ثيئودوريت أسقف قورش
يعد ثيئودوریت آخر ممثلي مدرسة أنطاكية، وكان يعتبر بوجه عام أحد المفسرين العظام عند الكنيسة اليونانية.
و ولد وتعلم في أنطاكية حيث أمضى أول ثلاث وعشرين سنة من حياته. و حصل على تعليمه في الأديرة وتدرب على اللاهوت المسيحي من خلال الكنيسة ومن خلال أسرته، وبصفة خاصة من خلال كتابات دیودور الطرسوسي وذهبي الفم وثيئودور الموبسويستي.
في عام 423م وضد رغبته الشخصية أصبح أسقفا لقورش التابعة لمطرانية منبج، مدينة على الفرات في سوريا. رعى هذه الإيبارشية التي تضم ثمانمائة كنيسة لمدة 35 سنة.
أخذ على عاتقه أن يعدل التفسير الحرفي الغير مرن الذي لديودور وثيئودور، منشأ المجال للتفسير الكريستولوجي التقليدي للعهد القديم. : تفسيره لسفر نشيد الأنشاد يمثل قمة الاختلاف عن ثيئودور مما جعله أيضا قريباً جداً من التفسير الإسكندري.
في 450م قدر هو نفسه عدد كتبه با 35 كتاباً. وكان ملما بعدة لغات بجانب لغته السريانية.
تشهد كتاباته على ثقافته الكلاسيكية وتألفه مع قطاع واسع من الشعراء اليونانيين الكلاسيكيين والفلاسفة والخطباء.
ثيئودوریت نفسه – وهو أسقف لقورش – شجع الأطفال الصغار من العائلات الثرية في قورش أن يلتحقوا بمدارس الفصاحة والخطابة.
كان في قمة أعماله الرعوية محاربة الهرطقات. فقد كانت قورش معقلاً للآريوسيين والأنوميانيين والماركيونيين والأنكراتيتس و أيضا اليهود والوثنيين. ومع حلول عام 449م كان يستطيع القول بأنه لا يوجد هرطوقي واحد في إيبارشيته.
شارك في الجدل الذي نشأ بين القديس كيرلس الإسكندري ونسطور، وكان من أكثر مؤيدي الأخير صديقه الشخصي وزميل الدراسة.
و لأنه كان متشرباً بعمق بأفكار مدرسة أنطاكية، كان مقتنعا بأن بدعة أبوليناريوس اندست في تعليم القديس كيرلس. عبر عن ذلك في بداية عام 431 م من خلال تفنيده الحرومات الاثني عشر للقديس كيرلس ضد نسطور.
في مجمع أفسس الذي انعقد في عام 431م أخذ جانب يوحنا الأنطاكي، وظل على اعتقاده حتى بعد إدانة نسطور. و بعد ذلك ألف خمسة كتب هاجم فيها القديس كيرلس وقرارات مجمع أفسس.
وافق على صيغة الاتحاد في 433م بين يوحنا الأنطاكي والقديس كيرلس، ولكنه لم يوقع على حرم نسطور شخصياً عندئذ. وإن كان أضطر لذلك مؤخرا في خلقيدونية 451م.
في عام 442 م تولى دومنوس كرسي أنطاكية خلفاً لعمه يوحنا الأنطاكي، وكان بكليته تحت سيطرة ثيئودوريت الذي كانت كل ذرة في كيانه ضد الإسكندرية وضد القديس كيرلس.
عندما توفي القديس كيرلس كتب ثيئودوريت إلى دومنوس: أخيراً وبصعوبة ذهب الوغد اللئيم، الجيد والصالح يذهبان سريعاً أما السيء فإنه يعمر طويلاً .
عندما أصبح الكرسي الأنطاكي وكذا البطريرك تحت تأثيره، رأى ثيئودوریت أنه ينبغي أن يسود الفكر الأنطاكي وحده في الشرق ولا يعرف غيره. و أدى نشاطه إلى مقاومة كبيرة له، حتى أنه في الثامن عشر من أبريل 448م صدر منشور إمبراطوري في أنطاكية يحرم نسطور، وكتاباته وكذا مؤيديه.
في مجمع أفسس الثاني الذي عقد في عام 449م برئاسة القديس ديسقوروس الذي خلف القديس كيرلس، عزل المجمع ثيئودوریت وأمر بنفيه. فتظلم ثيئودوريت إلى البابا ليو (لاون) الأول، وفي العام الذي يليه سمح له الإمبراطور ماركيان بالعودة إلى كرسيه.
حب ثيئودوریت وإخلاصه لنسطور قاده لأن يعتبر أن ما يعنيه نسطور هو بذاته ما يعنيه هو نفسه. في عظة له في كنيسة مار بولس في أنطاكية بحضور دومنوس الأنطاكي قال : “لقد جس توما الرسول الذي قام، ساجداً للذي أقامه”. وفي عظة أخرى له في كنيسة أنطاكية بحضور دومنوس أيضا قال: “إن الله اتخذ إنسانا ولئن أبی بعضهم.
أثارت آراء ثيئودوريت الكريستولوجية كثيراً من الجدل. ويجمع كثير من الدارسين على أنه تبنى آراء نسطور حتى 435-436م، ومن المحتمل حتی مجمع خلقيدونية. وتخلى عن تلك الأفكار على الأقل بعد 451م.
في مجمع خلقيدونية في عام 451م، قوبل في البداية بمعارضة شديدة. ثم نوقشت قضيته في جلسة خاصة وأصر الآباء المجتمعون على أن ينطق بالحرمان ضد نسطور. فاضطر أخيرا وعلى مضض أن ينصاع لأمرهم وأعلن: “محروم نسطور وكل من لا يعترف أن العذراء القديسة مريم هي والدة الإله، وكل من يقسم الابن الوحيد، المولود الوحيد إلى اثنين.”. وبناء على ذلك فقد أعيد رسميا إلى كرسيه الأسقفي.
رعى كنيسة قورش لمدة سبعة سنوات أخرى وتوفي في عام 458م ويقول البعض في 466م.
للإيجاز نقول إن ثيئودوريت القورشي أدين في مجمع أفسس في 431م، وأدين مرة أخرى في 449م من قبل مجمع أفسس الثاني، وبريء في مجمع خلقيدونية الذي عقد في 451م.؛وفي مجمع القسطنطينية الثاني 553م أدينت الفصول الثلاثة:
- شخص وكتابات ثيئودور الموبسويستي.
- كتابات ثيئودوریت ضد القديس كيرلس الإسكندري.
- خطاب إيباس الرهاوي إلى ماريس الفارسي.
كتاباته
تفاسير:
في تفسيره استخدم نمطين أدبيين: النمط الأول هو الأسئلة والأجوبة و أسماه ضوء على غوامض الكتاب الإلهي. وقد طبق هذا النمط علی أسفار موسی الخمسة مع ملحق عن أسفار يشوع – القضاة – راعوث. وأيضا سفري الملوك الأول والثاني وسفري أخبار الأيام.
أما النمط الثاني فهو التفسير المعهود وقد طبقه على تفسيره لسفر المزامير، ونشيد الأنشاد وضعهما في 425 م، ودانيال (لم يدرج قصة سوسنة وقصة بال والتنين) مع اتجاه مضاد لليهود بقوة، وحزقيال، والاثني عشر نبيناً الصغار، وإشعياء، وإرميا وباروخ ومراثي إرميا، ورسائل القديس بولس الأربعة عشر في 431 – 434م. وفي تفسيره يتخذ موقفاً متوسطاً بين الرمزية والحرفية.
كتابات دفاعية:
- علاج الأمراض الوثنية أو اليونانية أي تمييز الحقيقة الإنجيلية مثبتة من الفلسفة اليونانية مستشهدا بأكثر من مائة كتاب وثني وضعها في ۱۲ جزءاً دحضاً للوثنية.
- العناية الإلهية، وضعه في جزئين تكميلاً للكتاب السابق.
- تفنيد اعتراضات حكماء فارس ضد الإيمان المسيحي. ويهاجم تأليههم للعناصر ويلومهم من أجل الاضطهادات العنيفة للمسيحين أثناء حكم ملوك فارس بهرام الخامس ويزدجرد الثاني.
- مقالات ضد اليهود.
كتابات عقائدية وجدلية:
- تفنيد الحرومات الاثني عشر للقديس كيرلس الإسكندري ضد نسطور كتبه بتحريض من يوحنا الأنطاكي وفيها يدافع عن “أرثوذكسية” نسطور ويتهم القديس كيرلس بالمونوفيزيتية. ومنذ أن أدين هذا المقال في المجمع الخامس 553م فقد النص الأصلي.
- كتب خمسة كتب في أعقاب مجمع أفسس 431م ضد القديس كيرلس ومجمع أفسس.
- لاهوت الثالوث المقدس المحيي والتدبير وفي تجسد الرب في كتابين.
- من أجل ديودور وثيئودور ردا على هجوم القديس كيرلس عليهما في 438 م.
- المتسول أو الرجل المتعدد الأشكال Eranistes seu Polymorphus، ضد مونوفيزية أوطاخي، كتبه في 447م، يذكر فيه أن مونوفيزية أوطاخي ليست سوى خليط من هرطقات سبقته كالغنوسية والآريوسية والأبولينارية، راح يتسولها”، وهو في أربعة كتب مازالت كلها باقية. الثلاثة الأولى على شكل حوارات بين المؤمن الأرثوذكسي والمتسول (يقصد الأوطاخي المونوفيزابت) أما الكتاب الرابع فيلخص الثلاثة كتب الأولى في 40 قياساً.
- إجابات لواحد وستين سؤالا تاريخيا وعقائديا، وأخلاقيا، وموضوعات تفسيرية.
- ضد الآريوسيين والأنوميانيين والمكدونيين والأبوليناريين والماركيونيين وأوريجانوس، في ۱۲ کتاب .
كتابات تاريخية:
- تاريخ الرهبان: ۳۰ فصلاً يصف حياة ۲۸ رجلاً و۳ نساء من النساك. في العشرين فصلا الأولى تناول “المجاهدين في المسيح” الذين مضوا إلى مكافأتهم الأبدية. العشرة فصول الأخيرة عن القديسين الذين مازالوا موجودين في أيامه مثل سمعان العمودي، كتبها حوالي 444م.
- التاريخ الكنسي: في خمسة أجزاء يتناول الفترة ما بین 323م وحتى 428م. بدأه بالجدل الآريوسي وأنهاه بموت ثيئودور الموبسويستي. ولم يذكر نسطور الذي صار بطريركا للقسطنطينية 428م.
- مختصر أقوال الهراطقة: وهو تاريخ الهرطقات في خمسة كتب يبدأ من سيمون الساحر وينتهي بأوطاخي، وهو عرض للإيمان من حيث تاریخ العقيدة. ويعتمد كثيرا على كتاب إيريناوس.
- في مجمع خلقيدونية.
- عظات في العناية الإلهية وفي محبة الله.
رسائل:
من 500 رسالة توجد الآن ۲۳۲ رسالة باقية . وهي علاوة على أهميتها اللاهوتية، تعد من أهم المصادر التاريخ القرن الخامس.
الكنيسة الجامعة | |||
آباء وكتاب أنطاكية وسوريا | |||
تاريخ الكنيسة |