يعرفني أولئك الذين يعجز قلبهم النجس المظلم عن رؤية نور الحكمة : ها أنذا أقف أمام وجهك في يوم عدلك. وأُشبع عند تجلّي مجدك». عندما يستحيل على أعدائي المملوئين رجسًا، أن يعرفوني، سأُسْبَعِ من ذلك المجد الذي تُشرق به في أولئك الذين يعرفونني. في نُسَخ أخرى، نقرأ «شبعوا من الأطفال» Saturati sunt filiis، بدلا من شبعوا من لحم الخنازير Saturati sunt porcing. وهذ الاختلاف فيالترجمة ناتج عن غموض الكلمة اليونانية. إذ ذاك، نفهم بالأطفال، الأعمال. فيكون الأولاد الأخيار الأعمال الصالحة، والأشرار الأعمال السيئة .