محبة الأخر

 
 
يتحدث العالم كثيراً عن ثقافة “قبول الآخر” فماذا يعني ذلك؟ وما هو الموقف المسيحي من هذا الأمر!!
 

أولاً: من هو الآخر؟

هو كل إنسان يضعه الله في طريقي.. أو يضعني الله في طريقه.. زميلي.. جاري .. صديقي.. رفيقي في العمل.. كل مريض , حزين, جاهل, كل من لا يشاركني أفكاري، الأخر هو أخي وأختي، أبي وأمي، والأخر هو شريك الحياة، والأولاد.
بإختصار الأخر هو: “كل البشرية“. لا فرق بين لون ولون, جنس وجنس, دين ودين, طائفة وطائفة.. قبول الآخر هو قبول لكل إنسان، وقبول لكل الإنسان.
إن كان الإنسان أنانيا، يستحيل عليه أن يحب أحداً من كل هؤلاء , أما إن كان مسيحي القلب, وخالص الحب, فإنه يستطيع أن يحب بدون تحفظ, وبلا حدود
وما المشكلة التي نراها في مجتمعنا الآن من خلافات إنسانية وعائلية وزوجية؛ إلا تعبيرات متوقعة من قلوب جامدة خلت من الحب, ولم تعد تحب إلا ذاتها, ولم تعد تفكر إلا في مصلحتها .. قلوب فقدت جوهر الحب, وهو العطاء وفرحة الحب: وهي السعادة، “مغبوط هُوَ العطاء أكثر من الأخذ” (أع 20: 35 ).. فلنفحص نفوسنا إذا.. هل نحن نحب الأخر؟ وكيف؟
 

ثانيًا: الأخر هو المسيح

بهذا عاش أباؤنا، وهكذا علمنا الكتاب، الأخر هو السيد المسيح!! بمعني أن كل البشر خُلقوا على صورة الله ومثاله. وداخلهم نور مقدس. وربما إختفى وراء تشوهات الخطية وضباب الترابيات.. فمثلاً في الحياة العائلية ها أمي وأخوتي! وحين تحب اخاك ستكتشف أن السيد المسيح فيه، وحين يسكن فيك الرب ستحب أخاك صدقاً،”لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟“(1يو 20:4).
معنى هذا أن أخوك هو أيقونة السيد المسيح, وحضور المسيح في حياتك. فإن أحببته فإنك في الواقع تحب المسيح الساكن فيه حتى إذا أساء إليك, فهو مريض مؤقتاً, ومحبتك له قادرة بنعمة الله علي شفائه, لأن “المحبة لا تسقط أبداً” (1كو 8:13). وحتى إذا لم يستجب أخوك للمحبة موقتا أو نهائيا, فالمحبة ستشفيك أنت من أي حقد مدمر. وستعطيك إختبار الشركة مع الرب, الذي أحينا دون مقابل.
أخوك هو أخوك حسب الجسد, أو أخوك في البشرية، فالسيد المسيح يرفعنا فوق قيود العائلة الخاصة, لتحيا معه في إتساع العائلة العالمية، ألم يقدم لنا الرب مثل السامري الصالح لنعرف من هو قريبنا؟
وفي الحياة الزوجية أيضا، يتعامل كل طرف مع الأخر، لا كمجرد طرف أو ذات أخرى بل يتحد به من خلال السيد المسيح وحين يعمل الروح القدس يرى نفسه فيه, ويحب نفسه من خلاله, ويحبه هو من خلال السيد المسيح، ألم يقل الكتاب: “مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا” (مت 5:19).
 
فنحن في سر الزواج نطلب من الروح القدس أن يوحد العروسين, فلا يصير كلا منهما بعد فردا بل زوجاً.. الفرد = واحد, والزوج = إثنان، لأن الزواج يوحد الإثنان في واحد، إذ يسير ويتحرك أي من الشريكين , وفي أعماقه وقلبه وفكره وشريكه الأخر.
 

ثالثا: لماذا قبولا الأخر؟

  •  لأن سعادتك هي في إسعاد الأحر.. فعجيب هو الإنسان الذي يظن أنه سيحيا إذا نفي الأخر ، أو أنه سينجح إذا فشل الأخر . ولذلك كل العباقرة بدون إستثناء هم عباقرة لأنهم فكروا في غيرهم، وكأن العبقرية هي
    خدمة الأخر.
  •  الأخر هو طريقي إلى الفضيلة و إلى الأبدية
    الناس تظن أن التدين هو ممارسة حياة روحية منتظمة ولا علاقة لها بوجود الأخر.. فهناك حقيقة مؤكدة لابد أن ندركها وهي: لن نستطيع أن نقتني الفضيلة إلا مع وجود الآخر في حياتي.

 

رابعاً: المبادئ الإنجيلية في التعامل مع الأخر

  1.  المحبة للجميع حتى للاعداء: وهي ليست بالكلام بل بالعمل والحق (1يو3:8)، فالمحبة المسيحية ضد الإنطواء على الذات, التعصب, التحيّز. والعنصرية. وحصر المحب في دائرة المنتمين إلينا.. وهي في إتساعها تفترض خدمة الأخر والعطاء واحترامه, واستبعاد أشكال التهميش والكراهية والحط من شأنه أو من عقيدته.
  2.  الغفران والتسامح وعدم الإنتقام:وَلاَ تَدِينُوا فَلاَ تُدَانُوا. لاَ تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلاَ يُقْضَى عَلَيْكُمْ. اِغْفِرُوا يُغْفَرْ لَكُمْ.” (لو 6: 37)، “لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء“(رو12: 19) “اغضبوا ولا تُخطئوا. لا تغرب الشمس على غيظكم” (اف 4: 26)
  3. المبادرة والمبادأة: مسئولية التلميذ أن يبدأ بنفسه للتغيير والإلتقاء بالأخر كوصية الكتاب إن أخطأ إليك أخوك فاذهب (أنت) وعاتبة” (مت 18: 15)، وألا تنشغل بعيوب الأخرين “أخرج أولاً الخشبة من غينك، وجينَئذ تُبصر جيداً أن تُخرج القذى مين عين أخيك!” (مت 5:7 ). ابدأ بتغيير نفسك لكي تستطيع تغير الأخر، وأدى واجبك قبل أن تطالب بحقوقك.
  4.  التشجيع والمساندة: بناء النفوس المستمرة للمساندة “شَجِّعُوا صِغَارَ النُّفُوسِ. أَسْنِدُوا الضُّعَفَاءَ. تَأَنَّوْا عَلَى الْجَمِيعِ.” (1 تس 5: 14).
  5.  العظمة الحقيقية في الإتضاع وخدمة الأخرين: غسيل الأرجل (يو 13) “بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا،” (مت 20: 26).

 

خامساً بركات قبول الأخر

لاشك أن هناك بركات كثيرة ننالها حينما نقبل الحر، (في الأسرة – في الكنيسة – والوطن – العالم كله) ومن بين هذه البركاتة

  1.  الأخر فرصة محبة: إذ كيف يمكن أن أمارس المحبة المسيحية الباذلة دون وجود الأخر؟!! إذن.. فهي فرصة جيدة أن أتعامل مع الأخرين لأقدم الحب وأتعلم البذل. والمحبة هي رباط الكمال وسر الفرح.
  2.  الأخر فرصة خدمة: إذ كيف أخدم إن لم يكن هناك الأخر؟ سواء خدمة القدوة حينما يرى الأخرون الأعمال الحسنة, فيمجدوا الأب السماوى, أو في خدمة الصلاة من أجل الأخرين, أو خدمة الكلمة والتعليم. كيف يمكن ممارسة ذلك كله دون وجود الأخر؟!.
  3.  الأخر فرصة تعلم: فالإحتكاك الفعال مع الأخرين يُثرى شخصية الإنسان وفكره, وفي كل يوم أو تعامل يتعلم الإنسان جديدًا في الحياة, وفضائل من المحيطين به والمتعاملين معه.
  4.  الأخر فرصة لتكوين فضائل: فكيف يتعلم الإنسان الإحتمال والعقاب والصفح دون وجود أخر يخطئ إلى، فأمارس مسيحيتي معه بنعمة الله وبالجهاد الأمين. وهكذا نقتني الفضائل المسيحية من خلال تعاملنا مع الأخرين.
    إذاً… فالأخر ثروة كبيرة, والتفاعل والتواصل مع المحيطين بنا يثري حياتنا. ويشهد لمسيحيتنا.. ذلك طبعا مع ملاحظة هامة, هي أن نقتني المرونة القوية التي تعطينا إمكانية السير مع التيار( في الأمور السليمة), وضد التيار (في الأمور الخاطئة).. فالمرونة الضعيفة (مع التيار بإستمرار حتى لو هدانا) هي طريق للضياع.






اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى