القديس ساويرس الأنطاكي

القديس ساويرس 

كان القديس ساويرس من الشخصيات الهامة ، وقد صار راعيا من آباء الكنيسة وقادتها العظماء أمثال أثناسيوس الإسكندري والقديس باسيليوس الكبير.

ولد من أبوين غنيين في مدينة سوزوبوليس في آسيا الصغرى ، وكان – حفيدا للأسقف ساويرس الذي اشترك في أعمال مجمع أفسس ٤٣١ م .

 حصل على قدر كبير من التعليم قبل أن ينضم إلى خدمة الكنيسة . فدرس النحو والبيان في الإسكندرية باليونانية واللاتينية ، ثم درس علمي الفقه والفلسفة في مدرسة الفقه الروماني ببيروت ، ونبغ في علم الشرائع .

كان مقتدرا في تفسير الكتاب المقدس وكتابات الآباء . وقد نال سر العماد المقدس في كنيسة طرابلس في ٤٨٨ م .

بدلًا من أن ينخرط في سلك المحاماة الذي كان قد رسمه لنفسه، اجتذبته الحياة الرهبانية في دير مار رومانس في بلدة مايوما بفلسطين ، فالتحق به وترهب فيه وتأثر ببطرس الإيبيري الذي جذبه إلى فريق غير الخلقيدونيين .

 رسمه الأسقف المعترف إبيفانوس قساً. وبعد ذلك أسس ديرا لنفسه . وعاش ٢٤ سنة في النسك والعبادة ودراسة الكتاب المقدس والمؤلفات اللاهوتية لتدعيم ونصرة الإيمان المستقيم .

 في ٥٠٨ م رحل مع ۲۰۰ راهب إلى القسطنطينية في سبيل الدفاع عن الإيمان القويم ، ومكث فيها حوالي ثلاث سنوات حتى ٥١١ م .

 بعد سنة وعدة شهور عُزل فلابیانوس ( فلافيان الثاني بطريرك أنطاكية) فأنتخب ساويرس ليخلفه بطريركا لأنطاكية في ٦ نوفمبر ٥١٢م وقام بسیامته ۱۲ أسقفا .

بعد رسامته بطريركا بدأ يلقي الخطب مساندة للإيمان القويم وتقويما الأخلاق .

كان من أبرز وأروع لاهوتيي كنيسة أنطاكية في القرن السادس . وكبطريرك ، كرس نفسه لخدمة رعيته بغيرة وإخلاص واضحين .

 لم يحد في رئاسته عن نظامه النسكي وزهده ، فأزال من القصر البطريركي أسباب الترف في المعيشة ، ووجه كل اهتمامه إلى إصلاح الأمور وتدبير الكنيسة متفقدا الإيبارشيات والأديرة بنفسه .

عارض بكل قوته مجمع خلقيدونية وكان هدفه هو أن يبذل قصارى جهده في أن يعرف الناس أن ما تنادي به الكنيسة الغير خلقيدونية هو إيمان الكنيسة المستقيم .

أثر اعتلاء الإمبراطور يوستين الأول العرش ( ٥١٨-٥٢٧م ) المناصر لمجمع خلقيدونية – تأثيرا سيئا على القديس ساويرس ، فقد دعا الإمبراطور إلى عقد مجمع مكاني من ٤٣ أو ٤٤ أسقفا أصدروا قرارا بإقصاء القديس ساويرس عن كرسيه ، وأصدر الإمبراطور أمرا بالقبض عليه وقطع لسانه .

هرب القديس ساويرس إلى الإسكندرية حيث وصلها في عام ٥١٨م. وأمضى بقية حياته زهاء عشرين سنة في مصر . أثناء نفيه في مصر ظل يدبر كنيسته بنوابه ومراسلاته ، ويكتب الكتب تفنيدا للبدع وإعلانا للإيمان المستقيم .

في ٥٣٥ م رحل إلى العاصمة ملبياً طلب يوستينيان الأول ( ٥٢٧-٥٦٥ م ) سعيا إلى الاتحاد ، فجذب أنثيموس بطريرك القسطنطينية إلى حظيرته ، وظل الشقاق قائماً بین الخلقيدونيين وغير الخلقيدونيين فعاد إلى مصر وتنيح في بلدة سخا وعمره نحو ۷۹ سنة .

و عندما اعتلى يوستين الثاني العرش ( ٥٦٥-٥٧٨م ) تصالح مع الأرثوذكس غير الخلقيدونيين وأصدر يوستين الثاني مرسوما يقول فيه : ” نحن نقبل القديس المبارك البطريرك ساويرس ونلغي إدانته التي كانت قد أعلنت ضده بخبث وبغير سبب ! ” .

اعتبر القديس ساويرس أن أوطاخي هرطوقي ، ولكنه دافع عن موقف القديس ديسقوروس في مجمع ٤٤٩ م لأن أوطاخي قد أعلن إيمانه من خلال اعتراف خادع ومزيف ( غير ملوم في ظاهره ) حيث لم يكن من الممكن إدانته من خلال هذا الاعتراف . وقد قام البابا ديسقوروس نفسه بعد ذلك بحرم أوطاخي .

 في جزء من الليتورجيا السريانية يقال : فلنتذكر بطريركنا مار ساويرس تاج السريان . اللسان الفصيح ، عمود ومعلم كنيسة الله الجامعة .

في مجمع القديسين في القداس الإلهي للكنيسة القبطة الأرثوذكسية ، يأتي ترتيب القديس ساويرس مباشرة بعد القديس مرقس الرسول الذي أسس كنيسة الإسكندرية ، وقبل بطاركتها العظام القديس أثناسيوس و القديس كيرلس والقديس ديسقوروس . وتعيد الكنيسة القبطية له ثلاثة أعياد طبقاً للتقويم القبطي : 1- وصوله إلى مصر في بابه ( ۱۲ أكتوبر ) ، ۲- نياحته ١٤ أمشير ( ۲۱ فبراير ) ، ۳- نقل رفاته إلى دير الزجاج غرب الإسكندرية في ۱۰ كيهك ( ۱۹ ديسمبر ) .

تعاليمه اللاهوتية

أكد على أن الكلمة صار جسدا بدون تغيير وظل كما هو قبل التجسد وبعده ، ولكنه ميز بين الكلمة قبل التجسد وفي التجسد . فقال إن الكلمة قبل التجسد لم يكن له جسد ، بسيط ، غير مرئي ، بعيد عن أي إدراك حسي و غير ملموس ، أما في التجسد فقد صار له جسد وطبيعته أصبحت مركبة من لاهوت وناسوت ولكن شخصه واحد بسيط . و فند وجادل بصفة مستمرة وبعزيمة لا تكل طومس لاون ومجمع خلقيدونية . أصر على أن تعبير ” الطبيعتين بعد الاتحاد ” الذي نادت به مدرسة أنطاكية ، والذي تبناه المجمع بقوله ” في طبيعتين ” هو صيغة إيمانية غير مقبولة . وأكد أن السيد المسيح هو واحد ، الله الكلمة المتجسد .

 كرر القديس ساويرس وأوضح أكثر من مرة أن طبيعتين بعد الاتحاد ” يفهم منها ضمنا أن الطفل البشري قد تكون وحده في البطن أولا ثم اتخذه وسكن فيه الله الكلمة بعد ذلك . طبقا لهذا الرأي فقد ظل الإنسان إنسانا ، والله الابن ظل الله الابن في حالة وجود هي الاتصال بدون أن يتحدا اتحادا حقيقيا في شخص السيد المسيح ) .. وهذا هو رأي معلمي مدرسة أنطاكية والذي تبناه نسطور وأعتبر هرطقة من قبل مجمع أفسس ٤٣١ م ” .

كتاباته

 يمكن تصنيف كتاباته كالآتي : جدلية وطقسية وتفسير وخطب ورسائل ، كتبها كلها باليونانية وقد نقلها العلماء السريانيون إلى السريانية .

جدلية نذكر منها : : كتابان فند فيهما كتابا كتبه راهب نوبي اسمه نيفاليوس من الإسكندرية يدافع عن مجمع خلقيدونية .

كتاب فيلاليتس philalethes أي محب الحق ، ألفه دفاعا عن كتابات القديس كيرلس الإسكندري وغيره ، أظهر فيه ۳۳۰ موطنا من تصنيف الآباء زورها الخصوم . :

کتاب دفاع عن صحة كتابه فيلاليتس . : كتاب ضخم في ثلاثة مجلدات نقضا ليوحنا النحوي القيصراني الأسقف الملكي ( الخلقيدوني ) لقيصرية ، بدأ به بأنطاكية وأنجزه بمصر . وكان يوحنا النحوي هذا قد كتب كتابا يدافع فيه عن مجمع خلقيدونية ويهاجم من لا يقبله . وقد شرح القديس ساويرس في هذه الثلاثة مجلدات تفسيرا لشخص السيد المسيح على أساس كتابات آباء الكنيسة ، وقد أكمله ربما في العشرين سنة الأولى من القرن السادس .

 كتابان نقض فيهما مذهب يوليان الخيالي أسقف هاليكرناس .

كتاب ردا على خطاب من سرجيوس النحوي الأوطاخي شرح فيه كيف أن في المسيح الواحد توجد طبيعتين مختلفتين ولكنهما متحدتان بغير اختلاط ولا انقسام ولا نقصان أو تحويل .

تفنيد لتأليف القس يوحنا البيساني الملكي ( الخلقيدوني ) . و تزييف فیلیقیسموس وهو جزآن .

 كتاب ضد المانويين ( أتباع بدعة ماني ) . و نقض عهد لمفيطيوس الحاوي بدعة المصلين .

رد على ألكسندر ، نشر منه بروکس نبذة في آخر المجلد الرابع من الرسائل .

 خطاب إلى البطريكين بولس وافیون نقضا لبدعة أوطاخي ومحاورة لأجل أنسطاسيوس .

طقسية نذكر منها :

كتاب نفيس يشتمل على المعانيث ۷۳ التي ألفها ، وهي أناشيد غاية في العذوبة يبدأها بآية من الكتاب المقدس ، وعددها ۲۹۰ ، وهي تشمل مواضيع مختلفة كثيرة . نشره بروکس ونقله إلى الإنجليزية عام ۱۹۰۹ م . :

وله ليتورجيا وطقس رسم الكأس ( أي القداس السابق تقديسه ) ، وطقس للعماد ، وصلاة تبريك الماء في عيد الغطاس ، وأدعية .

تفاسير نذكر منها :

تفسير إنجيل لوقا ، تفسير رؤيا حزقيال ، وتفسير المواضيع وآيات كتابية أخرى كثيرة .

خطب نذكر منها :

 خطب المنابر : ١٢٥ خطبة محفوظة في ثلاثة مجلدات ضخمة في المكتبة الفاتيكانية وفي لندن ، والبعض منها في دير الزعفران بتركيا وفي بطريركية أنطاكية . نشر منها ٥١ خطبة منقولة إلى الفرنسية في ثلاثة مجلدات .

رسائل :

 يعسر إحصاؤها وتقدر بنحو ۳۸۰۰ رسالة . وهو عدد لم يسمع به لحبر مراسل . جمعت قديما في ثلاثة وعشرين مجلدا ، أربعة منها كتبت قبل البطريركية ، وعشرة في أثنائها ٥١٢ م – ٥١٨ دم ، وتسعة بعد المنفى من سنة ٥١٨م -٥٣٨ م . بقي منها مجلدين ضخمين عنوان أحدهما الكتاب السادس المختار من رسائل مار ساويرس الأنطاكي نقل القس أثناسيوس النصيبيني سنة ٦٦٩ م ، وعني بروکس بنشر أربعة مجلدات منقولة إلى الإنجليزية ١٩٠٤ م- ١٩١٥ م .

للأسف أمر يوستينيان بحرق مؤلفاته وتشديد العقاب بقطع اليد اليمني لكل من ينسخها أو يقتنيها . فضاعت باليونانية إلا النذر اليسير ، ، وحفظت بترجمتها السريانية .

كتب كتبا كثيرة ليناصر المعتقد القويم الغير خلقيدوني . في خطابه إلى الكونت إيقومينيوس ” كتب يقول : إن لنا أيضا في الكتب المقدسة الموحى بها من الله ، زادا من الاتضاع ، ولا تنقصنا الأسباب التي تجعلنا نتضع وتساعدنا ( تشجعنا ) أن نلوذ بالصمت . لو كنت أنت كما لو كنت مزمعا أن تصعد علی جبل سيناء ، تجفل من أن تكتب لرجل كهذا ” ( أقصد نفسي ) وتفكر أنه من الملائم أن تستخدم كلمات داود التي قالها لأولئك الذين كانوا يشجعونه أن يتزوج ابنة شاول : ” هل هو مستخف في أعينكم مصاهرة الملك وأنا رجل مسكين وحقير ” ( اصم ۱۸ : ۲۳ ) . ها أنا أيضا عندما أجيب على سؤالك أستخدم هذه الكلمات : ” لست أنا نبيا ولا ابن نبي بل أنا راع وجاني جميز ” ( عاموس 7 : 14 ) . وإن كان ليس كثيرا جدا بالنسبة لي حتى أن أقول هذا ، إني غير مستحق أن أخبر بصلاح الله وبره ، وأن آخذ عهده في فمي”

وتستخدم الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة هذا الدعاء ، الذي كتبه القديس ساويرس في ليتورجيتها وفي صلوات السواعي الفرضية اليومية : ويسمى معنيث مار ساويرس : إني أستعين بدعاء الأم التي ولدتك وجميع قديسيك . اعظمك يا سيدي الملك يا أيها الابن الوحيد وكلمة الآب السماوي المتعالي عن الموت بطبعه . یا من ارتضي وجاء إلينا لجودته من أجل حياة الجنس البشر وفدائه . وتجسد من القديسة المجيدة والعذراء الطاهرة والدة الإله مريم . وصار إنسانا ولم يتغير وصلب عوضا عنا . وبموته وطيء موتنا وقتله وهو المسيح إلهنا أحد الثالوث الأقدس . يامن يسجد له ويمجد مع أبيه وروحه القدوس ترأف بنا كلنا .

يشرح كيف أن أليصابات هي نسيبة السيدة العذراء كما ذكر الملاك : انظروا تدبير الروح القدس وسمو الحكمة .. كيف جعل إمرأة زکریا والدة المعمدان نسيبة مريم والدة الإله ، أليصابات ليعود بنا إلى الوراء حتى أليصابات زوجة هرون والتي بها حدث اتحاد السبطين … سبط يهوذا الملكي وسبط لاوي الكهنوتي. ليكون المسيح الملك والكاهن الأعظم من نسل هذين السبطين حسب الجسد. 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى