رسالة الفن في المسيحية
نلاحظ كيف كانت تسير الأمور في العهد القديم وكيف كانت خيمة الاجتماع نفسها والهيكل فيما بعد قد جاءا برسم إلهي أيقونة مبدعة تصور السمويات (عب 8: 5، خر25: 4) كما احتويا صوراً مثل الكاروبيم على غطاء تابوت العهد والحية النحاسية وهذه كلها شهادات على أن الله في الوصية لم يحرم الصور بصورة مطلقة إنما أراد بالمنع تحديدها بنفسه وعدم تركها للشعب حسب تفكيرهم الخاص فقام بذاته بتصميمها وتحديد أبعادهما والخامات المستخدمة فيهما وحدد بنفسه أسماء القائمين بالعمل وملأهم حكمة روحية حتى يتم العمل دون انحراف.
وهذه أيضاً توضح كيف يكون الفنان المسيحي وأنه لا يعمل بنفسه ولكن بإرشاد الروح القدس.
دور الأيقونة العقيدي والطقسي:
الأيقونة ليست لمجرد الزينة أو لإقامة عبادة وثنية بل لتكون كتاباً مفتوحاً أمام عيون أبناء الكنيسة يقرأون في رسومها وتعبيراته المعاني السامية والسير المباركة والتضحيات الجسيمة لهؤلاء الأبرار والقديسين والشهداء، وفي مقدمتها أيقونات حياة المخلص الرب يسوع وآياته الباهرة وآلامه المحيية فتنعكس مؤثراتها على قلوب وعقول الناظرين وتترك آثارها الغائرة في نفوسهم وتدعوهم إلى التمثل بإيمانهم وفضائلهم وجهادهم.
تكريم الأيقونة :
الأيقونة ليست صنماً نتعبد له، ولكن كل تكريم لها إنما هو علامة لقاء حي مع من تمثله الأيقونة. وكما يقول القديس باسيليوس “الكرامة التي تقدم للأيقونة تعبر إلى الأصل”.
ويقول البابا غريغوريوس الكبير تحن لا نسجد أمام الأيقونة كمن يسجد للاهوت بل نعبد بعد ذلك الذي من خلال الأيقونة نذكره في ميلاده أو آلامه أو جلوسه على العرش.
بينما يتساءل مقاومو الأيقونات كيف نسجد للأيقونات المخلوقة؟ كيف يُقدم التكريم لأشياء مادية مع أن الله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا (يو 4: 24).
وقد صنف الأب يوحنا الدمشقي السجود بمعنى التوقير المقدم لغير الله في أربعة أشكال وردت في العهد القديم دون أن يرفضها الكتاب المقدس ألا وهي :
1 – السجود لكائنات تعرف بـــ “أصدقاء الله” مثل الملائكة فعندما رأى يشوع الملاك – رئيس جند السماء – عند أريحا وسقط على وجهه على الأرض وسجد يشوع (5: 14) هذا أيضاً ما فعله لوط (تك 19: 1) وتكرر مع دانيال النبي.
2- السجود لأماكن وأشياء مقدسة كما يقول الكتاب أسجد أمام هيكل قدسك (مز 5: 7) اسجدوا عند موطئ قدميه (مز 99: 5)
“سجد إسرائيل عند رأس عصاه” (الترجمة السبعينية)، إذ تُحسب عصا يعقوب رمزاً للصليب، صار سجود يعقوب عند رأس عصاه يشير إلى السجود للصليب أو أيقونته.
3- السجود أمام أناس نالوا كرامة أو سلطان بتدبير إلهي كسجود يعقوب لأخيه الأكبر عيسو سبع مرات حتى الأرض (تك 33: 3)، وسجود أولاد يعقوب لأخيهم يوسف بوجوههم حتى الأرض (تك 42: 6)، وسجود كثيرين للملوك دون أن ينتقدهم الكتاب المقدس.
٤- سجود الناس بعضهم لبعض
تعبيراً عن مشاعر عميقة داخلية كسجود أبينا إبراهيم أب الآباء أمام بني حث الوثنيين اعترافا بالجميل (تك 23: 12)
ومن ثم يجب احترام الأيقونات لا عبادتها ونحن نعلم أننا لا نقدم الاحترام لذات الأيقونة إنما لما تحمله من معان مقدسة وما أشبه الأيقونة بالكتاب الذي نحترمه لا لورقه ولا لحروف طباعته إنما لأنه يحمل المعاني المقدسة ولذا يعبر المسيحيون عن إكرامهم للأيقونات بوسائل مختلفة إما بإيقاد الشموع أو بانحناء الرأس وهذا الإكرام يقدم لصاحب الأيقونة.
ثم يعود الأب يوحنا الدمشقي فيذكر أن هناك أمثلة كثيرة لا للسجود فقط ولكن لكل أصناف التكريم يمكن أن تقدم لأشياء مادية نذكر منها بعض الأمثلة :
1- إن مقاومي الأيقونات أنفسهم في عصرهم كانوا يكرمون المائدة المقدسة والكتاب المقدس والصليب، فهل ينحنون أو يقبلون هذه الأشياء من أجل مادتها الحجرية أو الخشبية أو الورق أو المعدن أو من أجل ما تحمله من قوة الروح؟!
2- في العهد القديم وجد توقير خاص بالمقدسات كتابوت العهد وعصا هارون وقسط المن الأمور التي هي من عمل الإنسان.
3- القديس يوحنا المعمدان حسب نفسه غير أهل للانحناء ليحل سيور حذاء الرب وهو في هذا لا يقصد الحذاء نفسه.
4- تقدمت الأرض التي من التراب حيث حملت العليقة الملتهبة ناراً والتزم موسى بأمر إلهي أن يخلع نعليه إعلانا عن قدسيتها وتكرر الأمر مع تلميذه يشوع حيثما التقى به الملاك رئيس جند الرب (يش 5: 15)