بدعة أبوليناريوس

 

أبوليناريوس أسقف اللاذقية بسوريا، ولد حوالي 310-315 م وتوفي حوالي 390-392م.

وهو من أكثر الكتاب الكنسيين خصوبة وتعدداً في البراعات. في أيامه حارب الآريوسية بجوار القديس أثناسيوس وباسيليوس، ولكنه أدين هو نفسه بالهرطقة في النهاية.

 كمدافع لا يلين ومحارب بارز ضد الآريوسيين، لم ترقه العقيدة الأنطاكية التي تسلمها، وأراد بحل أفضل أن يستبعد أي اتجاه مغلوط لتفسير الاتحاد السري بين الناسوت واللاهوت في المسيح على أنه يوجد شخصين فيه.

في غيرته على الألوهة الحقيقية للسيد المسيح وخوفه من الفهم الخاطيء بوجود شخصين، سقط في خطأ الإنكار الجزئي لحقيقة إنسانيته.

 بالنسبة له، يوجد في المسيح الجسد الإنساني والنفس الغير عاقلة ولكن لا توجد الروح الإنسانية أي النفس العاقلة، بل حل محلها اللوغوس الإلهي وهكذا يكون في رأيه أن السيد المسيح يمتلك ألوهة كاملة ولكن ليس ناسوتاً كاملاً.

وقال إن السيد المسيح لا يمكن أن يكون له إنسانية كاملة لسببين:

  1. إنه حسب قوانين ما وراء الطبيعة لا يمكن أن ينتج اتحاد بین کائنین تامین الله وإنسان إنما مجرد هجين. [كائنان تامان أو كاملان لا يمكن أن يتحدا ويكونا كائن واحد كامل]، فعند أبوليناريوس اتحاد اللاهوت كاملاً بالناسوت  كاملاً في شخص واحد هو أمر مناف للعقل.
  2. هناك سبب آخر وهو أن النفس العاقلة هي مركز قوة قرار الشخص (قدرةالإنسان أن يتخذ قراره) نحو الصلاح أو نحو الشر، مما يؤدي إلى أن تنسب إمكانية الخطية للسيد المسيح. ولكن لابد أن يكون المخلص بلا خطية، لكي يتمم الفداء.

“الطبيعة” الكاملة بالنسبة له هي نفسها “الشخص”. أمن بطبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة. ولكنه وصل فقط إلی (الله حمل جسدا)، مثل النسطورية: فقط (إنسان حامل الله)، بدلاً من أي إله متأنس.

يحتكم إلى حقيقة أن الأسفار تقول: “الكلمة صار جسدا”، وليس روځا، “الله ظهر في الجسد”… الخ. وقد رد عليه غريغوريوس النزيانزي بأن في هذه الفقرات من الكتاب المقدس استخدم تعبير الجسد كمجاز مرسل [ذكر الجزء والمراد الكل] لكل الطبيعة البشرية.

بإنكاره النفس العاقلة في شخص السيد المسيح وهو أهم عنصر في الطبيعة البشرية جرد أبوليناريوس التجسد والفداء من معنيهما.

تغلبت العقيدة الأرثوذكسية المتأخرة على هذه الصعوبة بأن علمت بأنه لا يوجد شخص في الطبيعة البشرية للسيد المسيح بل أن شخصية السيد المسيح تستقر بأكملها في اللوغوس.

 وكما نقول ردا على نسطور أيضا، إن السيد المسيح أخذ طبيعتنا البشرية وشخصنها لنفسه وجعلها طبيعة مشخصنة تخصه هو وحده ولكنه لم يتخذ شخصاً.

من الآباء المشهورين الذين دحضوا هذه الهرطقة وكتبوا ضدها وأدانوها، القديسون: أثناسيوسکیرلسباسيليوسغريغوريوس النزيانزيغريغوريوس النيصي – فيلوكسينوس المنبجي وساويرس الأنطاكي.

كتب القديس غريغوريوس النزيانزي رئيس أساقفة القسطنطينية (۳۸۰ -۳۸۱م) في رسالته. Ep.ci :

 إن وضع أي إنسان ثقته في المسيح كإنسان بلا عقل بشري فهو نفسه بلا عقل وغير مستحق للخلاص. فإن ما لم يُتخذ لم يُشف. إن ما اتحد بلاهوته هو الذي خلص… ليتهم لا ينكرون علينا خلاصنا كله، أو يمنحوا المخلص العظام والأعصاب والشكل الإنساني فقط… يجادل (يقصد أبوليناريوس) بأنه لا يمكن أن يحتوي (السيد المسيح) طبيعتين كاملتين. بالتأكيد لا، إن كنت تفكر فيه بطريقة مادية؛ فمكيال الحبوب لا يمكن أن يحتوي مكيالين، ولا مكان جسد واحد يمكن أن يحوي جسدين أو أكثر. لكن إن كنت ستنظر إلى ما هو روحي وغير مادي، فتذكر أني في شخصي الواحد أستطيع أن أحتوي نفساً، وعقلاً وإدراكاً والروح القدس… وإن استتدوا على النص: “الكلمة صار جسدا”… فهم لم يدركوا أن مثل هذه التعبيرات أستخدمت كمجاز مرسل حيث يقوم الجزء مقام الكل .

 وكتب أيضا في نفس الرسالة:

لكن، يقول قائل إن اللاهوت حل محل النفس العاقلة. كيف يتلامس هذا معي (يقصد كيف يؤثر في أو يعالجني؟) لأنه إن اتحد اللاهوت بالجسد وحده لا يكون إنساناً، ولا إن اتحد بالنفس وحدها. أو إن اتحد بكليهما بعيداً عن العقل الذي هو أكثر جزء ضروري في الإنسان. إذن أحفظ الإنسان بكامله متحداً بالألوهة حتى يستطيع أن يفيدني بكليتي.

كتب أيضا القديس أثناسيوس ضد الأبولينارية:

لم يكن للمخلص جسداً بلا نفس، أو بلا فهم أو بلا عقل، لأنه لم يكن من الممكن عندما صار الرب إنساناً من أجلنا، أن يكون جسده بلا عقل أو كان جسداً فقط، ولكن النفس وجدت لها خلاصاً في الكلمة نفسه، ولكونه بالحقيقة ابن الله، هو نفسه صار بكراً  بين إخوة كثيرين [الرسالة إلى الأنطاكيين 362م).

إدانة الأبولينارية

 رفضت تعاليم أبوليناريوس في مجمع بالإسكندرية 362م.

و في ۳۷۷م أدائه المجمع الغربي في روما تحت رئاسة البابا داماسوس، وتبعه المجمع الشرقي في الإسكندرية ۳۷۸م، وفي أنطاكية۳۷۹م، ثم في القسطنطينية المجمع المسكوني ۳۸۱م.

 أصدر الإمبراطور ثيئودوسيوس (۳۷۹-۳۹۵م) قراراته (في ۳۸۳-۳۸۸م) بمنع تعاليم أبوليناريوس وأتباعه.

كان أبولينايوس لازال على قيد الحياة عندما كتب القديس غريغوريوس النيصي ضده Antirrheticus في 385م.

زر الذهاب إلى الأعلى