رباط أبدي

الزواج المسيحي

“وَدُعِيَ أَيْضًا يَسُوعُ وَتَلاَمِيذُهُ إِلَى الْعُرْسِ.” (يو 2:2).

+ ماذا يعني الزواج بالنسبة لك؟ هل الزواج في المسيحية له ما يميزه؟

فالزواج يعنى لى:

  • طريق للخلاص.
  • معین نظيره.
  • تكوين أسرة.
  •  الاستقرار.
  • عاطفة متبادلة.
  • إشباع نفسي. 
  •  شركة حب. 
  • ذرية صالحة.
  •  دور للرجولة.
  • خروج عن الذات.
  •  حب البقاء. 
  • المسئولية.
  • مصنع للأجيال .

صديقي.. الزواج المسيحى له معنى: 

يختلف الزواج المسيحي – حقاً – عن أي نمط آخر من أنماط الزواج السائدة في المجتمع، فهو ليس تعاقداً مدنياً، بل هو شركة فوق العادة، فيه حلول للروح القدس على العروسين المؤمنين كقوة إضافية تساندهما،رباط أبدي وتوحدهما في  کیان مسیحی فائق الوصف، بقدر ما يكون كل منهما متجهاً نحو الله، طالباً وجهه، وناظراً وجه شریکه بطهارة، ونية صافية، وقلب بسيط ومحب.

الزواج الاجتماعي رابطة ثنائية (الزوج + الزوجة). الزواج المسيحى رابطة ثلاثية: (المسيح يربط بين الزوج والزوجة)، “فالذي جمعه الله لا يفرقة إنسان” (مت 6:19).

فالزواج المسيحي هو – في الواقع – ارتباط ثلاثي بين شاب مؤمن وشابة مؤمنة يجمع بينهما المسيح، بفعل الروح القدس والذي يقوم بصنع هذه الرابطة بسر عجيب، ولذلك يرتفع الارتباط بين الزوجين إلى درجة الاتحاد السرائری، فلا ينفصل الزوجان (أي لا طلاق)، لأن ما جمعه الله لا يفرقه إنسان، وهذا الاتحاد مؤسس على صخرة قوية هي الرب يسوع، فلا يتزعزع مادام الزوجان يسلكان بالإخلاص والأمانة والطاعة لله.

في الزواج المسيحى  تنفتح الحياة الإنسانية على الحياة الإلهية، من خلال تواجد وحضور المسيح في العائلة، ويكون للحياة الزوجية مذاقاً خاصاً يختلف – بالتأكيد – عن أي حياة زوجية أخرى ليس فيها المسيح، أو ليس فيها زوجان يخضعان لإرشاد الروح القدس، واكتسبا أخلاقاً خاصة من قبله، “لأن كل الذين ينقادون بروح الله، فأولئك هم أبناء الله” (رو 14:8 ).

الزواج المسيحى عودة إلى الزواج الأصيل:

إنه – في الواقع – تجديد لزواج أدم وحواء الذي فشل بالسقوط، ومن خلال الزواج المسيحي يحقق الله ما أراده منذ البدء، يوم خلق الإنسان ذكر وأنثى وباركهما، يحقق ما لم يمكن تحقيقه من خلال الزواج الأول الذي ضاع بهاؤه بالسقوط ، في الزيجة المسيحية يعود الارتباط نقياً بين الرجل والمرأة، بعد أن افتدى الرب يسوع الإنسان وقدسه، ليصير “كل شيء طاهر للطاهرين” (تى 15:1 ).. ادم وحواءلم يثبت آدم وحواء في الحب والطاعة لله، لذلك سقطا وحُرما من البركات الإلهية التي كانت معدة لهما.. ولكن ما فشل أدم وحواء في تحقيقه، يمكن للزوجين المسيحيين أن يحققاه بقوة الروح القدس المعطى لهما.. فالزواج المسيحي طريق أمانة وإخلاص للرب، وهو سعي مشترك في حياة القداسة، وهو: قلبان اتفقا على بلوغ الملكوت الأبدي.

في الزواج المسيحى  يعود الله ويتطلع من جديد، بعد آلاف السنين، فيرى “الإنسان الجديد”، أي الزوجين المسيحيين اللذين قبلا المسيح واتحدا به، وتجددا بفعل الروح القدس.. يرى الله العروسين: “إنساناً جديداً” مخلوقاً على صورة الله، ومتحداً من رجل وامرأة، تماماً مثلماً خلقه منذ البدء، وينظر فإذا “الإنسان” حسن جداً مرة أخرى.

بعد كل هذه النعم التي سكبها المسيح على العروسين، وبعد هذا التقديس لكيانهما من خلال سر الزيجة، هل يبخل الزوجان على المسيح بحياتهما؟.. ألا ينبغي أن يبقى قلبيهما متجهين لله، ونفساهما ملتصقتين به؟.. ألا ينبغي أن يظل المسيح هو مركز اهتمامهما اليومي، وتظل حياتهما المشتركة شاهدة له في مختلف ظروف الحياة؟..

مادام سر الزيجة يؤدي بالزوجين إلى حالة روحية يتحدان فيها معاً ومع المسيح، فالزيجة ليست لهواً، ولا مجرد صورة من الصور الاجتماعية، بل كياناً روحياً إلهياً إنسانياً، فيه يتجلى الله في العالم من خلال أسرة شاهدة له في دنيا قد ضلت الحق، وانطفأ فيها نور الإيمان، وطغت فيها المادية على الفكر والسلوك والحياة…

لذلك فإن سر الزيجة يحتم على الزوجين مسئوليتين:
الأولى: أن يمتدا بالحالة الروحية التي اكتسباها بحلول الروح القدس عليهما في سر الزيجة، وأن ينموا معاً إلى الصورة النقية الأولى التي رسمها الله للزوجين (أدم وحواء) منذ البدء، والتي لم يحافظا عليها، وهي صورة الحب الحقيقي والاتحاد الكياني (الجسد الواحد)، وعلى الزوجين أن يحققا – بمعونة الله – هذه الصورة تدريجياً عبر الزمان. 
والثانية: أن يشهدا لله أمام العالم، ويكشفا نور المسيح لكل من يتعاملا معه خارج إطار الأسرة، فالزواج يعني تأسيس كنيسة صغيرة حية شاهدة لله بحياتها وسلوكها.. فمن الخطأ أن توقد الأسرة سراجا وتضعه تحت المكيال لكي يضيء لها وحدها (مت 15:5 ).

هنا نلاحظ أن “المسئولية الأولى” تعنى النمو في القداسة، والارتفاع بالبناء الروحي الداخلى للأسرة، فقد كان مطلوباً من آدم وحواء النمو في الحب لله، والاتحاد معه إلى أن يتحقق الاتحاد الكامل مع الله في الملكوت السمائي، وجاء السقوط معطلاً خطة الله، ثم جاء سر الزيجة كي يحقق الزوجان من خلاله إرادة الله: بالطاعة والتسليم والخضوع الكامل له، سعياً نحو ملكوت أضاعته الكبرياء والأنانية والعناد..

أما “المسئولية الثانية” فتعني ترجمة الحياة الروحية الداخلية للزوجين والتعبير عنها سلوكياً، فالحب الزيجى لا يكون حباً حقيقياً، ما لم يخرج من دائرة الأسرة الضيقة منفتحة على العالم شاهداً للمسيح، وحفظ وصية المسيح لا يتضح صدقه إلا بالاحتكاك بالعالم والتعامل معه.

هكذا نجد كيف يكون سر الزيجة مجالاً لنمو القداسة وازدهارها،
ومجالاً لاختبار
الإيمان العملي والسلوك المسيحي والشهادة لله أمام العالم.

في سر الزيجة حضور كثيف للثالوث :

إذا تأملنا صلوات طقس الإكليل، لوجدنا تعبيرات رائعة تكشف عن الجانب اللاهوتي في سر الزيجة..

يقول الأب الكاهن بعد أن يضع الأكاليل على العروسين :
– كللهما بالمجد والكرامة أيها الأب. آمین.
– باركهما أيها الابن الوحيد.. آمین.الأسرة المسيحية
– قدسهما أيها الروح القدس.. آمین.
هنا نجد أن الكنيسة تريد أن تؤكد للعروسين حقيقة لاهوتية هامة.. هي أن حفل زفافهما ليس ككل حفلات الزواج العالمية، إنما هو حضور إلهي ، فيه تتكون عائلة جديدة داخل حضن الله، يتجلى فيها الحب والاتحاد، اللذان يصحبان ظلا – ولو أنه باهت – للحب والاتحاد بين أقانيم الثالوث، لتصير العائلة أيقونة إلهية.

في الصلاة السابقة نلاحظ أن الثالوث يشارك في تكوين العائلة..

  1. الآب: يعطى بحضوره المجد والكرامة للعروسين، فيكتسب زواجهما حالة بهاء خاص، يفتح عيونهما على حقيقة أن هناك مجداً أبدياً معداً للعروسين إذا سلكا في طريق النقاوة، وجاهدا الجهاد الروحي، وحفظا وصايا الرب بأمانة، عندئذ يتوجان بالإكليل السمائی، إكليل الجهاد الزيجي.
  2. الابن الكلمة الأزلي: هو الوسيط الذي يربط البشر بالله (1يو 1:2)، لأنه قد تجسد وصعد بطبيعتنا البشرية جالساً بها إلى الآن عن يمين العظمة.. لذلك فإنه من خلال الابن الكلمة تنفتح الحياة الزوجية على الحياة الإلهية، شأنها في ذلك شأن باقی جوانب حياتنا، لأن الابن الواحد مع الآب في الجوهر والشريك له، قد صار متحدأ بنا وشريكاً لنا ونحن شركاء له بالنعمة..
    فالزوجان قد صارا بحضور الابن وبركته شريكين له في حياته منذ الآن، ولكن عليهما ألا يتوقفا عن التطلع المستمر نحو المسيح، والاتحاد الدائم به (بالصلاة و الأفخارستيا )، والخضوع المستمر لصوته.
  3.  أما الروح القدس فهو الذي ينسكب على العروسين، ويصنع الرابطة الثلاثية بين الزوجين مع المسيح، والروح هو الذي ينعش حياة الزوجين، ويحرك قلبهما نحو الله، وينمو بهما في القداسة والنعمة والحكمة.

الخلاصة…

أن الكنيسة – في سر الزيجة – تؤكد وتثبت في ذهن العروسين معنی هام، هو أن الثالوث القدوس يشترك في تقديسهما لكي يكونا جسداً واحداً بكل طهارة ونقاوة، وتنبه العروسين إلى إنهما قد اكتسبا من قبل الثالوث حالة مجد وكرامة وطهارة فائقة، ولذلك ينبغي أن يحرصا على تألق ذلك المجد، ويحافظا على استمرار تلك الطهارة..

وبهذا المعنى يقول القديس ثيوفيلوس الأنطاكي عن كون الزيجة رباطاً إلهياً إنسانياً..

لقد خلق الله الرجل والمرأة معا ليتحقق الحب الأكبر بينهما، وبذلك يعكسان (يظهران) سر الوحدة الإلهية.

وهكذا نجد الزوجين المؤمنين يعيشان يوماً فيوم تحت ظل الأب والابن، ويستمتعان بتقديس الروح القدس لهما.


 

من المسابقة الدراسية – خريجين –  مهرجان الكرازة 2012

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى