القديس مار رابولا الرهاوي
كان القديس رابولا معاصراً لماروثا أسقف ميافرقين. ولد في أواسط القرن الرابع في مدينة قنسرين.
يقول التقليد إن والده كان ثرياً وكان كاهناً وثنياً، وأما والدته فكانت مسيحية. صار مسيحياً تحت تأثير يوسابيوس أسقف قنسرين (سميساط) وأكاكيوس أسقف حلب، وترتب على ذلك أنه هجر زوجته ووزع أمواله على الفقراء والمساكين وترهب بدیر مار إبراهيم في قنسرین.
رسم كاهنا في ۳۸۸م. ومن أهم أعماله في فترة قسوسيته هو انطلاقه مع أخيه إلى بعلبك، حيث ناديا بالإنجيل بين الوثنيين مدة من الزمن صابرين على صنوف الاضطهادات.
عندما توفي ديوجينس مطران الرها، أختير رابولا بواسطة مجمع مقدس في أنطاكية خلفاً له. وظل أسقفا عليها مدة ٢٤ سنة. كان خلالها صواماً ومتقشفا في معيشته. وقد اعتاد أن ينقطع سنوياً مدة من الزمن في دير مار ابراهيم للصوم والصلاة و الرياضة الروحية. وكان الناس يلجأون إليه في أحزانهم ويتبركون من ثيابه ويطلقون اسمه على أبنائهم.
و تولی مار رابولا أسقفيته في وقت صعب، حيث يذكر أنه كان يجب عليه أن يقاوم أتباع برديصان والآريوسيين والماركيونيين والمانويين والمصلين. وقد رد الكثيرين منهم إلى حظيرة الإيمان. و زاد الموقف تعقيدا الجدل الذي كان دائرا بسبب نسطور وأفكاره الذي صار بطريركا للقسطنطينية في 428م.
في بداية الأمر أيد رابولا نسطور، وفي مجمع أفسس 431م ساند يوحنا الأنطاكي صديق نسطور، ولكنه بعد عدة أشهر قرر أن تعلیم البابا كيرلس (الذي كان معارضاً لنسطور) هو التعليم الصحيح.
ترجم بعض أعمال القديس كيرلس من اليونانية إلى السريانية، ومنها رسالة القديس كيرلس عن “الإيمان الحقيقي” التي أرسلها إلى الإمبراطور ثيئودسيوس الثاني. وقد وصفه القديس كيرلس في بعض رسائله ب “عمود الحق”.
قام بزيارة إلى القسطنطينية في العام 431م -432م أكدت موقفه. ومنذ ذلك الوقت أصبح معارضا للنسطورية.
و مما زاد الأمر صعوبة أن الرها بحسب تقليدها وتراثها تتعاطف مع ثيئودور الموبسويستي، وكان رابولا قد أحرق كتابات ثيئودور ودیودور الطرسوسي علناً وهذا جلب عليه المزيد من المتاعب خاصة عندما تزايد عدم رضی الإكليروس في الرها – بقيادة إيباس – عن رئاسته عليهم. لكنه رأى بوضوح أن الشر يجب مهاجمته والقضاء عليه في عقر داره أي في أعمال ثيئودور ودیودور.
جمع نسخ دیاتسّارون تاتیان وأحرقها فارضاً على كنائس إيبارشيته استعمال الأناجيل الأربعة المنفصلة بدلا منه.
كان هذا الراهب الناسك والعالم، له جانبه الإنساني الذي ظهر في اهتمامه المستمر بالمساكين، فمن تخليه عن ممتلكاته الخاصة عند دخوله دير مار ابراهيم، ثم تأسيسه للمستشفيات والمساكن في الرُها من أجل المرضى والمحتاجين من الجنسين، ثم بيعه لآنية الكنيسة الفضية الكثيرة التي صيغت لإثني عشر مذبحا وتوزيعه لأثمانها عليهم، يتضح كيف كان له ضمير حي جداً في العمل الاجتماعي. وهذا ما يفسر سبب الحزن العام في المدينة عند موته.
كتاباته
بالرغم من عدم معرفتنا بتعليمه الأولي، إلا أنه كان متمكنا من لغتين حيث يرجع إليه الفضل في ترجمة العهد الجديد من اليونانية إلى السريانية.
وضع قوانین حازمة لسلوك الكهنة والرهبان (۸۹ قانونا). بعض منها وصل إلينا ونشر حديثا بواسطة أ. فوبوس A.Voobus
والقوانين التي وضعها للرهبان لها أهمية خاصة لأنها تشير إلى حياة شركة رهبانية كانت منتشرة في الكنيسة السريانية في ذلك الوقت.
كتب مجموعة مؤلفة من 26 قانوناً رهبانياً. نقتطف البعض منها كما يلي:
- 1. لا يسمح للنساء بدخول الأديرة.
- 4. لا يجوز للراهب أن يحتسي الخمر.
- 5-على الراهب ألا يطيل شعره.
- ۱۰. لا يسمح بوجود كتب الهراطقة في الأديرة.
- ۱۱. ممنوع الشراء والبيع داخل الأديرة إلا للأشياء الضرورية.
- ۱۲. لا يسمح للراهب أن يكون له ممتلكات خاصة.
- ۱۳. لا يتقابل الراهب مع أقاربه.
- 14. يجب تحمل المرض داخل الدير، ولا يكون حجة لزيارة القرية أو المدينة.
- 16. حضور صلوات السواعي إجبارياً ولا تقبل أعذار في التغيب.
- 17. يجب حسن استقبال الغرباء (إضافة الغرباء).
- 18. يسمح للراهب السكن في العزلة (في داخل الدير) في حالات نادرة.
- 24. في حالة وفاة الراهب يدفن بهدوء بواسطة الرهبان بدون حضور من هم من خارج الدير.
- 25. لا يقبل راهب متجول أو طواف (من دير آخر) إلا بموافقة رئيس آخر دیر كان فيه.
تقريبا كل أعماله القليلة الباقية طبعت بواسطة أوفربيك Overbeck في نصها الأصلي باللغة بالسريانية. وهي تتضمن (حسب كاتب سيرته) متفرقات باقية من ال 46 رسالة ضد نسطور التي كتبها إلى الإمبراطور والأساقفة والولاة والرهبان. و منها رسالة إلى أساقفة الأرمن: كتبها رابولا وأكاكيوس أسقف ميليتين ليحذرهم من بدعة نسطور الموجودة في كتابات دیودور وثيئودور.
ومنها أيضا رسالة إلى أندراوس أسقف سميساط: معنفا إياه لموافقته نسطور ومهاجمته لحروم القديس كيرلس.
ورسالة إلى جملينوس أسقف البيرة: توبيخا لبعض الرهبان أساءوا تناول الأسرار المقدسة.
خطبتان إحداهما في كنيسة القسطنطينية نقضاً لنسطور وهي خطبة نفيسة ومحكمة.
والثانية خطبة في الموتی.
وكتب بالسريانية التخشفتات (التضرعات) للأعياد السيدية والعذراء والقديسين والتوبة والموت وقد بلغ عددها تقريبا ۷۰۰ بيت.
الكنيسة الجامعة |
القديس مار ساويروس الأنطاكي |
||
آباء وكتاب أنطاكية وسوريا | |||
تاريخ الكنيسة |