غل 12،11:1 وأعرّفكم أيها الاخوة الإنجيل الذي بشرت به
11وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. 12لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ.
+++
تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي
قال المتهودون إن بولس لم يكن رسولاً حقيقيًا، فهو لم يرَ المسيح ولا رافقه؛ إنما الإثنا عشر وحدهم هم بالحقيقة تلاميذ، وهم لم يشيروا إلى إلغاء الناموس بالمسيح. لم يرسل المسيح بولس للتبشير، إنه مجرد ممثل للرسل الأصليين الذين تعلم منهم واعتمد عليهم. وقد جاء دفاع بولس عن رسوليته نابعًا لا عن شعوره بجرح كبريائه، وإنما من أجل قارئيه الذين يتوقف قبولهم لتعاليمه على ثقتهم في موقفه الرسولي.
1. تعليمه مخوّل له من الله نفسه [10-24.] الله وحده هو الذي استطاع أن يحوله من مضطهد للكنيسة إلى كارزٍ في وقت قصير. لقد قبل إنجيله من الرب مباشرة، الذي تنازل وأعلن له كل معرفة دون وساطة بشرية. لقد أخذ الرسول موقفًا حازمًا، وهو أن كل من تجاسر بالكرازة بإنجيل آخر غير الذي بشر به هو في زيارته الأولى التأسيسية لهذه الكنائس فليكن محرومًا، إذ هم بالحق مدانون من قبل الله. ما بشر به هو الأخبار السارة، لا توجد غيرها أخبار سارة!
v إن سُئِلَ بولس أن يثبت بأن اللَّه نفسه هو الذي أعلن له أسراره غير المنطوق بها مباشرة، وهو يقدم حياته الماضية مثالاً مبرهنًا أنه لو لم يكن تحوّله بإعلان إلهي لما حدث ذلك بطريقة مفاجئة.
2. يُذَّكر القديس بولس قارئيه بالخلفية اليهودية التي عاشها، وأسلوب حياته قبل تمتعه بخبرة التحول في الطريق إلى دمشق. كان قائدًا في الديانة اليهودية يحتل مقامًا عظيمًا، الأمر الذي يجاهد المتهودون الناموسيون المقاومون له أن يبلغوه بمزج إنجيل النعمة بالأفكار اليهودية الحرفية. كان يضطهد المسيحيين بإفراطٍ شديدٍ، وكان يتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابه من بني جنسه، إذ كان أوفر غيرة في تقليدات آبائه، وأكثرهم عملاً وحماسًا. لكنه ترك هذا من أجل ما هو أفضل. لقد أخذ إعلان النعمة بطريقة إلهية، وصرح به قبلما يرى أحدًا من الرسل الآخرين بزمنٍ طويلٍ.
v هذا هو بُرهانه؛ إن كانت جهودي ضد الكنيسة نبعت عن باعث ديني لا بشري، مع أن غيرتي كانت خاطئة، فكيف يحركني المجد الباطل وأنا أناضل لحساب الكنيسة وقد اعتنقت الحق؟… ما أن اجتزت إلى تعاليم الكنيسة حتى تخلصت من تعصبي للديانة اليهودية، مظهرًا بهذا غيرة أكثر اتقادًا كدليل على إخلاصي في تحولي، وأن الغيرة التي تملكتني هي من فوق. أية دوافع أخرى إذن أمكنها أن تدفعني إلى هذا التغيير، إذ قايضت الكرامة بالازدراء، وعِوض الطمأنينة دخلت في ضيقات؟ حقًا لا شيء سوى محبة الحق.
3. حقًا حدث تحوله وهو في الطريق إلى دمشق حين كان يضطهد كنيسة المسيح، بل يضطهد المسيح نفسه من أجل “التهوّد”. لكن دعوته بواسطة النعمة الإلهيّة بدأت وهو في بطن أمه [15]، كما فعل اللَّه مع إرميا (1: 5) وإشعياء (42: 1). لقد أفرزه لمهمة خاصة، دعاه، ثم أعلن له عن حقيقة الابن وعمله الفدائي على الصليب، لكي يبشر العالم غير اليهودي.
v لماذا يقول: “أن يُعلن ابنه فيّ” [16] ولم يقل “لي”؟ لكي يُشير إلى أنه لم يتقبل تعليم الإيمان خلال الكلمات فقط وإنما بغنى الروح الذي وهب له – الإعلان الذي أنار نفسه كلها، وأن المسيح صار يتكلم فيه.
“لأبشر به بين الأمم” [16]، فإنه ليس فقط إيمانه، بل واختياره للعمل الرسولي قد انبثقا من اللَّه… كان يجب أن يوجد تمايز بين الكرازة لليهود والكرازة للأمم.
يرى العلامة أوريجينوس في كلمات الرسول الخاصة بفرزه للعمل وهو في بطن أُمه [15] برهانًا على إرسال اللَّه ملائكة حراسًا لنا حتى قبل ولادتنا.
4. حياته الكنسية: لم يتجاهل القديس بولس الذي قبل الإنجيل من السيد المسيح نفسه المجتمع الكنسي، كما سنرى في لفاءاته مع القديس بطرس وغيره من قادة الكنيسة.
5. تظهر سلطة أو قانونية إنجيل القديس بولس في توبيخه للقديس بطرس (2: 11-12)، مبرهنًا بذلك أن القديس بطرس لم يكن أعظم منه كرسولٍ، فقد أشار إلى كيفية توبيخه له جهرًا، إذ سلك بوجهين بخصوص التقاليد اليهودية حين كان في أنطاكية.
يُشير القديس بولس إلى ثلاثة لقاءان مع القديس بطرس وغيره من الرسل، ليؤكد أن اتصالاته الأخوية معهم لم تكن بغرض أخذ تفويض منهم للكرازة.
اللقاء الأول مع القديس بطرس (1: 18-24): يؤكد القديس بولس نوعًا من استقلاله عن رسل أورشليم (عدم الاعتماد عليهم كوكيلٍ عنهم كما ادعى المتهودون)، لكن ليس بأسلوب فردي. فقط بعد عبور ثلاث سنوات من تحوله عن الفريسية اليهودية إلى الكرازة بيسوع بكونه المسيا، ذهب إلى أورشليم “ليتعرف” على بطرس [18.] يقول: “ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي” [17]. يُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على ذلك، قائلاً: [هكذا لا يتحدث بعجرفة إنما ليظهر كرامة مهمته، إذ تكرارًا قالوا بأن الرسل جاءوا قبله، وكانت دعوتهم سابقة له، لهذا يجيب: “ولا صعدت إليهم“. لو كان لزامًا عليه أن يتصل بهم لكان قد أمره المسيح بذلك عندما أعلن له عن مهمته.]
قبل صعوده إلى أورشليم انطلق إلى العربية [17]، ثم رجع أيضًا إلى دمشق [17]. تشير “العربية” غالبًا إلى مدينه جنوب دمشق، في مملكة الـNabataeans وليس إلى منطقة سيناء. لم يسجل الرسول لنا ما فعله خلال هذه السنوات الثلاث. إن كان قد رأى بعض الآباء أن الرسول قد بدأ بالكرازة في الحال لكن كثيرين الآن يفضلون الاعتقاد بأنه كرس حياته في ذلك الوقت للصلاة والتأمل.
v لاحظ هنا تواضعه، إذ لم يتحدث عن نجاحه (في العربية)، ولا عن من هم الذين علمهم وما عددهم. إنما هكذا كانت غيرته (للخدمة) في الحال بعد عماده، إذ حير اليهود، وأثار سخطهم ضده فتربّصوا له مع اليونانيين لقتله، الأمر الذي ما كان يحدث (أي كراهيتهم له) فلجأوا إلى القتل. هذه علامة تظهر تفوّق بولس عليهم. لم يذكر (الرسول) شيئًا عن هذا النجاح، وهكذا في كل أعماله لم يكن الطموح دافعه، ولا نوال كرامة أعظم من الرسل، ولا استمات لينال تقديرًا ساميًا، إذ يدعو نفسه سقطًا، أول الخطاة، آخر الرسل.
زار أورشليم ليلتقي بالقديس بطرس [18]، وهناك رأى القديس يعقوب أخا الرب وأسقف أورشليم. كانت مهمته الكبرى أن يعلن بأنه لا يعمل بروح فردي، منفصلاً عن قادة الكنيسة، وأن يؤكد لهم أن تحوله حقيقي. لقاءات القديس بولس المتتالية مع الرسل لم تضف شيئًا إلى إعلان إنجيل النعمة الإلهية له، إنما اعترفوا تمامًا برسوليته ورسالته.
يقدم لنا القديس يوحنا الذهبي الفم الملاحظات التالية:
أ. يقول القديس بولس إنه “رأى” القديس يعقوب [19]، ولم يقل إنه تعلم منه. ويمكننا القول إنه ذهب هناك “ليتعرف” على القديس بطرس [19] لا ليتعلم منه.
ب. يذكر القديس يعقوب بوقار إذ يقول: “أخا الرب” [19]، فهو خالٍٍ من كل حسد.
ج. خلال شفافية نفسه المقدسة المتواضعة، جاء تبريره لنفسه عظيمًا كمن يقدم حسابًا عن أعماله، مدافعًا عن نفسه كمن في دور العدالة [20.]
د. يُشير إلى رحلته التبشيرية للكرازة في المناطق القريبة من موطنه الأصلي “مدينة طرسوس”، في أقاليم كيليكية وسوريا [21] (بأنطاكية)، ليُعلن أن إرساليته كانت للأمم، وأنه لم يعزم أن يبني فوق أساس أقامه غيره (رو 15: 20).
ه. يقول بولس: “ولكنني كنت غير معروف بالوجه عند كنائس اليهودية التي في المسيح. غير أنهم كانوا يسمعون أن الذي كان يضطهدنا قبلاً يبشر الآن بالإيمان الذي كان قبلاً يتلفه” [22-23]. في تواضعه ذكر حقيقة اضطهاده للكنيسة، وعند تحوله وتبشيره لم يعجبوا به شخصيًا ولا نال إطراءهم أو دهشتهم، إنما مجدوا الله فيه [24]، ناسبًا كل شيء إلى النعمة الإلهية.
“مجدوا الله“، بمعنى أنه أراد أن يعرّفهم بأنه لا توجد عداوة بينه وبين الكنائس التي هي من أصل يهودي، فإنه وإن كان لم يبشرهم لكنهم فرحوا بعمل اللَّه به في المجتمعات الأممية. يرى القديس أغسطينوس أنهم مجدوا اللَّه لأنهم اعتادوا الصلاة من أجل أعدائهم ومضطهديهم لكي يحولهم السيد المسيح إلى الإيمان. سألوا هذا من الله قبلما يتحقق.
تفسير القمص أنطونيوس فكري
غل1: 12،11: ” وأعرّفكم أيها الاخوة الإنجيل الذي بشرت به أنه ليس بحسب إنسان. لأني لم أقبله من عند إنسان و لا عُلِّمته. بل بإعلان يسوع المسيح.”
يبدأ هنا بولس الرسول فى سرد جزء من حياته الشخصية لنرى أنه استلم هذا الإنجيل من الله مباشرة. والإنجيل الذى استلمه يتلخص فى أن المؤمن يخلص بفداء المسيح بالنعمة وليس بأعمال الناموس. والله اختاره من بطن أمه خاصة لنشر هذا الإنجيل. وهو لم يستلم ما يعلّم به من الرسل، فالرسل مازالوا يمارسون الصلوات فى الهيكل ويمارسون الختان، بل أن يعقوب نصح بولس الرسول أن يحلق شعره…