إرسالية الابن
+ “ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه.” (غل 4: 4)
+ [ظهر ملء الزمان عندما اكتملت حركات الاستعداد وظهرت حاجة العالم للفداء ] (شاف)
+ «لذلك عند دخوله إلى العالم” يقول: ذبيحة وقرباناً لم تُرِدْ، ولكن هيأت لي جسداً، بمحرقات وذبائح للخطية لم تُسرَّ. ثم قلت هأنذا أجيء. في دَرْج الكتاب مكتوب عني، لأفعل مشيئتك يا الله.» (عب 10: 5-7)
الآيات السابقة من أدق وأهم الآيات التي تصف الانتقال من العهد القديم إلى العهد الجديد، أو من العالم القديم إلى العالم الجديد، ويضعها سفر العبرانيين نقلا عن (مز 6:40-8) في فم المسيح وهو داخل إلى العالم يردّد نوع العلاقة التي تربطه بالله في مقابل العهد القديم. فعـوض “الذبائح والقرابين” يقول المسيح الله: هيأت لي جسداً». ويتكلم بعد ذلك عن عدم رضــا الله سرته بمحرقات وذبائح خطية لم تُسر»، ثم يقول المسيح: «هأنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله».
فبهذا التصريح السرِّي العجيب الذي جاء بفم المسيح، يصور الوحي كيف ولماذا دخل المسيح إلى العالم ومعه خطة عمل متفق عليها مع الله؟ وعلى أساس بنودها دخل إلى العالم ليحل محل الذبائح والقرابين، وذلك بتقديم جسده الذي هيَّأه الله لهذا السر. ونحن لا يمكن أن ننسى الآية الرائدة الأولى في تاريخ فداء الإنسان: «هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلكَ كُلُّ مَنْ يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية (يو 16:3) ، والبذل هنا كما قلنا يتحقق الآن بتقديم جسد المسيح عوض الذبائح والقرابين التي انهمك بتقديمها الإنسان ألفي سنة بلا رجاء ودون مسرة الله ! ولكن هنا بتقديم جسد الابن الوحيد نكمل مشيئة الله: «هأنذا أجيء لأفعل مشيئتك يا الله.» (عب 9:10)
إذن، فميلاد المسيح لم يكن بدءًا لحياة المسيح، ولكن امتداداً متجسداً لسابق وجـــوده الروحـــــي الحي الدائم، وكان الميلاد واسطة دخوله إلى العالم ليتمم خطة أزلية أرسل من الله ليكملها بالجسد، بحياة على الأرض هي في سرها ضاربة بجذورها في الأزلية وممتدة كما هي إلى الأبد. لذلك استطاع أن ينقل لنا كل ما عند الآب ويستعلنه في نفسه. وبعد أن أكمل عمله على الأرض أعطانا شركة في جسده وفي حياته بكل امتدادها الروحي لنحيا معه الحياة الأبدية.
وقوله العذب الجميل: «هيأت لي جسداً» (عب 5:10)، هو ملخص قصة الميلاد.
1 – لماذا ميلاد المسيح من الروح القدس ومن العذراء القديسة مريم
لماذا الميلاد من عذراء؟
بحسب منطق العقل نقول إن الشخصية الكبيرة التي ستحمل هم تغيير البشرية من وضعها الخاطئ الأرضي الملوث بالخطية والجهالة والظلمة العقلية، إلى وضعها الروحي الطاهر السماوي والعارف بالله والحق والحياة والمستنير بالروح القدس؛ نقول إنه من المستحيل أن تكون بدايتها من إنسان عــــادي رازح تحت هذه الخطايا والمناقص والانغلاق الروحي عن الله والعائش في الظلمة العقلية، والمائت بالطبيعة.
ولأن شخصية المخلّص سيكون عملها الأساسي في الطبيعة البشرية ذاتها لتغييرها والارتقاء بمــــا أخلاقياً وسلوكياً لرفعها إلى النقيض العالي والمتسامي روحياً، لذلك كان يلزم أن يكون هذا المخلص شريكاً كاملاً لهذه الطبيعة يحمل ،ضعفاتها، وبآن واحد أن يكون حاملاً للطبيعة الأعلى والأسمى التي سيرتقي إليها في مستواها السماوي. وهذا يعني أنه يتحتّم أن يكون حائزاً على طبيعة بشرية خاليـــة الخطية كإنسان حتى يستطيع أن يحمل خطايا البشرية ويتخلص منها بأخذ عقوبتها في جــــــده، كما سنرى ذلك على الصليب بالموت بها. ولكن لأنه هو بطبيعة خالية من الخطية كإنسان والحامل للطبيعة الإلهية كابن الله الذي لا يمكن أن يبقى في الموت؛ لهذا قام من بين الأموات بطبيعـــة بشرية مبرأة من الخطية. وهذه هي الإنسانية الجديدة التي أدخلها إلى العالم. من
وهكذا يتحتّم أن يحكمنا في ميلاد المسيح عاملان: الأول طبيعي بشري خال من عنصر الخطيـــة التي انحدرت إليها الطبيعة البشرية؛ والثاني عامل فائق للطبيعة قادر أن يخلق بالفعل، ويغير هذه الطبيعة البشرية إلى طبيعة أخرى لها الإمكانيات أن تحيا وترتقي إلى حياة روحية جديدة قادرة أن تستوطن السماء.
وهذا هو نفسه الوضع الذي أدخلنا فيه الإنجيل بقصة ميلاد المسيح من العذراء القديسة مريم بدون رجل، حيث يتم الميلاد من الروح القدس، وذلك على مستوى التاريخ وبشهود سماويين وأرضيين استوفى كل ما فرضناه منطق التفكير فيما يجب أن يكون عليه المخلص الآتي. فكل من إنجيل ق. متى وإنجيل ق. لوقا يقص علينا كيف أن عذراء قديسة بشرها الملاك جبرائيل بميلاد مخلّص بقوة الــــروح القدس، وحملت وولدت ابناً حسب أنه ابن الإنسان وهو ابن ا الله بآن واحد.
ولكن ينفرد إنجيل ق. يوحنا ليعطينا لا رواية عن الميلاد، ولكن ليؤكد لنا اعتماداً على رسوليته وقربه الشديد من المسيح ومن العذراء القديسة مريم أن المسيح له وجود سابق معا المسيح له وجود سابق مع الله، فهو كلمتــــه الفعالة أو الفاعلة في الخلق، وهو ابنه الذاتي، أتى بلاهوته وطبيعته الإلهية إلى التجسد الذي هو في التعبير العملي المنظور الميلاد من العذراء، وقد سماه التجسد فالكلمة أتى إلى التجسد أو صار جسداً بشريا أي إنساناً. هكذا يشهد له .ق. يوحنا كيف أدركه بالروح: والكلمة صار جسداً وحل بيننا، ورأينا مجده، مجداً كما لوحيد من الآب.» (يو 14:1)