مؤشرات الصحة النفسية

 

” أَيُّهَا الْحَبِيبُ، فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرُومُ أَنْ تَكُونَ نَاجِحًا وَصَحِيحًا، كَمَا أَنَّ نَفْسَكَ نَاجِحَةٌ.” (3 يو 2:1)

لاشك أن هناك أهمية للصحة النفسية، وأن تكون ناجحة وهذه بعض المؤشرات 

1- الإحساس بالسعادة

هذا هو المؤشر الاول لسلامة النفس، أن تخلو هذه النفس من الإحساس بالكآبة أو لإحباط أو الصراع الحاد.

ذلك لأن أغلب متاعب الإنسان تنبع من احباطات ذاتية، بسبب الفشل في الانتصار علي الخطايا والعادات والاتجاهات السلبية، أو أحباطات نابعة من الفشل في تحقيق الذات، والاهداف الشخصية كالنجاح الروحي أو النفسي أو الدراسي أو العملي أو الاجتماعي.

ولاشك أن الحياة فى المسـيح، هـى سـبيلنا إلـى النجـاح الشخصـى والعــام، النفســى والاجتمــاعى.. ذلــك لأننــا بالمســيح ” ْ أَســـتَطيعُ ُكـــل َشـىء” (فى 13:4)  بمعنــى أن رب المجــد حينمــا يســكن فــى حياتنا، قلوبنـا وأذهاننـا، إرادتنـا وتطلعاتنـا، يعطينـا قـدرة الانتصـار..

“َيعظُُم ْ انِتصارَنا ِبالَِّذى أَحَّبَنا” (رو 37:8) إن إضافة نور المسيح الفائق، ومحبتـه اللانهائيـة، ونعمتـه السـماوية وروحه القدوس، إلى ضعفنا البشرى الشديد، مفتاح جوهرى فى سبيل النجاح الشـامل، فـى كـل زوايا الحياة “إِ َّن إِلَه َّ السماء ُيعطينا َّ النجاح َوَنحن َعِبيدهُ َنقُوم َوَنْبِنى”  

وبهـــذا يســـتطيع الإنســـان أن يغلـــب صـــنوف المعاكســـات اليوميـــة، الذاتيـــة والخارجيـــة،ويحقق لنفسه توافقًا ً وتوازنا وسـعادة “اِفْرَحُوا فِي الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ، وَأَقُولُ أَيْضًا: افْرَحُوا.” (فى4:4) فالرب هو كنزنا الزمنى والأبدى، الذى يعطينا إحساس الغنى والرضا والسـعادة..حينما نكون ” أغِنَياء ِفى أعمال َصالحة” 

2- الإتــــــــزان

“الطريق الوسطى خلصت كثيرين” هكذا تعلمنا من الآباء “لا تكن باراً بزيادة.”…

هكذا قال الحكيم الاتــزان عنصــر أساســى فــى الصــحة النفســية، حيــث تخلــو الــنفس مــن الشـطحات والمبالغـات والتطـرف والتعصـب مـن جهـة، كمـا تخلـو مـن السـلبية واللامبـالاة مـن جهــة أخــرى، فالإنســان الصــحيح ً نفســيا إنســان متــزن، والاتــزان هــو نقطــة وســط بــين نقطتــين متطــرفتين، لــذلك فهــو لا يتطــرف نحــو الثقــة فــى الــنفس- بــدون المســيح –  ولا نحــو الإحســاس باليأس والفشل.. أنه واثق من نفسه فى المسيح، وبسبب المسيح العامل فيه.

كذلك فهو إنسان متزن بين الطموحات والتطلعات الز ائدة، وبين القنوط والكسل.. إذ يأخذ من يد الرب قدرة الاتجار فى الوزنات، تحت إشر اف روحى جيـد، الإنسـان الصـحيح ً نفسـيا يـوازن بـين كافـة احتياجات وعناصر شخصيته الإنسانية، فيهتم بأن تشبع روحه بالصلاة، وعقله بالثقافة، ونفسـه بالترويح والضبط، وجسده بالغذاء والرياضة والر احة، وعلاقاته بالنجاح الاجتماعى 

 

3- قـبول الــذات 

والمقصود بذلك، ليس الافتخار، ولا الرضا بالخطيئة، ولكن الرضا بما أعطاه لنا الرب من وزنات وملامح ومواهب، بل حتى بمـا سـمح بـه من سلبيات وضعفات، وربما عاهات جسدية أو نفسية، أو مستوى ذكاء معين.

إن هدف الإنسان المسيحى ليس هو تمجيـد الـذات بـل تكريسـها للمسـيح.. لـذلك فهـو – فـى قناعـة – يقبـل ذاتـه كمـا هـى، ويقـدمها للسـيد المسـيح ليقدسـها، ويسـتثمرها، ّ ويطورهـا، وينميهـا.

إنه لا ينقسم على نفسه، أو يحتقر ذاته، أو يرفض ما سمح به الـرب مـن ضـعفات، بـل يحـول ذلـك كلـه إلـى أتضـاع وصـلاة وعشـرة، ليتمجـد الـرب فـى ضـعفنا “لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ“(2كو10:12)  “لَيقُـل َّ الضـعيف: َبطـل َ أَنــا!” 

4- قبول الآخر

“كل َشىء َطاهٌر ِللطَّاهِرين” (تى15:1) هذا مبدأ إنجيلى هام، حينما يعمد الرب يسـوع بصـيرتنا الإنسـانية، فنـرى كـل مـا هـو جميـل وطـاهر فـيمن حولنـا، وفيمـا حولنـا.. إنـه الإنسـان السليم نفسًيا.. أما السقيم ً نفسيا فهو لا يـرى فـى النـاس إلا الوجـه السـلبى، والضـعفات والـدنايا، ولا يـرى مـا فـيهم مـن ميـزات وعطايـا.. إنهـا حيلـة دفاعيـة معروفـة أسـمها “الإسـقاط” حينمـا لا يكـف الإنسـان عـن إدانـة الآخـرين، ليبعـد الأنظـار عـن ضـعفاته وأخطائـه الشخصـية والسـرية..

أمـا الإنسـان المسـيحى، فهـو مـدعو إلـى قبـول الآخـر بكـل حـب، والتأمـل فيمـا يتميـز بـه مـن سـمات إيجابية، ويتعامل معــه من منطلــق أنه مخلوق علـى صـورة االله ومثاله، ولا ينتظــر حتــى يصــير الآخر مناســبا، أو ً جيــدا، أو ً متعاونــا، بل يحبــه كمــا هــو، كمــا أحبنــا المســيح!! ويتعامل معــه كما هــو، لا كمــا يريــده أن يكون!! الإنسان المســيحى قلبــه مفتــوح للجميع، وعقله مفتوح للجميع، دون تنازل عن جوهر الدين، أو المبادئ الإيجابية السليمة 

5- الكفاءة الاجتماعية 

مـن سـمات الـنفس الناجحـة: الكفـاءة الاجتماعيـة، بمعنـى القـدرة علـى إنشـاء علاقـات جيـدة بكل من حوله، فى محيط الأسرة، والشارع، والمدرسة، والكنيسة، والمجتمع.. ذلـك لأنـه قـادر- بنعمة المسـيح – علـى التواصـل الإنسـانى الجيـد مـع جميـع النـاس.. هـو نـور ينتشـر فـى سلاسـة، وملـح يـذوب فـى حـب، ورائحـة ذكيـة تـنعش مـن حولـه فـى تلقائيـة مبدعـة، ورسـالة مكتوبـة فـى القلب، معروفة ومقرؤة من جميع الناس، وليس من المسيحيين فقط.

إن المســـيحية ضـــد الانغـــلاق والتقوقـــع، وهـــى قـــادرة علـــى أن تخلـــق مـــن أبنائها أشخاصـا منفتحين على المجتمع، محبين ومحبوبين، فى مرونة قوية، نتمسك دون أن نتعصـب، ونحـب دون أن نتنازل. 

6- الأھداف الواقعية

الإنسان الصحيح نفسياً لا يتشبث بأهداف غير واقعية، وغير ممكنة التحقيـق.. فهـو إنسـان يحيا الواقع، ولا يغرق نفسه فى أحلام اليقظة أو الطموحات غير الممكنة.

لاشــك أن المســيحية تســاعدنا فــى ذلــك حينمــا تــدعونا إلــى القناعــة “ُكونـــوا ُمكتَِفـين ِبمـا ِعْنَد ُكْم.. فَِإِّنى أَقُول ِبالنعمة ْ المعطاة ِلى ِلكل َمن ُهَو َبْيـنكْم: ْ أَن لاَ َيْرتَِئـى فَـو َق َمـا َيْنَبِغـى ْ أَن َيْرتَِئى َبل َيْرتَِئى إِلَى التََّعُّقِل َكما قَسَم االلهُ ِلكل َواحٍد ِمقَدارا ِمن ِ الإيمان”(رو3:12)

“و أَمـا التَّْقَوى َمع ْ القََناعة فَهى ِتجارةٌ َعظيمة” (1تى 6:6) ولكن القناعة ليست ضد السـعى إلـى النمو، وتطوير الإمكانيات البشرية، الذهنية والعمليـة والعلميـة والماديـة.. طالمـا أن الكـل لمجـد االله، وأن الهدف ليس هو تضخيم الذات، أو عبادة التراب والمادة.

فالإنسان المسيحى يجاهد فى تطوير حياته “والَِّـذين َيسـتَْعملُون َهذا ْ الَعـالََم َكأَنهْم لاَ َيسـتَْعملُونه”(1كو31:7) وينمى إمكاناته المختلفـة ً سـعيا إلـى الأفضـل، لا مـن منطلـق الطمـوح الـذاتى، ولكن من منطلق استثمار الوزنات لمجد المسيح، وصولا إلى حياة سعيدة فى الرب.

7- الاستقلال الوجدانى

بمعنـى أن لا يكـون الإنسـان تابعـاً – عاطفيـا ً ووجـدانياً – لآخـر يسـبى قلبـه، ويسـتولى علـى عواطفه، ويلغى إمكانية تعامله مع الآخرين. فالعاطفة البشرية الطبيعية، غير الخاضعة للـروح والعقل، تحول بعد قليل إلى قيد على الإنسان، وسبى شديد، وذاتية بغيضة، وربما حسيات وخطايـا، أما العاطفة التى يضبطها العقل، وتقدسها الروح، فهى عاطفة تتسم بما يلى:

– الانتشار والأتساع لتشمل الكل. 

– عدم العبودية لإنسان أو شئ.

– النقاء والطهر، بسبب عمل روح االله فيها. 

– عدم التقلب والثبات.

– الاستنارة بحيث لا تجنح بالإنسان إلى المهالك.

8- الاستقلال المعرفى 

بمعنى أن لا يستعبد الإنسان نفسـه لإنسـان آخـر، أو لمدرسـة فكريـة معينـة، بـل يكـون عقلـه منفتحاً لكافة البشر والمدارس، مع إفراز روحى وذهنى بسبب أمرين:

– روح االله الساكن فيه، الذى يرشده إلى جميع الحق.

– وكلمة االله المغروسة فيه، كسراج يهديه سواء السبيل 

لـذلك فالإنسـان الصـحيح نفسـياً لا يغلـق عقلـه عـن إنسـان، ولا يـرفض فكـراً آخـر بـدون مناقشـة ودراسة، أو  رأياً آخر دون أن يعطيه فرصة العرض والتمحيص.. إن التشدد الفكرى دليل عـدم النضــج.. ولكــن هــذا لا يعنــى أن يكــون عقــل الإنســان كطريــق مســطح أو حديقــة بــلا أســوار

فالسلبية الذهنية وبال على الإنسـان ً أيضـا.. وكـل مـا نقصـده هـو أن الإنسـان المسـتنير بـالروح والكلمة، قادر علـى التمييـز بـين الغـث والسـمين، ولـذلك فهـو لا يغلـق ذهنـه، ولا يفتحـه بطريقـة سلبية، بل يتحاور ويتفاعل ليصل بروح االله الساكن فينا إلى الحق كل الحق

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى