يو3: 21 وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور، لكي تظهر أعماله أنها باللَّه معمولة

 

14«وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَانِ، 15لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. 17لأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلِ اللهُ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ الْعَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ الْعَالَمُ. 18اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُدَانُ، وَالَّذِي لاَ يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ، لأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ الْوَحِيدِ. 19وَهذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ، وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً. 20لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. 21وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ».”(يو3: 14-21)

+++

تفسير القمص تادرس يعقوب ملطي

 

“وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور،

لكي تظهر أعماله أنها باللَّه معمولة”. (21)

جاء “من يفعل الحق” مقابل من يعمل السيئات و”أعمالهم شريرة”. الحق بصيغة المفرد لأنه حياة واحدة في المسيح، التصاق بشخصه، أما السيئات والأعمال فبصيغة الجمع حيث الدخول في سلسلة لا تنقطع من أعمال الظلمة. والعجيب أن من يفعل الحق، أي يلتصق بالمسيح، يقبل إلى النور الذي هو شخص المسيح، وكأن كل التصاق عملي بالرب يلهب القلب بالأكثر مشتاقًا إلى دخول عملي واتحاد أقوى مع السيد. فيبقى المؤمن منجذبًا يومًا فيومًا لعله يبلغ إلى “قياس قامة ملء المسيح” (أف 4: 13).

من يمارس الحق يُُقبل إلى نور لكي تظهر أن أعماله تتم في حضرة الرب وبعونه ونعمته. هذه هي خاتمة حديث السيد المسيح مع نيقوديموس، إنه يليق بالمؤمن إذ يتمتع بالبنوة لله أن ينعم بإمكانيات الله عامة به وفيه.

نور الحق الذي يفرح قلب المؤمن هو بعينه يبغضه الشرير ولا يطيقه، بل يحسبه كعدوٍ مقاومٍ له.

أما قوله: ” بالله معمولة“، فيؤكد السيد المسيح أن برّ المؤمن يقوم على عمل الله فيه، “الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة” ( في 2: 13).

v إنك تُدعى إنسانًا فهذا من عمل اللَّه، وأن تُدعى خاطئًا فهو من عمل الإنسان ذاته.

أمحِ ما تفعله أنت لكي يخَّلص اللَّه ما قد فعله.

يليق بك أن تكره عملك الذاتي فيك، وتحب عمل اللَّه فيك.

عندما لا تسرك أعمالك الذاتية، في هذا تبدأ أعمال الله الصالحة، إذ تجد خطأ في أعمالك الشريرة.

الاعتراف بالأعمال الشريرة بداية الأعمال الصالحة.

إنك تعمل الحق وتأتي إلى النور. كيف تعمل الحق؟ إنك لا تدلل نفسك ولا تهادنها ولا تتملقها، ولا تقول: “إني بار”، بينما أنت غير بار؛ هكذا تبدأ تفعل الحق.

إنك تأتي إلى النور لكي ما تعلن أعمالك أنها باللَّه معمولة، لأن خطيتك، الأمر ذاته الذي تكرهه، لا يمكنك أن تبغضه ما لم يشرق اللَّه فيك ويظهره الحق لك.

أما من يحب خطاياه حتى بعد نصحه، فهو يبغض النور الذي ينصحه ويهرب منه، فالأعمال التي يحبها لا تظهر له أنها شريرة. من يفعل الحق يتهم أعماله الشريرة فيه ولا يبرر نفسه، ولا يصفح عن نفسه حتى يغفر له اللَّه.

فمن يرغب في أن يغفر له اللَّه هو نفسه يعرف خطاياه ويأتي إلى النور، حيث يشكر على إظهار ما يلزمه أن يبغضه في نفسه. إنه يقول للَّه: “ردّ وجهك عن خطاياي”. ولكن بأي وجه يقول هذا ما لم يضف “لأني أنا عارف بآثامي، وخطيتي أمامي في كل حين” (مز51: 11)؟

لتكن آثامك أمامك يا من لا تريدها أن تكون أمام اللَّه.

لكن إن وضعت خطاياك خلفك، فسيدفعها اللَّه ليجعلها أمام عينيك، يحدث هذا في الوقت الذي لا يعود يوجد فيه ثمر للتوبة.

القديس أغسطينوس

v قال المسيح هذه الأقوال في وصف الذين اختاروا أن يظلوا في رذيلتهم كل حين، لأن المسيح لهذا الغرض جاء ليصفح عن الخطايا السابقة، ويصون من الجرائم القادمة، وإذ قد يوجد أناس مسترخون منحلون مبتعدون عن الفضيلة حتى أنهم يريدون أن يثبتوا إلى أنفاسهم الأخيرة في شرهم ولا يبتعدوا عنه في وقت من أوقاتهم.

القديس يوحنا الذهبي الفم

فاصل

تفسير الأب متى المسكين 

 

21:3- وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللَّهِ مَعْمُولَةٌ».

«فعل الحق.»:

‏هو في المقابل لـ «يعمل السيئات». هناك فعل السيئات بالجمع؛ وهنا عمل «الحق» بالمفرد الذي يحوي في صدقه ونبله كل ما صيته حسن ونافع.
‏ولكن الذي يسترعي انتباهنا هو الإصطلاح الجديد «عمل الحق» فهل الحق يُعمل؟ هنا الحق أصلاً هو فكر ورؤية روحية وانكشاف بصيرة، ولكن هذا يحتاج إلى تحقيق وعمل، فإذا نُفذت الفكرة السامية أو الإلهام الروحي المادة الموحى به, فهو يصير عمل الحق.
‏والأن تقف هذه الأية في مقابل الأية السالفة لتوضح أن في وسط ظلام ليل الشرور والسيئات، يعيش أيضاً الحق والنور، وإزاء الهاربين من النور بسبب ما ثقلوا به أجسادهم وأرواحهم من أعمال الظلمة، يوجد أيضاً المهللون للنور والهاتفون للحق الذين تثقلت أرواحهم بمحبة المسيح والحق، يسرعون ليقدموا برهان حبهم بأعمالهم، وليكشفوا أفكارهم ونيتاتهم في النور لتزداد نوراً، ويمجدون الله الذي أنقذهم من سلطان الظلمة.
والمنظر لا يزال هو بعينه، فالمسيح يخاطب الذين عثروا فيه وهربوا والذين سعوا إليه فرحين مستبشرين سواء بسواء، موضحاً أن أعمالهم في الخفاء كانت هي المسئولة عن جزعهم منه أو قبولهم له.
«بالله معمولة»: إن مجرد عرض أعمال البر خطر، وكشف خفايا السلوك بالتقوى أخطر؟ لأن ذلك يؤول بالضرورة إلى الوقوع في خطية البر الذاتي والاعتداد بالنفس والتفاخر. ولكن يوجد عرض للأعمال الخيرة وسرد للسيرة التقية مضمون النفع ومؤمن عليه ضد الانزلاق في البر الذاتي وهو تمجيد الله كونه هو هو صاحب العمل وصاحب السيرة، حيث يقتنع السامع أن «الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل المسرة.» (في13:2)
«اذهب إل بيتك وإلى أهلك وأخبرهم كم صنع الرب بك ورحمك.» (مر19:4)
‏هنا لا يفوتنا قول المسيح أنه «لا يقدر أحد أن يقبل إلي (الحق), إن لم يجتذبه الآب (أولاً)» (يو44:6‏). فالمجيء إلى النور يتحمل النور شيئاً من المسئولية فيه، فالنور محبوب جداً عند أصحاب العيون الصحيحة ومكروه للغاية عند ذوي العيون المريضة، فلا ينجذب إلى النور إلا من كان أهلاً له. هنا «عمل الحق» من جهة «وبالله معمول» من جهة أخرى تفيد الانجذاب المتبادل. فسر النعمة يسري في أولاد النعمة. والحكمة تنادي أولادها وتتبرر من بنيها، والحق يطلب محبيه, والله هو دائمأ صاحب المبادرة ولكنه دائمأ يتنازل عن دوره الأول: «قد ذكرت لك غيرة صباك, محبة خطبتك, ذهابك ورائي في البرية.» ( إر2:2).

[انتهى الحديث مع نيقوديموس والتعقيب على كلامه]

فاصل

تفسير القمص أنطونيوس فكري

 

آية (21): “وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله انها بالله معمولة.”

يفعل الحق= أي يمارسه، فالحق فعل وليس مجرد كلام، بل هو حياة ومن يحيا في الحق يحيا في النور. ومن له فكر روحي وبصيرة مفتوحة يرى الحق فينفذه. وعرض أعمال البر خطر أو الكلام عنها أمام الناس فهذا يؤدي للوقوع في خطية البر الذاتي والإعتداد بالنفس. ونلاحظ أن المسيح يقول هنا عن الأعمال الصالحة أنها بالله معمولة= فالله هو صاحب العمل الصالح حقيقة. هو الذي يعطي قوة لهذا العمل والهدف تمجيد إسم الله. ومن يفهم هذا لن يقع في البر الذاتي، بل لن يتكلم عن نفسه (1كو7:4+ يع17:1). بل “أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني” (في13:4). يفعل الحق= أي غير منغمس في الشهوات. مثل هذا حين ظهر المسيح آمن به= يقبل إلى النور. هذا مثل من تابوا على يد المعمدان إكتشفوا المسيح. وقيل عن غاندي رجل المبادئ أنه قال (كيف ينام المسيحيين ولهم إله صنع لهم كل هذا) وقبل عن طاغور شاعر الهند أنه قال (أحب المسيح) فمن يعمل الحق ويحبه يكتشف المسيح بسهولة. فغاندي وطاغور رجلي المبادئ سهل عليهم إكتشاف شخص المسيح فأحبوه.

فاصل

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى