بدعة مقدونيوس
عدو الروح القدس
كان اولاً من الأريوسيين. وتمكن هولاء بنفوذهم عند قسطنس قيصر أن يرسموه بطريركًا لكرسي القسطنطينية سنة 343م ، فدخل المدينة محفوفًا بالجنود وثار شغب بين المؤمنين والأريوسيين، قُتِلَ فيه كثيرون. وكان مقدونيوس يضطهد أتباع بولس البطريرك الشرعي المعزول وقيل أنه أرسل فخنقه. وفيما بعد غضب عليه قسطنس لأنه نقل جثمان أبيه قسطنطين من مدفن إلى آخر، فأمر بطرده من كرسيه سنة 360 م.
لما كان بطريركًا كان يعلم تعليم أريوس إلا أنه لما عُزل أراد أن يكون مبتدعًا بدعة جديدة. فأراد أن ينكر لاهوت الروح القدس فادعى أن الروح القدس عمل إلهي منتشر في الكون وليس بأقنوم متميز عن الآب والابن، واعتبره أنه مخلوق يشبه الملائكة ذو رتبة أسمى منهم.
أنكر مقدونيوس ألوهية الروح القدس ولكنه لم ينكر ألوهية السيد المسيح. كان مقدونيوس قد استند إلى ما ورد في إنجيل يوحنا في قول السيد المسيح عن الروح القدس “لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية” (يو 16: 13) “ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم” (يو 16: 14). فقال مقدونيوس إن الروح القدس أقل من الابن لأنه يأخذ مما للابن (يو 16 : 14،15)، ولأنه لا يتكلم من نفسه (يو16 : 13)، ولأنه يشهد للابن بناءً على ما قاله السيد المسيح: “ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم.. فهو يشهد لي” (يو 15 : 26). وأيضًا لأنه يُرسل من الآب ومن الابن.
يُرسَل من الآب : “وأما المعزى الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلمكم كل شيء” (يو 14 : 26).
ويُرسَل من الابن: “ومتى جاء المعزى الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق” (يو 15 : 26).
لقد نسى مكدونيوس أن الابن أيضًا قال عنه الوحي الإلهي: “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل” (يو 5 : 19). لو قرأ هذه الآية بتمعن لما اعتبر أن عبارة أن الروح القدس “لا يتكلم من نفسه” تؤدى إلى إقلال شأن الروح القدس عن الابن. كما أن كون الابن لا يعمل من نفسه شيئًا لا تقلل الابن عن الآب. فإذا اتبعنا هذه القاعدة التي اتبعها مقدونيوس لأنكرنا ألوهية الابن أيضًا لأنه قال أنه “لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئًا إلا ما ينظر الآب يعمل” (يو 5: 19).
إن كلًا من العبارتين معناها أن أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس لا يعمل الواحد منهما منفصلًا عن الأقنومين الآخرين. فلا الابن يعمل منفصلًا عن الآب والروح القدس، ولا الروح القدس يعمل منفصلًا عن الابن والآب.
لأنه كما قال الآباء مثل القديس أثناسيوس: “الآب يفعل كل الأشياء من خلال الكلمة في الروح القدس”.
ومثله قال القديس غريغوريوس أسقف نيصص: “كل عملية تأتى من الله إلى الخليقة بحسب فهمنا المتنوع لها (نسميها طاقة أو قدرة أو خلاص أو هبة أو موهبة أو عطية… إلخ)، لها أصلها من الآب وتأتى إلينا من خلال الابن وتكتمل في الروح القدس”(1).
إن وحدانية الآب والابن التي قال عنها السيد المسيح أنه هو والآب واحد (انظر يو 10: 30) هي السبب في أنه لا يقدر أن يعمل من نفسه شيئًا، لأن قدرة واحدة هي للآب والابن والروح القدس.
وقد شرح القديس يوحنا ذهبي الفم خطأ تعليم مقدونيوس، في شرح عبارة أن الروح القدس لا يتكلم من نفسه، كما يلي:
أولًا: إن الله حينما أراد أن يقيم سبعين شيخًا لمعاونة موسى النبي في رعاية شعب إسرائيل قال الرب لموسى “آخذ من الروح الذي عليك وأضع عليهم” (عدد 11: 17) فهل كان الله أقل من موسى النبي.. حاشا؟! وهل الله يستدين (يستلف) من موسى الروح القدس أي مواهبه. إن السبب في ذلك طبعًا، وبدون أي جدال ويستد كل فم، أن الله أراد أن يثبت للشيوخ السبعين أنهم يعاونون موسى ولا ينفصلون عنه، بل يعملون في انسجام ووحدانية، لكي لا يحدث انقسام في الجماعة.
هكذا أيضًا الروح القدس يأخذ مما للسيد المسيح ويخبرنا ليس لأنه أقل من الابن، كما ادّعى مقدونيوس، بل لكي يؤكد أن المسيح هو رأس الكنيسة. وتكون العطايا والمواهب التي تمنح لنا هي من خلال السيد المسيح، ونكون نحن أعضاء في جسده الواحد. فالروح القدس كما أنه هو روح الآب فهو أيضًا روح الابن أو روح المسيح كما هو مكتوب.
ثانيًا: الروح القدس يأخذ مما للمسيح ويخبرنا، لأن أي إنسان يستطيع أن يدّعى أن الروح القدس يحل عليه، وأنه يأخذ وحيًا من الروح القدس. والقديس يوحنا الرسول يقول “لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم. بهذا تعرفون روح الله.كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله” (1يو 4: 1-2). ونظرًا لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم فكيف نعرف الروح القدس الحقيقي (أي روح الله) إلا إذا كان لا يتكلم من نفسه، أي أنه يشهد للمسيح ولا يشهد له فقط بل يشهد الشهادة الحقيقية، أن المسيح هو الابن المولود من الآب قبل كل الدهور. كما قال القديس يوحنا الإنجيلي في نفس الرسالة: “ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق. ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإله الحق والحياة الأبدية” (1يو5: 20) فالروح الذي يشهد لألوهية السيد المسيح ولتجسده من أجل خلاص العالم تكون شهادته هي شهادة حق.
من المعروف أن أنبياء كثيرين خرجوا إلى العالم وأن أي منهم قد يدّعى أن الروح القدس هو الذي يملى عليه ما قاله وما علّم به. فكيف نعرف إلا إذا كان الروح القدس الحقيقي له مواصفات.
هذه هي الأسباب التي جعلت السيد المسيح يعطى تعريفًا محددًا للروح القدس حينما قال: “ذاك يمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للآب هو لي. لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم” (يو 16 : 14، 15). إذن فهو لا يأخذ فقط مما للابن ويخبرنا بل ويأخذ أيضًا مما للآب ويخبرنا، لأن كل ما للآب هو للابن، لذلك أكمل السيد المسيح قوله وقال: “لهذا قلت أنه يأخذ مما لي ويخبركم”
لما رجع البابا أثناسيوس الرسولي من منفاه إلى كرسيه سنة 362 عقد مجمعًا بالإسكندرية شجب فيه هذه البدعة وتبعه بعض الأساقفة فشجبوها.
ولما وصل خبرها إلى مسامع الإمبراطور ثيؤدوسيوس أمر بعقد مجمع القسطنطينية (المجمع المسكوني الثاني) عام ٣٨١م وقد حضر المجمع ١٥٠ اسقف منهم البابا تيموثاوس (٢٢)
بدأ المجمع جلساته ودعى مقدونيوس ليعرض اعتقاده فبدا يقول ان الروح القدس مخلوق مستندا بالايه (كل شئ به كان وبغيره لم يكن شئ مما كان)
اجاب اباء المجمع قائلين انه لايوجد لدينا الا روح واحد هو روح الله ومن المعلوم ان روح الله ليس شئ اخر غير حياته واذا قلنا ان حياته مخلوقه فيصبح حسب زعمك غير حى فهذا الضلال الفظيع والخطأ الشنيع.
وقد حاول اباء المجمع اقناعه بخطأ معتقده طالبين الاقلاع عنه لكنه رفض واصر على رأيه
و بسبب اصراره قضى المجمع بحرمه وفرزه كما حكم الامبراطور ثيؤدوسيوس بنفيه وقرر اباء المجمع ان الروح القدس هو الاقنوم الثالث من الثالوث وانه مساوى للاب والابن واكملوا قانون الايمان من عباره نعم نؤمن بالروح القدس حتى نهايته وحياه الدهر الاتى امين
وكانت نهايه مقدونيوس انه حرم ونفى إلى مكان يدعى بيلي فشاخ هناك ومات. إلا أن بدعته استمرت بعد موته، وكان أخص القائمين بنشرها تلميذه مارانتينو أسقف نيقوميدية وامتدت بدعته في أديرة كثيرة للرهبان وانتشرت في تراقيا وبيثينية وكان العامة يدعون أتباع مقدونيوس “أعداء الروح القدس”.
القرن الرابع | العصر الذهبي |
|
|
المجامع – البدع – الهرطقات | |||
تاريخ الكنيسة القبطية |