بدعة ماني

 

ولد سنة 239م و هو من الذين قاومهم البابا مكسيموس البطريرك السكندرى.  كان ابا للمانين ودعى كذلك لانه نسب الى ذاته لقب البارقليط وكان اسيرا فى بلاد فارس فلما عتق من هناك تبنى لعجوز انفقت على تعليمه بين المجوس فدرس علومهم وفنونهم فكان فلكيا (ولو انه غير متعمق) ومصورا و طبيبا و فيلسوفا و لكنه لم يضع حدا لمخيلته فتوسع فى تصوراته للغاية.
وبعد ان صار مسيحياً اراد ان يقرن مبادئ المجوس والمسيحين معا وطفق يبث “ضلاله”سنة268م.  واتماما لغرضه شرع يذيع بان المسيح ترك عمل الخلاص ناقصاً وانه هو البارقليط وكان فى اول امره يتباهى بكونه مسيحياً ويفسر الاسفار المقدسة ويجادل اليهود والوثنين وبعد سقوطه فى خطية الهرطقة اتخذ لنفسه اتنى عشر تلميذا واثنين و سبعين اسقفاً ممثلا المسيح وتحت كل اسقف قسوس وشمامسة و ارسلهم الى بلاد المشرق باسرها حتى الهند و الصين ليذيعوا تعاليمه فانخدع كثيرون بغوايته و تتلمذ له عدد عظيم. 
ثم انكب على السحر خاصة ولكى يكتسب شهرة اخذ يعالج ابن ملك الفرس الذى كان الاطباء قد عجزوا عن شفائه فمات الصبى تحت يده ولذلك القى فى السجن وحكم عليه بالموت ولكنه رشى الحراس فمكنوه من الفرار وذهب الى فلسطين حيث قاومه احد الاساقفة وانكر عليه تعليمه وطرده خوفا من ان يضل الشعب فذهب الى العربة فشعر به ملك الفرس وارسل وقبض عليه وسلخ جلده حيا برؤؤس القصب ثم سلم جسده للوحوش وحشا جلده تبنا وعلقة على باب المدينة.
وبعد موته تهيج اتباعه عوضاً عن ان يخافوا فطاف اقدرهم وافصحهم فى سوريا وفارس ومصر وافريقيا واكثر اماكن العالم وبصرامة ادابهم وبساطة ديانتهم تلمذوا فى كل مكان تلاميذ ومع كل الاضطهاد الذى ألم بهم نسلهم باق الى الان فى الجبال بين فارس والهند.
اما غوايات مانى فيوضحها احسن ايضاح موسهيم المؤرخ فروى انها كانت مؤلفة من تعاليم المسيحية وفلسفة الفرس القديمة التى تلقنها فى مدارسهم وهو صغير. وما تكلم به الفرس عن ملكهم ميثراس تكلم به مانى عن المسيح، فعلم انه يوجد لكل شئ مادتان الواحدة نور والاخرى ظلمة و للاثنين ربان رب النور سمى الله ورب الظلمة سمى الشيطان وكلاهما متضادان فى الطبيعة والاميال ولان اله النور سعيد فهو رحوم مجسن ولان اله الظلمة شقى يسعى ليجعل الغير اشقياء وكل واحد منهما اوجد طائفة كبيرة من نسله على شكله و وزعها فى مملكته
واستمر اله الظلمة مدة طويلة لا يعلم بوجود نور او اله له ولكنه شعر بذلك من حرب حدثت فى مملكته فحاول ان يستولى على اله النور فعارضه هذا بجنوده غير ان قائدهم المدعو الانسان الاول لم ينجح و تمكن جنود الظلمة من اخذ جانب عظيم من العناصر السمواية و من النور ذاته الذى هو مادة حيوية فمزجوها بالمادة الفاسدة فقام من جنود النور قائد اخر يسمى بالروح الحى و مع انه نجح كثيرا الا انه لم يتمكن من تحرير مادة النور التى مزجت بالعناصر الرديئة
وبعد ذلك اوجد اله الظلمة ادم وحواء فكل مولود من هذا المزيج قائم بجسده من المادة الفاسدة و بنفسين احدهما شهوانية من اله الظلمة والاخرى عقلية خالدة لانها من النور الالهى، ولما صنع رئيس الظلمة الناس من عقول غطاها بالاجساد خلق اله النور بواسطة الروح الحى ارضنا هذه من المادة الرديئة وجعلها مسكنا للجنس البشرى و وسيلة لتمهيد طريق تخليص النفوس تدريجيا من اجسادها وافراز الجيد من الردى.
ثم اخرج الله بعد ذلك من نفسه كائنين عظيمين وهما المسيح و الروح القدس لاعالة النفوس المغشاة بالاجساد فالمسيح هو الشخص الذى يدعوه الفرس ميثراس و هو مادة سامية جدا من انقى نور الله واجبة الوجود حيوية فائقة الحكمة مسكنها الشمس وكذلك الروح القدس مادة حيوية براقة منتشرة فى كل الجلد المحيط بارضنا يدفئ نفوس البشر و يبهجها ويجعل الارض مثمرة ويخرج منها تدريجا نطفات النار الالهية المنتشرة وينهضها حتى ترجع الى عالمها التى اتت منه. 
وبعد ان انذر الله طويلا النفوس المحبوسة فى الاجساد بواسطة ملائكة واناس علمهم مشيئته ارسل اخيرا المسيح ابنه وانزله من الشمس الى عالمنا هذا لكى يسرع برجوع الناس الى وطنهم السماوى فظهر المسيح بين اليهود صورة و ظل جسد انسانى لا جسدا حقيقيا واعلن لهم الواسطة الوحيدة لخلاص النفوس من اجسادها و برهن على لاهوته بعجائبه ولكن اله الظلمة اغوى اليهود ليصلبوه و لما لم يكن له جسد لم تؤثر عليه الالام ولكن اليهود حسبوه صلب فرجع المسيح الى الشمس مسكنه الاول بعد ان ترك تلاميذه لتعليم الناس ديانته و وعدهم بارسال رسول اعظم يفصح عن حقائق اسمى و هو البارقليط الذى كان يدعى مانى انه هو.
والذين يؤمنون بالوهية المسيح ينبغى ان لا يعبدوا اله اليهود و هو اله الظلمة و ان يطيعوا شرائع المسيح التى اوضحها مانى و يقاومون بثبات شهوات النفس الشريرة و هكذا يتخلصون شيئا فشيئا من مادة رئيس الظلمة الفاسدة. غير ان كمال التطهير لا يفوز به الانسان فى هذه الحياة بل بعد الموت يحصل للنفس تطهيران الاول بالماء المقدس الموجود فى القمر و يلبثون فيه خمسة عشر يوما و الثانى بالنار المقدسة الموجودة بالشمس وهذه تطهرهم تماما اما الاجساد فتنحل الى عنصرها الاصلى.
اما النفوس التى تهتم بالتطهير فتسكن بعد الموت اجساد البهائم و البشر حتى تطهر و الاكثر انحطاطا يسلمون للارواح الشريرة المقيمة فى جلدنا ليعذبوا زمانا ما وحين تتحرر اكثر النفوس وترجع الى عالم النور فحينئذ يامر الله فتخرج نار جهنم من مقرها وتحرق وتلاشى العالم وبعد ذلك يرغم رئيس الظلمة وجنوده على الرجوع الى مقرهم الاصلى و يدومون فيه فى حال الشقاوة و يحاطون بحرس قوى من النفوس التى يئست من خلاصها حتى لا يقووا على محاربة اله النور ثانية.
ولكى يجعل مانى سبيلا لقبول مبادئه رفض اكثر العهد الجديد معتقدا بانه حرف عن اصله ولاسيما العهد القديم الذى كان يعتبره من انشاء اله الظلمة الذى كان يعبده اليهود و وضع انجيلاً دعاه “ارتن”مجاهرا بانه موحى به اليه من الله ثم وضع لتابعيه عيشة صارمة فامرهم بممارسة كل ما يضعف الجسد الذى هو عمل رئيس الظلمة وقسم تابعيه الى قسمين المختارين الذين ينبغى ان يتمتعوا من اللحم والبيض والحليب والسمك والخمر وكل انواع المسكرات و الزواج و كل تمتع ناتج من مخالطة الذكور و الاناث و السامعين و قد صرح لهم بامتلاك البيوت وباكل قليل من اللحم والتزوج بنساء ويغلب ان المختارين هم الاساقفة والشمامسة والعلمانين هم السامعون.

ويقول الاباء ان مانى هو الذى كان يتنبا عنه الرسول بولس بقوله”ولكن الروح يقول صريحا انه فى الازمنة الاخيرة يرتد قوم عن الايمان تابعين ارواحا مضله و تعاليم الشيطان مانعين عن الزواج و امرين ان يمتنع عن اطعمة قد خلقها الله لتتناول بالشكر”-1تى4 :1-3

فاصل

بدعة بولس السيمساطي

القرن الثالث العصر الذهبي

بدعة هيراكس

المجامع – البدع – الهرطقات
تاريخ الكنيسة القبطية

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى