مجمع نيقية – المجمع المسكوني الأول
المجمع المسكونى الاول وكان الداعى لانعقاده انتشار بدعة اريوس الهرطوقى، واضطراب الكنيسة و انزعاج المؤمنين بسببها. فكتب القديس البابا الكسندروس بابا الاسكندرية الى الملك قسطنطين الكبير طالبا منه عقد مجمع مسكونى لفض هذا النزاع وتقرير مسائل اخرى مختلف عليها. وذهب اوسيوس اسقف قرطبة الى الملك و طلب منه نفس الطلب. فارتضى قسطنطين و كتب منشورا يستدعى فيه جميع اساقفة المملكة للاجتماع فى مدينة نيقية. فلبى الدعوى حالا 318 اسقفا من كل اقاليم العالم المسيحى ما عدا القليل و الاكثرون منهم كانوا قد اعترفوا بالوهية سيدنا يسوع المسيح وتعذبوا لأجل ذلك في زمن إضطهادات الوثنيين.
وكان من ضمن الحضور بابا الاسكندرية الكسندروس و كان بحكم وظيفته هو المدعى ضد اريوس، و كان بصحبته اثناسيوس رئيس شمامسته وسكرتيره الخاص، الغيرالبالغ من العمر25 سنة. وكان معهما من ممثلي كنيسة الاسكندرية الأنبا بوتامون أسقف هرقلية بأعالي النيل والقديس بفنوتيوس أسقف طيبة العليا.
وضمن الحاضرين أيضاً اسطاسيوس اسقف انطاكيه ويوساب اسقف قيصرية و مكاريوس اسقف اورشليم وبولس اسقف قيصرية الجديدة ويعقوب اسقف نصيبين و عطاالله اسقف اديسا وغيرهم من ارمينية و بلاد الفرس.
وحضر اريوس واتباعه وهم اوسابيوس اسقف نيكوميديا و ثاوغنس مطران نيقية و مارس اسقف خلكيدون و خلاف هؤلاء واولئك كان المجمع مكتظا بعدد عظيم من الذين اتوا غيره على لاهوت المسيح
وفى هذا المجمع كان الشمامسة لابسين رداء طويل و الاساقفة و الكهنة برنسا كبيرا من الصوف و كلها من اللون الابيض.
واجتمع المجمع سنة325م و لايعرف جيداً الشهر الذى اجتمع فيه المجمع فيقول بعضهم فى 20ايار”مايو” وغيرهم فى 19 جزيران”يونية” اما مكانه فكان فى الساحة الوسطى فى القصر الملوكى.
وكان اهم الحاضرين هو اثناسيوس رئيس شمامسة البابا الاسكندروس فهو الذى كان يتولى الدفاع ضد اريوس و اتباعه نظراً لما اظهره من البراعة قبل انعقاد المجمع فى مناضلة الاريوسيين فى بعض مجادلات جرت بينه و بينهم. وقد أعترض الاريوسيون على وجود اثناسيوس بالمجمع نظرا لكونه رئيس شمامسة فضلا عن صغر سنه ولكن الملك لم يعبا باعتراضهم.
وبدا المجمع اعماله بانعقاد الجلسة الاولى فكثر الجدال واللغط والغضب وانقضت الجلسة الاولى بدون جدوى وفى اليوم التالى تقدموا للمناقشة فوقف اريوس وقال”ان الابن ليس مساوياً للاب فى الازلية وليس من جوهره وان الاب كان فى الاصل وحيدا فاخرج الابن من العدم بارادته و ان الاب لا يُرى و لا يكيف حتى للابن لان الذى له بداية لا يعرف الازلى و ان الابن إله لحصوله على لاهوت مكتسب”
فحال سماع الاباء هذه الكلمات ضجوا ضجيجا هائلا وصموا اذانهم كيلا يسمعوا هذا التجديف
واخذ اريوس يدافع عن معتقده فقال إن سليمان الحكيم تكلم بلسان المسيح قائلاً خلقني أول طرقه (أم 8 : 22)
اثناسيوس: معنى ذلك هو أن الرب ولدني لأن النص العبري يذكر عوض خلقني (قناني) أي ولدني، ويؤيد هذا التفسير ما ورد في نفس الفصل إذ يقول : منذ الأزل مسحت منذ البدء كنت معه…..
أريوس: ان الابن قال أبي أعظم مني( يو 14: 28) فعلى هذا يكون الأبن أصغر من الآب ولا يساويه في الجوهر.
اثناسيوس: ان الابن دون الاب لكونه تجسد كما جاء”لو كنتم تحبونى لكنتم تفرحون لانى قلت انى ماض الى الاب الن ابى اعظم منى”اى انه بناسوته يمضى الى الاب الذى هو اعظم من ناسوت الابن اما لاهوته فيهظر فى قوله “انا والاب واحدا”وان الابن بولادته الازليه من الاب قد ملك كل سلطان وقال ان المسيح تكلم فى مواضع كثيرة بحسب كونه الها صار انسانا”
اريوس: المسيح قال اعطيت كل سلطان فى السماء والارض ومعنى ذلك انه نال السلطان من ابيه لانه اعظم منه وغير مساو له.
اثناسيوس: يعني أن الأبن بولادته الأزلية من الآب قد ملك كل سلطان ، أو قال هذا بحسب كونه متأنساً. لأنة في أثر ذلك القول ساوى نفسه بأبيه بقوله لتلاميذه ” عمدوهم بأسم الآب والأبن والروح القدس”.
أريوس: ان المسيح نسب لنفسه عدم معرفة ساعة الدينونة فاذا كان الابن لا يعرف وقت الدينونة فكيف يكون الها؟.
اثناسيوس: أن المسيح قال ذلك لتلاميذه لئلا يسألوه عن هذا السر الذي لا يجوز أن يطلعوا عليه، كما يقول صاحب السر أني لا أعلمها علماً يباح به. لأن بطرس قال له يا رب أنت تعلم كل شئ.
-وكثر الجدال فى هذا المجمع فبعضهم سائل اذا كانوا يعترفون ان الابن ليس مخلوقا بل هو قوة الاب و حكمته وصورته و انه هو الله حقا فنظر بعضهم الى بعض وتشاوروا همسا ثم قالوا اننا نوافق على ذلك لاننا نحن البشر ندعى صورة الله و مجد الله و اشياء كثيرة يقول عنا الكتاب انها قوته حتى ان الجراد سميت بقوات الرب و اما من جهة القول بانه اله حقيقى فلا مشاحنة فيه اذ انه جعل او تعين هكذا و لم يلق احد من الفريقين اية عبارة يعبر بها عن فكرة الا وقام الفريق الاخر باضعاف قوتها ونفيها
فاقترح اثناسيوس ان تضاف كلمة homo-ousion اى مساو فى الجوهر او ذو جوهر واحد للتعبير عن هذه الحقيقة بطريقة موجزة واضحة فعارض اليوسابيون فى استعمال هذه اللفظة بدعوى انها ليست من الكتاب وغير ملائمة و قابلة للتاويل ثم اقترحوا استبدالها بلفظة homi-ousion اى مشابه فى الجوهر والفرق بين الكلمتين حرف واحد وهو “يوتا”باليونانية و القبطية و لكن ما اعظم الفرق بين اللفظين فى المعنى وبقدر معارضتهم بقدر ما ظهر للاغلبية انها العبارة المقصودة بالذات للتميز بين من يؤمن بصحة لاهوت المسيح و بين من يعتقد بما هو اقل من ذلك. فصودق على اقتراح اثناسيوس باغلبية هائلة و لم تزد الاقلية عن سبعة عشر صوتا و قوبلت هذه النتيجة بالسرور التام وتقرر ان يكون قانون الايمان هكذا:
“نؤمن باله واحد الله ضابط الكل الخالق السماء والارض ما يرى وما لا يرى. نؤمن برب واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد المولود من الاب قبل كل الدهور نور من نور اله حق من اله حق مولود غير مخلوق مساو للاب فى الجوهر الذى به كان كل شئ هذا الذى لاجلنا نحن البشر ومن اجل خلاصنا نزل من السماء و تجسد من الروح القدس و من مريم العذراء تانس وصلب على عهد بيلاطس البنطى تالم وقبر و قام من بين الاموات فى اليوم الثالث كما فى الكتب وصعد الى السموات وجلس عن يمين ابيه و ايضا ياتى فى مجده ليدين الاحياء و الاموات الذى ليس لملكه انقضاء”
ويلى هذا القرار حرم اريوس واتباعه وحرم بدعة سابليوس الذى اذاع اريوس ان معارضيه يقبلونها وبذلك اوضح المجمع النقطتين الاساسيتين فى التعليم عن كلمة الله و هما تميز الاقانيم فى اللاهوت وصحة لاهوت المسيح.
وبعد ان حكم المحمع بحرم اريوس و بدعته امر بنفيه و بحرق كتبه و اعدام من يتستر عليها وارسل المجمع الى كنائس افريقيه يقول”قبل كل شئ وقع البحث امام الملك قسطنطين الكلى التقوى فى اثم اريوس و رفاقه و عدم تقواهم وهكذا ايضا فلتكن اقواله واعماله و عباراته التجديفية التى استعملها لانه قال مجدفا ان ابن الله من القدم وانه وجد زمان لم يوجد فيه وقال ان ابن الله من تلقاء ارادته قادر على الفضيلة و الرذيلة و قال انه مخلوق وعمل فكل هذا حرمه……”
ولما انتهى المجمع من القضاء على اريوس وبدعته صرف همه للفصل فى مسائل اخرى:
1- تحديد يوم عيد القيامة فقرر بالاجماع ان يكون العيد المذكور فى موعد واحد بجميع البلدان اى يوم الاحد الذى يلى البدر الذى يكون فيه عيد اليهود حتى لا يعيدوا قبل اليهود او معهم.
2- ثم نظر المجمع فى امر شقاق ميليتس وامر بحفظ الحقوق والرتب.
3- النظر فى معمودية الهراطقة تلك المشكلة القديمة فاعترف المجمع بمعمودية واحدة وحدد ان لا يقبل بعض من الهراطقة لا بالمعمودية لان معموديتهم المعروفة اسما هى بالفعل غير صحيحة لعدم ارتباطها بالاعتراف بالثالوث الاقدس والبعض الاخر ان يقبلوا بلا معمودية لكون المعمودية المتممة عليهم لبثت غير فاسدة و لا ممسوسة من ارائهم لتعلقها بمواضيع اخرى لا تمس المعمودية
4- حكم على ذوى الكهنوت ان يكونوا من اصحاب الزوجات و قد اراد جل الاعضاء ان يقرروا ضرورة تبتل كل رتب الاكليروس الا ان رائيهم لم يقبل و كان اشد معارضيه القديس بفنوتيوس اسقف طيبة الذى اشير اليه بانه فقد عينه اليمنى و يده اليسرى فى الاضطهاد و هو اعزب اذ صرح بانه ليس من الواجب التثقيل على ذوى الكهنوت خشية حدوث ضرر للبيعة عوض النفع فاثر كلامه فى الجميع لانهم عرفوا انه لا ينتفع من القرار او عدمه و اكتفى المجمع بالحكم على الكهنة المترملين بعدم اعادة الزيجة وعلى ذلك سن المجمع عشرين قانونا فى تلك الخصوص لا تزال موجودة الى عصرنا هذا.
_____________
المراجع :
- تاريخ الكنيسة القبطية للقس منسى يوحنا
القرن الرابع | العصر الذهبي |
|
|
المجامع – البدع – الهرطقات | |||
تاريخ الكنيسة القبطية |