هيرودس أنتيباس

رئيس ربع على الجليل  وبيريه ومناطق شرق الأُردن
٤ق.م -٣٩م

أكفأ الحكَّام الثلاثة الذين خلفوا هيرودس وأكثرهم ذكاءً ومكراً. لم يذكرالتاريخ عن حكمه كثيراً إلاَّ أنه بنى مدينة طبرية لتكون عاصمة الجليل وذلك سنة ٢٦م. واختار لها أجمل وأخصب بقعة في الجليل على بحيرة جنيسارت “طبرية” في الضفة الغربية قريباً من قرية عمواس المشهورة بحمَّاماتها الدافئـة، وذلك تكريماً لطيباريوس قيصر الذي كانت تربطه به أواصر المودة والتقـدير، التي كان يعتز بها أنتيباس جداً فوق كل شيء. وقد بنى في طبرية قصوراً عظيمة وعديدة ومنازل كثيرة، وشجَّع السكنى في المدن سـواء مـن عليـة القـوم أو من الفقراء المعدمين، الذين سهَّل لهم السكنى مجاناً وأعالهم من أمواله كعمل من أعمال الخير الكثيرة التي اضطلع بها.

وقد أساء إلى شعور اليهود الوطني بزواجه ابنة ملك العرب أريتاس، مما تسبب في قيـام حرب شديدة بين هيرودس أنتيبا س وأريتاس، وهُزم فيها أنتيباس . وزاد إسـاءة لـشعورهم الديني بتطليقه لهذه الزوجة رغبة في الـزواج بامرأة أخيه وهو حي، مما حدا بيوحنا المعمدان أن يواجهه بهذا الخطأ موبَّخاً لتعديـه شـرائع الناموس.

ويُلاحظ هنا أن الكتاب المقدَّس يذكر أنه تزوَّج هيروديا امرأة أخيه. كما يذكر الكتاب أن اسمه هيرودس.
ولتوضيح هذه الوقائع التاريخية نقول إن اسمه الرسمي كان أنتيباس، ولكنـه كان يُدعى بلقبه العام وهو هيرودس، أي أن اسمه كان “هيرودس أنتيبـاس ”، وهو ابن هيرودس الكبير من زوجته مالثاك السامرية، وهو غير أخيه هيرودس الذي ولده هيرودس الكبير من زوجته مريمن الثانية الملقَّب فيلبَّس . والمعـروف أن هيرودس فيلبُّس بن هيرودس الكبير هو الذي كانـت هيروديـا في ذمتـه كزوجة وقد اغتصبها “هيرودس أنتيباس” لنفسه بينمـا كـان زوجهـا “هيرودس فيلبُّس”.

ومنعاً للالتباس يلزمنا أن نقول إنه كان يوجد فيلبُّس آ خر اسمـه الرسمـي “فيلبُّس” وهو الذي ولده هيرودس الكبير من زوجته المـدعوة “كليوبـاترا الأُورشليمية”، وهو الذي تولَّى رئاسة ربع على الأقاليم الشمالية، وهـذا لم يكن له علاقة بهيروديا نفسها وإنما تزوج فيما بعد ابنتها سالومة التي كانت قد خلفتها من هيرودس فيلبُّس أخيه، وهي البنت التي رقصت رقصتها المعروفـة المذكورة في الإنجيل والتي كان ثمنها رأس يوحنا المعمدان.

والمعروف من الأناجيل ومن ملابسات الحقائق التاريخية أن يوحنا المعمدان كان يمثل رأي غالبية الشعب اليهودي في إبداء سخطه على هيرودس أنتيبـاس بسبب تحديه للناموس و مشاعر الأُمة كلها . وقد سارع هيرودس أنتيباس بقتل يوحنا المعمدان خوفاً من حدوث أي شغب أو ثورة ضدَّه، الأمر الذي كـان يحرص عليه كل الحرص إرضاءً لأسياده الرومان . وقد ضحَّى هيرودس أنتيباس بتقديره وإعزازه الشديد ليوحنا المعمدان للحفاظ على تقدير القيصر وإعـزازه له، وقد ذكر يوسيفوس مقدار احترام هيرودس ليوحنا المعمدان . كما ذكر يوسيفوس أن انهزام هيرودس أنتيباس في حربه مع أريتاس ملك العرب وتحطيم جيشه جاء نتيجة مباشرة لقتله يوحنا المعمدان.

وكذلك أيضاً انتهى نصيب هيرودس أنتيباس قاتل يوحنا المعمـدان نهايـة محزنة سوداء، فقد أشارت عليه هيروديا أن يذهب إلى روما طمعاً في ازديـاد أراضيه وطموحاً في الحصول على لقب الملوكية، وكل ذلك غيرة من أغريباس  الأول أخي هيروديا نفسها، الذي تعيَّن والياً على اليهودية وأخذ كل مظـاهر الملوكية وكرامتها بسبب صداقته وزمالة شبابه مع غايس كاليجولا الإمبراطور.
ولكن لسوء حظ هيرودس أنتيباس أنه بمجرد أن وصل إلى روما سبقته وشـاية في حقه من أغريباس الأول نفسه، أخذ بها الإمبراطور كاليجولا وحكم علـى هيرودس بالنفي المؤبد إلى مدينة ليون بإقليم الغال (فرنسا). وجرَّده من جميـع أمواله وأراضيه، وأُضيفت إلى نصيب أغريباس الأول. ولمَّا علم الإمبراطـور أن هيروديا هي أخت أغريباس صديقه أراد أن يحتفظ لها بأموالها الخاصة ولكنـها رفضت، فأغضبت الإمبراطور وأمر بتجريدها من كل أموالها وأملاكها وضمَّها إلى أغريباس الأول، وزاد على ذلك بأن نفاها مؤبداً مع زوجهـا في ليـون .

وانتهى حكم هيرودس في بداية حكم كاليجولا وبالتحديد في سنة ٣٩م، علماً بأنه هو هيرودس الذي استجوب المسيح حسب طلب بيلاطس، وأهان المسيح وأمر بجلده.

فاصل

المراجع:

  1. تاريخ بني إسرائيل – الأب متى المسكين

زر الذهاب إلى الأعلى