المفهوم المسيحي للزواج

 

الزواج فى المسيحية، سر مقدس ، يتم بفعل الروح القدس ، ولذلك فمفهوم الزواج فى المسيحية مفهوم خاص، ينبغى أن نتعرف عليه، لكى ندرك قدسيته وأبعاده، وهكذا نتعامل معه بأسلوب  مسيحى له عمقه الروحى، وتعبيراته السلوكية.ولقد عبر الرسول بولس عن قدسية الُزواج بتعبيرين غاية ف الأهمية :
– “هذا السر عظيم” (أف 5 :32)         – “ليكن الزواج مكرماً عند كل واحد” (عب13 :4)
من هنا يتسامى الزواج المسيحى على اقتران الاجساد، ليصل بنا إلى اقتران الأرواح بفعل وحضور وحلول الروح القدس.
فكما أن الروح يعمل فى ماء  المعمودية فيخلق الإنسان خلقة جديدة، وفى زيت الميرون فيدشن الإنسان هيكلاً  للروح القدس ، وفى الخبز والخمر ليصيرا جسد الرب ودمه، كذلك فهو يعمل فى العروسين من خلال الصلوات والإيمان، إذ يوحدهما فى الرب. ولكن هذا لا يتم بطريقة سحرية، بل من خلال وعى ومشاركة العروسين، بالصلاة القلبية والنية المتجاوبة مع عمل النعمة. فالاسرار ليست عملاً ميكانيكياً، بل هى تستلزم التجاوب الروحى من قابل السر، تماماً كما تستلزم الكاهن المشرطن، والصلوات الرسمية، وحضور روح الله.
هذا العمل الإلهى هو الجديد فى المسيحية، إذ أنه منذ بدء الخليقة هناك طقوس زواج، وهناك إتفاق طرفين، و مظاهر إجتماعية تختلف من مجتمع إلى آخر… لكان الجديد فى المسيحية هو عمل الروح القدس الذى يجعل الفرد زوجاً ومن الزوج (أى الاثنين) واحداً.

أولاً: أهداف الزواج المسيحى

يتصور البعض أن الهدف الوحيد من الزواج (خصوصا في المسيحية هو الإنسال فقط، وايجاد الذرية والخلف). والحقيقة ان الزواج  المسيحي  بالذات له خمسة اهداف: 

1- اتحاد الحب الروحى :

هذا هو الهدف الاول من الزواج المسيحى “يكون الاثَْنان َجسدا َواحدا” (مت5:19)وهذه الوحدة هى بفعل الروح القدس  العامل فى سر الزيجة المقدس : فَالّذى َجَمَعه الله لاَ ُيفَّرقُه إِْنسان (مت 6:19)ونحن نعرف أن كلمة (حب) فى الكتاب  المقدس ، وردت في  الأصول اليونانية في  ثلاثة معان:
أ – الأيروس : الحب  الجسدى أى الشهوة الحسية.
ب – الفيليا : الحب الإنسانى البشرى الطبيعى.
ج- الأغابى : الحب الروحانى المقدس  الإلهى.
والزواج شركة حب روحانى مقدس ، يتسامى فوق الحب الطبيعى القابل للتقلب ، وفوق الشهوة الحسية التى تذبل مع مرور الوقت… يتحد الزوجان – إذن – بحب  روحانى من فعل الروح القدس . الذى يجدد الطبيعة الإنسانية بالمعمودية، ويسكن فيها بالميرون، ويضبط مسارها ويقدسها بالتوبة وأمانة الجهاد الروحى.

2- التعاون فى الحياة :

قال الرب : لَْيس جيدا أن َيُكون آَدُم َوْحَدهُ فَاصَنعَ لَه ُمِعينا َنظيرهُ (تك 18:2) وكعالم بأعماق الطبيعة الإنسانية أراد الله أن يشعر آدم بحاجته إلى (آخر) فأجاز أمامه كل حيوانات البرية، وكل طيور السماء. وأحضرها إليه لَِيَرى َماَذا َيْد ُعوَها ؟ َوُكل َما دعا ِبِه آَدُم َذات َنْفس حّية فَهو ا ْسمها…وأما لَِنْفسه َفلَكْم َيجد ُمِعينا َنظيرهُ (تك 20-19:2) وهنا شعر آدم بحاجته إلى آخر، فأوقع الله سباتاً عليه فنام، وأخذ ضلعاً من جنبه، وبناها لتصير حواء.وأحضارها إلى آدم فقال:هذِه اْلآن َعظم من عظَاِمي َولَحم ِمن لَحِمي . هذِه تُدعى امرَأة لأَّنها ِمن امرء أُخذ ْت” … ثم  يضيف الوحى الإلهى: لِذلِك َيتْرُك الّرُجل أباهُ َوأمه َوَيْلتَصق بأمرأته وَيكوَنان َجسدا َواحدا (تك24-23:2وَكاَنا ِكلاَهما ُعْرَياَنْين آَدُم َوامرأته وهما لا يخجلان(تك25:2) الامر الذى يؤكد نوع الحب  الذى ربطهما، الحب  الروحانى، الاغابى!
وهكذا يصير الهدف الثانى من الزواج هو التعاون فى الحياة، على أساس (التناظر) والمساواة. فهى معين (نظيره)، مأخوذة من الضلع تدشيناً للمساواة،لا من الرأس ، ولا من القدم!

3- خلاص النفس :

لاشك أن هذا من أسمى أهداف الزواج المسيحى، فالمهم أن يخلص الإنسان فى النهاية، والزواج المقدس  يساعد الإنسان فى ضبط مسار حياته الروحية، فتشبع غرائزه بطريقة مقدسة: الجنس ، والابوة، والامومة.. وهكذا يساعده الزواج فى الحماية من الغواية والخطيئة.. إذ يقول الرساول: لِسبب الزنا ليكن لِكل َواحد امَرأتُه َوْليكَن لِكل َواحدة رجلُها (1كو2:7) لأَنّ التزوج أصلح من التحرك (1كو9:7

ومن المعروف أن الزواج ليس هو كل شئ فى خلاص الإنسان، بل مجرد عامل مساعد، فهناك من يخلصون فى البتولية، المهم أن يحرص كلاهما: المتزوج والبتول، أن يتمسك بركائز الخلاص الاساسية مثل: الإيمان بالمسيح، والمعمودية والميرون، وأمانة التوبة والجهاد الروحى، والشبع بوسائط النعمة المتنوعة: كالافخارستيا والصلاة الروحية، والصوم… وأن يعبر عن إيمانه الحى بأعمال مقدسة، حيث أن الإيمان بدون أعمال ميت.. انتظاراً لخلع هذا الجسد الضعيف، ولبس الجسد النورانى الخالد.

4- استمرار النوع الإنسانى :

لاشك أن ثمرة الزواج إنجاب الاطفال، وهو هدف مقدس  ومبارك، حيث يستمر من خلاله النوع الإنسانى، وتتعاقب  أجيال البشر، يمجدون الله، ويستكشفون أعماله فى الكون، والتاريخ، والبشر ويتعاونون معاً على الخير، فالاخر الإنسانى هو بالضرورة مخلوق مثلى على صورة الله ومثاله، ويجب  أن أتعامل معه على هذا الاساس.
ولعل فيما نرى اليوم من عزوف الشباب الامريكى والاوربى عن التناسل – إكتفاء بالحسيات والمادة – وما بدأت تعانيه هذه الاجناس، من انقراض وتناقص يهدد وجودها.. لعلنا نرى فى هذا أهمية ما تباركه المسيحية من إنجاب  للأطفال “اْلَبُنون ميَراث من عْنِد الّرّب (مز 3:127)

5- خلق المزيد من القديسين :

وهذا أسمى أهداف الزواج  المسيحي  قاطبة، فالُزوجان – في  المسيح :
– يتقدسان ويرثان الملكوت : وأولادهما وبناتهما سوي يصلون جميعاً.
– بالتربية الروحية الأمينة : إلى نفس الميراث السماوى، وهكذا تكون عملية الإنجاب ليست مجرد أمر جسدى، بل يتحول إلى أمر روحى، إذ تزداد قائمة أسماء. القديسين والقديسات فى السماء، ويسعد هؤلاء جميعاً بفاديهم ومخلصهم، وبشركة حية، خالدة وسعيدة، فى أورشليم السمائية.
لذلك تحرص الاسرة المسيحية على التربية الجسدية أو الذهنية أو الإجتماعية… وشعار الزوج المسيحى:أما انا وبيتي فنعبد الرب (يش15:24)…. وهدفه النهائى أن يقف أمام الله قائلاً:ها انا والاولاد الذين اعطانيهم اللهُ (عب13:2)

ثانياً: خصائص الزواج المسيحي

ويتحدد مفهوم الزواج  المسيحي  من خلال سمات معينة، هذه بعضها:

  1. شريك واحد :

فالمسيحية لا تسمح بزواج أكثر من شريك، وشريعة الزوجة الواحدة أكيدة فى المسيحية، وثابتة فى الإنجيل. ونكتف بأن نذكر هنا كلمات الرسول بولس:
– “لِيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدٍ امْرَأَتُهُ، وَلْيَكُنْ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ رَجُلُهَا.”(1كو2:7)
 “لَيْسَ لِلْمَرْأَةِ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهَا، بَلْ لِلرَّجُلِ. وَكَذلِكَ الرَّجُلُ أَيْضًا لَيْسَ لَهُ تَسَلُّطٌ عَلَى جَسَدِهِ، بَلْ لِلْمَرْأَةِ.” (1كو4:7)
“وَأَمَّا الْمُتَزَوِّجُونَ، فَأُوصِيهِمْ، لاَ أَنَا بَلِ الرَّبُّ، أَنْ لاَ تُفَارِقَ الْمَرْأَةُ رَجُلَهَا” (1كو10:7)
– “مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا”(أف31:5)
– وهذه فى الحقيقة: مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ.(أف28:5)
أ- رجوع إلى الأصل:أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟(مت 4:19)
ب – والتزام بكلمات المسيح :إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ (مت 6:19)و لاشك أن فكرة الزوجة الواحدة فيها لمحات كثيرة وهامة، فهى تتسامى باالمرأة من مجرد وسيلة إلى شريك حياة، كما أنها تتسامى بالنسل من مجرد عدد إلى نوعية. وكذلك فهى تتسامى بالغريزة من مجرد الحس  إلى الروحانية.
وهذه الامور الثلاثة تستدعى منا المزيد من التأمل والوعى. فالله لم يخلق سوى حواء. واحدة لآدم، ليعرف أنها معين نظيره … أى شريكة حياة على نفس  المستوى. وكما يقولون، فالرب لم يأخذ حواء من رأس  آدم أو قدماه، حتى تتعالى أو يستعلى عليها. بل أخذها من جنبه لتكون متساوية له (نظيره.)
كما أن شريعة الزوجة الواحدة تتسامى بعدد الاطفال إلى نوعيتهم فأولاد محدود العدد، نربيهم تربية مسيحية سليمة لينشأوا مواطنين صالحين، وشهوداً أمناء للرب ، خير من عدد كبير من الاولاد نسئ تربيتهم، و يكون لهم نصيب العضوية الكنسية هنا، والابدية هناك.
وكذلك فالزوجة الواحدة تتسامى  بالغريزة، فالحب الروحانى هو سر الشبع والإكتفاء والسعادة. أما التدنى إلى الحسيات دون ضابط، فهو نزول عن المستوى الإنسانى إلى المستوى الحيوانى.
لهذا حرصت المسيحية على الإلتزام بشريعة الزوجة الواحدة لما فيها من تسام وقداسة وسلامة مجتمع.

2-الوحدانية :

فالزواج المسيحى ليس عقداً بين طرفين، يظل كل منهما بعد ذلك (طرفاً)، له (الأنا) الخاصة به، بل المسيحية توحد الطرفين أو الشريكين فى (كيان جديد)، إذ َيُكون الاثَْنان َجسداً واحدا (مت 5:19) والتعبير هنا فى غاية الدقة، فالجسد الواحد تتعدد أعضاؤه،
ولكنها تترابط وتتحد فى حب وبذل، وعطاء وتناسق. الجسد الواحد تسوده شبكة احساس
واحدة، وشعور واحد، وإرادة واحدة.
لذا فالزواج المسيحى الحقيقى يجعل من البيت سماء جديدة، ومن الاسرة كنيسة مقدسة، إذ أنه لا ثنائية بعد الآن بل وحدة اندماجية كيانية عل كل المستويات:
أ- على مستوى الروح : فالاثنان متحدان بالرب .
ب – وعلى مستوى الفكر: فالاثنان صار لهما فكر المسيح.
ج- وعلى مستوى المشاعر : فالمحبة الروحانية الباذلة هى شعارهما “َمْغبوط هوالعطاء أكثر من الأخذ(أع35:20)

د- وعلى مستوى الإرادة : فالروح القدس هو قائد مشيئة كل منهما، وهو موحد المشيئتين فى مشيئة واحدة.
لهذا فنحن ندعو (الفرد) ليصير (زوجاً)، وندعو (الزوج ) (أي الاثنين ) ليصير (واحدا).وهذه حقيقة فقد اتحدا فى الرب ، فأصبح كل منهما يحمل شريكه فى عمق كيانه، فلم يعد واحداً بل (زوجاً) أى اثنين. يسير ويتحرك ويعمل ويسافر ويفكر، وفى أعماقه يكمن شريكه، وكذلك صار (الزوج ) (أي الاثنين) (واحدا)، أى أنهما يتصرفان من منطلق وحدة كيانية عميقة جمعتهما فى الروح القدس . من هنا تبدو اهمية ان ينتبه العروسان إلي الصلوات والوصايا التى تتلى فى السر الكنسى لكى يرتقيا إلى هذا المستوى المسيحى، ولا يصير زواجهما اقتراناً جسدياً أو إجتماعياً، بل اتحاداً روحياً مقدساً.

3- الإستمرار :

وهذه سمة ثالثة هامة للزواج المسيحى. وهى فى الحقيقة – كما قال الرب  يسوع – الأصل الذى عاش على أساسه آدم وحواء..
لهذا فحين سأل اليهود الرب  بشأن الطلاق ليجربوه قائلين:”هَلْ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَبٍ؟ فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَمَا قَرَأْتُمْ أَنَّ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْبَدْءِ خَلَقَهُمَا ذَكَرًا وَأُنْثَى؟ وَقَالَ: مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ. قَالُوا لَهُ: فَلِمَاذَا أَوْصَى مُوسَى أَنْ يُعْطَى كِتَابُ طَلاَق فَتُطَلَّقُ؟ قَالَ لَهُمْ: «إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ. وَلكِنْ مِنَ الْبَدْءِ لَمْ يَكُنْ هكَذَا (مت19: 3-8) 

ومن هذا النص  نستنتج حقيقتين :

  1. أن الاصل فى الزواج الاستمرار وعدم الطلاق.
  2. وأن ما حدث من تجاوزات لهذا الاصل كان بأذن من موسى – وطبعاً بسماح من الله – وذلك لقساوة القلوب . ولكن الله يريدنا أن نعود إلى الاصل السليم وهو عدم الطلاق. ولم يسمح الرب  بالطلاق سوى لعلة الزنا، ذلك لان الزنا يفك الارتباط الاصلى إذ يتحد الطرف الزانى بشريك جديد. ورغم ذلك فإذا سمح الشريك الاصلى البرى باستمرار الزواج وقبل عودة شريكه إليه، يستمر الزواج الاصلى إذ يتوب  الطرف الزانى ويلتزم بعهده الاول.

أما السبب الثانى للطلاق فهو الزنا الروحى: أى إنكار الإيمان، وترك المسيحية… إذ يكون الطرف المسيحى مستعبداً فى هذه الحالة… ويمكنه أن يطلق شريكه.

أما الاسباب الحديثة كسوء المعاملة، والفرقة، والغياب، والمرض المستعصى… فهى أسباب لا تريح الضمير، لأن جوهرها الخفى هو الانانية وعدم المحبة.
أما بطلان الزواج حين يقوم على الغش أو عدم القدرة أو غير ذلك من الاسباب التى تجيزها الكنيسة، فهو أمر سليم إذ لابد من أركان أساسية للزواج الصحيح، كإكتمال النضج الجسدى والعقلى… الخ.
إن نظرة متسعة على أسباب  الطلاق، ترينا مدى ضحالة الحياة الروحية والمحبة فى القلوب ، ومدى الانانية والانحصار فى الذات، أو الخضوع لضغوط الاسرة دون الطاعة لوصايا السيد المسيح.
ليت الرب  يعيد للأسرة المسيحية تماسكها وترابطها النموذجى، الذى طالما شهدت به لمخلصها السيد المسيح.

4- الإثمــــار :

فالأسرة المسيحية تثمر بالروح القدس :

  1. فضائل مسيحية فى حياة كل أفرادها.
  2. أولاداً – حين يعطى الرب  – مباركين، نربيهم فى مخافة الرب  وفى اتحاد كامل بالكنيسة.
  3. خدمة تقدمها الاسرة لكل من تتعامل معهم فى حب مسيحى حقيقى،لا يعرف الفرقة،ولا البغضة، ولا التعصب .

الاسرة كنيسة صغيرة حية متحركة شاهدة لمسيحها. والاولاد ليسوا هدفاً بل مجرد ثمار، وما أجمل أن يتسع قلب  الوالدين إلى دائرة محبة أوسع من تركيز العاطفة على أولادهما. وما أجمل أن يتسع قلب الزوجين اللذين لم يعطهما الرب أولاداً بالجسد، ليقتنيا بالمحبة أعداداً أكبر من أبناء الروح، إذ يخدمون فى كنيسة الله فى حب أبوى صادق آلاف الاطفال المحتاجين إلى حنان.

هذه بعض سمات الزواج المسيحى… ليت الرب  يمتعنا بأن نرى المزيد من الزيجات المسيحية الشاهدة للرب

 ثالثاً: الاختيار الأمثل لشريك الحياة

لاشك أنه من أخطر القرارات بل هو قرار العمر!أن يكون الإنسان موفقاً فى اختياره لشريك الحياة. ولا شك أن هناك قوى كثيرة تشترك فى هذا الاختيار، ومحصلتها جميعاً قرار هام ومصيرى. فما هى هذه القوى؟ ولنأخذها من الادنى إلى الاعلى، لأن القوى الادنى – للأسف – هى سريعة التأثير، وعالية الصوت. وإن كانت القوى الاعلى الهادئة هى بالحقيقة القوى الهادية.

1- الدافع  (الغريزة) :

هى القوة الأدنى فى الإنسان، بدليل أنه يشترك فيها مع الحيوان، وهكذا يتصور شاب صغير أو فتاة فى مطلع الشباب ، فى المرحلة الثانوية مثلاً، أنه قد اختر شريك حياته. ومع افتراض احتمال البساطة والنقاوة، إلا  أن الصوت الاول والاسرع والكائن وراء هذا التفكير هو الغريزة. فالغريزة لها نداؤها، وحرارتها لها دفقاتها الخطرة، خصوصاً مع إيحاءات الإثارة الخارجية، ومع بدايات النشاط الهرمونى الداخلى.
بل إن الثابت علمياً أن شاب هذا السن يجوز مرحلة يود فيها أن يتعرف على الجنس الاخر، وهكاذا يسرع بالتنقل من صورة إلى صورة، ومن شخصية إلى أخرى، فى تقلب هو سمة هذا السن. والفتاة أيضاً تحيا نفس المرحلة. فما أخطر الخداع هنا، حين يتصور الفتيان الصغار أنهم أحسنوا  الاختيار، وأنهم يتجهون فى نقاوة نحو زواج سليم. وان كانت النوايا طيبة، والاشتياق لإرضاء الله موجوداً، إلا أن صوت الغريزة العالى سرعان ما يفرض نفسه على هذا السن.. وتظهر الحقيقة الناصعة. إن الغريزة وحدها لا تصلح قائداً لمسيرة الإنسان على طريج الزواج المقدس . بل أن مخاطر هذا الاتجاه، غير مفهومة أو معروفة، خصوصاً لدى الفتاة الصغيرة، بما يمكن أن يقود إلى تورطات خطيرة، وتطورات مهلكة.
من هنا يجب أن  نفهم حجم الغريزة، وحدودها المقبولة، وضرورة التسامى بها نحو عالم القداسة والنماء..
كذلك نلفت نظر الشباب  المقبل على الزواج ألا  يجعل من صوت الجمال الجسدى
والنزعات الحسية، صوتاً ذا قيمة كبيرة فى اختيار الشريك. يجب أن نحدد حجم هذا الدافع، فالحسن غش، والجمال فان، والجسد إلى تراب.

2-العاطفــــة :

وهذه هى القوة الثانية، التى وان بدت أسمى من الغريزة، إلا أنها مرتبطة بها ارتباطاً صميماً. فالعاطفة جزء من الجهاز النفسى، وهى بالضرورة جزء. من الإنسان الطبيعى. لذلك فهى لا تكفى وحدها كقائد لمسيرة الاختيار. فالعاطفة وحدها، وفى حدودها البشرية، أمرمتقلب وسطحي ، ومن الممكن أن يتدنى إلى تورطات خطرة.
– متقلب… فالعاطفة ليست حباً روحانياً خالصاً وباذلاً، بل هى حب تبادلى مشروط بالاخذ قبل العطاء.. إنها صورة من صور الانانية، فالإنسان فيها يحب الاخر لسبب أولاسباب . أنه يرى فيه ما ينقصه، وما يحتاجه، وما يمكن أن يغترف منه. أما الحب الروحى فهو يحب بالرغم من … لأنه حب  إلهى معطاء، سخى، يعطى قبل أن يأخذ،
ودون أن ينتظر الاخذ، بل دون أن يأخذ إطلاقاً. إنه كالحب الإلهى الذى يؤثر العطاء
على الاخذ، ويبذل نفسه عن ا خر.
– سطحى… فالعاطفة ليست أمراً عميقاً فى الكيان الإنسانى، بقدر ما هو شئ سطحى،
سريع الاستثارة والإثارة، لا يضرب  بجذوره فى أعماق القلب ، بقدر ما يسعد به المحبون فى لذة سريعة الانطفاء. إنها جزء من النفس، ولكنها ليست جزءاً من الروح، أعمق ما فى الإنسان.
– ومن الممكن أن يتدنى… فالعاطفة – بدون الروح – تتدنى إلى الجسد والحسيات، بسرعة تتفاوت من إنسان إلى آخر، قدر اهتمامه بخلاص نفسه، وقدر جهاده ضد الخطيئة، وقدر تقديسه للحياة الزوجية.
ولهذا كله لا تصلح العاطفة إطلاقاً كقائد أوحد لمسيرة اختيار شريك الحياة. حقاً… فى الزواج حب، ولكنه حب روحى يسمو فوق العواطف، ويثبت أمام كل العواطف. إنهالأغابي (الحب الروحاني ) وليس  ال فيلوا (الحب الإنساني)، ولا  ال ايروس (الحب الجسداني).

3- العقـــل :

وهو قوة أسمى يختلف فيها الإنسان عن الحيوان، فالحيوان غرائز وعواطف بدائية، ولكن الإنسان يتميز عنه بالعقل والروح. ولكن العقل – مع سموه لانه منحة الخالق – إلا  أنه محدود القدارت. لذلك فهو لا يصلح وحده قائداً لمسيرة الإختيار.
– هل يستطيع العقل أن يسبر الامور حتى أعمق أعماقها؟
– وهل يستطيع العقل – مهما أوتى الإنسان من حصافة. أن يعرف أعماق نفسية وتكوين الشريك المختار؟
إذن فيجب على الشاب أن يفكر، والفتاة أيضاً، والاسرتان… ولكن العقل لا يكفى دليلاً للطريق. نعم… فالعقل يفكر فى تناسب الشريكين اجتماعياً وأخلاقياً ومادياً ودينياً، ومن حيث فارق السن والثقافة … إلخ. ما هو الممكن وغير الممكن؟ ما هو المقبول وغير المقبول؟ ولكن.. يبقى العقل عاجزاً عن إعطاء الكلمة الاخيرة.

4- الـــــروح :

وهذا هو العنصر الحاسم، الجزء الإلهى فى الإنسان، والقوة التى من خلالها نتصل باالله، ونؤمن به، ونتطلع إلى سمائه، ونحيا وصاياه. ولذلك فصوت الرب  هو أهم الاصوات، ورضى الروح أمر جد خطير، والضامن الوحيد لإعطاء الروح فرصتها للإنطلاق والتحرك وإبداء الرأي هو:
– الصلاة القلبية المستمرة في تسليم حقيقي ، راض بمشيئة الله، مقتنع بأن الله يعرف الاحسن ويختار الافضل، ويدبر الصالح على غير ما نرى نحن فى قصورنا الإنسانى الشديد.
– الاسترشاد بفكر المسيح ف إنجيله المقدس، إذ يضئ فى قلوبنا باستنارة خاصة، وقدرة مباركة على التمييز بين الامور المتخالفة.
– أخذ رأي أب الاعتراف، حيث يعمل روح الله فى السر المقدس  قدر الخضوع للمشيئة الإلهية الصالحة.
– إعطاء فرصة الحوار والتفاهم مع الأسرة، ومع الاحباء القادرين على إعطاء المشورة البناءة، فالتفكير بصوت مرتفع يلغى التوترات النفسية وأثرها السيئ، واعطاء الفرصة للرب  أن يتحدث من خلال الاسرة والاحباء.، كما من خلال أب  الاعتراف.هذه هي القوى الاساسية المشتركة في اتخاذ هذا القرار الهام…. 

فلنعيد ترتيب الامور حسب اهميتها:

  1. روح تصلي فى تسليم، وتطلب  قيادة الرب .
  2. عقل يفكرفى هدوء ورجاحة.
  3. عاطفة تحسبالارتياح نحو الشريك المرتقب .
  4. غريزة مقدسة متسامية تكون تعبيراً عن حب روحانى، داخل أسرة هى كنيسة حقيقية، ووحدة يباركها الرب  القدوس

 فسر أيها الحبيب تحت مظلة الصلاة… والرب معك

 

زر الذهاب إلى الأعلى